الانطوائيه٢

في صباح يوم جديد
تنظر شذا من شرفة غرفتها للسماء، وهى تسترجع ذكريات طفولتها المؤلمة، فهى مازالت تعانى من ويلاتها، فأثارها أصبحت كالقيد الذى يكبل يديها وقدميها؛ فبسبب تلك الذكريات أصبحت شبه انثى- ناقصه- فبالرغم من جمالها الأخاذ، وقوامها الممشوق، وأنوثتها الطاغية، إلا أنها لا تشعر بالكمال؛ فالخوف وعدم الثقة في الاخرين؛ جعلوها تفقد الأمان والثقة في نفسها..
FLASH BACK
(في سنتر للدروس الخصوصية)
..توجد العديد من الغرف، وفى أحدى الغرف، يشرح مدرس الرياضيات( خالد) الدرس لطلاب الصف الرابع الابتدائي، فكان خالد شاب حديث التخرج، أراد هو وأصدقائه عمل سنتر كبير يضمهم للعمل في مجال التدريس، فالتعليم اصبح تجارة مربحه للبعض، فلا يوجد عمل للشباب، في ظل الظروف الاقتصادية الطاحنة، فلابد من إقامة مشروع خاص، يؤهلهم لتكوين انفسهم للزواج ولعيش حياة كريمة.
مستر( خالد) وهو يشرح الدرس بالتفصيل، وبجميع الطرق التعليمية، حتى يفهم التلاميذ الدرس بسلاسة ويسر:
- هاا يا سنه رابعة، فهمتوا الدرس كويس؟ في أي أسئلة؟ في حاجه مش مفهومه؟ طيب تمام اشوفكم الحصه اللِ جاية، استني عندك يا شذى، عاوزك في حاجه مهمه، تفضلوا انتوا ومتنسوش الحصه اللِ جاية، الساعة خامسة بالدقيقة، متتأخروش.
شذى باستغراب، فماذا فعلت حتى يستدعيها المدرس لوحدها؟ هل أخطأت بشيء ما؟ قائلة:
- ايوه يا مستر، في حاجه؟
مستر خالد بابتسامه صفراء خبيثه، وهو يُعاينها من أعلاها لأسفلها:
- مالك ياشذى، واقفه بعيد ليه! قربى منى، هو أنتِ خايفه منى.
شذى بابتسامه بلهاء، تنم عن سذاجة طفله بريئة:
- لا يا مستر هخاف ليه، دا أنا بدأت أحب الرياضيات من ساعه ما أخدت درس عند حضرتك، احنا بنحبك أوي يا مستر.
مستر( خالد) وهو ينظر لشذى بنظرات شهوانية، ويحثها على الأقتراب منه:
-هو في حد بيحب حد، ويقف بعيد عنه، قربي مني متخافيش، هووووب.
شذى بخوف وتوتر، فلا تعلم ماذا يحدث:
- أييييه دا يا مستر، مقعدني على رجلك لييه! عيييب كدا.
مستر خالد وهو يتفرس ملامح شذى، وينظر لجسمها الطفولي بشهوة عارمه، ويقول بهمس يشبه فحيح الثعبان:
- انتِ جميله اوى يا شذى.
شذى وهى مصدومة من مُعلمها، وهو يحرك يديه على جسمها، بطريقه مقززه:
-عييب كدا يا مستر، نزل ايدك، ابعد عنى.. ابعد عنى.
..لم أشعر بنفسي إلا وأنا أدفع المستر بكل قوتي، وأجري بأقسى ما أستطيع للخروج من السنتر، وكنت مش قادره أتنفس من الخوووف، ماكنتش فاهمه هو عمل ايه! بس كل اللِ حاسة بيه، أن دا غلط، فضلت أفكر وأنا في طريقي للبيت، أعمل أيه؟ أقول لماما، ولا ممكن تزعقلى؟ ولا ممكن المستر يعرف ويضربني، كان الخوف متملكنى، جلست على المائدة وأنا أشعر بالخوف، ماذا أفعل؟ وعند الانتهاء من وجبتي، ذهبت لغرفتي وأنا أفكر، وأثناء ذلك وجدت أمي كعادتها، تدخل غرفتي لتسألني عن يومي ودراستي.
..منى وهى تجلس بجوار شذى على طرف السرير:
- عملتي ايه يشذى في درس النهارده؟ فهمتي يا حبيبتي.
..شذى بسرحان قائلة:
- هاا ااه فهمت، بصي يا ماما، انا مش عاوزه اروح الدرس دا تانى.
..منى وهى تضع يديها على رأس شذى وتملس عليها:
- ليه يا حبيبتي؟ دا مستر شاطر أوي، والكل بيشكر فيه، وأنتِ مستواكِ في الرياضيات اتحسن أوي.
..شذي بخوف ورعشه، ولا تدري ماذا تقول لأمها؟ حتى لا تسمح لها بالذهاب الى هناك مرة أخرى قائلة:
- أصل.. أصل أنا بخاف منه.. والنبى يا ماما مش عاوزه أروح هناك تانى، أرجوكِ وحياتي عندك.
..منى وهى ترى رجفة أبنتها، وخوفها الذى يظهر على ملامحها، ودموعها تنهمر قائلة:
- بتعيطي لييه، خلاص هوديكى عند مدرس غيره؛ بس ايه اللِ حصل؟ ليه خايفه، هو ضربك؟! عملك اى حاجه؟! قوليلى يا حبيبتي ماتخافيش.
شذى ببكاء شديد يقشعر منه الابدان:
- هقولك، بس ماتقوليش لبابا، أوعديني.
منى بقلق وخوف، فحالة ابنتها؛ لا تطمئن:
- اتكلمي يا حبيبتي، وأنا مش هقول لبابا، بس بلاش عياط، وفهميني واحدة.. واحدة.
شذى وهى تسرد لأمها ما حدث بالتفصيل، وهى ترجف من الخوف:
-اللِ حصل انه بعد ما الحصه خلصت، قالي انه عازوني في حاجه، ومشى أصحابي وبعدين قعدني على رجله، وكان بيمشى ايده على جسمي بطريقه مش كويسه، وانا خوفت وزقيته، وخرجت بسرعه، والله ياماما انا معملتش حاجه، انا خايفه أوي.
منى وعيونها جاحظه من هول ما سمعت، ولا تصدق ما حدث، أيعقل أنه يوجد مُعلم بهذه البشاعه؟! قائلة:
- أنتِ بتقولي ايييه! الحيوووووا*ن، دا مجر*م، انا لازم اقول لأبوكي، دا انا هكله بسناني.
شذى والرعب قد تملك منها، فماذا سيفعل بي أبى عندما يعلم؟ قائلة:
- لااااا لااا.. بابا لأ، اكيد هيضربني، وممكن المستر يضربني؛ لما يعرف انى قولت لبابا.
منى وهى تحاول تهدئتها، وطمئنتها:
-متخافيش ابداً انتِ فاهمه، ابوكى دا هو اللِ بيحميكى من الرجالة الاوسا*خ، اوعى تخبى أي حاجه عنه أو عنى، ومتخافيش من أي كائن.
.. وفعلاً عندما جاء أبى للمنزل، أخذته أمي لغرفتهم، ولكن فضولي لأعرف ماذا سيفعل والدى، عندما يعلم؟ جعلني اذهب واسترقى السمع؛ لكن اللِ حصل بعد لما ماما قالت لبابا صدمني.
مصطفى بصدمه لم يكن يتخيل أن يحدث هذا لأبنته:
- انتِ بتقولي اييييه! الكل*ب، خلاص البنت مش هتروح تانى الدرس دا، وانا هجبلها مدرس هنا في البيت، وتكون تحت عنينا.
منى بتعجب وسخريه؛ من موقف مصطفى:
بس كدا! دا انا قولت انك هتطحنه ضرب، ومش بعيد نبلغ عنه؛ علشان مايعملش كدا في بنات الناس تاني.
مصطفى بصوت مرتفع، وهو يحذرها من البوح بهذا الأمر:
-انتِ اتجننتي! عاوزه تفضحي بنتك، قدام الجيران وأقسام الشرطة، ربنا سترها ولطف بينا، نيجي أحنا ونفضح نفسنا.
منى وهى ترى أن وجهه نظره قد تكون صحيحه، ولكن حق ابنتها أين؟ كيف تصمت عن حق أبنتها؟ قائلة:
- بس...
مصطفى بغضب، مقاطعاً حديثها:
- قفلي على الموضوع دا، مش عاوز اسمعه تاني.
.. كنت بسمعهم وانا ببكي، وحاطه أيدى على فمي؛ علشان مايعرفوش اني سمعتهم، كان نفسي بابا يضربه؛ علشان مايعملش كدا تانى؛ بس للأسف، حسيت ان بابا خايف، بس ياترى خايف من المستر؟ ولا من مييين؟ مش عارفه، كل اللِ اعرفه ان الناس برا وحشه اوى، وانا لازم ابعد عنهم.
Back
..تدخل منى غرفه شذى، وتظل تتحدث معها؛ ولكن لماذا لا ترد شذى، على سؤالي؟
منى وهى تنادى على شذى وهى أمامها، فهى في ملكوت آخر، بعيداً عنها:
-شذا شذااااااا.. مالك يا بنتى؟ أنتِ سرحانه في ايه؟
..شذى وهى تنظر لامها بدهشه، فمتى أتت لغرفتي؟ ألهذه الدرجة، لم أشعر بما حولي؟! قائلة:
-هاا لا ولا حاجه، عاوزه ايه يا ماما؟
..منى وهى تحاول إقناع شذى بقبول العريس، وذكر صفاته، التى تتمناها كل فتاة:
- انا عاوزه افهم انتِ مش موافقه على العريس ليه؟! مش يمكن يعجبك، ده انا اسمع من ابوكى، انه صغير في السن، ووسيم ومحترم، وغنى اوى وهيسعدك يا بنتي، دا ألف بنت تتمناه.
..شذى وهى تتأفف، لماذا أمها لا تشعر بها؟ ألا تعلم بحالتها؟ لماذا لا تتركها و شأنها؟ متى ستفهم ذلك؟ قائلة:
-يا ماما افهمينى، انا مش برفضه هو، انا اصلا معرفهوش علشان ارفضه، انا برفض المبدأ نفسه، انا مش عاوزه اتجووووز.
..منى وهى تجلس على السرير، وتقوم بطي الملابس التي احضرتهم من حبل المنشر، وتحاول أقناع شذى بالجواز من فهد بكل الطرق؛ فهى مصممه على ذلك، فمن يرفض فهد الفيشاوى؟ قائلة:
- لو على الكُلية؛ متخافيش أكيد هتكملي دراسة وانتِ في بيت جوزك، مش هيحرمك من التعليم، هو انسان مثقف.
شذى بصوت مرتفع يهز أرجاء المبنى:
-يا ماماااا ارحموني، مش عاوزه اتجوز، أغنيها يمكن تفهموا.
منى بغضب من تصرفات شذى الطفولية، وصوتها المرتفع:
-اتكلمي عدل، ايه قلة الأدب دي، انتِ اصلك مدلعه، اخر كلام؛ بكرا هما جاييين يشوفوكي، وهتقعدي معاهم، والا والله لأكون مربياكي من اول وجديد، انتِ فاااااهمه، بنات عاوزه كسر رقبتهم.
شذى ببكاء شديد، وتتحدث الى نفسها قائلة:
-هما ليه مش عاوزين يفهموني.. أناااا بخاف من الرجالة، افهمهم أزاي يا ربي؟!
مصطفى وهو يسمع صراخ زوجته، وهو يفتح باب المنزل:
-مالك بس يا منى؟ صوتك جايب لآخر السلْم، بتتخانقي مع مين؟
تنفعل منى من موقف أبنتها من الزواج، فلماذا لا تريد الزواج:
-بنتك هتجنني، قال ايه مش عاوزه تتجوز! ياريت كان رفضها ان العريس مثلا فيه عيييب؛ لكن دي مش عاوزه تتجوز اصلاً.
مصطفى وهو يحاول تهدئتها، فهو يرجع سبب رفض ابنته من الزواج؛ هو عدم فهمها لصغر سنها:
- براحه عليها دي لسه صغيره، ومش فاهمه فهميها بالراحه.
- ماشى يا مصطفى، هحاول تانى معاها، بس قولي رديت ايه على فهد باشا.
- ابداً قولتله يتفضلوا يشرفونا يوم الخميس، ولو في نصيب، ربنا يتممه على خير.
..تدخل كريم فى الحوار، وهو يجلس على الأريكة ويضع إحدى الرجلين على الأخرى ، ويستند بظهره على الأريكة قائلاً:
- مش المفروض تاخدوا رأيي في الموضوع، ولا أنا كرسي في البيت.
- وأنت مالك مش ابوها عايش، لما أموت ابقى اتولى أنت مسئولية البيت، غور من وشي روح شوف مذاكرتك، بدل السهر على التليفونات مع بنات الناس، أتلم أنت عندك اخت.
- يوووه أسطوانة كل يوم، يا ماما مش أنا ابنكم الكبير ولازم يكون ليه رأى في جوازة أختى، مش يمكن العريس مش كويس.
- مش كويس! دا يشتريك أنت وأبوك، غوور من وشي، ادخل ذاكرلك كلمة تنفعك.
كريم وهو ينظر لهم بغيظ، ويدخل غرفته، ويقفل الباب بغضب:
- هما عليهم عفريت اسمه ادخل ذاكر، ايه القرف دا، وانا مضايق نفسي ليه اصلاً! أنا هكلم المزه الجديدة.. جايلك يا ميرووو.
(في اليوم الموعود)..
كان يقف فهد أمام المرآه، وهو يهندم ملابسه، ويربط ربطة العنق، ثم وضع عطره؛ فهى ماركة عالمية، ثم قام بتصفيف شعره، وظلت أمه تراقبه في صمت حتى انتهى.
شهيناز هانم:
- بسم الله ما شاء الله، زي القمر يا فوفا.
فهد بابتسامه هادئة، وهو يلتفت لأمه:
-دي عينيكي اللِ حلوة ياست الكل، بس بلاش اسم فوفا، انا كدا هتفضح، بقااا فهد باشا اللِ بيترعب منه ألف شنب، وبيعملوا ليه الف حساب يتقالوا فوفا.
..شهيناز وهى تضحك بصخب من كلام فهد:
- بعد الشر عنك من الفضيحة، هو أنا أقدر أقل منك، انا بقولك فوفا، لما نكون مع بعضنا.
..فهد وهو يتذكر أبيه ويشعر بالحزن؛ لعدم وجوده معهم، فكان يتمنى ان يكون الآن معه، وهو يتقدم للجواز:
-كان نفسى بابا يكون معانا النهارده؛ وانا رايح اخطب.
شهيناز وقلبها يتمزق من فراق زوجها، فهى كانت في أشد الحاجه له؛ لحضوره معهم في هذا اليوم، فهو يوم يتمناه الأبوين منذ ولادة طفلهما:
- وأنا والله يا بنى، فرحتنا مابتكملش الا بيه، بس عمك طمني النهارده على حالة ابوك، بيقول ان الدكاترة في لندن طمنوه على حالته، وبيقولوا في تحسن في صحته.
فهد وهو يتمنى وجوده مع أبيه في لندن؛ ليظل بجواره في مرضه:
- لولا ان بابا اجبرني، أني ادير الشركات، كان زماني معاه دلوقتى.
- انا عارفه انك مش بتحب عمك، بس علشان خاطر ابوك اتعامل معاه كويس، كفاية انه شايل ابوك في مرضه هناك، وانا ان شاء الله أول لما اطمن عليك، هسافر لابوك.
فهد وهو ينظر لأمه، ويضع يده تحت خده، ويسند كوعه على أيدى الأريكة قائلاً:
- يارب يرزقني بنص حبكم لبعض، ربنا يديمكم في حياتي ويطول في عمركم.
- ويديمك في حياتنا يا حبيبي، يلااا بقااا احنا تأخرنا على العروسة، عيب كدا مش من أولها.
..طبعا مستغربين انا بكره عمى ليييه؟! بسبب علاقاته النسائية اللِ مش بتخلص، هو راجل رمرام مش متجوز، بيعتبر ان الستات عباره عن فواكه، ولازم يدوق كل فاكهه، فمش معقول يتجوز ويفضل طول عمره مع فاكهه واحدة بس، لازم يدوق كل صنف ولون، انا وصلت لدرجة بخاف اسيب أمي معاه لوحدهم، لازم اكون أنا موجود أو بابا معاهم، دا راجل زير نساء.
ترن ترن ترن
..فتح مصطفى الباب، فوجد فهد وامه شهيناز على الباب، حاملين معهم علب من الجاتوهات والتورت وباقه من الورد:
- اهلاً اهلاً.. شرفتونا اتفضل يا فهد باشا، اتفضلى يا هانم.
..قامت منى ايضاً بالترحيب بهم:
- شرفتونا ونورتونا، اتفضلوا اهلاً وسهلاً.
..ابتسم فهد ونظر اليهم، وهو يرد لهم تحيتهم وحسن استقبالهم له ولامه:
- البيت منور بأهله.
قدم مصطفى ابنه كريم لفهد؛ ليتعرف عليه:
-دا بقااا ابنى الكبير كريم، في رابعة كُلية تجارة.
..فهد ببتسامه وهو يمد يده للسلام عليه:
-تشرفنا يا أستاذ كريم.
..كريم وهو يحاول ان يظهر بمظهر الابن الكبير الناضج:
- الشرف ليا انا، اتفضلوا اقعدوا واقفين ليه!
مصطفى بصوت منخفض لمنى:
- ادخلي يا منى اندهي على شذى؛ علشان تسلم عليهم.
- حاااضر، عن اذنكم يا جماعه، البيت بيتكم.
منى وهى تدخل على ابنتها غرفتها، ولكن تفاجأت من خوفها:
- مالك يا بت وشك اصفر كدا ليه، هما هيقتلوكي!
شذى ببكاء وخوف:
-والنبي يا ماما مش عاوزه اطلع، أنا خايفه أوي، انتوا للدرجادى عاوزين تخلصوا منى.
..منى وهى تحضن شذى، وتربت على ظهرها، وتحاول أظهار حبها لها، وأفهامها بأن ذلك هو سنة الحياة؛ فهى فطرة خلقنا بها؛ من أجل أعمار الارض:
-يا عبيطة نخلص منك دا ايه! دي أنتِ فرحتنا، هو في بنت في أدبك وجمالك وشطارتك، احنا عاوزين نفرح بيكي، نفسنا نشوفك بالفستان الابيض مع عريسك، دا اليوم اللِ بيتمناه أي أب أو أم، ربنا قال في كتابه الكريم {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}
- بس انا خايفه اوى يا ماما، والنبي يا ماما ماتسيبينى، خليكي جانبى.
- ماتخفيش هكون دايماً جنبك، يلا الناس براا ظبطى نفسك كدا، زي القمر يا حبيبتي يلااا بينا.
..وانا بتكلم مع مصطفى ببص لقيت حوريه من الجنه بتقرب علينا، كانت ملاك بفستان ابيض منقط بأحمر وحجاب أحمر، وعينيها يخبلوا وهما متكحلين.
مصطفى وهو يقترب من شذى، ويمسك يدها:
- عروستنا شرفت، سلمى يا شذى على شهيناز هانم.
.. وانا بقرب منهم كان قلبي هينخلع من مكانه، ومش قادره اتنفس، كنت مش قادره ارفع راسي وعينيا كانت في الارض من كتر الكسوف والخوف، سلمت على طنط شهيناز.
- ودا بقاا فهد باشا، سلمى يا شذى.
.. مقدرتش امد أيدى واسلم عليه، كل اللِ قدرت اعمله اني اهز راسي ليه واقعد جنب ماما.
..غريبه دي ماسلمتش عليا! يا دوبه هزت راسها وقعدت جنب امها، للدرجادى مكسوفه ولا بتمثل الخجل، احم احنا النهارده زورناكم انا ووالدتي؛ علشان جاي اتقدم لكريمتكم، كان نفسى والدى يكون معايا بس زي ما انت عارف يا باشمهندس مصطفى انه بيتعالج في لندن.
-ربنا يشفيه ويرجعهولنا بالسلامة، احنا نتشرف بيك يا فهد باشا، بس الاصول بتقول نأخذ رأي العروسة ولا ايه؟!
-اه طبعا دا حقها، بس ممكن اطلب طلب، ممكن اقعد معاها لوحدنا؛ علشان نتعرف على بعض.
-طبعاً من حقكم تتعرفوا على بعض، يلا بينا يا جماعه نطلع ونسيب العرسان.
منى وهى تخرج من الصالون، ومعها أم فهد:
-اتفضلى معايا يا شهيناز هانم، دا انتِ شرفتينا والله.
شذى امسكت أيدي أمها، وبصوت منخفض:
- ماتسيبنيش لوحدي، أرجوكِ.
منى بصوت منخفض، وأقتربت من أذنها قائلة:
- ماتخفيش هنقعد في الصاله قدامك، والباب مفتوح متقلقيش.
.. أول لما ماما سابت أيدى ومشيوا كلهم، غمضت عيني وميلت راسي لتحت من الخوف.
.. ازيك يا أنسه شذى.. أنتِ مش بتردي ليه؟! اممم طيب اعرفك على نفسي، انا فهد الفيشاوي واخد دكتوراه في الهندسة، عندي 29 سنه، ماسك اداره شركات والدى، وانا الابن الوحيد ماعنديش اخوات، ممكن تكلميني عنك.
..بصوت منخفض يكاد يكون مسموع:
-اشمعنا أنا.
فهد باستغراب:
- مش فاهم؟!
شذى بتوضيح:
- ليه اتقدمت ليا.
- ااه بصي، أنا مش هكذب عليكي واقولك اني بحبك، انا ما شوفتكيش غير مرة واحدة؛ بس شوفت انك مناسبه ليا، واكيد لو حصل نصيب يمكن احبك، ولو ما حصلش حب أكيد عمري ما هظلمك معايا، ماتخفيش من النقطة دي.
-انا في تانيه كُلية الألسن، وعندي 19 سنه، مفيش حاجه تانى ممكن اقولها.
- واو كُلية الألسن، أكيد بتحبي اللغات، بتعرفي لغات ايه؟
-انجليزى وفرنسي وايطالي.
فهد بأعجاب شديد؛ فهو يعشق اللغات:
- دا أنتِ شاطره بقااا، بس ممكن أسألك، هو انتِ مغمضة عنيكي ليه، للدرجادى انا مش حلو وبخوف.
.. فتحت عيني ببطيء، ورفعت عيني ناحيته، لكن خوفت منه؛ دا عينيه زرقا وانا بخاف من العيون الزرقا!
.. اول لما رفعت عنيها وشافتني حسيت للحظه بخوفها منى؛ لدرجه شكيت في نفسي اني بشع، احم هو في حاجه؟! مالك خايفه ليه؟!
شذى بلجلجة وخوف:
-أصل.. أصل عينيك زرقا.
فهد بعدم فهم:
- اه عينيا زرقا، ايه المشكلة؟
- انا بخاف منهم، لو سمحت ممكن تغمض عينيك لثواني بس.
فهد في نفسه:
- هى دي عبيطة ولا ايه! حاضر هغمض.
.. لما غمض عينيه؛ فضلت أعاينه وأشوفه كله على بعضه؛ لقيته وسييم بس الحلو مابيكملش عينيه تخوف.
-هاا افتح عيني، ولا استنى شويه.
- فتح عينك.. عن اذنك، وخرجت بسرعه على اوضتي.
.. أول لما فتحت عينيا؛ لقيتها بتجري، بصراحة اندهشت من تصرفها، مش ممكن يكون عندها تسعه عشر سنة، دي بالكتير عندها عشرة وفي الحالة دي هبقاا كارمها.

شعر مصطفى بالحرج الشديد من تصرف شذى الطفولي:
- معلش يابنى هى بس خجولة أوي، ماتأخذناش.
- لا ابداً مفيش حاجه، هستنى ردك، ياريت يكون في اقرب وقت، مع السلامه.. يلااا يا ماما.
- ما لسه بدري، مستعجلين ليه!
- معلش ورايا شغل، عن أذنكم.

..منى وهى في غاية الخجل من فهد وأمه، فأبنتها وضعتهم في موقف لا يحسدوا عليه، وتساءلت بماذا سيفكرون في ابنتها:
-يادي الكسوووف، البنت دي ما تسترش أبداً! هنعمل أيه يا مصطفى دلوقتي؟!
-ادخلى شوفي رأيها أيه؟ خلينا نخلص.
.. دخلت لشذى الغرفة، وجدتها تجلس على السرير وهى تستند ظهرها للخلف، وتضم رجليها لصدرها فسألتها قائلة:
- جريتي ليه يابت كسفتينا، حصل ايه؟ أتفاجأت من إجابتها، انتوا لو مكاني اكيد هتنجلطوا، البنت دي أكيد مش طبيعية، يا شماتت أبلة ظاظا فيااااا.

- أنااا خوفت منه أوي يا ماما، دا عينيه زرقا، حسيت انه مصاص دماء؛ وهيمص دمي.

-عوض عليا عوض الصابرين ياااارب، انتِ متأكدة انه عندك 19 سنة، ولا 9 سنين، المهم سيبك من دا كله، أيه رأيك فيه؟

شذى وهى تزفر بقوة، فكم مرة سوف تقولها؟ الا يفهمون:
- يا ماما كام مرة هقولك المشكلة مش فيه هو، المشكلة فيا أناا، انا مش عاوزه اتجوز.
-بصي يا حبيبتي لو فرضنا انك ماتجوزتيش عارفه هيحصل ايه؟!
- ولا حاجه طبعاً، هكون مبسوطة وسعيدة.

.. جلست منى على السرير بجوارها، وهى تربت على أيدي شذى، وتبتسم ابتسامه هادئه وهى تقول لها:

- تبقى عبيطة لو بتفكري كدا، أول حاجه أخوكي لما يتجوز؛ مراته هتعايرك وتقولك يا عانس، ومش بس كدا دا لما تخلف، هتخاف لتقربي من ابنها؛ لتحسديه لانك معندكيش عيال، والناس هيطلعوا عليكي كلام مش كويس، في اللِ هيقول اكيد غلطت مع حد، علشان كدا مش عاوزه تتجوز، وفي اللِ هيقول من كتر عرسانها بارت، ولما تكبري هتكوني وحيدة؛ لأني مش هعشلك انا وابوكى كتير مسيرنا هنموت ونسيبك لوحدك، نفسنا يا حبيبتي نجوزك ونطمن عليكى.. اسمعي كلامي احنا عاوزين مصلحتك.
- ماشي يا ماما اللِ تشوفيه، انا موافقة.

منى بفرحه عارمه وهى تقبل شذى، وتحضنها:
- ايوه كدا بنوتي شطورة، ربنا يتمملك على خير يابنت بطني.
.. ظل مصطفى منتظر رجوع منى اليه بالاخبار، فهو يشعر بالقلق من رفض شذى لفهد، فكيف سيواجهه وهو صاحب الشركة التي يعمل بها؟ وعندما رأى منى تفتح باب غرفته، سألها قائلاً؟
- هاا قالتلك ايه؟
منى وهى ترقص حاجبيها، والسعادة تملئ قلبها:
- موافقه يا صفصف.
.. لاحظت شهيناز ان ابنها يقود السيارة وهو شبه مغيب، فلم ينطق بكلمة واحدة طوال الطريق، وتساءلت هل قام بتغيير رأيه في العروسة؟ أم هناك موضوع آخر يشغله؟! وقررت ان تسأله لتقطع الشك باليقين:
- مالك يا فهد ساكت ليه؟ من ساعة ما نزلنا من عندهم وأنت ما تكلمتش ولا كلمة.
- مش عارف يا أمي، العروس دي غريبه أوي، تحسي كدا انها طفله في ابتدائي، مع انها حلوه أوي وصوتها وعينيها يخبلوا؛ بس لما اتكلمت معاها لخبطتني، مابقتش عارف اذا كانت ناضجة ولا طفلة، أنتِ أيه رأيك؟
- أنا شايفة أن أهلها كويسين أوي وطيبين، أنت عارف اني مش بهتم بالفلوس، اهم حاجه عندي الاشخاص نفسهم، والبنت حلوه أوي ومؤدبه، هى بس خجولة بزياده، ياريت تكون من نصيبك، عارف يا بختك بيها، شكلها خام ودا المطلوب مش كدا؟
فهد بسرحان، وهو يؤكد على كلام أمه:
- عندك حق، المهم انها خاااام.

ياترى هتتعامل شذى مع فهد أزاي؟ وهو هيتقبلها ولا لأ؟ ياترى مخبيالك الدنيا ايه يا شذى؟!
يتبع..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي