الفصل السابع و العشرون

أغمض عيناه يتلقى ضرباتها بصدرِ رحب، فهو يستحق أكثر من هذا لما قالُه لها، و حتى ضرباتها لم تؤلمه بمقدار ذرة، ظلت تُلكم في صدره بينما هي في احضانه، يعانقها بحنان إلى صدرُه مستنداً بذقنه على رأسها مغمضاً عيناه، حتى أُرهقت من كثرة الضربات فأنزل رأسه لها يقربها منه أكثر، لو كان بيدُه لكان جعلها تدلف لداخله، لقلبه، حيث مكان وجودها،يمسح على خصلاتها بحنان شديد مُحرراً إياهم من ربطتُها، أنزل رأسه لها يعانق وجهها بكفٍ واحد ينظر لوجهها شديد الأحمرار و عيناها المغمضة وأنفاسها المبعثرة علاوةً على شفتيها التي ترتجف، فهمس أمام شفتيها و هو شديد القرب منها، حتى تلامست شفاههما و هو يتحدث:
ـ ششش أهدي، أنا .. أنا أسف!

بكت بقهرٍ دون أن تصدُر صوتاً فدفن وجهها بصدرُه و هو يقسم أن الأم الذي أحدثه بقلبها بداخلُه أضعاف مضاعفة منه، قرب وجهها من عُنقه فبكت بألم وشفتيها تلتسم بشرتُه، و هو يمسح على خصلاتها بحنان، هو ضغط على جرح لديها بأقوى ما لديها، و هي التي ضدمت جروحه البارحة، تنهد بأسى يُقبل جبينها بحنان، فأستمع لها تهمس بألم وسط بكائها:
ـ أنت .. انت عُمرك ما هتحس بالإحساس اللي أنا ح .. حساه دلوقتي!! أنت متعرفش أنا قلبي .. قلبي واجعني أزاي!!

شدد على أحتضانها يقربها إلى صدره اكثر، ثم أبعد وجهها عن عُنقه ليتحسس بشرة وجنتيها الرقيقة بكفٍ واحدٍ و هو ينظر لعيناها المُغلقة يقول بندمٍ حقيقي:
ـ أنا أسف!

ثم أستند بجبينُه فوق مقدمة رأسها و أنقه ملتصق بأنفها، يستشعر بأنفاسها تدلف لرئتيه، يتحسس وجنته بحنان شديد ممسكاً بخصرها يقربها منه فقالت بنبرة جعلت نياط قلبه تتمزق:
ـ ليه بتعمل فيا كدا!، ليه بتوجعني و أنا عُمري ما وجعتك! ليه بتدوس عليا و ترجع تتأسفلي و كأن مافيش حاجة حصلت!

ضمها لصدرُه بحنو لا يعلم ماذا سيخبرها، ليظل يربت على ظهرها بحنان وكأنها طفلتُه، حتى شعر بها نامت باحضانه، نامت و كأنها طفلة أُرهقت من كثرة البكاء فخدلت إلى نومٍ عميق، أخذ نفساً طويلاً و هو يبعد وجهها عنه برفق، ثم طبع قُبلة سطحية ولكنها طويلة فوق شفتيها المرتعشتان، و كأنه تنفسها، قبلة بث فيها أعتذارُه لها، و حُزنه على ما حدث، ثم أبتعد عنها يعود و يدفنها داخله، مقرباً وجهها إلى عُنقه حتى نام جوارها هو الأخر و هي قابعة بأحضانه!

أستفاق صقر على طرقات هادئة فوق باب الجناح، فهدر بصوت عالي متضايقاً:
ـ أيوا!!

أسرعت دليلة تقول بهدوء:
ـ صقر بيه الفطار جاهز، تحب أدخلُه لحضرتك و لا تاكلو على السفرة!!

هتف صقر بحدة:
ـ هاتيه على هنا يا دليلة!!

ـ حاضر!
ثم أٍرعت تذهب من امام الجناح لكي تجلب الإفطاء لهم، بينما صقر نظر إلى سيلا التي لازالت نائمة و أبعد ذراعه عنها برفق و حذر لكي لا تجزع، ثم مال عليها يُقبل جبينها بحنان و خرج من الغرفة بعدما تأكد من تدثرها جيدا! فوجد دليلة تأتي بعربة الطعام عندما فتح البابـ أخذها منه و عاد يغلق الباب ثم عاد إلى سيلا، وضع عربة الطعام جانباً ثم أتجه إلى سيلا و مال عليها يقبلها من رأسها يقول برفق و هو يمسد على خصلاتها:
ـ سيلا! قومي يا بابا!

نفت برأسها تقول بهدوءٍ:
ـ لاء أنا هنام، مش عايزة أكل!

جلس جوارها ثم أمسك بكفها يقول بحنان:
ـ لا كفاية نوم، يلا قومي ناكل عشان لو مكالتيش مش هاكُل!

هزت رأسها بـ لا تُردف بضيق و هي تنظر له برجاء:
ـ لو سمحت يا صقر سيبني أنا مش عايزة أكل مش عايزة أعمل حاجة سيبني لو سمحت!

مسح على خصلاتها برفق و هو يقول بنبرة ليّنة و قد رق قلبه لها:
ـ لاء مش هسيبك غير لما تقومي تاكلي، قومي يلا و بعدين أرجعي نامي تاني لو عايزة!

و بالفعل جعلها تنهض ليخرجا خارج الغرفة ثم جلسا في بهو الجناح، فأشعل التلفاز لها على قناة المسلسلات التركية التي تحبها علها تبتسم و لو قليلاً، ثم وضع أمامها عربة الطعام و جلس جوارها يراقب محياها الباهتة و الذبول الذي يَطغى عليها، فشعر بالذنب أكثر و أكثر، كانت تأكل و هي صامتة شاردة دون نفسٍ تُذكر، حتى أنها لم تكن تنظر له و لو نظرة واحدة، فتنهد و هو يشعر بأن هناك لكماتٍ في قلبه عندما يراها بتلك الهيئة و هو يعلم أنه السبب في تلك الحالة التي هي فيها، أبتسم عندما رأى ذلك المسلسل التي كانت تقفز فرحاً البارحة فورما رأته، فأسرع يقول بحماس:
ـ سيلا ألحقي المسلسل بتاعك!!

لم تجيبه، حتى أنها لم تتكبد عبئ النظر إلى التلفاز، فقط كانت تأكل بضع لقيماتٍ صغيرة،و بعدما أنتهت تركته و خرجت من الجناح بأكمله، فزفر بضيق لا يعلم كيف سيخرجها من تلك الحالة، لم يجد حلاً سوى الخروج خلفها ليعلم أين سوف تذهب، و كما توقع وجدها تدلف لجناح أمُه، فتنهد بضيق شديد يمسح على وجهه بعُنف، سيكاد يجن لكي يُراضيها و يرسم تلك الأبتسامة على شفتيها! فأخذ مفاتيحُه و هاتفه و خرج من القصر، بينما هي دلفت إلى سيلين التي كانت جالسة تقرأ في كتابها العزيز، فأبتسمت لها فورما رأتها تقول بحنان:
ـ تعالي يا حبيبتي! فطرتي؟!

أومأت لها سيلا تبتسم لكي لا تشعر سيلين بشئ، فذهبت لها جالسة على الفراش أمامها، لتردف سيلين بعتاب خفيف:
ـ عايزة أفهم بقى سايبة جوزك ليه يا هانم!

أبتسمت لها سيلا تقول بهدوء:
ـ أصلُه مشغول شوية يا ماما!

أستغلت عدم وجود صقر لكي تناديها بأمي، فأبتسمت لها سيلين تقول و هي تربت على كفيها بحنو:
ـ سيلا!! عايز أتكلم معاكي شوية يابنتي، كلمتين كده كان المفروض أقولهم قبل الفرح كمان!!

أنصتت لها سيلا تقول بهدوء:
ـ أتفضلي يا ماما!!

تنهدت سيلين تقول بشرودٍ حزين:
ـ صقر شاف كتير أوي في حياته يا سيلا، شاف اللي خلاه صعب فعلاً يثق في حد، إذا كان من أبوه و لا من حد تاني، أنا مش عايزة أحكيلك حاجة هو بنفسُه محكهالكيش، عايزاه هو اللي يفضفضلك بكل حاجة، عارفة يا سيلا، صقر عُمره مـ كان بالقسوة اللي شوفيها منه قبل الجواز دي، صقر حنين .. حنين أوي و مستعد يفدي الشخص اللي بيحبُه بروحه، بس هو شاف كتير أوي لدرجة أنه يمكن يبان معندوش قلب، بقى قاسي .. وعصبي و مبقاش بحنية زمان، حتى الضحكة بقت تطلع منُه بصعوبة، يمكن أنتِ لسة مشوفتيش شخصيته القاسية لأنه بيحبك!

أبتسمت سيلا وسط كلماتها بسخرية و حُزن، فهي تود أن تقول لها أنها لم ترى سوى شخصيته القاسية تلك بعد زواجهم، أي حب تتحدثي عنه يا أمي، أي حب ذلك الذي يفعله صقر، أخذت نفس عميق ثم تركتها تُكمل بنفس النبرة الحزينة:
ـ بس أنا بقولك كدا يمكن تشوفيها عشان تعرفي تتصرفي صح!!

نظلرت لها سيلا تقول بهدوء و حزن:
ـ طيب .. طيب و لو شوفت الشخصية القاسية دي يا ماما! أعمل أي!!!

ربتت على خصلاتها تقول بحنان:
ـ هقولك يا حبيبتي، لو شوفتي الشخصية دي حاولي تمتصي غضبه، متعانديهوش يا سيلا، صقر بيكره العِند أوي، حسسيه أنه مشّى اللي في دماغه حتى لو اللي في دماغك هو اللي حصل، أٌولك على حاجة أحلى، لما تلاقيه متعصب أوي أحضنيه، أو أترمي أنتِ في حُضنه، طبطبي عليه، أي راجل مهما كانت قوته و هيبته هو جواه طفل صغير، أتعاملي مع الطفل دة وقت عصبيته كأنك بتعاملي براء!

كانت سيلا منتبهة لكل كلمة تقولها سيلين، فأومأت لها، ثم صمتت قليلاً و عادت تقول بحيرة:
ـ طب دة لو أنا زعلتُه مني، لو أنا بقى زعلانة منُه أعمل أيه!

أبتسمت سيلين تقول بحنان:
ـ سيبيه هو يحاول يراضيكي، تجاهليه يعني، نفذي اللي بيطبُبه منك عشان ميعرفش يمسك عليكي غلطة لكن تجاهليه، خليه يعافر عشان ترجعي تضحكيلُه تاني!! يعمل أي حاجة بس عشان يبسطك!

أبتسمت سيلا ساخرة و هي تقول:
ـ طب و أفرض معملش كدا!!

قالت بحنو:
ـ هيعمل يا سيلا صدقيني، عارفة أنا متأكدة ليه! عشان صقر بيحبك، دة اللي مطمني يا بنتي!!

أومأت لها سيلا تحاول إخفاء أبتسامتها الحزينة، قضت معها الكثير من الوقت، حتى قررت العودة لجناحهم، فأستأذنت منها بعدما قبلتها بحنو و غادرت ، لتعود للجناح ففتحته و بحثت عنه بعيناها و لكن لم تجده، دلفت للغرفة علها تجده و لكن كانت الغرفة أيضاً فارغة تماماً، فجلست على الفراش تبتسم و هي تذرف الدمعات بأسى تردف بألمٍ:
ـ أيه يا سيلا زعلانة ليه!! أنتِ صدقتي كلام ماما و لا أيه! فوقي يا سيلا، صقر أصلاً مش في دماغه إذا كنتي زعلتي و لا لاء، صقر محبكيش يا سيلا! هو بنفسُه قالهالك، محبكيش، بطلي تعيشي في أوهامك دي!!

أخذت نفس عميق ترفع رأسها لأعلى و هي تضع كفها على قلبها بألمٍ شديد تقول بأسى:
ـ يارب!!!

أنفتح باب الغرفة فرفعت عيناها تنظُر إلى من أقتحم الغرفة بتلك الطريقة، فأتسعت عيناها و هي تنظُر له بصدمة، فهي تراه واثباً أمامها ممسكاً بـ باقة من الورد الأبيض و الأحمر ذو النوعية الفخمة، قطبت حاجبيها لتقف على قدميها دون أن تقُل كلمة، فهي لازالت تستوعب الأمر من الأساس، أقترب منها صقر بخطواتٍ بطيئة، حتى وقف أمامها، فـ رفع أناملُه و حاوط وجهها بكفٍ واحد، ثم مال برأسها عليه ليقبل مقدمة رأسها بحنان، كانت صامتة تماماً مدومة، لا بل مصعوقة، عاد يرفع وجهها المذهول له، ثم قال بصدق و حنان:
ـ أنا أسف!
أزدادت صدمتُها مع أعتذارُه، فأمسك بكفها الرقيق ثم فتحُه بحنان مُقبلاً باطنُه برفق، فأرتجف جسدها و أمتلئت عيناها بالدمعات، تدعو ربها ألا يكون ما يفعله ليس سوى جزء جديد من مسلسله الذي يمارسه عليها، رفع رأسه لها يقول بلُطف:
ـ سامحتيني!

طالعته بصدمة دون أن ترُد، فأعطاها باقة الورود لتتمسك بها و هي تنظر لهم، فتلك بالضبط نوعية الورود التي تعشقها، و التي دائماً ما كانت تراها في المحلات و تتمنى لو أن نقودها تكفي لشرائها، رفعت عيناها له و لم تستطيع أن تنطق بكلمة، فتنهد يحاوط كتفيها، قم قربها من صدرُه معانثاً إياها بحنان، فأغمضت عيناها لذلك العناق الذي تتمنى لو أن تقف بها حياتها هُنا، مسد على خصلااتها يهمس بحنان:
ـ قوليلي أنك سامحتيني يا سيلا!

أزدردت ريقها، كيف تخبره أنها لا تتضايق منه من الأساس، كيف تُخبره أن حتى محاولاتها في أن تحزن منه و تكرهُه جميعها تبوء بالفشل، ولكنها أخذت نفس عميق ثُم أبتعدت عنه، و مدت باقة الورود له وقالت بنبرة جامدة كنبرتُه تماماً:
ـ اللي قولتهولي يا صقر باشا ميتحلش بـ بوكيه ورد وحَن و كلمة أسف، اللي قولتهولي مش هقدر أسامحك عليه!، و حتى لو سامحتك، أنت كلامك دة أتحفر في قلبي و عُمري ما هقدر أنساه، أتفضل البوكيه بتاعك أنا مش عايزة منك حاجة، مش عايزة غير أنك تسيبني في حالي، و تعتبر أني مدخلتش حياتك أصلاً و تطلقتي!!!!

كلماتها جعلت الغضب يدُب في كامل جوارُحه، فهي رُغم كل ما فعله لم تسامحه، فأنطلق الوحش الذي حاول كبته، ثم أمسك بالورود من يدها و ألقاها أرضاً صارخاً بها بقسوة:
ـ تصدقي أنا غلطان!! المفروض كنت سيبتك تتفلقي أساساً، أنتِ هتشوفي نفسك عليا و لا أيه! فوقي يا سيلا مش صقر الرفاعي اللي يتعامل بالطريقة دي!!!

نظرت له ساخرة، و هي تقول بأبتسامة مُتألمة:
ـ أيوا كدا!! هو دة صقر اللي أنا عارفاه!

أمسك ذراعها يقربها منه بقسوة قائلاً و هو يهدر بوجهها:
ـ و من النهاردة مش هتشوفي غير صقر دة يا سيلا!! الظاهر أن صقر القديم مينفعش معاكي، أنتِ عايزة تطلعي أوسخ حاجة فيا!!

نظرت له بألمٍ، ثم هتفت ترجوه:
ـ أنا عايزة أتطلق، طلقني يا صقر لو لسة غالية عندك شوية صغيرين بس طلقني، أرجوك يا صقر متخلينيش أكرهك!!

نفض ذراعها عنه بقسوة شديدة حتى أرتمت على الفراش خلفها، فزحفت للخلف بخوفٍ منه عندما صرخ بوجهها بنبرة مشتعلة غضباً:
ـ قسماً بربي يا سيلا لو جيبتي سيرة الطلاق دي على لسانك مرة تانية هخليكي تشوفي وش مني عمرك ما شوفتيه في حياتك!! هدمرك و هخليكي فعلاً تكرهيني!!

ثم أنثنى عليها يقبض على فكها بقسوةٍ يقول:
ـ متلعبيش بالنار يا سيلا!! متخلينيش أطلع الوحش الحقيقي اللي جوايا!!

أبتسمت بسخرية لاذعة و عيناها مترقرقة بالدموع:
ـ أنت كدا مطلعتهوش!!

أبتسم بشر يقول و هو يقرّب وجهه من وجهها هامساً أمام شفتيها:
ـ تؤتؤ، دة أنا كدا صقر! الوحش اللي جوايا لو طلِع هيدمرك!! هيعمل حاجات عقلك الصغيرة دة مش هيعرف أصلاً يتخيلها، صدقيني هخليكي تتمنى الموت و متعرفيش تطوليه!!

أمسكت بكفه القابض على كفها تردف و قد تهدلت دمعاتها على وجنتيها تحرقهما بلهيبٍ حارق:
ـ أنا فعلاً بتمنى الموت دلوقتي، كل مرة بتعاملني فيها بالطريقة دي بتمنى الموت، كل مرة بتزعق فيا كدا بتمنى الموت، كل مرة ببقى في حُضنك و أنت بتعاملني بالشكل دة بتمنى الموت، أنت ذكي يا صقر، خليتني أحبك عشان لما تعذب فيا بالشكل دة فعلاً ساعتها أتمنى الموت!

خفف من قبضته على فكها عندما أنهارت بالبكاء، تقول برجاء:
ـ هات مسدس و أقتلني و ريحني و ريح نفسك من العذاب دة! و الله هسامحك! بس باللي بتعمله معايا دة عُمري ما هسامحك أبداً!!

أبتعد عنها معتدلاً في وقفته ينظر لها بجمود، فنهضت تنظر لتلك الورود التي تساقطت على الأرضية، تقول ساخرةً و قد فهمت الأن لماذا عاملها بتلك الطريقة:
ـ أنا دلوقتي بس فهمت ليه جايبلي ورد و حضتنتي و أتأسفتلي بالشكل دة!!

قطب حاجبيه بعدم فهم لكلماتها، فقالت بأبتسامة حزينة:
ـ عملت كل دة عشان زي ما قولتلي قبل كدا! رغبة!! الظاهر أنك معرفتش تلاقي دخلة تدخُلي بيها غير بالطريقة دي، و بعد ما تاخد اللي أنت عاوزه تعاملني المعاملة دي من تاني، بس طبعاً عقلك مقدرش يستوعب أني رفضت أعتذارك، حتت بنت فقيرة يتيمة زيي أزاي!! أزاي ترفض أعتذارك و أزاي ترفَضك أصلا! مش كدا مش دة اللي أنت فكرت فيه!!

أنقض على كتفيها يقبض عليهما يهزها بعنف و هو يقول بقسوةٍ:
ـ أنتِ غبية! بجد غبية!! أنا لو عايزك هاخدك برضاكي أو غصب عنك و مش محتاج خالص أعمل الشويتين اللي عملتهم دول، أنا دلوقتي حالاً ممكن أعمل فيكي اللي أنا عايزُه و أنتِ متقدريش تفتحي بُقك بكلمة واحدة! مش صقر الرفاعي اللي يتقاله لاء يا سيلا!

أغمضت عيناها من قسوة كلماته،فأبعدته عنها و أبتسمت بألمٍ تقول بحُزن:
ـ عندك حق! أنت فعلاً هتاخد اللي أنت عايزه سواء برضايا أو غصب عني زي ما عملت يوم الفرح!

قال بحدة:
ـ كويس أنك فاكرة، مش عايزك تنسي الليلة دي أبداً ولا تنسي اللي حصل فيها!!

نظرت له تقول بطريقة تمزقه:
ـ متقلقش! كله محفور هنا!!

ثم أشارت إلى رأسها، فتابعت و هي تتذكر بشاعة تلك الليلة:
ـ أنا حتى لو عوزت أنسى اللي حصل مش هقدر!! أنت فعلاً تفننت في أني معرفش أنسى الليلة دي!

ثم رفعت عيناها له تقول بابتسامة متألمة:
ـ عارف يا صقر، هييجي اليوم اللي هدور حواليك فيه عليا و مش هتلاقيني! و ساعتها هتندم .. هتندم على اللي عملته فيا لما كنت جنبك!! هتتمنى لحظة واحدة بس تشوفني فيها عشان تعوضني على اللي شوفتًه معاك!

نظر لها و قد شعر بأن عقله أنشل من كلماتها، هل من الممكن أن يأتي هذا اليوم بالفعل، هل سيأتي اليوم الذي سيتلفت حوله كالمجنون يبحث عنها و لا يجدها، هل سيأتي اليوم و يندم على كل كلمة . .فعل .. حرف ضايقها! هل سيأتي اليوم و يتمنى لو يراها فقط لدقيقية واحدة و بلكنه لن يراها! هل سيأتي ذلك اليوم!!
نفى برأسه و كأنه يبعد تلك الأفكار عنه، فـ مجرد فكرة أن تذهب من جواره تقتله، فقالت سيلا و هي تنظر لشروده بألمٍ:
ـ ساعتها هسيبك، هسيبك و هروح لحد تاني يعرف قيمتي و يقدرني صح!!!

أشتعلت عيناه و هو ينظر لها بصدمة من كلماته التي قد جرحت رجوليته، فأنقض عليها يمسك كتفيها بقسوة و هو يقول:
ـ قصدك أيه!! ردي عليا!

أرادت أن تؤلمه و تجعله يذوق من نفس الكأس الذي تجرعته كله على مرةٍ واحدة، تقول بأبتسامة حزينة:
ـ قصدي أن في يوم من الأيام هنتطلق، و هتجوز حد تاني يحبني و أحبُه!

شعرت بتخدُر جانب وجهها عندما تلقّت صفعة منه جعلتها ترتمي على الفراش، لم تصدُر ردة فعل، بل تجمد وجهها و هي تراه يتنفس بصعوبة، لتجده يميل عليها ممسكاً بخصلاتها بقوة حتى أقسمت أنها ستنتزع بين يداه، أغمضت عيناها عندما صرخ بوجهها القريب لوجهه:
ـ قولتلك متجيبيش سيرة الطلاق دي تاني!! أزاي تتجرأي و تجيبي سيرة راجل غيري على لسانك!! أستحملي بقى يا سيلا اللي هيجرالك!!!

ثم ألقى برأسها بأقوى ما لديها على الفراش فأصيبت بدوار رهيب و هي تشعر بأنها على وشك فقدان الوعي من شدة الألم الذي قد تعرضت له، فنظرت له بأعين مشوشة، لينتفض جسدها تتراجع للخلف عندم وجدته يسحب حزامُه الجلدي من بنطاله، و على وجهه أبتسامة خبيثة، فعلِمت على الفور ما ينتوي على فعلُه، نفت برأسها بهيستيرية تتراجع للخلف حتى ألتصقت بظهر الفراش تقول ببكاء رهيب:
ـ أنت .. أنت هتعمل أيه!!
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي