الفصل الأول
في إحدى المدن الراقيه إنتقلت أسره صغيره مكونه من الأب والأم وطفلتهم الوحيده لمياء للعيش بداخلها، بعدما تشاجروا مع عائلتهم في إحدى قرى الصعيد، إضطروا آسفين أن يتوصلوا لهذا القرار الصعب، حزموا أغراضهم و رحلوا عن كل من يعرفونهم وغادروا دون أن يعرفوا وجهتهم إلى أين هم ذاهبون، لحين وصلوا إلى مدينه راقيه، منازلها كلها كومبوندات، لم يعرف فيها أحد الآخر، وصلوا لحي هادئ وبدأو يتسألون عن أسعار الإيجارات ليحصلوا على المناسب لدخل وراتب الوالد
بعد عناء شديد إستقروا في مسكن متوسط ومناسب لهم ومريح في نفس الوقت،
بدأ الوالد محمد والوالده مروه يقومون بترتيب المسكن والاغراض بينما كانت لمياء تقف في شرفة المنزل ترمق حولها يميناً ويسارا، كانت صغيره في عمر الخمس سنوات، كانت فرحه وسعيده بما يجري لأنها لم تغادر منزلها القديم ولا قريتها فيما مضى على الإطلاق، كانت تشعر وكأنها في نزهه مع والديها، ولا تريد العوده لعائله والدها التي دائما يتشاجرون مع والدتها ويقومون بإهانتها وضربها
شردت لمياء أثناء ماكانت تستمتع بالمنظر الطبيعي حولها من منازل راقيه وأشجار ونخيل وحمام سباحه كبير يلهون ويمرحون الأطفال بداخله
رفعت يدها للسماء ناجيه مغمضة عيناها
-يااارب نفضل عايشين هنا ومانرجعش بيت جدو تاني، ماما صعبانه عليا اوي ياربي، كل يوم جدو يشتمها ويضربها، وبابا ما بيقدرش يقول لجدو حاجه، خلينا هنا والنبي يا...
قاطعها صوت عذب صغير آتاها من جوارها
-إنتي مين، وبتعملي إيه هنا؟
فتحت لمياء عيناها ونظرت ناحية الصوت، تفاجأت بطفله تقربها في العمر تقريبا، لكن ملابسها مختلفه تماما عنها وتسريحة شعرها رقيقه جدا
تمتمت لمياء وهي تجيبها على سؤالها
-أنا وبابا وماما هنسكن ونعيش هنا، أنا إسمي لمياء وانتي؟
رمقتها الطفلة الأخرى ببهجه وأجابتها على الفور ضاحكةً
-أنا اسمي بيسان، بجد هتعيشوا هنا جنبنا، هيه... هيه
ثم شبَّكت أصابعها ببعضهم وضغطت على كفيها مبتسمه
-أخيرا هيكون عندنا جيران وألاقي بنت ألعب معاها بدال ما انا عايشه لوحدي كدا، شكرا يارب
إندهشت لمياء من رد فعل بيسان المبهج، ورمقتها مبتسمه ولم تعرف ماذا تقول، ثم عادت بنظرها تنظر هنا وهناك فسمعت والدتها تنادي عليها من الداخل بصوت عالي وكأنها في القريه
-بت يا لمياء، واقفه عندك بتعملي إيه وسيباني محتاسه انا وابوكي لوحدنا، تعالي إعملي اي حاجه كده إشغلي بيها نفسك
تأفأفت لمياء وشعرت بالخزي أمام جارتها من أسلوب مروه في الحديث معها، همَّت بالدخول فاوقفتها بيسان مشيرة بيدها
-لما تعملي مع مامتك وتخلصي، هتلاقيني هنا في البلكونه بلعب، ابقى نادي عليا عشان اوريكي ألعابي ونلعب بيها سوا.
هزت لمياء رأسها بالإيجاب، حنت رأسها للأسفل ودخلت لتساعد والدتها وهي غضبانه ومستاءه من صياح والدتها دائماً، بالرغم من عمرها الصغير لكن كانت تساعد والدتها في شتى أمور المنزل، كانت مطيعه لوالديها، تمنت لو كان لها أخ أو أخت لمواساتها والله معها
المهم حينما أنجزت مع مروه ما طُلب منها، ولجت داخل المرحاض لتغتسل وتبدل ملابسها، ثم هرولت بإتجاه الشرفه لتلتقي مرة أخرى بجارتها الجديده بيسان، حينما وقفت تبحث عنها بأعينها دون أن تصدر صوتاً... شعرت بيسان بوجودها فقفزت من مكانها على الأرض لتقف أمامها مسرعه ثم رفعت يدها ضاحكةً
-بخ، بتدوري عليا صح، هاهاهاها
انتفضت لمياء ثم مدت صباعها في أعلى فمها وأرجعت رأسها للخلف ثم وضعت يدها على صدرها
-إيه يابنتي، هو في حد يخض حد بالشكل ده!؟
ثم إبتسمن لبعضهن وبدأت لمياء ترتاح لبيسان واقتربن من بعضهن البعض و يتبادلون الألعاب، أحسّت لمياء وكأن بيسان هي الأخت التي تمنتها رغم أنها لم تراها سوي مرات قليله
من هنا بدأت والدة لمياء تلاحظ تغير طفلتها للأفضل بعدما كانت منطويه مع نفسها، حاولت أن تعرف السبب فتفاجأت بإنها صادقت طفله في المنزل المجاور لمنزلهم
أثارها الفضول للتعرف على عائلتها، إستأذنت من محمد ليسمح لها بالذهاب
أشار لها مبتسماً
-مفيش مشكله، بس مش هتروحوا لوحدكوا، أنا هاجي معاكوا، بالمره اتعرف على صاحب الشقه
تجهزوا جميعاً وأخذت مروه معها طبق من الكعك وتوجهوا لمنزل بيسان، تلعثمت لمياء قليلا من هذه الزياره،لكن شرعت رأسها تبتسم دون درايه منها لوالديها وهم واقفين أمام الباب في ارتقاب من سيفتح لهم ويقوم باستقبالهم
فتح الباب وإذ هي سيده فائقة الجمال والأناقه، ملابسها متفتحه قليلا،نظرت لها مروه وكأنها تشاهد ممثله ثم وضعت يدها على فمها كي لا يلاحظ احد ابتسامتها وخجلها مما ترى، بينما محمد غض بصره عن جارته وحني رأسه
-السلام عليكم، إحنا جيرانكم الجداد، وكنا حابين نتعرف على حضراتكو، لو ماكانش يدايقكوا يعني
إستغربت السيده من فضولهم، لكن من الطبيعي أن ترحب بهم وتأذن لهم بالدخول بعدما نادت على زوجها ليقوم باستقبالهم معها
-أيمن، يا أيمن، تعال ياحبيبي، جايلنا ضيوف
هرولت بيسان ناحية الباب لترى من الضيوف، تفاجأت بلمياء، هرولت إليها وقامت بضمها لصدرها لترحب بها فرحه جدا، بينما لمياء تسمرت مكانها ويداها متشنجتان بجوارها، محدقةً في والديها وجارتهم، ثم ابتعدت عنها بيسان وامسكتها من يدها لتدخلها المنزل مهروله، دون أن تنظر لمن يقفوا بجانبها
أومأ محمد لإبنته لمياء بالدخول
جاء أيمن ورحب بمحمد بحراره وكأنه يعرفه من قبل
-اهلا، أهلا، اتفضلوا، واقفين برا ليه، أهلا وسهلا، شرفتونا
مد محمد يده ليصافحه قبل الدخول، فعلت مروه كذالك مع زوجة أيمن
-أنا اسمي مروه، انتي ياجميله إسمك إيه؟
تحدثت السيده معها بأسلوب إتيكيت وراقي جدا
-هالو،أنا إسمي هايدي، please come in، سوري اقصد اتفضلي
تهامست مروه بصوت خافت وهي في طريقها للدخول، وهي تنظر في الأرض محدقةً
-هي الوليه بترطم بالعنجليزي ليه، لاتكون بتشتمني بنت المركوب دي
ثم شرعت رأسها لترى أمامها أثاث المنزل الراقي و المفروشات الفخمه، أحسَّت وكأنها في فله وليس منزل مثل منزلها البسيط، تحسست الأريكه قبل ما تجلس عليها، أحست ملمسها مثل فرو الجرو الصغير الناعم
اعتدلت في جلستها وبدأت هايدي في بدء تجهيز الضيافة لهم بعدما ارتدت عباءة استقبال راقيه، ثم جلست بجوار مروه لتتحدث معها، في بداية الأمر لما تفهم كل منهن لهجة الأخرى وكانتا تبتسمان خفيه، بعد ذلك تعودا على بعضهن وأرتاحت كل منهن للأخري
من جهة أخرى كان محمد وأيمن يرتشفوا الشاي مع السجائر، تحدث محمد معه في السبب الذي جعله يترك قريته وعائلته ويلجأ للمعيشه في هذا المكان،
تملك منه الحزن والأسف على حالته
-والله يا أستاذ أيمن ما أخبيش عليك، انا ماتوقعت ان حياتي تتقلب كده، واسيب اهلي وناسي وآجي أعيش هنا، بس انا فاض بيا من أبويا، دايما بيفوق بيني وبين أخواتي في المعامله، ودايما بيشتم مراتي، هو راجل كبير في العمر ماينفعش ارد عليه ولا أعاتبه حتى، فقررت اخد مراتي وبنتي وأهج من وسطهم خالص، بس ال محزنني إنهم حتى ماحاولوش يوقفوني او يمنعوني من الخروج من البيت، زي ما يكونوا ما صدقوا، مش بعيد يكونوا قالو لنفسهم، بركه ياجامع وكويس انها جات منهم.
ربت أيمن على ساق محمد وهو حزين أيضا بعدما سمع مآساته، حاول تهدأته وتطييب خاطره
-معلش يا محمد ياما بيحصل بين الأهل وبعضهم، غمه وهتنزاح، والميه هترجع لمجاريها ان شاء الله، وكل حاجه هتبقى تمام، أنا هنا جنبك اهو جار وان شاء الله اكون اخ وصاحب ليك، اي حاجه تحتاجها أنا موجود، ماتشيلش هم أي حاجه.
وضع محمد يده على يد ايمن ونظر له بإبتسامه حزينه
-الله يصلح حالك، ده العشم برده، ربنا يديم الود والمعروف
ثم عبأ صدره بالنفس، إرتاح داخله بعدما فضفض ما بقلبه، نظر حوله باحثا عن لمياء فلم يجدها ولا يسمع لها صوت، رمق مروه بتساؤل
-امال البنت فين؟ مش سامع لها نفس
سارعت هايدي بالرد على محمد
-ماتقلقش عليها حضرتك، هي بتلعب مع بيسان في أوضتها جوه، عايزها في حاجه انادي عليها؟
أجابها محمد وهو غاضض بصره عنها
-لا يافندم خلاص، طالما بتلعب سبيها، كويس انها لقت بنت من عمرها تلعب معاها، عشان ماتحسش بالوحده بعد ما افترقت عن ولاد اعمامها وخالتها، بس لو أمكن شوفيهم بس كويسين ولا إيه
نهضت هايدي من مقعدها متجهه ناحية غرفة طفلتها بيسان، قامت مروه لتذهب معها لتشاهد باقي المنزل، كانت ترمق المكان ببهجه وسرور وفضول وأحاسيس مختلطه لما تعرف سببها، لكن كانت مبتهجه وسعيده بجارتها، دخلوا لغرفة البنات، لاحظوا كم هن مستمتعات باللهو معاً بألعاب بيسان التي لا تعد ولا تحصى
نظرت مروه للمياء منفرجة شفتاها ضاحكةً
-مبسوطه يالولو، إلعبي يا قلب أمك وإتهني،إدعي لأبوكي يلاقي شغلانه كويسه وهو يجيبلك كل إل نفسك فيه، وألعاب اكتر من دي كمان، ربنا يرزقه برزقنا ياضنايا
بينما كانت هايدي تستمع لها وتأثرت بما قالته، وضعت حديثها في رأسها لمغزي معين، ثم حاولت ترطيب الجو ونظرت لها مبتسمه
-تعالى نعمل نسكافيه وندخل البلكون ندردش دردشة حريم وسبيهم يلعبوا، و أزواجنا مع نفسهم
وافقت مروه على فكرتها واغلقت الباب على البنات بعدما وجهت قُبله لإبنتها غامزة بعينها كي تسعد بصحبة رفيقتها بيسان
توجهوا للمطبخ وصارت تتأمله بذهول وشردت في منزلها البسيط، حملت هم ان تأتي هايدي واسرتها لزيارتها وترى كم هي بسيطه، تملك منها التوتر والقلق
لكن بداخلها عزمت انه عندما زوجها يتوفق في مهنه مناسبه ويحصل علي راتبه وتستقر حياتهم... ستبدأ بشراء كل ما يجول في خاطرها من أثاث وتطور من نفسها وحياتها وتكون مثل هايدي.. وتتناسي تماماً كل ما عاشته في الماضي.
افاقت من شرودها عندما صاحت هايدي عليها بصوت مرتفع
-هاي، إيه يابنتي! بناديكي من ساعه فاتت، روحتي فين، و بتفكري في إيه؟
اهتزت مروه وهي تمد يدها لتحمل مج النسكافيه تبعها
-ها، لا ابدا مفيش، سرحت بس شويه، كنتي بتقولي حاجه ياحبيبتي؟
ضحكت هايدي وطرقت يدها ببعضهم
-لاااا، دا انتي مش هنا خالص، فكي كده وروقي، بقولك حاسه اننا هنبقى أصحاب، وهخرجك وهفسحك، وهعرفك على اصحابي هنا، هخليكي تنسى كل حاجه، وهننزل نعمل شوبينج سوا، هلبسك على زوقي وهخليكي أوريجنال خالص.
جحظت مروه عيناها، فتحت فمها لأنها لم تعي او تفهم ماتقوله هايدي
-إيه الشوبينك إيه والريجنل ده ال بتحكي عنه، بتعمل ازاي ده يا أختشي؟
قهقهت هايدي بصوت مرتفع للغايه، آلمها بطنها من كثرة الضحك، ثم التقطت أنفاسها وزفرت
-شوبينك ايه يا بنتي، شوبينج يعني نتسوق ونشتري لبس.. هدوم يعني ليكي وليا والبنات، اورجينال يعني ههههههه مش قادره امسك نفسي يخرب عقلك، يعني ياستي هخليكي واحده تانيه خالص وسيبك بقى من لبس العبايات والحاجات ال مكبراكي دي، سبيلي نفسك انتي بس و ماتقلقيش وبرده كله في حدود الاحترام والوقار.
ضحكت مروه بسخريه من حديث هايدي
-ياختاااي.. انا هبقي كده! لا لا مستحيل، إيش يعمل المشط في الوش العكر، انا راضيه بحالي سبيكي مني، وبعدين ابو لمياء يبهدلني، دا مش بعيد يطلقني فيها، يا مصيبتي، لا يا أختي
ربتت هايدي على يدها لتهدئ من روعها
-وانا ما ارضاش ليكي الاهانه والأذيه، إل إنتي عايزاه هو ال هيحصل، انا حبيت بس افرفشك بس مش أكتر
في هذه الأثناء كان أيمن يسرد لمحمد أيضا سبب لجوئه للسكن والعيش في هذا المكان الراقي
-أنا بقى ياسيدي والدي ووالدتي كان في السعوديه بيعملوا عمرة رمضان، وهم راجعين بالطريق رايحين المطار، انقلب بهم الباص وتوفاهم الله في الحال، انا كنت وحيدهم مع بنت واحده، اختي عايشه مع جوزها في إيطاليا، بعد وفاة ابويا وامي اتخنقت من البيت كله فعرضته للبيع، بصراحه جاني فيه مبلغ كويس، عطيت لأختي نصيبها، وفضلت ادور على شقه كويسه في بلد ثانيه خالص، لقيت اعلان عن المكان ده على النت فتواصلت معهم، عرفت ان فيه إيجار وشراء، قررت اشتري أفضل وتبقى شقتي مدى الحياه أحسن، بقالي هنا سنتين، نقلت شغلي وحياتي هنا، وهقدم لبنتي في مدارس هنا، الحمد لله على كل حال
حزن محمد لأجل أيمن
-البقاء لله، يابختهم عند الله قابلوا ربهم طاهرين مغسولين من ذنوبهم، المفروض ماتزعلش أبدا، ربنا يجمعك بهم بعد عمرين طوال في الجنه بإذن الله، ربنا يفرحك ببنتك وتشوفها عروسه قد الدنيا، بقولك... لما تروح تقدم لبنتك في المدرسه إبقى عرفني آجي معاك أقدم للمياء بنتي، هتروح سنه أولى السنه الجايه
تنهد أيمن حزنا على والديه، استغفر ربه ودعي لوالديه بالرحمه والمغفره، هز رأسه بالموافقه على طلب محمد في الذهاب للمدرسه سوياً، ثم هم من مكانه
-أستنى اعمل فنجانين قهوه مظبوط نشربهم ونلعب مع بعض عشره طاوله، ولا خايف تتغلب؟
أوقفه محمد وقام هو أيضا عن مقعده
-قهوة إيه؟ لا كتر خيرك انا شربت شاي، وبعدين إحنا أخدنا من وقتكوا كتير سامحونا، لازم نستأذن نرجع شقتنا، هنبقى نجيلكوا تاني
حاول أيمن إقناع محمد بالجلوس لمدة أطول، لكن محمد أبي وأصر على المغادره مشيرا بيده ناحية الداخل
-معلش بس لازم نمشي، كفايه كده، لو تسمح بس نادي الجماعه من جوه
سمعته مروه من البلكونه، انتفضت من مكانها مهروله ناحية محمد بعدما فتحت غرفه الأطفال وجلبت لمياء من يدها
-يلا يابنتي عشان نرجع بيتنا، وهبقي أخليكي تيجي تلعبي معها، ما احنا خلاص بقينا أصحاب والباب في الباب
رفضت بيسان ان تترك لمياء تغادر وامسكتها من يدها الأخرى بقوه
-بليز ياطنط سبيها تلعب معايا شويه، عشان خاطري، وحياتي، وحياتي.
ولجت لها هايدي وألحت على مروه أن تترك لمياء لساعه أخرى وستوصلها بنفسها للمنزل
وافقت مروه بعد محادثة هايدي لها بلطف، تركت يد البنت، فرحوا البنات كثيرا، ثم جلسوا ليكملوا لهو ولعب، بينما غادرت مروه ومحمد المنزل، على عهد بأن يعيدوا الزيارة مرةً أخرى.
قامت لمياء من مع بيسان واتجهت نحو دولاب ملابسها، لكن لم يكن عندها الجرأه لفتحه، شعرت بيسان بما تريده لمياء، إبتسمت لها لأنها فهمت انها تريد أن ترى ملابسها واغراضها، اتجهت نحوها كي تبادر هي بفتح الدولاب وتريها ما تريد رؤيته.
بعد عناء شديد إستقروا في مسكن متوسط ومناسب لهم ومريح في نفس الوقت،
بدأ الوالد محمد والوالده مروه يقومون بترتيب المسكن والاغراض بينما كانت لمياء تقف في شرفة المنزل ترمق حولها يميناً ويسارا، كانت صغيره في عمر الخمس سنوات، كانت فرحه وسعيده بما يجري لأنها لم تغادر منزلها القديم ولا قريتها فيما مضى على الإطلاق، كانت تشعر وكأنها في نزهه مع والديها، ولا تريد العوده لعائله والدها التي دائما يتشاجرون مع والدتها ويقومون بإهانتها وضربها
شردت لمياء أثناء ماكانت تستمتع بالمنظر الطبيعي حولها من منازل راقيه وأشجار ونخيل وحمام سباحه كبير يلهون ويمرحون الأطفال بداخله
رفعت يدها للسماء ناجيه مغمضة عيناها
-يااارب نفضل عايشين هنا ومانرجعش بيت جدو تاني، ماما صعبانه عليا اوي ياربي، كل يوم جدو يشتمها ويضربها، وبابا ما بيقدرش يقول لجدو حاجه، خلينا هنا والنبي يا...
قاطعها صوت عذب صغير آتاها من جوارها
-إنتي مين، وبتعملي إيه هنا؟
فتحت لمياء عيناها ونظرت ناحية الصوت، تفاجأت بطفله تقربها في العمر تقريبا، لكن ملابسها مختلفه تماما عنها وتسريحة شعرها رقيقه جدا
تمتمت لمياء وهي تجيبها على سؤالها
-أنا وبابا وماما هنسكن ونعيش هنا، أنا إسمي لمياء وانتي؟
رمقتها الطفلة الأخرى ببهجه وأجابتها على الفور ضاحكةً
-أنا اسمي بيسان، بجد هتعيشوا هنا جنبنا، هيه... هيه
ثم شبَّكت أصابعها ببعضهم وضغطت على كفيها مبتسمه
-أخيرا هيكون عندنا جيران وألاقي بنت ألعب معاها بدال ما انا عايشه لوحدي كدا، شكرا يارب
إندهشت لمياء من رد فعل بيسان المبهج، ورمقتها مبتسمه ولم تعرف ماذا تقول، ثم عادت بنظرها تنظر هنا وهناك فسمعت والدتها تنادي عليها من الداخل بصوت عالي وكأنها في القريه
-بت يا لمياء، واقفه عندك بتعملي إيه وسيباني محتاسه انا وابوكي لوحدنا، تعالي إعملي اي حاجه كده إشغلي بيها نفسك
تأفأفت لمياء وشعرت بالخزي أمام جارتها من أسلوب مروه في الحديث معها، همَّت بالدخول فاوقفتها بيسان مشيرة بيدها
-لما تعملي مع مامتك وتخلصي، هتلاقيني هنا في البلكونه بلعب، ابقى نادي عليا عشان اوريكي ألعابي ونلعب بيها سوا.
هزت لمياء رأسها بالإيجاب، حنت رأسها للأسفل ودخلت لتساعد والدتها وهي غضبانه ومستاءه من صياح والدتها دائماً، بالرغم من عمرها الصغير لكن كانت تساعد والدتها في شتى أمور المنزل، كانت مطيعه لوالديها، تمنت لو كان لها أخ أو أخت لمواساتها والله معها
المهم حينما أنجزت مع مروه ما طُلب منها، ولجت داخل المرحاض لتغتسل وتبدل ملابسها، ثم هرولت بإتجاه الشرفه لتلتقي مرة أخرى بجارتها الجديده بيسان، حينما وقفت تبحث عنها بأعينها دون أن تصدر صوتاً... شعرت بيسان بوجودها فقفزت من مكانها على الأرض لتقف أمامها مسرعه ثم رفعت يدها ضاحكةً
-بخ، بتدوري عليا صح، هاهاهاها
انتفضت لمياء ثم مدت صباعها في أعلى فمها وأرجعت رأسها للخلف ثم وضعت يدها على صدرها
-إيه يابنتي، هو في حد يخض حد بالشكل ده!؟
ثم إبتسمن لبعضهن وبدأت لمياء ترتاح لبيسان واقتربن من بعضهن البعض و يتبادلون الألعاب، أحسّت لمياء وكأن بيسان هي الأخت التي تمنتها رغم أنها لم تراها سوي مرات قليله
من هنا بدأت والدة لمياء تلاحظ تغير طفلتها للأفضل بعدما كانت منطويه مع نفسها، حاولت أن تعرف السبب فتفاجأت بإنها صادقت طفله في المنزل المجاور لمنزلهم
أثارها الفضول للتعرف على عائلتها، إستأذنت من محمد ليسمح لها بالذهاب
أشار لها مبتسماً
-مفيش مشكله، بس مش هتروحوا لوحدكوا، أنا هاجي معاكوا، بالمره اتعرف على صاحب الشقه
تجهزوا جميعاً وأخذت مروه معها طبق من الكعك وتوجهوا لمنزل بيسان، تلعثمت لمياء قليلا من هذه الزياره،لكن شرعت رأسها تبتسم دون درايه منها لوالديها وهم واقفين أمام الباب في ارتقاب من سيفتح لهم ويقوم باستقبالهم
فتح الباب وإذ هي سيده فائقة الجمال والأناقه، ملابسها متفتحه قليلا،نظرت لها مروه وكأنها تشاهد ممثله ثم وضعت يدها على فمها كي لا يلاحظ احد ابتسامتها وخجلها مما ترى، بينما محمد غض بصره عن جارته وحني رأسه
-السلام عليكم، إحنا جيرانكم الجداد، وكنا حابين نتعرف على حضراتكو، لو ماكانش يدايقكوا يعني
إستغربت السيده من فضولهم، لكن من الطبيعي أن ترحب بهم وتأذن لهم بالدخول بعدما نادت على زوجها ليقوم باستقبالهم معها
-أيمن، يا أيمن، تعال ياحبيبي، جايلنا ضيوف
هرولت بيسان ناحية الباب لترى من الضيوف، تفاجأت بلمياء، هرولت إليها وقامت بضمها لصدرها لترحب بها فرحه جدا، بينما لمياء تسمرت مكانها ويداها متشنجتان بجوارها، محدقةً في والديها وجارتهم، ثم ابتعدت عنها بيسان وامسكتها من يدها لتدخلها المنزل مهروله، دون أن تنظر لمن يقفوا بجانبها
أومأ محمد لإبنته لمياء بالدخول
جاء أيمن ورحب بمحمد بحراره وكأنه يعرفه من قبل
-اهلا، أهلا، اتفضلوا، واقفين برا ليه، أهلا وسهلا، شرفتونا
مد محمد يده ليصافحه قبل الدخول، فعلت مروه كذالك مع زوجة أيمن
-أنا اسمي مروه، انتي ياجميله إسمك إيه؟
تحدثت السيده معها بأسلوب إتيكيت وراقي جدا
-هالو،أنا إسمي هايدي، please come in، سوري اقصد اتفضلي
تهامست مروه بصوت خافت وهي في طريقها للدخول، وهي تنظر في الأرض محدقةً
-هي الوليه بترطم بالعنجليزي ليه، لاتكون بتشتمني بنت المركوب دي
ثم شرعت رأسها لترى أمامها أثاث المنزل الراقي و المفروشات الفخمه، أحسَّت وكأنها في فله وليس منزل مثل منزلها البسيط، تحسست الأريكه قبل ما تجلس عليها، أحست ملمسها مثل فرو الجرو الصغير الناعم
اعتدلت في جلستها وبدأت هايدي في بدء تجهيز الضيافة لهم بعدما ارتدت عباءة استقبال راقيه، ثم جلست بجوار مروه لتتحدث معها، في بداية الأمر لما تفهم كل منهن لهجة الأخرى وكانتا تبتسمان خفيه، بعد ذلك تعودا على بعضهن وأرتاحت كل منهن للأخري
من جهة أخرى كان محمد وأيمن يرتشفوا الشاي مع السجائر، تحدث محمد معه في السبب الذي جعله يترك قريته وعائلته ويلجأ للمعيشه في هذا المكان،
تملك منه الحزن والأسف على حالته
-والله يا أستاذ أيمن ما أخبيش عليك، انا ماتوقعت ان حياتي تتقلب كده، واسيب اهلي وناسي وآجي أعيش هنا، بس انا فاض بيا من أبويا، دايما بيفوق بيني وبين أخواتي في المعامله، ودايما بيشتم مراتي، هو راجل كبير في العمر ماينفعش ارد عليه ولا أعاتبه حتى، فقررت اخد مراتي وبنتي وأهج من وسطهم خالص، بس ال محزنني إنهم حتى ماحاولوش يوقفوني او يمنعوني من الخروج من البيت، زي ما يكونوا ما صدقوا، مش بعيد يكونوا قالو لنفسهم، بركه ياجامع وكويس انها جات منهم.
ربت أيمن على ساق محمد وهو حزين أيضا بعدما سمع مآساته، حاول تهدأته وتطييب خاطره
-معلش يا محمد ياما بيحصل بين الأهل وبعضهم، غمه وهتنزاح، والميه هترجع لمجاريها ان شاء الله، وكل حاجه هتبقى تمام، أنا هنا جنبك اهو جار وان شاء الله اكون اخ وصاحب ليك، اي حاجه تحتاجها أنا موجود، ماتشيلش هم أي حاجه.
وضع محمد يده على يد ايمن ونظر له بإبتسامه حزينه
-الله يصلح حالك، ده العشم برده، ربنا يديم الود والمعروف
ثم عبأ صدره بالنفس، إرتاح داخله بعدما فضفض ما بقلبه، نظر حوله باحثا عن لمياء فلم يجدها ولا يسمع لها صوت، رمق مروه بتساؤل
-امال البنت فين؟ مش سامع لها نفس
سارعت هايدي بالرد على محمد
-ماتقلقش عليها حضرتك، هي بتلعب مع بيسان في أوضتها جوه، عايزها في حاجه انادي عليها؟
أجابها محمد وهو غاضض بصره عنها
-لا يافندم خلاص، طالما بتلعب سبيها، كويس انها لقت بنت من عمرها تلعب معاها، عشان ماتحسش بالوحده بعد ما افترقت عن ولاد اعمامها وخالتها، بس لو أمكن شوفيهم بس كويسين ولا إيه
نهضت هايدي من مقعدها متجهه ناحية غرفة طفلتها بيسان، قامت مروه لتذهب معها لتشاهد باقي المنزل، كانت ترمق المكان ببهجه وسرور وفضول وأحاسيس مختلطه لما تعرف سببها، لكن كانت مبتهجه وسعيده بجارتها، دخلوا لغرفة البنات، لاحظوا كم هن مستمتعات باللهو معاً بألعاب بيسان التي لا تعد ولا تحصى
نظرت مروه للمياء منفرجة شفتاها ضاحكةً
-مبسوطه يالولو، إلعبي يا قلب أمك وإتهني،إدعي لأبوكي يلاقي شغلانه كويسه وهو يجيبلك كل إل نفسك فيه، وألعاب اكتر من دي كمان، ربنا يرزقه برزقنا ياضنايا
بينما كانت هايدي تستمع لها وتأثرت بما قالته، وضعت حديثها في رأسها لمغزي معين، ثم حاولت ترطيب الجو ونظرت لها مبتسمه
-تعالى نعمل نسكافيه وندخل البلكون ندردش دردشة حريم وسبيهم يلعبوا، و أزواجنا مع نفسهم
وافقت مروه على فكرتها واغلقت الباب على البنات بعدما وجهت قُبله لإبنتها غامزة بعينها كي تسعد بصحبة رفيقتها بيسان
توجهوا للمطبخ وصارت تتأمله بذهول وشردت في منزلها البسيط، حملت هم ان تأتي هايدي واسرتها لزيارتها وترى كم هي بسيطه، تملك منها التوتر والقلق
لكن بداخلها عزمت انه عندما زوجها يتوفق في مهنه مناسبه ويحصل علي راتبه وتستقر حياتهم... ستبدأ بشراء كل ما يجول في خاطرها من أثاث وتطور من نفسها وحياتها وتكون مثل هايدي.. وتتناسي تماماً كل ما عاشته في الماضي.
افاقت من شرودها عندما صاحت هايدي عليها بصوت مرتفع
-هاي، إيه يابنتي! بناديكي من ساعه فاتت، روحتي فين، و بتفكري في إيه؟
اهتزت مروه وهي تمد يدها لتحمل مج النسكافيه تبعها
-ها، لا ابدا مفيش، سرحت بس شويه، كنتي بتقولي حاجه ياحبيبتي؟
ضحكت هايدي وطرقت يدها ببعضهم
-لاااا، دا انتي مش هنا خالص، فكي كده وروقي، بقولك حاسه اننا هنبقى أصحاب، وهخرجك وهفسحك، وهعرفك على اصحابي هنا، هخليكي تنسى كل حاجه، وهننزل نعمل شوبينج سوا، هلبسك على زوقي وهخليكي أوريجنال خالص.
جحظت مروه عيناها، فتحت فمها لأنها لم تعي او تفهم ماتقوله هايدي
-إيه الشوبينك إيه والريجنل ده ال بتحكي عنه، بتعمل ازاي ده يا أختشي؟
قهقهت هايدي بصوت مرتفع للغايه، آلمها بطنها من كثرة الضحك، ثم التقطت أنفاسها وزفرت
-شوبينك ايه يا بنتي، شوبينج يعني نتسوق ونشتري لبس.. هدوم يعني ليكي وليا والبنات، اورجينال يعني ههههههه مش قادره امسك نفسي يخرب عقلك، يعني ياستي هخليكي واحده تانيه خالص وسيبك بقى من لبس العبايات والحاجات ال مكبراكي دي، سبيلي نفسك انتي بس و ماتقلقيش وبرده كله في حدود الاحترام والوقار.
ضحكت مروه بسخريه من حديث هايدي
-ياختاااي.. انا هبقي كده! لا لا مستحيل، إيش يعمل المشط في الوش العكر، انا راضيه بحالي سبيكي مني، وبعدين ابو لمياء يبهدلني، دا مش بعيد يطلقني فيها، يا مصيبتي، لا يا أختي
ربتت هايدي على يدها لتهدئ من روعها
-وانا ما ارضاش ليكي الاهانه والأذيه، إل إنتي عايزاه هو ال هيحصل، انا حبيت بس افرفشك بس مش أكتر
في هذه الأثناء كان أيمن يسرد لمحمد أيضا سبب لجوئه للسكن والعيش في هذا المكان الراقي
-أنا بقى ياسيدي والدي ووالدتي كان في السعوديه بيعملوا عمرة رمضان، وهم راجعين بالطريق رايحين المطار، انقلب بهم الباص وتوفاهم الله في الحال، انا كنت وحيدهم مع بنت واحده، اختي عايشه مع جوزها في إيطاليا، بعد وفاة ابويا وامي اتخنقت من البيت كله فعرضته للبيع، بصراحه جاني فيه مبلغ كويس، عطيت لأختي نصيبها، وفضلت ادور على شقه كويسه في بلد ثانيه خالص، لقيت اعلان عن المكان ده على النت فتواصلت معهم، عرفت ان فيه إيجار وشراء، قررت اشتري أفضل وتبقى شقتي مدى الحياه أحسن، بقالي هنا سنتين، نقلت شغلي وحياتي هنا، وهقدم لبنتي في مدارس هنا، الحمد لله على كل حال
حزن محمد لأجل أيمن
-البقاء لله، يابختهم عند الله قابلوا ربهم طاهرين مغسولين من ذنوبهم، المفروض ماتزعلش أبدا، ربنا يجمعك بهم بعد عمرين طوال في الجنه بإذن الله، ربنا يفرحك ببنتك وتشوفها عروسه قد الدنيا، بقولك... لما تروح تقدم لبنتك في المدرسه إبقى عرفني آجي معاك أقدم للمياء بنتي، هتروح سنه أولى السنه الجايه
تنهد أيمن حزنا على والديه، استغفر ربه ودعي لوالديه بالرحمه والمغفره، هز رأسه بالموافقه على طلب محمد في الذهاب للمدرسه سوياً، ثم هم من مكانه
-أستنى اعمل فنجانين قهوه مظبوط نشربهم ونلعب مع بعض عشره طاوله، ولا خايف تتغلب؟
أوقفه محمد وقام هو أيضا عن مقعده
-قهوة إيه؟ لا كتر خيرك انا شربت شاي، وبعدين إحنا أخدنا من وقتكوا كتير سامحونا، لازم نستأذن نرجع شقتنا، هنبقى نجيلكوا تاني
حاول أيمن إقناع محمد بالجلوس لمدة أطول، لكن محمد أبي وأصر على المغادره مشيرا بيده ناحية الداخل
-معلش بس لازم نمشي، كفايه كده، لو تسمح بس نادي الجماعه من جوه
سمعته مروه من البلكونه، انتفضت من مكانها مهروله ناحية محمد بعدما فتحت غرفه الأطفال وجلبت لمياء من يدها
-يلا يابنتي عشان نرجع بيتنا، وهبقي أخليكي تيجي تلعبي معها، ما احنا خلاص بقينا أصحاب والباب في الباب
رفضت بيسان ان تترك لمياء تغادر وامسكتها من يدها الأخرى بقوه
-بليز ياطنط سبيها تلعب معايا شويه، عشان خاطري، وحياتي، وحياتي.
ولجت لها هايدي وألحت على مروه أن تترك لمياء لساعه أخرى وستوصلها بنفسها للمنزل
وافقت مروه بعد محادثة هايدي لها بلطف، تركت يد البنت، فرحوا البنات كثيرا، ثم جلسوا ليكملوا لهو ولعب، بينما غادرت مروه ومحمد المنزل، على عهد بأن يعيدوا الزيارة مرةً أخرى.
قامت لمياء من مع بيسان واتجهت نحو دولاب ملابسها، لكن لم يكن عندها الجرأه لفتحه، شعرت بيسان بما تريده لمياء، إبتسمت لها لأنها فهمت انها تريد أن ترى ملابسها واغراضها، اتجهت نحوها كي تبادر هي بفتح الدولاب وتريها ما تريد رؤيته.