الفصل التاسع و الثلاثون

وقف الشيخ أمام الباب الخاص بغرفة منى بالمشفى، ومن حوله الأطباء والشرطة افترش الارض ثم بدا بترتيل القرآن الكريم بصوت عذب، بينما في الداخل احتد صوت خشن بصراخ وقذف في الحائط جعل الجميع يخافون، اقترب أحمد من الباب ثم حرك يده على الحائط، شعر بإرتجاج الباب تحت يده، نظر جهة الشيخ ليجده يرتل دون توقف، زاد صوت الترتيل وزاد الصراخ بالداخل، شب حريق هائل بالغرفة ثم تلاه فتح الباب، حاول الجميع اخماد النار وإنقاذ منى بينما أحمد كان يشعر بالذهول، لم يتحرك خطوة من مكانة كانه شل، جلس الى جوار الشيخ الذي لم يتواني عن التوقف واكمل قرائه في كل هدوء،
انتهى الجميع من اطفي النار وانقاذ منى التى اصبحت مغيبة بفعل ما حدث لها وكذلك اعر اض الفيروس الذي يسيطر عليها، تم نقلها الي غرفة أخرى وجلس احمد امام الباب يقوم للشيخ بإنكسار:
- وبعدين يا شيخ هنعمل ايه، مرات اخويا كل يوم بضيع وانا مش عارف اعمل ايه، واخويا كمان عيان ونايم زى ما انت شايف، قولى نعمل ايه لو حد عرف بالا حصل مش هتعدى علي خير، طمنيني يا شيخ بالله.

انهي الشيخ تلاوة ثم قال بهدوء عكس ما يحدث خلفه:
- لكل اجلا كتاب اوعي تخاف من قدر ربنا لكن يابنى هى مضرورة ضرر كبير، يمكن هقول الكلام ده ليك لانك عارف كل حاجه من غير ما اتكلم ولا ادخل، بس زوجتك هى السبب في كل ده، و زوجة اخيك مقرر لها الموت المفجع، كل حاجه في حياتها صعبه هى مش نايمه بمزاجها دى مضرورة من اكتر نوع جن بيضر لذلك كان عايز ينتقم على انها اضرت، خلى يقينك بربنا كبير بس غصب عننا يا بنى الدنيا صعبة وكل حاجه في الدنيا جايه عليها.

هز رأسه بالموافقه بينما قاى في هدوؤ
- هو بيحصل كده ليه يعني، هتستفاد ايه.
- مفيش استفادة بس ساعات الغيرة بتعمى، خد بالك من مراتك واتقي ربنا فيها وسلم امرك لله يتبنى.

نكس احمد رأسه في خزى وقال
ـ مكنتش عارف انها هتكسرنى بالشكل ده انا عملت ايه غير حبيتها.
- قرب منها احتويها الست محتاجه حنان يبنى يقويها ويفرحها، بلاش تقسي وتوجع عشان متوجعكش في الاخر.

عم الصمت المكان ولم يستطيع الحديث ولا الكلام ولا ان يرفع عينيه بعين الشيخ.

وقف الشيخ في مكانه ثم تحرك ناحية غرفة منى الجديدة كى يرها ويطمئن عليها قبل ذهابه، كانت راقدة بسكون تام ومن حولها الاجهزة الخاصة بالتنفس تحيط بها من كل مكان اقترب منها ومع كل خطوة كان هناك دقه من دقات قلبها تعلو في المكان، لم يستطع التحمل وما يحدث لها فأقترب منها ثم رفع زجاجة صغيرة من ثيابه وبدا بوضع بعض القطرات منها بفمها، بعدها فاحت رائحة العطر في كل مكان ، انتفضت منى في سكونها العجيب من مكانها بينما هو نظر على حالتها وقال
"
لو علمتم يوما ما نحمل من أوجاعى لطال الفراق عمرًا



طال الفراق ومعه الهجر , وحمل قلبي من الهموم أطنان , لا أقوى على السير شبرًا واحد حتى أسقط في قاع الهموم وسواد القلوب , كيف لى العيش ؟
بين الناس دون حامى ولا سند , بعد رحيلك عنى ضاق صدرى , وبكيت من الدموع ما يزرع أرضً , فلا دمع يجف ولا هم يزول , هذا حالي كل رحيل , فالغربة مؤلمة والحنين موجع , والأشتياق يعطينا أملًا على اللقاء كل ثانية , صف لى الغربة من دون العشق , هل هي ظلمة موحشة تطفي القلب , أم آنين يزداد كل مرور وقت , هى تشبه الوردة في فصل الربيع تزهر وتترعرع ; فتحمل الأمطار رياح عاصفة كالتي في ديسمبر , وتقطلعها من جذورها فتصبح ذبلة بلا حياة ولا مأوى , وفاضت روحى بالإشتياق حد الإمتلاء من ذكريات تدعونا للحنين , فهل للهجر سنين أم عقود تُحسب من العمر , قد أفارق فيها الحياة والقلب مفعم بالجراح , فلا رحيل يقطع ولا شوق يدوم .
هكذا حظ قلبي المليء بالشوق للراحل عنى للغربة بلا موعد للقاء "

لقد راي فيها ابنته التي لم تك يتعدى عمرها العشرون لكنها فارقتهم بين ليلة وضحاها، لذلك عندما رأي منى وشعر بالحنين الى ابنته قرر جعلها تعيش وتصارع كى تحصل علي الحياة بكل ما فيها.

زاد الدمع علي وجهه وزاد معه ضعفه فأقترب منه عبدالله وهو يقول
- زعلان ليه يا احمد مفيش حاجه بايدينا
اجابه احمد بكسره
- الدنيا جاية علينا يا عبدالله واخويا ومراتي ومراته مش عارفه اشيل مين ولا مين.
ربت عبدالله على كتفه وقال
- انت قدها يا احمد وربنا يخليك ليهم ويبارك فيك.
نظر له احمد وقال
- وانت فاكر انك بطمني انت ناسي ان حياتنا وقفه هلي كريم، انا مش حمل الشغل ده كله، حتي لو هو متابع بالتلفون لكن الشغل كتير وانك تكون موجود غير انك بعيد
ايده عبدالله وقال
- فعلا خصوصا لما يكون شغل زى بتاعنا.
نظر له احمد في امتنان وقال
- من غيرك يا عبدالله مش عارف كنت هعمل ايه.
ولا حاجه يا احمد احنا اخوات
&&&&
في غرفه كريم جلست الى جواره تربت على شعره بحنو وهو يحتضن محمود ومعاذ واحمد في حضنه مما جعلها تبتسم بسعادة، كانت تشعر بالامتلاك في تلك اللحظة بعدما وجدت أن زوجها يحتضن اولاده بهذه القوة، شعر بها الي جواره ففتح عينيه ثم نظر لها فتلبكت هي من نظرته التى جعلتها غير مدركه لما يحدث الان، كانت نظرته غير معروفة لها جعلتها حائرة فوقفت من جواره ثم تحركت كى تخرج، مد يده ليمسك يدها قبل أن تخرج جذبها اليه برفق ثم قال
- اقعدى تاني
نفذت دون حديث وجلست بينما هو قال ولايزال ممسك بها
- هتقدرى تكملى وانتي شايله كل ده.
قبل ان ترد عليه قال
- الموضوع مش سهل يا هالة، صحيح جوازنا كان غلط بس هتتحملى معايا وتشيلى وتشوفينى بضحك معاها وانام في نفس المكان.
الدنيا كبيرة عليا يا هالة وكان نفسي ابعدك عنها لكن انتي اختارتي غصب عني مش هقدر اقولك لا، لكن كمان لازم تقدرى كل حاجه في حياتي.
هزت رأسها بالموافقة بينما دموعها كانت تشق طريقها على وجهها، اضحت الدنيا تضحك لها دون شعور لكنها لا تزال واقفه في مكانها دون حراك، قربها منه ببطء حرك مشاعرها ثم قبلها وهو يضمها الي صدره بتملك غريب، او ربما اضحى يعلم انه ظلمها ولابد من أن يعوضها على ما احدثه قبل الان، شعر بالراحة تغزو ملامحه وهى بين يديه ذائبه في العشق وهو يدرك أنها تحبه منذ زمن، فكر قليلا في حياته معها لكن لا مفر من بعض السعادة المسروقة من الزمن.
# يتبع
أجتمعت العائله علي العشاء جميعها لكن ينقصها منى التي تعانى من الموت المحتوم، يخشي أن يخبر أحد عن ما حدث لها لكنه رأي نظرات هالة الى كريم وادرك أنه لان يعانى من الفراق تلك المرة، اما هند فكانت شاردة تخشي أن تتركها الحياة دون أن تعطيها جزء من السعاده كما اعطت هالة، رفعت عينها تجاه أحمد لتجده يستقبل عينيها بسعادة وفرحة كادت تقتلها من شدتها، ظهرت البسمة على ملامحها التي اشرقت معها، ظل يناظر وهى تبتسم بخجل جعلها تندم على ما فعلت يوم به، لذلك قررت رك الماضي خلفها وفتح صفحه جديده معه وان تسطر بها كل بسمة وعشق سينولد على يده.
بينما هالة كانت لا ترفع عينها تجاهه فهو يشاغلها وعندما ادركت أن عبدالله ومنذر راوها لم تعد تنظر له، بينما عائشة كانت تفكر فيما حدث في الصباح وهل هى ظلمت منذر أم انه ضحك عليها، تخشي أن تصدق ما قاله وتكذب عينها، او تكذب عينها وتصدق ما رأته، كانت تعلم انها ستتألم من الحقيقة لذلك لم تفكر في معرفتها، رفعت عينها اتجاهه وجدته ينتظرها لكن تلك الدمعه الخائنة جعلته يدرك انها لا تزال تفكر فيما حدث، تمنى ان يضمها بين ذراعيه ويخبرها انه ملك لها فقد لكن مهلا قليلا.
&&&&&
في منزل بسمة كانت تتحرك في المطبخ تعد الطعام لتجده يقف خلفها ويقول
- في قطة هربانة من قفصها وماشية تتسحب ليه.
ضحكت بمرح ثم قالت وهى تلتف له
- القطة جعانة وعايزة تآكل.
- وأنا كمان جعان.
ابتعدت عنه وهى تقول
- طيب اقعد هحط الاكل يلا.
جذبها مرة اخره ثم قال امام شفتيها
- لا انا جعان حاجه تانية.
وقبل ان ترد عليه حملها بين ذراعيه جهة الغرفة الخاصة بهم في سعاده طغت علي حياتهم بعد حزن افقدهم شغفها.
&&&&&&
في منزل عبير كانت تحادث نسمة على الهاتف وتقول
- والله روحت يابنتي ليها وقولتلها سامحى منى وكمان انها تعبانه، بس تحسي انها مش عارفه تسامح، منى وكريم ظلموها ومن حقها كل حاجه.
- طيب يا امي ومنى عامله ايه دلوقتي.
- نايمه مش بتصحي ولا بتتحرك، خايفة يجرلها حاجه ابوكى مش هيسامحنى أبداً.
- مش تشيلى نفسك فوق طاقتك يا امى كفاية انك متحملة علشان كل حاجه.
- غصب عني يا نسمه والله.
ـ متقلقيش ابدا ربنا معانا يا امي.
- بإذن الله ياقلبي.
_ انتي عامله ايه وابنك
- الحمدلله بخير يا امي.
- عيد كويس.
- عيد ده هو الحاجه الوحيده اللي ربناا رزقني بيهاا ربنا يخليه لياا وميحرمنيش منه.
- يارب ياقلبي ويخليكي لينا وميحرمناش منك.
- صحيح يا امي هو سيد فين.
- سيد مع احمد وعبدالله شايل معاهم لانك عارفه ان جوز اختك تعبان.
- ربنا يعينه يارب ويشفي كريم واختى ياارب.
_يارب يابنتي.


&&&&&
كان يستمع حديثه معها وهى تقول عنه تلك الكلمات التى جعلته فرحنا بها وانها درته التى رزقه الله بها، ابتسم من قلبه على عطيت الله لها ثم قال.
_ كنت دايما زعلان أن ربنا اخد حاجات كتيره كنت بتمنى تفضل معايا لكن أنا النهارده ما بقتش محتاج حاجة غيرك معايا.
&&&&&
في المستشفى
في صحراء قاحلة يحيط بها الظلام من كل مكان تسير وحيدة دون أحد حتى شقيقتها وروحها ليست معها لترى من بعيد مقبرة ، شعُرت بالخوف والرهبة من المكان حاولت الهروب لكن للأسف ، تري المقبرة تقترب منها كيف هذا ، لكن فجاءة رأت بصيص نور نعم تراه بوضوح ، أسرعت باتجاهه لم تدرك كم من الوقت يمر عليها ، لكن الغريب هو روية أناس كثيرة ، ظهرت بسمة على وجهها لكن حينما اقتربت لم يكونون بشر ، كيف ل بشر الطيران أين أرجلهم وكيف لا يتلمسون الأرض أسفلهم ، دب الخوف أوصالها والفزع تريد الهروب لكن لا مفر ، الي اين المفر ، عندما اقتربت رأت اثنين منهم يحملون" لمبة جاز " وعيونهم تشبه النار التى بيد أحدهم والباقي خيال اسود ، لكن الغريب ان الاتنين أحدهم يرتدي شيء يشبه التاج لكن به نور أحمر يشبه الدم ، حين بدأت تستوعب الأمر وجدت جسدها محاط بيد سوداء بها أصابع تشبه مخالب القطط ، وجهه مخيف جدا يشبه القط البشع وشعره اسود يشبه الليل الكاحل ، ارادت الفرار لكنها كانت مقبله بيد فولاذية لم تستطيع التحرك خطوة واحدة ، لا تعلم ماذا حدث لها لكن لم تشعر بشيء بعدها سوا صوت شقيقتها ينادي ، أسرعت باستجابة نداءها وحمدت الله انه كان حلم لا اكثر ، نظرات أبيها وشي بيده أرعبها اكثر من الحلم المخيف لم تدرك ماذا يريد إلا عندما وجدت النار تحرقها ، لكن بعدها رأت والدها ملقي أرضًا وما بيده معلق في الهواء ، أسرعت بالاختباء تحتضن شقيقتها كانها تستمد منها القوة لكن اين هي القوة ؟ بعد الحلم المرعب، كانت تتصبب عرقا جعلها تدرك. انها ميتة لا محال، تحاول أن تفتح عينها لكن بهم شيء لا يردها ان تفتحهم، كان أمير بثيابه البيضاء الفاخرة ومعه الفرس بيده، اقترب منها يمد لها يده كى ترحل معه، دققت النظر في ملامحه لتجده ليس حبيبها، لم تنتظر لحظة فتحركت بالرجوع مرة أخرى لكنه لم يتركها تعود بلا اختطفها في لحظة على جواده ثم فر هاربه من تلك المدينة.
حاولت الخروج من ذلك الظلام لكن فجأة وجدت نفسها في منزل اخر بهوية آخر سوزان
&&&


ثار مثل الوحش الغاضب وراح يضربها بكل قوةً وهو لا يدري انها تعاني أضعاف مضاعفة من هذا الألم المبرح ، تعرضت لمراحل مختلفة من العذاب على مدار اليوم دون رحمة وأي إنسان يتحمل مثل هذا في يوم واحد مابال إذا كانت طفلة الحادية عشر .

~~~~~~~~~

في المشفى

تم عمل الإسعافات الأولية للسيدة العجوز وها هي ترقد الآن على فراش المشفى تتألم بعدما تم عمل جبيرة لها وبعض الردود للعظام ، دخل عليها محمد يحمل بعض العصائر بيده ل تتناولها لإعادة معدل ضغط الدم إلى الطبيعي بعدما تعرضت لانخفاضه ، إنتظر والده كثيراً وقد حان الليل لكنه لم يأتي فطلب سيارة اجرة من الخارج ليعود بصحبة والدته إلي البيت .

&&&&&&&

وصل الى المنزل يحمل والدته ثم ادخلها غرفتها لتأخذ قسط من الراحة فهي نائمة بفعل المخدر ، راى شقيقته شيماء تقف خارج غرفتها تبكي وتترجى والدها أنِ يفتح لها الباب فأسرع بإدخال والدته لكن طال انتظارها حتى عاد هو من غرفة أبيه اقترب منها ليرى ماذا حدث ؟ سمع صوت انينً من داخل الغرفة ووجد جسد شيماء يعبر عن مدى الالم الذي تعانيه شقيقتها ، فركل الباب الذي لم يكن يصعب فتحه فهو مغلق بمسمار ذو رأس مدبب عدة ركلات بقدمه ليفتح ؛ ليجد والده يضرب شقيقته الأخرى بلا رحمة وهي تنزف من رأسها ووجهها الذي اصبح شاحب اللون مائل إلى الأزرق والعلامات تدل علي مدي الضرر ، أسرع باتجاه ليزيح عنها ليجد أنها فقدت الوعي وبدأ جسدها بالتشنجات العصبية التي تصيبها حين تتعرض للصدمة ، كانت الدموع المعلقة بأهدابها تحكى كم المعاناة ام وجهها المتورم شيء آخر إنه ليس بشر يعاني من قسوة القلب بل هو متحجر القلب عديم الرحمة ، شعرت شيماء هي الأخرى بالاختناق لتزداد العاصفة الضبابية امام عينيها فراحت تصرخ ثم بعدها استسلمت للواقع المخيف ليسقط جسدها وتستقبله الأرض بصدر رحب .
أتى بعض الجيران على الصوت وأقبلوا لتكون الصدمة هي الرد المناسب على الصراخ ليقف الجميع كالأصنام بلا حراك ، كان أستاذهم وجارهم هو أول من أفاق من صدمته وراح يزيح محمد الجالس علي الأرض يحتضن شقيقته ويبكى على حالها ، ومسك يدها ليري نبضها فيجده ضعيف فصرخ بمحمد وأخبره بضرورة التحرك سريعا وحملها الي خارج المنزل ليضعها بالسيارة الخاصة به ، حينما عاد سريعا لأخذ محمد معه الذي لم يستطيع السير الي المشفي بينما لطفي لايزال جالس على حافة للفراش كما هو منذ ان ازاحه ابنه لا يتحرك ولا يلقى أي رد فعل منذ أن أدرك حاله وما تسبب فيه لابنته .
بينما شيماء راقدة علي الأرض فاقتربت منها حسناء التي أتت من منزل والدها هي وابنتها لترى بعض الأشخاص بالخارج يتحدثون عن قسوة وظلم الأب الذي فقد كل معاني الإنسانية في حق بناته التوأم وما قاسوه علي يده ، رفعت شيماء من الأرض ثم أخرجتها من الغرفة قاصدة غرفة شقيقهم الغائب عن الوطن .
ام ياسمينا الفتاة الرقيقة التي تشبه شقيقة ابيها الغالية سوزان تبكي علي حال شيماء ثم تقترب من جدها لتعلم لما هو صامت وشيماء ساقطة أرضًا لتقول ببراعة مثلها
-جدو مين زعق ليك وضرب شيمو !
- لا هي تعبانة شوية يا ياسمينا
كان هذا صوت والدتها ليرد عليها لطفي كمن أدرك حاله وهو يقول
-حمدالله علي سلامتك يا حسناء أنتِ وحبيبة جدو
- الله يسلمك يا عمي
- خدي بالك من البيت وحماتك !
ثم خرج مسرعًا ليترك الأخرى غارقة في صدمتها كيف تبدل حاله في ثواني معدودة
"حسناء زوجة محمد بن لطفي وأم ياسمينا تزور والدتها كل شهر لأنها بمحافظة اخرى ومسقط رأس الجميع ، تعود محملة لهم بالهدايا والطعام لكن هذه المرة مختلفه اختلاف تام "
أسرعت بترتيب غرفة التوأم ثم ذهبت باتجاه غرفة حماتها لترى ماذا بها وأين هي ؟ لتجدها نائمة والجبيرة بأحد اقدمها ، لتنظر في نقطة ما على جدار الغرفة وتبتسم ثم تعود إلى منزلها المجاور لهم .

******

جلس تحت شجرة التوت خلف المنزل فهي جلسته المفضلة وراح يسترجع ما فعله هو قاسي فعلا لكن لتلك الدرجة ، دمر أبنائه بفعلته وهو لم يدرك كيف توصل لهذا الفعل لا ما الدفع وراءه ! يتذكر ملامح شيماء الصادمة تليها إضرام النار بجسد كل منهم ثم فعل سوزان الذي لا يعلم كيف حدث ، ثم جريمته في حقها ظل حتى الثانية عشر ليلًا جالس ولا يعلم ماذا يفعل .

صرخات متتالية أخرجته من جلسته جعلت الفزع يتمكن منه هرول إلى المنزل ليرى ماذا هناك ؟ ليجد شيماء تصرخ لكنها لا تستيقظ فاقترب منها يوقظها بلطف عكس شخصيته ثم راح يضمها الي صدره لتهدأ قليلا ، استغربت حسناء تصرفه كثيراً لكن الغريب هدوء شيماء بين احضانه .

__________

أما في المشفى

صرخ الطبيب بالممرضات ما أن رآها وأمرهم بسرعة إدخالها غرفة العمليات لتضميد بعض الجروح ، ظلت حوالي ساعة ومن بعدها فحوصات ليخبرهم بضرورة ادخلها الى غرفة العناية الطبية نظرًا لدخولها غيبوبة اثر ارتجاج بالمخ ، صدمة إصابة محمد ومن معه عندما اخبرهم الطبيب بهذا ، ليسقط بعدما محمد ارضا بعدما خارت قدماه ولم تعد قادرة على حمله يكفي ما رآه اليوم كفيل بجعل الجبل يسقط من شدة ما تلاقي .

علي الجانب الآخر
يبكي أستاذها علي ما تعرضت له هذه الفتاة البريئة على يد اب متحجر القلب وراح يدعو عليه ان يذوق الالم والمعاناة التي تعانيها هي .

انتهي اليوم بالكثير من المعاناة الحقيقية لكل منهم يختلفا شكلها لكنها واحدة في النهاية ، قليل من الراحة هل سيكتفي القدر بهذا ام هناك ما يخفيه !

تضحك بكل غل وحقد علي ما وصلت له هذه العائلة وتتوعد بالكثير والكثير لهم دون رحمة ولا شفقة فهي رسمت دائرة انتقامها بالطريقة الصحيحة من وجهة نظرها لكن لا تدرك رحمة الله ولا ذنب ما تفعله .

____________

استيقظت عواطف علي صوت الصرخات فزعه لكن انقبض قلبها من الصوت ثم يليه شعورها بالاختناق وعدم الطمأنينة لتنادي على ابنتها
-شيماء ، شيماء ، ياشوزان
كنت تناديها عكس الناس لكنها لم تغضب يوما فهذه السيدة الأمية كانت تجد الحنان والطيبة بابنتها الجميلة ،أتت ياسمينا الي غرفة جدتها لتراها تبكي ففتحت ذراعيها لتلقي بنفسها في صدرها ، تربت عليها بحنان وتقول بلهفة
-قوليلي يا ياسمين مين بيصرخ برة
- عمتو شيماء يا تيته
- مالها يا قلب تيته
- بتصرخ وتعيط وهي نايمة
انقبض قلب الأم على ابنتها لتسألها
_ وعمتك شوزان فين !
-مش عارفة يا تيته بابا وعمتو فين
بكت الالم كما لم تبكي من قبل الان تيقنت أن ما تشعر به جراء إصابة توأمها بشي لكنها لا تستطيع الحركة كيف لها الآن الاطمئنان عليها ، انتبهت فجأة إلى القابعة بجوارها فقالت لها
_ ياسمين ساعدينى انزل
-استني يا ماما رايحه فين
كان هذا صوت حسناء التي ما ان رأت عواطف تحاول الحركة حتى أوقفتها تجيبها قائلة
-قلبي وجعني علي البنات هروح اشوفهم
- هما بخير مش تقلقى ده كابوس بس
لتسألها عواطف كانها تذكرت شي
-محمد جوزك فين وكمان شوزان ياسمين قالت انهم برة البيت
أومأت برأسها بالتأكيد ثم قالت
-سوزي جات لها أزمة الصدر ومحمد اخدها لدكتور
ضيقت عيناي عواطف كأنها لا تصدق ما تريد زوجة ابنها إقناعها به لكنها التزمت الصمت حتى تعرف بنفسها ما الذي يحدث .

********

ظلم محيط بها من كل مكان كانت تجلس هي وشقيقتها يلعبون معًا حتى شعرت هي بالتوعك فذهبت الى والدتها لتخبرها ؛ والتي أعطتها بعض الدواء لكن عندما عادت وجدت الفراش خالي ولا احد الي جوارها ، ظلت تبكي وتنادي عليها لكن لا مجيب ، صارت تبحث عنها لكنها ترى الظلام يكثر والمكان خالي من حولها ؛ فجاءة شعرت بأحد يمسك يدها ويسحبها إلى اتجاه النار ، تشبه فوهة اللهيب التي يستخدمها فيه بعض المناسبات لكن هذه باتجاه أفقي ومن المنتصف مفتوحه والنار تحيطها من الجوانب ، خوف سيطر عليها بدأت قطرات العرق تزداد علي جبينها حتى شعرت باليد تضغط عليّ يدها وتسحبها بالاتجاه وتجبرها الدخول فيه ، صرخت وصرخت حتى جف حلقها وعندما وجدته اختبأت بصدره تبكي وترتجف .

أدركت حالها عندما أتت حسناء لترى ماذا حدث لتبتعد عن ابيها وتبكي وحينما اقترب يضمها قالت
-طول عمرك قاسي ومتحملين ، عايز تقتلنا اقتلنا وريحنا ، تعبنا شوف
أشارت على آثار الحروق بيدها وقالت
-دي هتفضل علامة طول العمر تفكرني بيك ، وبقسوة قلبك ، ساعات يكون نفسي استخبي في حضنك واشتكيلك من عمايلك بس بقيت اخاف ، عارف يعني ايه بخاف ، طول عمري شايفة جبروتك علينا واسكت لكن انتَ النهاردة قتلت اي ذرة حب ليك في قلبِ ، عمرك ما فكرت تقرب مننا وتعاملنا زي اي اب ، لكن النهاردة فقدت كل حق ليك من ناحيتي .
أدارت بوجهها عنه ثم أزاحت دموعها وذهبت باتجاه غرفة والدتها تراها وتستمد منها القوي والدعم .
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي