الفصل التاسع ورد

في منزل "ورد" كان الأمر أشبه بالتحضير للعُرس؛ هذا هو المشهد من وجهة نظر الأهل، فهم كما يروا يحافظون على عفة وطهارة بناتهم، لم يعلموا أنهم بذلك ينتهكوا العفة وأن الطهارة بريئة من أفعالهم…
أضاء هاتف "ورد" بإشعار من صديقتها، فتأملته بابتسامة، وقرأت محتواه (تم دعوتك لتسجيل الإعجاب بصفحة اسمعني)، قبلت تسجيل الإعجاب بالصفحة لترى محتواها، وحينما علمت كان الأمر بالنسبة إليها أشبه بالغريق الذي يتعلق بقشة من أجل النجاة…
قامت بالضغط على خانة التعليقات وقررت أن تطلب المساعدة فكتبت:
- نحن ثلاث فتيات نتعرض لانتهاكات داخل منزلنا، نرجو المساعدة من إدارة الصفحة.
وماهي إلا لحظات وآتاها الرد:
-يرجى التواصل على رسائل الصفحة.
فقامت بالضغط على خانة الرسائل، وكادت أن تكتب لولا أن فاجأتها رسالة من الصفحة:
-السلام عليكم، معكِ الدكتورة رويدا مأمون، مؤسسة حملة اسمعني، كيف لي أن أساعدك؟
ابتسمت "ورد" وسارعت بالرد على الرسالة:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، شكرًا جزيلًا لاهتمامك بمساعدتي.
أرسلت "ورد" ردها، ثم تمهلت قليلًا لترتب أفكارها واسترسلت:
- اسمي "ورد محمد" أبلغ من العمر خمسة عشر عام؛ اليوم سيقوم أهلي بإجراء عملية الختان لي ولإبنتي خالتي ونحن لا نريد أن تتم هذه الجريمة بحقنا وهم لا يستمعوا إلينا ولا يريدوا أن يتفهموا، أتوسل إليك بأن تساعدينا.
تلقت "رويدا" الكلمات كالصاعقة، فهل يمكن أن تكون مثل تلك الأفكار العقيمة مازالت متواجدة ونحن بالقرن الحادي والعشرون، أين ذهبت الثقافة والعلم؟
تمالكت أفكارها، ثم بدأت تطرح الأسئلة على "ورد" وتتلقى منها أجوبة تفيد الغرض:
-هل أمك موافقة على ما سيتم؟
-نعم، تقول أنه من أجل الحفاظ علينا.
-هل أبديتن الاعتراض؟
-نعم، ولكنهم يديروا ظهورهم للحديث.
غصة بحلقها ودموع تجمعت بمقلتيها، لا يعقل أن تكون مثل هذه العادات الوحشية مازالت تُمارس، تمالكت نفسها وتابعت سائلة:
-ألا يوجد شخص كبير بالعائلة يقف معكن؟
بحزن عميق نابع من القلب أجابت ورد:
-العائلة بأجمعها مجتمعة لحضور حفل الطهارة، ولا يوجد بينهم من يمانع الأمر.
-حسنًا إذًا، اذهبن حالًا لأقرب قسم شرطة، وأنا سأبلغ نجدة الطفل و….
لم تستطع "رويدا" تكملة الكتابة حيث قاطعتها رسالة من "ورد" قبل أن تفقد الاتصال معها:
-لقد حضر الطبيب، ماذا أفعل دكتورة رويدا؟
-اهربن من المنزل، واذهبن لأقرب قسم شرطة.
لم يظهر أي استجابة للرسالة، فكتبت:
-ورد، هل أنتِ معي؟
ياورد، ارسلي رقم هاتف أو عنوان منزلكم حتى أستطيع التواصل معكِ.
تملكها التوتر والهلع بعد أن ظهرت أمامها جملة (كانت متصلة منذ خمس دقائق).
-أتعشم أن تكوني قد حسمتِ قرارك.
قرأت "دعاء" الرسالة وابتسمت في خبث، ثم أجابت:
-ماذا تقصد؟
-فلنكسي الجسد العاري بالعاري؛ هل هي موافقة على عرضي؟
بعثت له بالوجه الغاضب -رمز تعبيري بصندوق الدردشة- لتعلن عن رفضها لسؤاله، كانت تتقمص الدور وتتقن الخطة للإيقاع به، ثم كتبت:
-وإن كانت الإجابة لا؟
-لا تجعليني ألجأ إلى تنفيذ التهديد، هل نسيتِ أمر صورك التي يمكن أن تكون معروضة على كافة المواقع الإباحية بغضون دقائق وبضغطة واحدة؟
تمهلت قليلًا قبل أن ترد، فهي تريد أن يكرر تهديده لتمسك عليه دليل مادي…
بدأت تكتب وهي تمسح عرق متصبب على جبهتها، وبدا عليها الحذر:
-هذه الصور مفبركة والجميع سيعرف ذلك.
قهقه وكأنه يراها وهي تتحدث، ثم كتب ساخرًا:
-متى سيعلم الجميع؟
بعد أن تكون حياتك قد تدمرت، وخسرتِ زوجك وابنتك، ونظرة الاحترام في عيون المحيطين بك ودائرة المعارف؛ هوني عليكِ الأمر، لن يكون هناك سوىٰ لقاء واحد.
قطبت حاجبيها واعتلى ملامحها نظرة اشمئزاز، وحدثت نفسها قائلة:
-يالك من وغد.
بابتسامة ذئب باغتها المحدث بجملة تحثها على الاقتناع تقول:
-أبات ليلي بصرخات تناديك، ارحم آنات حيارىٰ.
ثم ارسل لها رمز وجه يغمز بعينه….
أجابته مسرعة ومثلت دور الخائفة، وكانت العبارة بهدف استفزازه:
-لا، لن أفعل، ولن أخون زوجي.
-إذًا إليكِ ماتريدين؛ سأقوم بتحميل الصور.
كلمات كتبها المتحدث إلى "دعاء" تحمل بين حروفها الغضب…
ابتسمت "دعاء" فهذا هو ماتريد، وأن يقوم بالضغط عليها والتهديد إن لما تجاريه فيما يريد، وبذلك تستطيع أن تصل إلى التسجيلات والرسائل التي تثبت تهديده لها وابتزازها…
عادت من شرودها وحاولت أن تتقمص شخصية المغلوب على أمرها، وراحت تكتب جمل متلاحقة:
-لا، أرجوك ألا تفعل،
سأفعل لك ماتريد،
لكن لا تفضحني.
ابتسم ظنًا منه أنه انتصر، ثم كتب:
-سأقوم بتجهيز مكان يليق بحسنك وجمالك؛ ستكون ليلة لن تنسيها.
لم يأته رد جملته الأخيرة، فتابع كتابته سائلًا:
-موافقة؟
لتجيبه "دعاء" باقتضاب:
-موافقة.
ثم ارسلت له وجه حزين كرمز تعبيري يعبر عن انكسارها، فأرسل لها الطرف المحدث بنفس اللحظة رمز تعبيري على شكل شفاة حمراء والذي يعني أنها قُبلة.
جلست "رويدا" بغرفة مكتبها تحاول أن تنجز موضوع الندوة، وتسطر الحالات التي تفاعلت مع حملتها الإلكترونية، وبينما كانت تفكر؛ جاءتها رسالة على "الفيس بوك" من حساب يحمل اسم بلا هوية…
فتحت الرسالة لتقرأ:
-السلام عليكم، لظروف شخصية أو لضمان السرية؛ أراسلك من حساب وهمي حتى لا يتم التعرف علي…
أنا متزوجة من سنة، في بداية زواجي ظننت أنها مشكلة بسيطة يمكن أن نجد لها حل بالتفاهم بيني وبين زوجي، ولكن حين أظهرت رفضي وانزعاجي من طبيعة العلاقة الحميمية؛ بدأ بتعنيفي وقول (أنت زوجتي ومُباح لي أن أفعل ما أشاء معك، وإلا فأين أذهب)، لاحظت عليه بعض التصرفات العدوانية وازداد الأمر سوء مع مرور الوقت، حتى أنه كان يتعمد أن يشعرني بالألم والوجع وقت الجماع، كان يربطني بالحبال ويقيدني ويطالني بالخضوع التام، وكنت أشعر أنه يتلذذ بصراخي وترك العلامات والكدمات على جسدي؛ كثيرًا ما كان يستخدم يده في عملية الإيلاج وادخال أشياء غريبة في مهبلي وأنا مكبلة، فذات مرة قام بإدخال يد فرشاة الشعر قائلًا أنها مداعبة، وحينما كنت أرفض ذلك الأسلوب كان يخضعني للضرب والإهانة متهمني بالنشوز، لجأت إلى عائلتي وأخبرتهم بما أتعرض له وبما يفعله معي زوجي ولكنهم عارضوني بشكل تام، قالوا أنه زوجي ويحق له أن يفعل ما يشاء، حتى إن والدي اتهمني بأنني عديمة الحياء لأني أخرج أسرار بيتي وهذا غير لائق، فاضطررت إلى أن أتعايش مع الأمر الواقع وأحاول التعديل من زوجي، ولكن العداونية زادت حتى أنه وصل لأن يضاجعني من الدبر، حين رفضت ذلك قام بضربي وأنا مكبلة اليد بالقدم واستخدم سلك كهربائي، كان الأمر أشبه بالجلد وكنت أصرخ لكل مرة يلمس فيها السلك جسدي ولذلك وضع شريط لاصق على فمي وأمرني بالاستمتاع؛ سبب لي ذلك سحجات وكدمات متفرقة على جسدي وتم نقلي إلى المستشفى لأن وضعي كان سيء، طلبت حينها من الطبيبة المعالجة اثبات ذلك في تقرير طبي لكنها رفضت وعللت ذلك بأنه لايوجد قانون يعاقب على الاغتصاب الزوجي، وتم تطليقي من بعد تلك المرة، بعد أن رأى أهلي حالتي والأثار التي كانت تنطق على جسدي).
أنهت "رويدا" قراءة وقد زهلت من موقف الأهل والطبيبة، ردت على صاحبة الرسالة تسألها:
-ماذا تريدين أن أفعل؟
هل تريدين مقاضاة طليقك؟
كتبت لها السيدة على الفور:
-لا، أريدك أن تسلطي على الضوء قضايا الاغتصاب الزوجي، واضطرابات السادية الجنسية بين الأزواج، لن أستطيع الإفصاح عن اسمي، ولكن يمكنك أن تستدلي بحكايتي بعد أن تضعي اسم مستعار.
أرسلت جملتها الأخيرة ثم قامت بإغلاق الحساب حتى لا يتم التواصل معها مرة أخرى، وبذلك لم تترك اختيار أمام "رويدا" سوىٰ اللجوء إلى اسم مستعار.
بداخل غرفة مستلقية على سرير أبيض، ومتدثرة بملاءة بيضاء…
حاولت تحريك جسدي فتألمت وكأن أحدهم ضربني بعصا على رأسي، أشعر بدوار شديد
ماهذا!
أنا فقط من بالغرفة، يبدو وكأن كل شيء ناصع البياض، فحتى الجدران مطاية باللون الأبيض!
مهلًا قليلًا، أسمع همهمات وهمس خافت خارج الغرفة، وصوت بكاء أعتقد.
أين أنا؟
حسنًا تذكرت، أنا "نور" عشرون عام، كنت عائدة من الجامعة برفقة صديقتي، حينها كان هناك من يمشي خلفنا ويتبعنا،
نعم، لقد هاجمني ذلك الشاب ومزق ثيابي…
لا، لا تفعل أرجوك
تعالت صرخات "نور" بعد إفاقتها، فهرع إليها الأطباء وكانت تسبقهم خطوات جدتها الوهنة، وبعد محاولات عديدة من الأطباء لتهدئتها لم يكن هناك سبيل إلا حقنها بمهديء يدفعها لسُبات عميق.
وبعد أن اطمأنت الجدة على حفيدتها ذهبت لتطمئن على صديقة مفيدتها والتي لا يختلف حالها كثيراً.


في الغرفة المجاورة لغرفة "نور" بالمستشفى؛ كان الوضع أكثر تعقيدًا، فهناك شابة عشرينية فقدت عذريتها نتيجة واقعة اغتصاب، وأم تنتحب لما وقع بابنتها، ووالد يتمنى لو أن ابنته ماتت قبل أن تلحق به العار.
-وما ذنبها هي؟
قالتها والدة "آية" وهي تصرخ وتدافع عن ابنتها أمام والدها، فأجابها بغضب وبعنف:
-ذنبها!
لم تدافع عن شرفها، بل استجابت ففعلوا ما يحلو لهم.
ثم تابع بلهجة أكثر حدة:
-إنه خطأي حين سمحت لها بالذهاب إلى الجامعة وإكمال دراستها.
قاطعته زوجته وهي تصرخ:
-أتلومها لأنها ضحية ومجني عليها؟
أخذت تنظر في عينيه، لم تتوقع هذا الجفاء منه، وأردفت:
-لأنها ضعيفة لا حول لها ولا قوة!
علام تلومها بالضبط؟!
هنا تدخلت الجدة محاولة تهدئة الموقف قائلة:
-هذا بلاء واختبار من الله، لا نملك إلا أن نصبر ونحتسب.
رفعت صوتها قليلًا لتأكد على قولها وتابعت:
-الفتاتان ليس لهما ذنب، فلماذا نسكب بنزين على النار؟
ونظرت إلى والد "آية" بنظرة لوم وقالت:
-أنت أولى الناس بالدفاع عن شرف ابنتك، لا أن تطعن فيه.
أنهت الجدة حديثها بلوم وحزن، والعبرات متجمدة في عينها تأبى ان تنهمر، ثم راحت تجلس بجانب والدة "آية" وأخذت تربت على على كتفها، فزاد بكاء الثانية وهي تردد:
-يارب، سترك يارب.
-صباح الخير يا بني.
قالتها بحنو وهي تحثه على الاستيقاظ، فنظر إليها بتزمر كعادته كل صباح، ولكن اليوم به شيء من التعب فلم يعترض على فتح نافذة غرفته وهو نائم بالرغم من تسلل آشعة الشمس، وكأنها متآمرة عليه وتحثه أيضًا على النهوض…
وهنا آتاه صوت والدته تكرر كلامها:
-صباح الخير يا بني، هيا الوقت افترب من الظهيرة.
أزاحت من عليه الغطاء وتابعت:
-أعددت لك الفطور.
فأجابها "عمر" بصوت غير متزن:
-أشعر بألم وصداع يقتلني.
نظرت له والدته بكل أسى وحزن، ثم جلست بجانبه على السرير، وبصوت مهزوز بسبب حزنها قالت:
-كل يوم تسهر خارج المنزل وتعود مع امتداد خيوط الفجر، لا أعلم إلى متى ستظل تتمادى هكذا في العبثية.
امتعض "عمر" وأشاح بوجهه بعيدًا وقال:
-أمي أرجوكِ ليس الآن،
-ليس الآن!
قالتها والدته بلهجة استهجان، ثم أكملت:
-حسنًا، انهض وسأعد لك قهوة لعلها تؤتي نفعًا.
أنهت جملتها الأخيرة وهي تخرج من الغرفة، ثم أردفت:
-ألم أخبرك؟
لقد وجدوا فتاتان ملقتان بالمنطقة المجاورة، يقولون أنهما اغتصبتا.
هب "عمر" من فراشه منتفضًا عند سماعه حديث والدته، وسألها متوجسًا:
-من أين علمتِ ذلك؟
-سمعتهم يتحدثون عن الأمر بالسوق، ورأيت رجال الشرطة تحيط المنطقة ورجال المباحث تحقق.
والتفتت له بنظرها وسألت:
-مالذي أفزعك؟
وقفن يسترقن السمع من وراء الباب، كلًا منهم بداخلها أفكار متضاربة، وتساؤلات حول ما سيحدث…
الخوف كان الشعور الوحيد المتقاسم بينهن، يتابعن بعضهن بنظرات حائرة لا تحمل كلمات، قطع حالة الصمت صوت بالخارج يسأل:
-بمن سنبدأ؟
ليجيبه صوتًا غريب على مسمعهن، يبدو وكأنه ليس من أفراد العائلة:
-اكبرهن.
ثم أكمل موضحًا:
-دائمًا الكبرى تكون الأعند والاشرس ولذلك تحتاج إلى جهد أكبر للسيطرة عليها.
وما إن أتم جملته شعرت "سارة" بوخذة في صدرها، وراحت الدموع تنهمر بلا وعي منها.
-لا تبكي يا سارة في هذا خير لنا.
قالتها "ريم" وهي تحتضن ابنة خالتها لتهون عليها الأمر الذي يعتبر من وجهة نظرها هو الصواب، ثم تابعت في إصرار وتأكيد:
- تلك الجراحة ستحمينا من الجنس وستحفظنا من التفكير فيه، لن تغلبنا الإغراءات.
ثم صمت قليلًا تنتظر ردًا على كلماتها، لكنها لم تجد إلا نظرات بشيء من اللا تصديق، فتابعت لتعزز حديثها:
- انا عن نفسي لن أترك احدًا يتذوق جسدي مثلما تفعل الفتيات الشهوانيات، كما أن هذا الفعل من أمور الدين.
- اصمتي، الدين بريء من جريمتهم.
قالتها "سارة" ثائرة، ثم تابعت وهي ترتجف وتبكي:
-إن كان الدين أمر بذلك؛ فلماذا خلقنا الله هكذا؟
وسط كل هذا الصراخ انزوت "ورد" في ركن بعيد بالغرفة، وضعت رأسها بين ركبتيها وكتمت بكائها، هي لا يعنيها إن كان ذلك خطأ أم صواب كل ما تعلمه ستتألم لذلك.
فتح باب الغرفة لتدخل سيدتين، احداهما خالة "ورد" وأم "سارة" وأشارت إلى ابنتها أن تأتي لأن الطبيب يريد أن يراها، ولكن الفتاة صرخت ورفضت أن تذهب معهم، فوجدت أمامها امرأة غليظة الملامح -مساعدة الطبيب- تصرخ بوجهها:
-هيا..
لا يوجد وقت لهذا الهراء، هناك آخريات تنتظر.
ثم سحبت "سارة" من يدها بعنف وتسقط على الأرض، حاولت التشبث بكرسي لكنه لم ينفعها أمام قوة السيدة الغليظة الاي كانت تجرها من يدها حتى وصلت الغرفة التي بها الطبيب وأدواته، ثم أغلقوا الباب عليهم من الداخل ولم يسمع حينها إلا صوت الصراخ
-ماذا بك؟
-لا أعلم كيف أنقذهن.
-من هن؟
بصوت يحمل قلق تابع:
-منذ بدأت بتفعبل تلك الحملة وأنت تحملين نفسك فوق طاقتها.
-أعلم، ولكن هذا واجبي؛ أشعر وكأنها قضية حياة وموت،
انظر!
وجهت إليه الشاشة لتريه المحادثة التي انتهت منذ قليل، ليصدمه ماقرأ
-وماذا ستفعلين؟
-إن كنت أعلم عنوان تلك الفتيات؛ لكنت اقتحمت منزلهم بقوة القانون،لكني لا أعرف العنوان ولا حتى رقم الهاتف، إني خائفة عليهن.
كانت تتحدث وهي تنظر لزوجها، شعور القهرة وقلة الحيلة جعل الدموع تلمع بمقلتيها، فقام واحتضنها وحاول طمأنتها قائلًا:
-فلننتظر ربما عادت تلك الطفلة وحدثتك.
أصدر هاتفها صوت استلام رسالة جعلها تنتفض من حضن زوجها، فقال لها معاتبًا:
-مابك، إنها رسالة!
-أعلم، ربما كانت من ورد.
وأسرعت تلتقط هاتفها في لهفة، ثم قالت بخيبة ظن:
-ليست ورد، إنها دعاء.
-ومن تلك أيضًا؟
قالها وهو يخبط بيده على جبهته، فأجابته "رويدا" لتوضح له:
-دعاء من ضمن المتفاعلات مع الحملة، شابة متزوجة وأم لطفلة.
-أهي أيضًا تتعرض لاضطهاد من عائلتها؟
قالها بشيء من السخرية، فقطبت "رويدا" حاجبها وأشارت بالسبابة في وجهه محذرة إياه:
-لا تستهين.
-تهديد!
قالها ثم قضم إصبعها مداعبًا وغمز بعينيه، فضحكت وعادت لحضنه ثم راحت تسرد:
-تتعرض للابتزاز.
صمت ليعطيها مجالًا للتكملة، فاسترسلت:
-شخصًا ما لا تعرفه يراسلها ويساومها إما أن تنفذ مايطلبه منها وترسل له مقاطع إباحية لها، أو يقوم بنشر صورها على مواقع لترويج الجنس.
-هل قامت بتقديم بلاغ رسمي؟
سألها بترقب، فأجابته:
-لا، كانت في البداية خائفة ولكني أقنعتها، ووضعنا خطة للإيقاع به بأدلة مادية ملموسة.
قطع حديثهما رسالة أخرى من "دعاء"، فقالت لزوجها:
-دعنا نرى ماعندها من جديد.
والتقطت هاتفها وفتحت الرسالة:
-السلام عليكم دكتورة رويدا،
دكتورة رويدا!!
-وعليكم السلام، كيف حالك؟
-بخير، لقد تحدثت مع ذاك الخبيث.
ارسلت جملتها وانتظرت قليلًا، وعندما لم تجد رد أكملت كتابة:
-قال أنه يريد أن يقابلني في مكان خاص به، وأنا وافقت كما طلبت أنتِ مني،
ماذا يأتي بعد ذلك؟
هزت "رويدا" رأسها متفهمة وكأن "دعاء" أمامها وتراها، ثم كتبت لها سائلة:
-هل أخبرك بالميعاد؟
-لا، لم يخبرني.
-حسنًا، لا تقلقي.
انتظرت رد من "دعاء" على جملتها الأخيرة ولكن لم يأتها شيء، فتابعت كتابة:
-لقد أخبرت زوجي بالقضية ومن الآن هو سيتابع معنا المستجدات، لا تقلقي يادعاء كلنا معك.
تنهدت "دعاء" وشعرت بارتياح نفسي وكأن "رويدا" بجانبها تربت على كتفها، ثم كتبت:
-أنا أثق بك دكتورة رويدا، ولن أدع هذا الحقير يفلت من العقاب.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي