الفصل الرابع عشر

بعد مرور ما يقرب من تسعة شهرًا، في إحدى المستشفيات كان هناك دوى لصوت فتاة تصرخ من شدة الإلم، وبجانبها زوجها الحنون يشدد من احتضان كفها بين يديه وفي قلبه خوف كبير، يدعُ الله أن تكون بخير، وتخرج إليه في أحسن حال، ولكنه يُصدم مما تتفوه به زوجته.
تقول ميرا بصراخ، منك لله يا حازم انت السبب، آآآآآآه مش قادرة حسبي الله فيك.
يقول حازم بدهشة، ده على أساس إنه ابني لوحدي يعني ولا ايه.
ردت ميرا صارخة، انت السبب بردو انتى اللى ضحكت عليا، مش مسامحاك يا حازم منك لله.
نظر إليها حازم بصدمة قائلًا، ضحكت عليكي، ليه شربتك حاجة أصفرة ولا ايه.
تصرخ في وجهه قائلة، أقعد ساكت مش عايزة اسمع صوتك منك لله.
تضحك ملك من بين دموعها على ما تتفوه به صديقتها الحمقاء، وأيضًا أسر يبتسم على ما قالت ميرا ويردد بداخله أن تكون بخير هي والجنين.
بعد حوالي نصف ساعة تخرج الطبيبة قائلة بعملية وابتسامة جميلة، مبارك يا دكتور حازم الولد بخير الحمدلله.
يقول حازم بلهفة، وميرا، طمنيني عليها.
ترد الطبية بنفس الإبتسامة، متقلقش المدام ميرا بخير الحمدلله هي هتتنقل دلوقتي أوضة عادية وتقدروا تدخلوا تتطمنوا عليها، عند إذنكم.
تقول ملك بفرحة وهي تحمل بين يديها الطفل الصغير، مبارك ليكم، ربنا يباركلكم فيه ويجعله ذرية صالحة وبار بيكم.
يردد حازم وهو محتضنًا ميرا بين يديه، اللهم آمين، الله يبارك فيكي يا ملك.
يبتسم أسر قائلًا، مبارك يا دكترة ربنا يبارك فيه، ها ناوي تسميه ايه.
يرد حازم مبتسمًا وهي يتطلع لميرا، ان شاء الله هيكون اسمه غيث.
تبتسم ملك بفرحة وتقول، الله اسم جميل خالص، اللهم بارك.
تأتى والدة ميرا وتحمل بين يديها الطفل ثم تقول، عقبالك يا ملك يا حبيبتي انتي وأسر لما أشيل عيالكم على إيدي ان شاء الله.
تتطلع ملك إلي أسر بخجل وتقول، ان شاء الله يا طنط.

بعد أن خرج الجميع حتى تستريح ميرا، تحدث حازم وهو مازال محتضنًا إياها، بقا بتحسبني عليا يا ميرا وكمان بتقوليلي مش طيقاك.
ردت ميرا ضاحكة، يا حبيبي متاخدش على كلامي ده كان ساعة غضب بس، ما انت لو كنت حاسس باللى أنا حاساه كنت هتقول اكتر من كدا، وبعدين يا حزومى ده أنت روح قلبي من جوا.
ابتسم حازم قائلًا، بعد ايه بقا ده أنتى فضحتينا في المستشفي والناس ضحكت علينا منك لله.
ضحكت ميرا وتحدثت، قلبك أبيض يا زومة بقا.
**********************************

بعد ذاك اليوم ببضعة أيام كانت ملك بمفردها في صيدليتها وفجاءة وجدت شابًا يبدو عليه السُكر، يتجول أمام الصيدلية والوقت كان متأخرًا فلم يكن يوجد أحد في الشوارع فتلك هى ليالي الشتاء الباردة، الجميع يجلس في بيته يناشد الدفء بين أفراد عائلته، فحملت هاتفها في تردد وقامت بطلب رقم أسر ثم قالت بخوف ظاهر في صوتها، ألو أسر.
يرد أسر بلهفة وقلق، ملك مال صوتك فيه ايه.
تقول ملك بتوتر، اسر، فيه شاب شكله سكران واقف قدام الصيدلية وأنا لوحدي وخايفة أخرج ممكن تيجي بس بسرعة يا أسر بالله عليك.
يقول أسر بلهفة واضحة، اهدي يا حبيبتي اهدي متقلقيش انا ثواني وهكون عندك اهدي ومتقفليش الخط.
ظل أسر يحاول أن يطمئن ملك حتى وجدها تقول بخوف كبير، أسر ده ده داخل الصيدلية، بسرعة يا أسر عشان خاطري.
يقول أسر بخوف عليها، متخافيش يا حبيبي أنا خلاص قربت اهو، ألو ألو ملك.
لقد قُطع الخط فجاءة وإذا بهاتفها قد انتهى شحنه، فأسرع في خطاه وكأنه يسابق الريح، خوفًا على تلك التى تسكن بين أعماق قلبه.

كانت ملك تقف خائفة بعد أن فصل الخط فوجدت ذاك الشاب يقول، من غير كلام كتير انتي هتيجي معايا من غير صوت كدا زي الشاطرة عشان حتى لو صوتي محدش هيسمعك.
ترد ملك قائلة بخوف، لو سمحت اخرج واتقى ربنا حرام عليك.
يقول الشاب بغضب، بقولك ايه مش عايز زن كتير اخلصي.
أمسك بذراعها في قوة لدرجة أنا شعرت ملك بيديها وكأن تنكسر، وقام بسحبها، فحاولت الصراخ، ولكنه وضع يده على فمها محاولًا اسكاتها.
كانت ملك تبكى وقلبها ينتفض خوفًا، تدعو الله أنا يأتي أسر في أسرع وقت.
كان ذاك الشاب يحاول إخراج ملك وهو مازال كاتمًا لصوتها حتى وجد من ينقض عليه ويبعده عنها، ثم أمسكه أسر وطرحه أرضًا، كان أسر يتشاجر مع ذلك الشاب ويلكمه بقوة حتى خرج الدم من فمه، ولكن الشاب وجد بجانبه كرسي من الخشب فحمله بيده وقام بضرب أسر في رأسه فنزفت رأسه دمًا، ثم طرحه الشاب أرضًا وفر هاربًا.
في ذلك كانت ملك تقف في الخلف ترتعد من الخوف على أسر حتى رأته ينزف فصرخت بقوة خوفًا عليه، وجرت تساعده على الوقوف والدموع تنهمر من عينيها، فقال أسر مطمئنًا لها، اهدى يا حبيبتي أنا كويس متخافيش.
فتقول ملك ببكاء، بس بس انت دماغك بتجيب دم.
احتضنها أسر وقال، اهدي بطلي عياط يا ملوكة أنا كويس والله، اهدي يا حبيبتي، انتي كويسة الحيوان ده عملك حاجة.
تحدثت ملك ببكاء، لا بس أنا أنا كنت خايفة أوي، كنت مرعوبة بجد، الحمدلله انك جيت في الوقت المناسب، ده أنا كنت حاسة ان قلبي هيوقف من الخوف.
رد مسرعًا، بعد الشر عنك يا ملك متقوليش كدا تاني.
بقيت ملك في أحضانه حتى هدأت تمامًا، ثم ساعدت أسر على الجلوس وقامت بتطهير جرحه ولفه بالشاش وقالت بأسف، أنا أسفة كل ده بسببي.
رد أسر قائلًا، ششش اوعي تتأسفي تاني، فداكي عمري كله.
ابتسمت ملك في خجل رغم بكائها.
*******************************
كان أسر عادًا من عمله كعادته كل يوم، ولكن حينما دخل إلي شقتها صُدم بشدة، حينما رأى ملك تقف مرتدية فستانًا أشبه بفستان الفرحِ، وشعرها ينسدل كأميرة توجت على عرشها.
ظل واقفًا مكانه لم يتحرك فاقتربت هى منه ووقفت أمامه، ثم أغمضت عيونها وقالت بخجل، عارفة انى اتأخرت أوي على الكلام ال هقول دلوقتي لكن الحقيقة اني بحبك، اكتشفت ان القلب مش بس بيحب مرة، واني وقعت في حبك من أول ما عيوني قابلت عيونك وقرأت جواها كلام كتير، كأنها كانت بتحكيلي قد ايه قلبك عانى في حبي رغم كدا فضلت ماسك فيا ومتبت، واتأكدت من حبي لما حسيت بالأمان في حضنك، رغم كل حاجة أنا وقعت أسيرة عشقك.
وقف مصدمًا مما سمع وقلبه ينبض بشدة وعينيه تلمع بلهفة، لا يعلم أكان ذاك حُلمًا، أم هو حقيقة، اقترب منها ببطىء واحتضنها وكأنه يحاول أن يتيقن مما سمع، بكى وهو مازال محتضنًا إياها، وقال، سنين كتير وأنا بدعى أن ربنا يرزقني حبك وأخيرًا بعد كل السنين دي ربنا استجاب، أنا مش عارف أقولك قد اي قلبي فرحان زي ما يكون طير اتحبس سنين طويلة وجت اللحظة اللى يخرج فيها ويطير في السما.
أبعدها عن أحضانه ونظر في أعيونها قائلًا بلهفة وعشق، بحبك يا ملك. ثم حملها بين يديه ودخل بها إلى غرفتهم صلي بها ركعتين ثم التف إليها واحتضنها قائلًا، مش مصدق ان حلم سنين طويلة اتحقق.
فردت هي قائلة، الأحلام اتخلقت عشان تتحقق، بس كل شيء وليه معاده وأكيد كل اللى حصل كان لحكمة من ربنا وأهم حاجة اني دلوقتي معاك.
اقترب منها واحتضنها بقوة وكأنه يريد إدخالها بين أضلعه.
*********************************
بعد مرور عامين،
قال أسر صارخًا، يا ملك تعالى لبسي أحمد، أنا مش عارف ألبسه وكدا هنتأخر على الفرح.
دخلت ملك الغرفة قائلة، انت على طول كدا مفيش منك فايدة أبدًا.
رد أسر متصنعًا الغضب، لا والله بقا كدا طب ماشي شوفي مين يجبلك شكولاته كل يوم.
ردت ملك بدلع انثوى، يا حبيبي هو أنا أقدر بردو ده أنت روحي يا أسورتي.
تحدث أسر قائلًا، لااا مفيش الكلام ده خلاص مش هتثبتيني لا.
اقتربت منه وطبعت قبله على خده قائلة، وأهون على قلب أسر.
رد عليها بحب، قلب أسر ميقدرش يعيش من غير ملاكه.

كانت أميرة ترتدي فستان زفافها وتتطلع لذاك الواقف منتظرًا إياها في لهفة، وبمجرد ما إن وقعت عينيه عليها، اقترب منها واحتضنها قائلًا، أحلى من رأت عيني.
فإبتسمت بخجل وقالت، بحبك أوي يا أدهومي.
ابتسم على خجلها وحملها ودار بها في الهواء حتى كاد أن يقع بها، أنزلها ثم تطلع بأعيونها وقال، قلب أدهم ودنيته يديمك ليا ويباركلي في وجودك يا أميرتي.

كان حازم وميرا يقفان سويًا، فتحدث قائلًا، هتفضلي مكشرة كدا كتير.
ردت ميرا بغضب، أيوا مش انت عملت اللى في دماغك.
أردف حازم قائلًا، يا حبيبي الفستان التاني كان ضيق وأنا بقا بغير على حبيبي من عيون الناس، ثم مش المهم الفستان لان انتى اللى بتحلى الفستان مش هو.
ابتسمت بخجل وقالت، حضرتك بتثبتني ماشي ماشي.
بادلها الإبتسام واحتضنها قائلًا، روح قلب حازم اللى بيتكسف.
رد غيث ابنهما قائلًا، بابي بطل قلة أدب.
صدم حازم من بجاحة ابنه وقال، قلة أدب، أنا قليل الأدب يا غيث.
رد غيث وقال، أيوا عشان بتعاكس مامي.
ضحكت ميرا على ابنها، وتطلع حازم إليها في صدمة قائلًا لابنه، وأنت مالك يالا مراتي وأنا حر فيها.
تحدث غيث قائلًا، لا دي مامي بتاعتي أنا، أنا بس اللى بحبها وأنا بس اللى أعاكسها.
نظر حازم إلى ميرا قائلًا لها، عجبك اللى ابنك بيقوله ده.
تحدثت ضاحكة، أيوا عجبني طبعا ده روح قلب ماما ده.
احتضنت غيث ونظرت إلى حازم وجدته يستشيط غضبًا من غيرته، فهو يغير عليها حتى من ابنهما، اقترب وسحب غيث من حضنها قائلًا له، ولا لو لمحتلك بتحضنها تاني هعلقك.
ضحكت ميرا على غيرته، وكانت تدعُ الله بقلبها أن يحفظ عائلتها الجميلة.


وعلى مقربة منهم كانت ملك تقف في القاعة تنظر بأعين تفيض بالسعادة وهى ترى أختها تقف بين أحضان زوجها في سعادة، فوجدت من يقوم بإحتضانها من الخلف وقال، حبيبي سرحان فيه ايه.
ردت عليه مبتسمة، أكيد فيك.
تحدث وهو رافعًا حاجبه، لا والله، يا بكاشة.
ضحكت قائلة، فرحانة بفرحة أميرة وميرا، وفرحتي الأكبر إنك معايا.
شدد من احتضانها وقال، مهما أتكلم مش هوصفلك ولو جزء بسيط من حبي أنا مش بس بحبك يا ملك ده انا تخطيت المرحلة دي من زمان أنا بعشق وجودك اللى محلى حياتي.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي