الفصل الرابع

نظر الطبيب إلى المريض، وقال:
- ريان!
تعجب الجميع أنه على معرفة مع ريان، وقال للممرضين سريعًا:
- جهزوا العمليات بـسرعة، جرح المريض بـيتفتح تاني.
بسنت بـقلق:
- أنا حاولت أوقف النزيف على قد ما اقدر.
نظر لها الدكتور بامتنان، وقال:
- شكرًا.
تعجبت بسنت من ردة فعله، ولهفة الطبيب عليه، وقالت:
- احنا هـنستنا هنا.
الطبيب:
- تمام.
ثم أدخلوه غرفة العمليات، كان الجميع بـالخارج على أعصابهم، بسنت تتمشى وهيَّ تفكر ما العلاقة بين الطبيب وليد وريان، وهي قلقة على ريان، ظلت هكذا حتى أتت والدتها وهي قلقة على وحيدتها، وقالت:
- بنتي، أنتي كويسة؟ مفيكيش حاجة صح؟
بسنت وهي تطبطب عليها قالت:
- إهدي يا حبيبتي أنا كويسة، أنا خليت الدكتور وليد هو اللي يعمل العملية لـ ريان.
أجلستها آمال، وقالت بـقلق ولهفة:
- قوليلي يا حبيبتي، إيه اللي حصل، ودا كله حصل إزاي؟!
اقتربت مها منهما، وقالت:
- إهدي يا طنط، إحنا كويسين بس مش عارفين ريان زميلنا حصله إيه، كل اللي حصل إننا كنا بـنزور صاحبتنا غادة؛ عشان والدتها اتوفت امبارح، وجينا نمشي أنا وبسنت لقينا ريان قدامنا وهو…ثم أخذت تبكي، ودموعها تنهمر بـشدة؛ فـاحتضنتها بسنت، وهي تقول:
- كله خير، بـإذن الله يقوم بـالسلامة.
الجميع كان بـالخارج على أعصابهم، ما عدا أيان الذي كان في عالم آخر، ولا يريد ترك أخاه.
في مكان آخر يسوده الظلام، كانت تجلس امرأة في مقتبل عمرها تقول:
- يعني إيه معرفتوش تصدرو البضاعة دي، أُمال أنا جايباكم ليه؟! عشان نتسلى هنا!
أحد الرجال قال بـرعب: يا أستاذة، معرفناش نوصل للعيال اللي بـيصدرولنا البضاعة على طول، كـإنهم فص ملح ودابوا.
وقفت المرأة، وهيَّ تقول بـغضب:
- عيال! بقا مخليين اللي يصدرولنا المخدرات عيال! أنتوا بهايم؟!
لم يتحمل الرجل الآخر ألفاظها البذيئة؛ فـقال:
- وليه الغلط دا؟!
فـ قامت بـضربه بـرصاصة في رأسه، وقالت:
- اخفوا جثته، وشوفوا رجالة اللي تصدر البضاعة أحسن من العيال اللي معتمدين عليهم في بضاعة تمنها ٢ مليون يا بهايم، ولو العيال دي ظهرت خلصوا عليهم؛ عشان يبقى سرنا مات معاهم، ماشي؟
هز الثلاث رجال رؤوسهم بـرعب منها، وإلا سيكون مصيرهم مثل مصير هذا الرجل، وقالوا:
- أوامرك.
ثم اختفوا من أمامها؛ فـأدارت المرأة رأسها، وقالت: هانت أهو، وهـوصلك.
في مكان آخر، وتحديدًا في مدينة نيويورك، كان هناك رجلان يقفان أمامه بـخوف، وهو يقول بـغضب عارم:
- إزاي البضاعة تتسرق، وأنتوا واقفين يا أغبياء؟!
أحدهم بـخفوت:
- أحنا كنا عارفين إن الشحنة هـتتسلم في الصحراء، وروحنا هناك، بس أما وصلنا طلع علينا ناس تانية، وكانوا ملثمين، معرفناش نشوف وشهم، حتى سرقوا البضاعة بعدها الشرطة جت، وإحنا بس اللي هربنا، وفي اتنين من رجالتنا إتقبض عليهم يا باشا.
المجهول:
- آه، وأي تاني حصل بعدها؟
الرجل الآخر: استخبينا في مصنع كان موجود هناك، والشرطة مكنتش هـتوصلوا عمومًا؛ لأنه كان بعيد عن مكان التسليم.
المجهول، وهو يخبط يده على كرسيه المتحرك:
- أنا عارف كويس مين اللي طلعوا عليكم، وهـوصلها
الرجل بـفضول:
- هي مين يا باشا، وأحنا نجيبهالك؟!
المجهول، وهو يجز على أسنانه، وقال:
- مـــــــــاهــــــــــي.
نظروا إليه بـرعب، وقالوا:
- ماهي البرنس!
المجهول بـغضب:
- هي.
أحدهم قال بـخوف: بس يا باشا، دى مبترحمش حد، وأسهل حاجة عندها القتل.
المجهول بـتفكير:
- وهو دا سلاحنا، هي معتبرة إن سلاحها الفتاك هو القتل، وأحنا مبنقتلش؛ لأننا تجار، عشان نستفاد من سلاحها لازم نتعاون معاها.
الرجل الآخر بـمقاطعة:
- آسف إني بـقاطع حضرتك، بس ماهي البرنس فعلا معندهاش رحمة، ولو شافت الباشا ممكن تقتله من غير رحمة، متنساش إن حضرتك سبق وعلمت عليها يعني.
ضحك المجهول، قال:
- أنت شايف حالتي دلوقتي مبقيتش عارف أقف على رجلي، ودا بسببها برضو، صح إني قتلتلها بنتها الوحيدة، وهيَّ دبرتلي حادثة، وخليتني عاجز بس أنا مش مجرم؛ لأن بنتها لسه عايشة.
نظروا الاثنان له بـصدمة، وقالوا:
- إيه!
المجهول بـتساؤل:
- مالكم بـتبصولي ليه؟! أنا مش قاتل؛ عشان أقتل طفلة عمرها سنة ونص.
الاثنان في صوت واحد قالوا:
- أمال البنت فين لحد دلوقتي؟!
المجهول:
- سيبتها قدام ملجأ أيتام، هـديكوا عنوانه في مصر تروحوا تسألوا عليها، وأنا كمان نازل مصر.
الرجل الآخر:
- بس يا باشا دا خطر عليك!
المجهول:
- مش عايز ماهي تعرف إن بنتها لسه عايشة غير مني.
الاثنان:
- اللي تؤمر بيه يا باشا، معاك حق؛ عشان برضو نبعد عن الشرطة فترة.
المجهول:
- يبقى جهزوا كل الورق، ونبقى ننزل مصر قريب.
الاثنان:
- أمرك.
ثم ذهب كلاهما من أمامه؛ فـتدحرج بـالكرسي المتحرك حتى دخل إلى مكان ما، كان ظلاما دامسًا، وتوجد صور ما معلقة عـلى الجدران؛ فـأمسك صورة امرأة منهم، وقال:
- بحبك!
في المشفى أطفئت اللمبة؛ لـ تعلن انتهاء العملية، ثم خرج الطبيب، وقال بـابتسامة:
- العملية نجحت، بس لـلأسف المريض دخل في غيبوبة.
صدم الجميع، وقال أيان بـلهفة:
- وهـيفوق أمتى؟!
الطبيب بـحزن:
- مع الأسف دا بـإيد ربنا، هو اللي قادر يخليه يفوق قريب بـإذنه.
الجميع:
- بإذن الله.
بسنت بـفضول:
- ممكن حضرتك تيجي معايا شوية؟
وكـأنه فهم أنها سـتتحدث عنه، وعن علاقته بـريان؛ فـقال:
- معلش إسبقيني على مكتبي، وأنا جاي.
بسنت:
- تمام.
تعجبت الأم، وقالت وهي توجه حديثها إلى ابنتها:
- في ايه يا بنتي؟!
بسنت بـابتسامة متعبة:
- متقلقيش علي بس هسأل الدكتور كام سؤال كدا وهـاجي، خليكي هنا مش هـتأخر.
آمال:
- تمام.
ذهبت بسنت، تحت أنظار أيان الذي كان يشك بـأي شيء يحدث؛ فـأمسك يد بسنت، وقال: جاي معاكي، أنا كمان من حقي أعرف إيه اللي بـيربط بين الدكتور، وريان أخويا.
نظرت بسنت إلى الدكتور وليد، وقالت بـهدوء:
- أظن إنه من حقه يعرف كل حاجة برضو!
ابتسم وليد، وقال مؤكدًا:
- تمام على مكتبي، وأنا جاي وراكم.
أيان وبسنت:
- تمام.
ذهب ريان وبسنت إلى المكتب؛ فـ جلسوا، وقالت بسنت بـإستغراب:
- هو انت إزاي مش عارف العلاقة بينهم أي؟!
أيان بـشموخ:
- بـصراحة ريان مكنش بـ يقولي كل حاجة بـتحصل معاه، ودايما بحس إنه مخبي حاجات كتير عني، و إني لازم أنا اللي أكتشفها مع الوقت.
بسنت بـاستهزاء قليلًا:
- مع إنكم تؤام يعني، مش عارفة إزاي متعرفوش حاجة عن بعض!
أجابها بـاستهزاء أيضًا:
- ما أنتي برضو منعرفش عنك حاجة، شوفي أنتي محطوطة فين دلوقتي معانا، وحصلك من ورانا أي، ومع كل دا مكملة معانا، وإحنا منعرفش حتى اسم عيلتك أي!
كادت أن ترد بسنت عليه، ولكن قاطعها بـحديثه، وقال:
- مش لازم، كدا كدا أخرك معانا إنهاردة، مش هـنقدر نسببلك مشاكل أكتر من كدا.
بسنت بـهدوء:
- ريان زميلي، وأنت كمان، وأي إن كان اللي حصل في أول مرة إتعرفنا فيها، بس مع الوقت هـناخد على بعض.
أيان بـشك:
- مش متأكد.
بسنت:
- أنا بقى متأكدة نتراهن، ونشوف.
كان أيان مقتنعًا أنها لا تستطيع أن تكون صديقته؛ لـهذا قال:
- وأنا موافق.
ابتسمت بسنت، وعملت حركة إصبع مثلما يفعلوها الأصدقاء، وقالت: يلا حطوا.
استغرب أيان؛ ولكنه فعلها، وقال: أهو ع…
كاد أن يتحدث، ولكن قاطعهم دلوف وليد، وهو يقول مرحِبًا:
- أهلا بيكم.
بسنت بـابتسامة:
- أهلا بـحضرتك، ممكن أعرف…
كادت أن تكمل، ولكن قاطعها الدكتور وليد، وقال:
- عارف أنتوا عايزين تعرفوا أي، عاوزين تعرفوا أنا أعرف ريان منين، وإزاي، وأما شوفتوا إنصدمت أنه ريان اللي معمول فيه الحادث دا، شاب في عمر الزهور يبقى في حادثة في منتهى البشاعة دي!
أيان بـحزن:
- طيب أنا ممكن أعرف دلوقتي اي بـيربط أخويا بـحضرتك؟!
الدكتور وليد:
- ممكن طبعا، بصوا من حوالي 4 سنين كدا، أنا مكنتش لسه إتعينت هنا في المستشفى، كنت لسه مبتدئ لـرعاية الشباب، وأطفال ملاجئ الأيتام في الوقت دا، شوفت شاب صغير كان قاعد موجود وقتها، قاعد وكان معاه واحدة كبيرة في السن يعني مش بنت، المهم مكنتش عارف وقتها ومهتميتش، بـصراحة اللي شدني أوى الشاب؛ لأنه كان وحيد جدا، وكانت ملامحه حزينة، وأنا كنت خلصت ورديتي في المستشفى وكنت خارج أفطر؛ فـقعدت جمبه وأنا في الوقت دا كانت حالتي وحشة جدا أما قعدت جمبه، وحكيتله اللي مدايقني قالي كلمة عمري ما هنساها، وكلمته دى هيَّ اللي غيرتني لـلأحسن دلوقتي، قالي (كل حاجة بـتحصل ليها سبب، والسبب أحنا اللي بـ نديله الدافع إنه يحصل، وعشان نمنعه لازم نحارب إنه ميحصلش) بعدها سابني ومشي، و بعدها بـتلات سنين قابلت نفس الشاب تاني وكانت صدفة، إتقابلنا وقعدنا نتكلم كتير، ووقتها عرفت اسمه وإنه لي أخ تؤام وأن الملجأ قدمله فرصة هو وأخوه التؤام إنهم يدرسوا في مدرسة ثانوية خاصة؛ لأنهم كانوا بـيتعلموا في الملجأ ويشتغلوا، ودا خلاه يكبر في عيني أكتر، إقترحت عليه يجي وأخلي أي حد يعلموا التمريض ويشتغل هنا معانا في المستشفى، بس هو رفض وفكرني بـالجملة اللي قالهالي من أربع سنين..
ثم عطش ووقف؛ كي يجلب له ماء، وهو يكمل بعدها مشي ويقول:
- مشوفتوش غير إنهاردة، واللي حصل إنهاردة دا أكدلي اللي قالهولي من أربع سنين، اللي حصل معاه دا أكيد لي سبب، أنا عاوزكم حالا تحكولي اللي حصل دا، وحصل إزاي عشان أقدر أتصرف وقتها.
حكت له بسنت كل شيء حدث؛ فـقال:
- يبقى أكيد في حد خبطوا عن قصد.
أيان:
- بس مين لي مصلحة أنه يقتل أخويا، هو مبيبنش هو عايز اي!
الدكتور وليد:
- وممكن يكون اللي خبطوا مكنش قاصد بس خاف، وممكن يكون قاصد، وخبطوا وهرب.
بسنت بـحيرة:
- مش عارفة الحقيقة، بس لازم نعرف كل حاجة.
الدكتور وليد:
- بس لازم نبلغ الشرطة، هي اللي تقدر تفتح تحقيق رسمي مع كله، وتقدر تعرف مين اللي خبط ريان.
كاد أن يتكلم أيان؛ ولكن قاطعته بسنت، وقالت:
- لا، الشرطة مش هـتقدر تحل حاجة، دي حاجة فينا أحنا، احنا بس اللي نقدر نحلها، الشرطة ممكن يقعدوا يحققوا، وكل حاجة بس مفيش كاميرات في الفيلا من برا؛ لإني دخلت الفيلا وأنا قبل ما أدخلها كنت بـبص حواليا إذا كان فيه كاميرات ولا لا، عشان برضو لو حصل حاجة، والإحتياط واجب يعني، لقيت كاميرا واحدة، وأتمنى أنها تكون شغالة، لازم بس ناخد الإذن من غادة الأول، أو نسألها إذا كانت الكاميرا شغالة ولا لا، بس أعتقد أنها شغالة؛ لأن مستحيل ميكونش فيه كاميرات في البيت لـ واحدة وبنتها.
أيان بـ تفكير:
- نفس رأيك.
الدكتور وليد:
- أتفق معاكي.
بسنت بـ تفكير:
- مش عايزين أي حد يعرف اي حاجة عن كلامنا، حتى أما هـنيجي نسأل غادة عن الكاميرا لازم يكون سؤالنا موجه ليها هيَّ بس.
أيان:
- معاكي حق، بس مين يقدر يسألها عـ الكاميرا؟
بسنت بـتفكير، ثم قالت:
- مفيش غير واحد بس.
أيان بـلهفة:
- مين هو؟
بسنت بـغمزة:
- يعني مش عارف مين! مفيش غيره.
أيان:
- بـتفكري في اللي بفكر فيه، بس بـصراحة أنا مبطمنش لـكريم، دايما بحس إنه وراه سر في حياته.
بسنت:
- أنا برضو لاحظت أنه غامض، ومتكبر شوية، بس برضو هـيبقا سؤالنا لي غير مباشر وقتها، هـنعرف أي اللي حصل مع ريان.
أيان:
- قصدك إن السر كله مع كريم!
بسنت:
- لا قصدى إن الشك كله على كريم؛ لأن مفيش غيره اللي خرج الأول بعده ريان، ومفيش أي حد مننا خرج بعدهم، ولا حد إختفى حتى.
الدكتور وليد بـتفكير:
- قصدكم إنه ممكن اللي يكون اللي اسمه كريم دا هو اللي خبط ريان؟
بسنت بـصرامة:
- مش بعيد يعملها، من أول يوم شوفته فيه وأنا حاسة إنه غامض، وفي نفس الوقت مندمج مع غادة أكتر، لـدرجة إننا لما روحنا هناك عشان نعزى غادة في والدتها لقينا غادة حاضنة كريم، ودا مش يعني بس إنها بـتحبه، لا وكمان مستعدة تعمل أي حاجة عشانه؛ لأن الحب أعمى زي ما بنقول.
أيان:
- بـصراحة كلامك كله صح؛ لأن كلنا عارفين إن غادة بـتحب كريم، وكمان عارفين إن كريم مبيحبهاش، أو بـيمثل إنه بـ يحبها، بس هيا اللي مش عايزة تتقبل فكرة إنه مبيحبهاش.
الدكتور:
- بس لقيتها.
الاتنان نظرا لي، وقالوا:
- اي اللي لقيته؟!
الدكتور وليد قال:
- اللي هـيخلينا نعرف مين اللي خبط ريان، هي غادة نفسها مش كريم.
بسنت بـاستغراب:
- إزاي؟! والشك كله على كريم!
وليد:
- ما أحنا مينفعش نسأل كريم، ونقوله إنت اللي خبط ريان بـ عربيتك و لا لا!
بسنت: مش فاهمة!
الدكتور وليد:
- إنتوا اللي لازم تتعاونوا مع بعض، وتحلوا اللغز دا؛ لإن دى جريمة محاولة قتل، وأنا عشان إحترام والدك ليا، وإحترامي لي مش هـبلغ الشرطة، وهـسيبلكم أنتوا تحلوا لغز الجريمة دي.
بسنت وأيان في صوت واحد:
- أي!
انتظروا الفصل الخامس بـ قلمي نهار أحمد (القناع)
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي