الفصل الثالث

دلفت مروه إلي المنزل بعد يوم طويل مرهق, لم تجد عاصم في الشقة بحثت عليه بعينيها في غرفة الصالون ولم تجده أيضا، تنهدت بضيق وهي تصعد إلي غرفتها قالت بعصبية وهي تغلي من الداخل كبركان مشتعل لا يهدأ:
_ اكيد راح للبنت الملزقة دي طيب أنا هوريك يا عاصم
قالتها وابتسمت بخبث وهي تخرج دعوة للحفلة من حقيبتها، نظرت إليها بإصرار ووضعتها علي الطاولة جوارها ثم غيرت ثيابها بثياب منزلية مريحة وعندما لم يأتي عاصم تنهدت بضيق وقررت أن تستريح علي فراشها قليلا حتي يأتي ولم تشعر بنفسها وهي تنسحب بعيدا لعالم الأحلام فيبدو أن يومها كان حافلا للغاية, بعد وقت ليس طويلا استيقظت من نومها علي صوت طرقات علي الباب وصوت عاصم يصل إلي أذنيها بوضوح هاتفا بهدوء:
_ مروه اصحي علشان تتعشي
_ حاضر
قالتها بصوت ناعس وهي تتقلب بالفراش ثم أزاحت الغطاء عن جسدها الصغير بهدوء ودلفت للمرحاض لتغسل وجهها قليلا علها تفوق قليلا من أثر النوم، خرجت بهدوء بعد أن ربطت شعرها بشكل جذاب ثم نزلت للأسفل بخطوات بطيئة وبها بعض الكسل بحثت بعينيها عن عاصم فوجدته يجلس علي رأس الطاولة ينتظر قدومها اتجهت إليه مباشرة بدون حديث، سحبت كرسيها وجلست برقة علي الكرسي الملاصق له تماما فهي حتي إذا كانت غاضبة منه لا يمكنها البقاء بعيد عنه فهو أمانها مهمها حدث، قال بإعتذار:
_ أسف علشان اتعصبت عليكي
نظرت إليه بحب وقد نست حقا غضبها منه فقالت بهيام وعيون واسعة:
_ أنا كمان أسفة
قالتها بإعتذار وقد تناست الكرامة وذلك القلب الذي يدق بين أضلعها يخونها مرة أخري
ابتسم لها بعينيه التي تسحرها وتأخذ عقلها بعيدا هامسا برقة مؤكدا حبه لها:
_ حبيبتي يا ناس إنتي أغلي حد عندي يا مروه وخليكى فاكره ده كويس
قالها بهدوء ثم نهض من مكانه ودلف إلي المطبخ وهي تراقب حركته بهيام، تحبه بجنون وهو حتي لا يعلم بذلك العشق لقد تخطت الحب بمراحل فقد باتت تغير عليه من أي أنثي تقترب منه فما بالك بتلك الفتاة التي كانت ملاصقة له, عندما تذكرت عاصم والفتاة معا بغرفته يقبلون بعض أظلمت عينيها بكره كبير وعقلها الصغير لم يرحمها بل أعاد إليها مشاهد إعطائه لها تلك الحبوب المنومة فقط من أجل البقاء مع تلك الملونة ليتم خيانتها, ضغطت علي شفاهها بغضب وقسوة هامسة بعصبية من نفسها وحماقتها:
_ غبية وبيضحك عليكي بكلمتين
قامت مروه من مكانها وجاءت لتصعد غرفتها بهدوء فعليها أن تنسي ما حدث وتعود لمذاكرتها لكن أوقفها صوته الهادئ وهو ينادي عليها بلطف كالعادة:
_ استني يا مروه
نظرت إليه فوجدته يمد يده لها بالحبوب نظرت إلي يده بحزن ورفعت عينيها لعينيه ترمقه بحزن لقد كسر قلبها للمرة التي نسيت عدها، مدت يدها بتردد وسحبت الحبوب من بين أنامله وبلعتها بالماء أمامه ولكن الحقيقة هي احتفظت بها في فمها وقالت بهدوء:
_ شكرا يا ابيه
صعدت إلي غرفتها ودخلت وهي تشعر بالخذلان منه وقررت أن تنتظر زوجة عمها لتحكي لها ما فعله عاصم، تعلم أنها ستساعدها ولن تسمح لعاصم أن يؤذي قلبها بهذا الشكل القاسي وقفت أمام المرآه
_ ما أنا حلوه أهو ليه ما بيحبنيش؟ طيب انا هخليك تندم يا عاصم
قالتها واتجهت إلي خزنة الثياب وأخرجت فستان أحمر قصير مفتوح من الظهر لنصفه وهو يصل تحت الركبة بمسافة صغيرة، ارتدته ثم وقفت أمام المرآة دارت حول نفسها وصفرت بمرح:
_ مزه
وضعت يدها علي شفاهها بسرعة تكتم صوتها ولكن أضاء هاتفها فقط وضعته علي وضع الصامت ووصلتها رسالة علي الواتس
_ هشوفك انهارده يا حب بلاش تلبسي قصير علشان بغير عليكي اووي
تنهدت بغيظ وأرسلت له
_ حل عني بقي يا أخي لو انت راجل عرفني نفسك مش مستخبي ورا رقم
بعت رسالة ثانية ولكنها لم تفتحها ولم تهتم حتي
ورنت على غاده لكي تجهز هي الآخري، شعرت به يقترب من الغرفة فاتسعت عينيها بخضة لذا تظاهرت بالنوم وهي ترمي نفسها علي الفراش بسرعة ثم رفعت الغطاء علي جسدها كله حتي لا يظهر أي جزء من الفستان فينكشف أمرها، شعرت به يدلف للغرفة فأغمضت عينيها بقوة ضاغطة عليهم، أقترب منها بلطف وقبل وجنتها ثم خرج بهدوء وكأنه لم يسبب إعصار كبير بقلبها بفعلته تلك، فتحت عينيها بهدوء ونظرت مكانه بحزن شديد سمعت صوت سيارته تتحرك فعلمت أنه خرج وهذا يعني أنها فرصتها هي الآخري للخروج فقد حان وقت التمرد، وقفت أمام المرآه ووضعت الكثير من مساحيق التجميل كانت فاقدة الثقة بنفسها وأرادت أن تشعر أنها جميلة ومرغوب فيها أرادت أن توصل إليه رسالة أنها جميلة والجميع سيقع بعشقها, سيجري الشباب خلفها يلهثون كالكلاب، هي أرادت أن تشعر بالحب وأنها تستحق الحب, انسحبت بهدوء وخرجت من المنزل.
دخلت القاعة وراسمة ابتسامة مزيفة على وجهها وجنبها غادة، أقترب منهما وعينيه كلها حب أو خبث لا يمكن أن تحدد من شخصيته الغامضة وكما أنه معروف انه (بتاع بنات)
_ مش مصدق عيني البرنسيسة مروة بنفسها مشرفاني في حفلتي المتواضعة ووافقت تكون ضيفتي الجميلة
قالها ومسك ايديها بطريقة رومانسية وقبلها بحب وعينيه على عينيها انكسفت وسحبتها بسرعة رأت ضحكته الخبيثة وقالت بتوتر:
_ شكرا يا إياد
ابتسم وانتبه لغادة التي تقف بجوار مروه وقال لها بهدوء:
_ ازيك يا غاده
قالها ورفع ايديها وقبلها برقة، رفعت حاجبها ومستغربة منه منفتح زيادة عن اللزوم
_ شرفتوني يا بنات تعالوا اعرفكم على أهلي
وتحركوا معه للمكان الذي أشار إليه فوجدوا عائلة جميلة وأنيقة
_ ماما اعرفك على مروه إلى حكتلك عنها قبل كده
قالها لوالدته التي نظرت إلي مروه بتقييم ثم مدت ايديها تسلم عليها بلطف وقالت بحب:
_ طلعتي جميلة ذي ما تخيلتك بالضبط, اياد حبيبي دايما بيكلمني عنك وكنت عايزه أشوف البنت إلى بيحبها
فتحت مروه عينيها بصدمة ونظرت عليه بغيظ وهو اتحرج ووضع ايده على قفاه بتوتر من كلام والدته ونظرات مروه الحادة له.
_ بيحبني هو قال كده
ضحكت والدته وقالت بحرج
_ مش بالضبط اووي, بس أنا أم وبفهم ابني من نظره, اهتمامه الزيادة بيكي معناها إيه يا متعلمه
_ ماما لو سمحتي
حاول اسكاتها ولكنها استمرت بالحديث
_ اسكت يا واد انت, أنا ما صدقت اشوف مرات ابني المستقبلية
قالتها بعشم كبير، وفى أذنه همست أخر كلماتها حتي لا تسمعها مروه
ضغطت مروه على شفاهها ولكن من داخلها تشعر بفرحة غامرة لوجود من يحبها ويعشقها لهذا الحد، فقد رفع من معنوياتها وأشعرها أنها جميلة بحق وأنقذت مروه من هذا الموقف الصعب غادة التي ابتسمت بود وقالت وهي تمد يدها بهدوء:
_ أنا غادة زميلتهم يا طنط اتشرفت بمعرفتك
سلمت عليها بحب رغم أنهم عائلة غنية وحفلات ولكن والدته تمثل الأم المصرية الأصيلة التي تعشق أبنائها وتخاف عليهم وتتمني الخير لهم دائما، قطع تلك اللحظات الهادئة الشخص الذي تبغضه مروه ووجوده في محيطها يجعلها تشعر بالغضب والعصبية أنه فارس الذي اقترب وقال:
_ خالتي حبيبتي
قالها وحضنها بهدوء جعل مروه تتراجع خطوة واحدة للخلف وهي تعرف حقيقة صدمتها وهي أن فارس وإياد يبقوا ولاد خالات والأثنين متعلقين بها, سمعت غادة بتقول لها بدهشة ومرح لكن بنبره هامسة حتي لا يسمعها غير مروه
_ أوبس يا حلوه وقعتي الأخوات في بعض
نظرت مروه إلي غادة بضحكة ستتحول لبكاء ووجه أحمر من الحرج
_ أنا مالي هم إلى غاوين وجع قلب يله نختفي احنا
قالتها وحاولت تتسحب للخلف ولكن لا تأتي الرياح كما تشتهي السفن عندما التفت فارس لها وابتسم لها وقال بحب بيمثل التفاجئ:
_ ايه ده مروه شرفتي حفلتنا
ومد ايده يسلم عليها بلطف، كم هو لطيف أشعرها بالذنب؛ ربما لأنه أتعلق بها وهي متزوجة فلا فرصة له والأمل معدوم فهو يتمسك بسراب
أتردت قليلا ثم سلمت بهدوء
_ عن أذنكم يا جماعة شويه
ونظرت إليه بهدوء وغيظ عينيهم فضلت متعلقة ببعض، لأول مرة بحياتها تنتبه من لون عينيه التي تشبه البحر الهادئ وهو هادئ فعلا وهذا أكثر ما يعصبها منه ويجعلها تشعر بالذنب وأنها أسوء فتاة علي الإطلاق فالشر يخرج منها تلقائيا في تعاملها معه بينما هو ظل مركز مع عينيها التي تشبه لون الزيتون، قريبة من لون عين عاصم لدرجة أن كثير بيعتقدوا أنهم أشقاء وخصوصا إنها تناديه بكلمة "ابيه", هزت رأسها وبعدت يدها بسرعة وذهبت وتركته خلفها بغضب ولحقت بها غادة لتطمئن عليها فقالت مروه التي وقفت بحده:
_ لو سمحتي يا غادة خليكي في الحفلة, أنا خمس دقايق وهحصلك
قالتها وذهبت إلي المرحاض, دخلت بغضب ظلت تدور حول نفسها بغيظ وغضب وصرخت بهدوء:
_ غبية ياريتني ما جيت, اديتهم أمل وأنا ايه أنانية عماله أجرحهم وبسببي هيكون في حروب مش حرب واحده بس
وقفت أمام المرآة والقت نظرة إلي نفسها بقهر وقالت بقهر:
_ أنا حلوه أهو الكل بيجري ورايا، ليه هو لاء؟ اه يا قلبي ووجعه
في الحفلة
تقف غادة بجوار مجموعة بنات وبين الحين والأخرى تنظر إلي المرحاض لعل مروه تخرج منه، كانت جميلة بفستانها الأسود كان طويل ومفتوح من منطقة الصدر فتحة صغيرة وتاركة شعرها مفرود علي ظهرها ليعطيها شكل ملائكي جذاب، تحركت خطوتين مبتعدة عن تجمع الفتيات الذي بدء يشعرها بالضيق ووقفت بجوار البار, جلست قليلا لتستريح وفي نفس الوقت قريب ويتيح لها رؤية المرحاض بوضوخ أكثر وعند خروج مروه ستراها بسهولة ولكنها شعرت بشخص يقف إلي جوارها فالتفتت إليه وجدته يمد يده لها بكأس عصير، ابتسم بهدوء عندما وجدها تتأمله بتيه وتسرح بهيئته الجذابة وقال بهدوء وبمنتهي اللطف:
_ اتفضلي العصير
ابتسمت بكسوف وهي تبعد عينيها عنه وقبل أن ترفض قال بهدوء:
_ خذيه بقي متكسفنيش
أخذته منه وقالت بكسوف وعينيها بعيد عنه:
_ احم شكرا
بدأت تشرب منه بهدوء ابتسم لها وقال بفضول:
_ يعني لو متعتبريش ده تطفل مني بس ايه إلى مقعدك لوحدك في حفلة ذي دي؟
_ أنا مش لوحدي صاحبتي معايا هي راحت تعمل مكالمة وجايه
قالتها بكذب لا تحب أن يعرف أي شخص أسرارها وخصوصا غريب عنها
_ اه وياتري هي حلوه كده ذيك
فتحت عينيها بصدمة ونظرت إليه بخوف وقالت بغضب:
_ انت مالك قليل الأدب بصحيح
تركت الكأس من يدها بعنف وهمت بالنهوض لتبتعد عنه بغضب، تحركت خطوة واحدة بسرعة ولكنه لحقها بسرعة وأمسك بيدها ولفها له لأول مرة تنظر إلى ملامحه وسيم بعيون بنية وفارق الطول واضح بينهم هي تكاد تصل لنصف صدره وفارق العمر واضح بينهم فعمره في أخر العشرينات
_ أنا اسف مقصدش
قالها بصدق هزت رأسها مسحورة به، فابتسم بلطف وقال وهو يشير لمكانها السابق:
_ متكسفنيش وكملي كوبايتك
نظرت إلي يده التي تمسك معصمها فتنحنح وهو يتركها بحرج
_ أسف
وشاور لها رجعت مكانها تشرب العصير وكأن كلامه بيسحرها وبتنفذ أي حاجة بيطلبها عكس شخصيتها الحذرة دائما وخصوصا من الغرباء.
_ أنا اسمي معاذ وأنتي
كانت سترد عليه لكن رأت عاصم يدخل الحفلة اتسعت عينيها بخوف
_ يا نهار أسود
قالتها برعب وانتفضت من مكانها برعب وركضت من أمامه مثل الساندريلا التي تهرب من أميرها من غير حتي ما يعرف اسمها، أما هو وقف حاول ينادي عليها لكن هي اختفت فجأة كما ظهرت أمامه من العدم.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي