قبل دخلة الصيف

Princess`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2022-08-30ضع على الرف
  • 70.1K

    إكتمل التحديث (كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الثاني

علـي الجانـب الآخـر.

كان "ريـاض" قد دخل إلي منزله للتو ، صعد إلي الطابق العلوي الخـاص بغرفة نومهِ ثم دلف إليها ملقيًا بجسدِهِ إلي الفراش بتهالك، لقد أعياهُ السهر لثلاثة أيامٍ متواصلين دون أن يتلاقي جفناه ولو لثانية.

سحب شهيقاً طويلًا ملأ به رئتيه ثم إتكأ مائلًا علي جزعِهِ وهو يفتح صوانـة السرير ويلتقط منها علبة سجائره الفخـمه وبدأ بإشعال أول سيجارة ، همّ بغلق درج الصوانة لتقع عيناهُ علي تلك الرسالة..

إمتدت يداه بحذر وأخذها وإعتدل قائمًا ليقرأها ثانيةً ، ثبّـت سيجارته بزاوية فمه بحرفية وقام بفتح الرسالة وبدأ بقراءتها بإمعان.

" إنّي راحلة والأسف يملأُ فؤادي علي الخلائق التي لم تُدرك بعد أن سبيل الموت لم يَكُن يومًا أول ما جال بخاطـر سالِكـوه و عَمَت أبصارهُم عن كل المحاولات المُهـدره بين السطـور !

توقف لدي قراءته تلك الكلمات ، مستشعرًا ذلك اليأس الذي خلّلها، و ذلك الألم الذي غلّفها ليجعلها تخرج في تلك الصورة.

سحب نفسًا سحيقًا من السيجارة ثم أطلق سراحها لتلقي حتفها إلي جانب قريناتها في المنفضه ، و دلّك جبينه بتعب ثم عاد لينظر إلي الرساله بين يديه مجددًا.

هذه الحيـاه ظالمة حقـًا.

_ظلم؟!شفتي ظلم إيه إنتي؟

تفوه حانقًا مستهجنًا كلماتها ثم طوي الرسالة وألقاها بالدُرج مجددًا بإهمال.

نهض ليستعد، بدّل ثيابهُ بعد أن أخذ حماماً باردًا ثم نثر عطرهِ ذو العلامة التجارية الشهيرة وإلتقط مفاتيح سيارتهِ و هاتفهِ و أخذ يفحص جزلانهِ قبل مغادرة المنزل كعادته.

_البطـاقـه!

قالها بتعجب وهو يجاهد ليتذكر أين هي!

زمّ شفتيه بضيق عندما تذكر أنه قد تركها بالمشفـي منذ ذلك اليوم ، إذن عليه أن يرجع إلي ذلك المكان البغيـض مرة أخري.

إستقلّ سيارته و أدار المُحرك متجهًا إلي المشفـي ، إرتفع رنين هاتفه فأجـاب: أيوة يا إقبال؟

_أيوة يا مستر ريـاض، حضرتك جاي في الطريق؟

=لأ مش جاي النهارده ، بكرة ممكن.

_بكره..بس دي.

قاطعها بتعنيف: من غير بس يا إقبال، قولت بكره جاي.. سلام دلوقتي.

أنهي المكالمه بحدة و قام بالإتصال بصديقهِ "معتز" الذي أجاب مسرعًا: أيوة يا رياض؟

_ روح البيت عندي ،" زَهره " هتنزللك خدها وروحوا أي مكان.

قاطعه معتز قائلًا: يبني زهره محتاجالك إنت ، هتعمللها ايه الخروجه يعني لو مش معاك؟

أجاب متأففًا :معتز إنجز. هتاخدها وتخرجوا ولا لأ؟

_ماشي يا رياض حاضر، بلغتهم هناك طيب؟

= لأ كلمها إنت.

_اممم..علي أساس إن ده إقتراح مني أنا مش كده!

= نبيه ماشاء الله عليك.

_ ماشي يا عم، لما نشوف أخرتها معاك.

أنهي رياض المكالمة ووضع هاتفه بجيبه ، ثم صف سيارته أمام المشفي و ترجل منها دالفًا إلي الداخل.

توجه إلى قسم الأمانات وسأل الموظفة: لو سمحتي أنا نسيت بطاقتي هنا أول إمبارح ، كنت بنقل دم لواحده والممرضه خدتها مني ومشيت ونسيت أخدها

أمرتهُ الموظفه بالإنتظار لبرهه حتي تحضرها له ثم قالت: إتفضل حضرتك البطاقه أهي، و إمضي هنا!

أخذ بطاقته وقام بالإمضاء علي إستلامها ثم شكرها و إستدار للمغادرة قبل أن يصطدم بتلك الهشـه التي كادت أن تسقط أرضًا لولا ساعدهُ العريض الذي منعها.

_حاسبـي.

قالها بلهفه وهو يضع ساعده خلف ظهرها يساعدها علي الإستقامة مجددًا ، إنزوي ما بين حاجبيه مبديًا إستغرابه قائلًا: هو إنتـي؟

صلبت ظهرها وهي تطالعه بتذكر وقالت: إنت.

أومأ برأسهِ بتوكيد قائلً : أيوة أنا بقيتي كويسه ؟

أومأت وعيناها تأبي النظر إليه فقال: حمدالله على السلامه.

_الله يسلمك، شكرًا ليك.

= العفو، ده واجب، عن إذنك.

أخذ بطاقته وغادر المشفي بينما إنتظرت هي لإستلام أغراضها ومن ثَمّ لحقت به..

في سيارتهِ كان قد دخّن سيجارةٍ علي عُجالـه ثم أدار محرك السياره منطلقًا بها في طريقه لتستوقفه رؤيتها وهي تشير إلي سيارات الأجرة في محاوله فاشله منها لإيقاف إحداهم.

توقف أمامها بسيارته و أحني رأسه قليلًا ليحادثها قائلًا: إتفضلي أوصللك. الساعه ٢ الضهر إستحاله تلاقي تاكسي فاضي.

أجابت هي علي إستحياء: ميرسي، هطلب أوبر.

_ يستي إعتبريني أوبر وجيت لحد عندك..إركبي!

فتح لها باب السياره الأمامي المجاور له فإستقلت السياره بحرج قائلة: مساء الخير.

لا يعلم لِما إنتابه الضحك ولكنه تماسك قائلا: مساء النور تحبي أوصلك فين؟

تنهدت بحيرة وقالت بشرود: مش عارفه، أي مكان هتنزل عنده نزلني.

إلتقط حيرتها، تخبّطها، إنكسارها و ضعفها بعينٍ خبيره قد رأت منهم الكثير فقال : أنا كنت رايح اقعد علي البحر ، النهارده اليوم الفري بالنسبالي وبحب أقضيه مع نفسي، إيه رأيك تيجي معايا؟

_بس إنت لسه بتقول بتحب تقضيه مع نفسك!!

= يستي النهارده إستثناء مش مشكله، هاا.. نروح؟

و أمام حاجتها لهكذا عرض، أذعنت لطلبه علي الفور.

توقف بسيارته أمام البحر، سحب زجاج النوافذ إلي آخره فـتسرب الهواء إلي السياره من كل جهه.

سحب كلًا منهما الهواء بداخل رئتيه، مغمضًا عينيه، سامحًا لرائحة البحر أن تتغلغل إلي أبعد نقطة في أعماق قلبهِ.

نظر إليها ليجدها - و للعجب - قد سالت دمعاتها علي خدّيها بهوان لينعقد ما بين حاجبيه بتعجب و فضول في آنٍ واحد.

قدّم إليها محرمة فـ كفكفت دمعاتها ليتسائل هو قائلًا: إنتي في حاجه مضايقاكي؟

هزت رأسها أن لا وإلتزمت الصمت فقال: اومال ليه حاولتي تنتحري؟
إزداد بكاؤها فعلم أن المُصاب چلل.

_لو محتاجه تتكلمي أنا سامعك. ومتقلقيش أنا نسّـاي!

نظرت إليه بأعين تأبي التوقف عن البكاء ، فيضانٍ جامح يصعب السيطرة عليه.

_مالك بتبكي ليه؟ قوليلي طيب إيه حكايتك؟

إرتجف صوتها وهي تقول: حكايتـي؟ هقوللك.


" إسترجـاع زمنـي طويـل "

تزامنًا مع بدايـة شهر " كانون الثاني "حيث تتناثر قطرات المطر علي نافذتها بهدوء ورقة وكأنها تهمس إليها بشئٍ ما.

تجلس أمام مِدفأتِها وهي تضم نفسها بيديها ، و علي كتفها شالًا من الصوف يمنحها بعض الدفء، و إلي جانبها فنجالًا من القهوة.

قلبُها ميتٌ منذ الخريف، قد ذوي حين ذوت أول أوراق الشجـر، ثم هوي حين هوت أول قطرات المطر، و داخلُها يرتجف بردًا و كل ليلة بارده تزيده أكثر.

إمتدت يدها من أسفل شالِها تمسك بفنجال القهوة ثم أحاطته بكلتا يديها و راحت ترتشف منهُ علي مهلٍ.

حين أضاء هاتفها معلنًا عن وصول إشعار علي تطبيق " الفيس بوك"، تركت الفنجال من بين يديها و أمسكت الهاتف بملل تتفحصه.

برقت عينيها ببريق الحماس و الفرحه عندما رأت ذلك " الإعلان الترويجي" عن قيام وكالة عـرض ببدء إستقبال عارضات أزياء جدد، بدأت بقراءة محتوي الإعلان بشغف و ما إن حطّت عيناها علي رقم التواصل الخاص بهم حتي أسرعت بمراسلتهم علي تطبيق " الواتس آب".

إنتظرت حتي يتم الرد من قِبَلِهِم و راحت تتطلع نحو مستقبلها الذي باتت لياليها الطويله تتمناه، الشهره ، الأموال الوفيره، النجاح، جنون الأضواء و أخيرًا حِلمها الذي عكفت علي تحقيقه دائمًا.

أصدر هاتفها صوت معلنًا عن وصول رساله لينتزعها من شرودها ،أمسكت الهاتف بلهفه و فتحت المحادثه

_ مساء الخير..حضرتك حابه تقدمي معانا؟

إختطفت الحروف من علي لوحة مفاتيح الهاتف و كتبت سريعًا : أيوة. ممكن التفاصيل؟

_ حضرتك لو مواصفاتك مناسبه هتتفضلي تيجي تحضري الإختبارات وبعدها لجنة التقييم هتبلغك بكل التفاصيل.

=تمام ماشي.

_ حضرتك كام سنه؟

= ٢٥ سنه.

_طولك و وزنك؟

= الطول 170 و الوزن 65

_ هل سبق واشتغلتي في مجال عرض الأزياء قبل كده؟

=قدمت في كذا وكالة واترفضت.

_إيه السبب؟

= كانوا خدوا العدد الكافي.

_ محتاجين صور ليكي بجودة عالية توضح شكل جسمك.

=........؟

_حضرتك معايا؟

إنتابها القلق حِيال مطلَبهُ فإلتزمت الصمت ليعود مرسلًا إليها برساله جديده.

_ ألغي طلب التقديم يا فندم ؟

= لااا استني.

_محتاجين صور ليكي بجودة عالية توضح شكل جسمك!! الصور مهمه للتقييم المبدئي متقلقيش يا فندم جميع بيانات المشتركين في سرية تامة.

=اوكي، ثواني.

تفحصت صورها، ثم قامت بإنتقاء بعض الصور ذات الجودة العالية و قامت بإرسالها إليه.

= تمام يا فندم ، هعرض بياناتك علي اللجنه و إذا تمت الموافقه المبدأيه هبلغ حضرتك. بالتوفيق إن شاء الله.

تركت الهاتف من بين يديها وقد كممت فمها بيدها تكتم ضحكاتها التي تسللت إلي فاها بحماسٍ مفرط و راحت تتخيل نفسها حين ترتدي الحذاء ذو الكعب العالي وهي تمشي علي منصة عرض الأزياء ، يا لهُ من يومٌ جميـل.

قضت ليلتها ساهره، أخرجت جميع ملابسها من الخزانـة و بدأت في إختيار أيهم أصلح لمقابلة الغـد.

نعم لقد تنبأت بحتمية قبولها و لِما لا فهي تثق بمقوماتها جيدًا.

لديها كل ما تحتاج إليه عارضة الأزياء المثاليه ، قوام ممشوق، طول و وزن مناسبين للغايـه، ملامح جميله مرسومه بدقة، شعر حريري إنسيابي، و الأهم هي إبتسامتها التي أوصتها والدتها دومًا بألّا تتخلي عنها.

_ خليكي دايمًا مبتسمه، الإبتسامه بتنور الوش و بتدي انطباع حلو عن الإنسان عشان تنجحي و تكوني من أشهر عارضات الأزياء زي ما بتتمني لازم تسحري الكل بإبتسامتك. إبتسامتك هي مفتاح نجاحك!

تذكرت كلمات والدتها التي دائمًا كانت تلقيها علي مسامعها أملأ منها بأن إبنتها ستصبح إحدى عارضات الأزياء المشهورات ذات يوم.

وقع إختيارها بعد محاولاتٍ عدة علي سروالاً من الجلد الأسود و فوقه كنزة شتويه من اللون الأحمر القاني.

أحضرت جميع الكتب الخاصه بعالم الازياء التي إقتنتها علي مرّ السنين و جلست تتصفحها.

تقرأ عن كل ما يخص الموضه و الإتيكيت و كيف تتعامل مع الأضواء لأول مره و كيف تتفاعل مع الجمهور.

لقد باتت مهووسه بهذا العالم الملئ بالنجاح و الشهره أو هكذا ظنت!

إستيقظت بفزع تبحث عن هاتفها بلهفه لتجده إلي جوارها ، أمسكته و بدأت بقراءة الرسائل التي جائتها لتجد ضالتها ها هنا.

_مبروك يا فندم، اللجنه وافقت عليكي مبدأيًا إتفضلي النهارده في فندق " جراسيا " في وسط البلد الساعه ٢ هتستقبلك بنت إسمها حسناء مسئوله عن التنظيم و بنت إسمها رضوي مسئوله عن التصوير، هيكون معاكي مجموعه من المشتركات هتعملوا جلسة تصوير لبعض إصداراتنا، و عليه هيتم موافقة أو رفض الوكاله لإعتمادكوا كعارضات رسميات هتمثلوا الوكاله في جميع المناسبات و الإيڤنتات الرسميه اللي بنشارك فيهاا. بالتوفيق.

أنهت قراءه الرساله وهي تضع يدها موضع قلبها خِشيـة ألا يتوقف نبضه من فرط الحماس و الفرحه.

نظرت إلي الساعه فوجدتها تقترب من الواحده ظهرًا إتخذت طريقها نحو المغسـل ركضًـا، تحممت وأبدلت ثيابها كـطفلٍ يستعد لأول أيام العيـد.

زيّنت وجهها قليلًا و إلتقطت حقيبتها و فتحت باب غرفتها لتصطدم بوالدها ذلك الرجل ذو الخمسون عاماً و نيّفًا.

_صباح الخير يا لولو، بتجري ليه كده؟

قبّلتهُ سريعًا وقالت: ورايا مشوار مهم يا بابا، عن إذنك.

_إستني عندك، مشوار مهم إيه ده اللي معرفش عنه حاجه؟
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي