الفصل السادس
لم تنظر كثيرا نحو هاري بل ثركته وحيدا مع باريس وغادرت
بعد أن أمضت ساندرا ما يقرب من الساعة وهي تمشي في غرفتها جيئة وذهابا، عزمت
على الخروج والسير في الهواء الطلق، عله يصلح من حالها، او على الأقل يبعد عنها
القلق الذي يساورها ويساعدها على النوم.
وعلى الفور خرج ، وسارت في الممر الذي يؤدي من الفيللا الى حديقة الورود،
تستنشق عبيرها الذكي، وتمتع ناظريها بجمالها الساحر الذي تركته منذ قليل
كانت هذه الجزيرة حقا قطعة من الجنة، نظرت ساندرا نحو الجبال العالية، رأتها وقد
سلب جو المساء اللطيف خشونتها، تبدو ناعمة ، قبالة صفحة السماء المتألقة بنجومها
الوضاءة.
أضواء تطل بفضول من هنا وهناك، تنبىء بوجود منازل تسترخي بإرتياح على
سفوح الجبال.
أشجار الزيتون قديمة ، قديمة ، ولكنها لا زالت تزدهي بأوراقها الفضية اللامعة وكأنها
في عناق دائم مع شعاع القمر الذي إختلس طريقه اليها ، خلال أشجار السرو
العالية.
جلست ساندرا على حائط منخفض ، حيث احست بغتة بالسلام ولأول مرة منذ مجيئها
الى هذا البيت الفخم الرائع ، يملكه الرجل الذي كان يمكن أن يكون زوجها في يوم
من الأيام ، رجل تبدل كثيرا وكثيرا جدا ، حتى أنها لم تستطع ان تميزه للوهلة
الأولى.. أجفلت ، وسمعت دقات قلبها الذي علا وجيبه ، فإلتفتت لترى خيال إنسان آت
نحوها من جهة المنزل ، إنه باريس
هبت من غير ثبات ، تريد أن تهرب من الخيال الذي رأت ، لو إستطاعت ، ولكن
قدميها سمرتا في مكانهما ، ثم بدل ان تمضي عادت الى حيث كانت تجلس ، فسار
باريس نحوها ، طويل القامة ، يرتدي بدلة سوداء.
" هكذا لدينا بضع دقائق اخرى نقضيها منفردين."
صوته كان منخفضا ، وأحست بيده باردة كتلك التي في القبور ، عندما تناول يدها.
جاهدت ساندرا لتتحرر من يده ، ولكنها تعثرت فأمسك بها ، الرجل الذي بدأت
تكرهه.
" دعني أذهب ! اين هاري ؟ سوف املأ الدنيا صراخا ، إذا لم تتركني حالا ."
هز رأسه ، وكأنها تطلب المستحيل، وقال :
" ادعك تذهبين ! لقد تركتك مرة ، ساندرا ، ولكن لن يتكرر ذلك مرة اخرى ، أنت
الآن أسيرتي ، وستبقين كذلك حتى يفرق الموت بيننا".
وضمّها اليه يعانقها .
" أنت مجنون ، مجنون ، هل تسمعني؟ ."
ولكنه لم يابه لكلامها ، فعادت تقول وهي تحاول الإفلات من بين يديه:
" مجنون .... هي ايضا قالت لك ذلك
ذهبت هذه الكلمات بكل شوقه ورغبته ، وصاح فيها:
" هي؟ من هي؟ ."
" زوجتك ."
إرتفعت يده كأنه يريد أن يصفعها، يسكتها عن الكلام ، ولكنه تمالك نفسه وأنزل
يده الى جانبه ، وقال بصوت خشن:
" أنا لم أتّخذ زوجة أبدا ! انت التي كان يجب ان تكوني زوجتي ، وسوف تكونين !
لقد كانت زوجة الوهم ، وليست لي
."!
قالت بإضطراب:
" أنا.... آسفة باريس
ضحك بخشونة وقال:
" أمن أجلي ؟ شفقتك لم يعد لها نفع الآن ، لقد إستغنيت عنها !
دعي الشفقة لنفسك فسوف تحتاجين اليها عما قريب
."
أحست ساندرا بالخوف، وإرتجف جسمها ولكنها قالت بلطف:
" باريس دعني اذهب ، أنا لا الومك على أي شيء فعلته مع زوجتك ."
ولكنه بدل أن يتركها تجاهل حديثها وشد على جسدها أكثر ثم سأل بخشونة
" لماذا تزوجت؟ ."
" لقد أخبرتك ، انني كنت مرغمة.... ولم ارغب في الزواج مطلقا
" لكنك تزوجت ، تزوجت وتقريبا مباشرة
قاطعته ساندرا قائلة:
" ليس مباشرة ، وعلى أية حال كان هناك سبب هام لزواجي
" طبعا سبب هام! لقد بعت نفسك للأكثر ثراء." رشقها بنظرات حادة متفحصا وتابع:
" لكن كيف عدتي للعمل مع هذا الرجل هاري دارك ؟ انا لا استطيع ان أفهم ايمكن أن
يكون كل تخطيطك قد إنتهى الى العدم فلم يترك لك زوجك شيئا في وصيته؟
" هذا من شأني وحدي ."
كان قلبها يخفق أملا ، ولكنها حاولت أن تبدو هادئة باردة ، لعله يطلق سراحها ،
ومن الغريب أن ساندرا كانت تخلق له المعاذير لكل ما يفعل ويقول ، بينما تعلم منطقيا
أن لا عذر له.
قال باريس وفي صوته شيء من السخرية
" إذا صحيح أنه لم يترك لك شيئا وإلا لما كنت هنا الآن
كانت تريد ان تنتزع نفسها من يده وتسرع راكضة نحو المنزل ، ولكنها قاومت هذه
الرغبة ، مخافة أن حركة مثل هذه قد تثير غضبه من جديد ، فتذرعت بالصبر وقالت
بطريقة حاولت أن تكون لطيفة إلى حد ما
" باريس إنني متعبة جدا ، أرجوك دعني اذهب ."
بقي واقفا من غير حركة ، ينظر اليها نظرات شاملة ، ثم قال بلهجة الواثق مما يقول:
" ستكونين زوجتي ، ولا مفر من ذلك ، وسيتم هذا في غضون أسبوع ."
اشتعلت وتناست اللطف وكل شيء ثم هتفه به بحدة :
" إنك تتكلم قبل ان تفكر، انت تعلم أنه لا يمكنك ان تجبرني على ذلك ، ومما لا
شك فيه انني لن أتزوج منك إلا بإرادتي."
وقف أمامها مطبقا فمه بحزم كان كرجل يحمل سلاحا سريا ، سلاحا يوجهه الى أعزل
ليس له حماية.
" سوف نرى ، يا ساندرا الحلوة ، نعم سوف نرى."
كان صوته مليئا بالثقة ، وتعابير وجهه تدل على النصر الأكيد، ولكنها كانت ترى
شيئًا آخر ، وتحسب أن كلماته كلمات رجل لا يعرف ما يقول، يقتله الحقد على رفضها لها سابقا ويقول اشياءً غريبة اما أنه غير صحيح
العقل فهذا ليس حقا ، ولو أنها نعتته بالجنون ، ولكن يبدو أن الحقيقة هي ان باريس
لا يزال يريدها زوجة له ، هذا ما تراه واضحا ولذا فهي آسفة لأجله .
" أين هاري ؟." سألته اخيرا ، وتابعت: " هل ذهب الى الفراش؟ ." أحنى باريس راسه:
" نعم ، لقد ذهب حالما إنتهينا من عملنا ."
بعد أن تركها وقف باريس ينظر أمامه، ونسمات من البحر تداعب شعره الاسود، الأشجار تنشر
ظلالها في ضوء القمر، وكلما لامست هذه الظلال وجه باريس كانت ساندرا ترتعد ،
كانت ترى معالم شيء شرير ، شيء يحثها على الهروب ، الهروب بسرعة وفي تلك
اللحظة ، قبل أن يجرها الى الأسفل
.
ولكنها قالت تتابع الحديث:
" لقد ذهب مبكرا."
" قال انه متعب ."
" هل اعطى سببا لتعبه؟ ."
تعجبت ساندرا من سماعها أنه متعب ،فهي تعرف هاري ، وتعرف جيدا انه شديد
القدرة على العمل والتحمل ، لا يكل ولا يمل ، كثير النشاط والمهارة ، خاصة عندما
يكونان على سفر ، فهو لا يتوقف عن العمل مطلقا ، حتى يستطيعا العودة بأسرع ما
يمكن ."
وبعد برهة من الصمت اضافت وهي مقطبة الجبين:
" مثله لا يتعب ."
نظر اليها ومن غير تحذير رفع يده الى جبينها ليزيل التعبير الذي بدا عليه ، وقال :
" لا تفعلي ذلك ، فالجبين المقطب لا يناسبك ."
إبتعدت عنه ، فلم يحاول ان يوقفها ، ولكنه بقي واقفا بينها وبين الممر الذي يجب أن
تسلكه إذا عادت الى المنزل.
" أرجوك ، لا تلمسني."
ولكنه مرة اخرى إقترب منها وحاول أن يعانقها عنوة وهي تجاهد للتخلص منه ،
فقال:
" الأفضل ان تعوّدي نفسك على لمسات يدي ، لأنك ستشعرين بها حتى آخر يوم في
حياتك ."
" أنت إنسان قلبك مليء بالحقد والكراهية ! كم انا سعيدة لأنني كنت حكيمة بما
يكفي ، حتى انني لم أتزوجك ، ما هذه التصرفات الغبية التي تصدر عنك ؟ هل تظن
أن بإمكانك أن تجبرني على الزواج منك؟ ."
" أنا لا ألقي الكلام عبثا !!!
قال ذلك بسرعة، ووقف أمامها باردا ، جامدا ، قاسيا ، كتمثال عظيم من الرخام،
وقف بعيدا عنها ولكن بقيت عيناه تنطقان بروح السيادة المطلقة.
شعرت حياله أنها صغيرة تافهة، وإعتراها خوف شل تفكيرها ، ولكنها إستجمعت
قواها ، وقالت:
" ولكنك فعلت هذه الليلة ، لقد قلت الكلام عبثا .".
قاطعها بلطف:
" لا يا عزيزتي ساندرا ، سوف تعرفين قريبا جدا أنني اعني كل كلمة قلتها
."
تضاعف خوفها، وكأن سهما اصابها، إلتفت اليها حيث إستطاعت ان ترى وجهه جيدا في ضوء القمر ، كان صارما
قويا مليئا بالثقة ، حتى انها لم تعد تستطيع ان تقنع
نفسها بالنجاة ، فأحست وكأن الدماء تقف في عروقها وقاربت على الإغماء ،
فأمسكت بشيء قريب منها حتى تقي نفسها من السقوط ، وقالت بصوت حاولت جاهدة أن يكون ثابتًا:
" أريد أن أذهب."
كانت عيناها الجميلتان تتوسلان بالرغم من أنها كانت تعرف أن عليها أن تبدي شيئا
من الكبرياء والغضب من الطريقة التي عاملها بها ولكنها تابعت:
" إنني متعبة."
ولدهشتها وجدته يتنحى عن طريقها مشيرا بيده يدعوها للمرور.
" رئيسك سيتحدث اليك في الصباح."
كان في صوته نغمة لم تلفت نظرها فحسب ، بل زادت في ضربات قلبها، ترى ما
الذي حل بها حتى تخاف هذا الرجل الى هذا الحد ؟ ولكنها سألت:
" سيحدثني عن أي شيء؟ ." سألت وهي تحاول السير فتعثرت بحجر وكادت تسقط ، ومرة ثانية كانت قبالته ،
وإقترب منها ، كان باردا نظيفا هذه المرة ، كنسمة الهواء الناعمة التي تمر بالأرض
البكر غير المزروعة ، شعور غريب ألمّ بها ، وإنثنت كمثل بنفسجية خجلة على سفح
جبل ، وبخفة إبتعدت عنه .
وإجابة على سؤالها قال باريس
" سوف تعرفين كل شيء عندما يتحدث اليك."
ولكن ساندرا توقفت وأخذت تستوضح منه ببعض الأسئلة ، فقاطعها ساخرًا:
" لقد قلت انك متعبة ."
تجاهلت السخرية الواضحة ومرة أخرى قاطعته قائلة
ولكن ليس الى حد يمنعني أن أعرف الأمر الذي سيحدثني به رئيسي في العمل
فقال بهدوء:
" لقد اسأت فهمي ، فأنا افصد أنني لو أخبرتك به الان ، لطار النوم من عينيك ."
فار فضولها حتى ظهر للسطح فسألت ساندرا صائحة:
" لا أستطيع النوم ! ماذا تعني؟
أخذ باريس يهز كتفيه بلا مبالاة وهو يقول:
" انت تعرفين منذ وقت طويل انني منيع امام مكر النساء ، ولن أقول الان شيئا،
سوف تعرفين كل ما يجب ان تعرفيه ، عندما يتحدث اليك هاري في الصباح
هدل كتفها ومشت بجواره في صمت محترق ولما وصلا الى الفيللا ، قال : " إدخلي انت الآن ، فأنا اريد ان امشي قليلا
ومن دون اية كلمة أخرى ، إستدار ومشى ثم غاب مسرعا بين ظلال البستان.
لم تستطع ساندرا ان تتحرك ، بقيت تنظر خلفه حتى اختفى كليا عن ناظريها ، إختلطت
عليها الأمور وإحتشدت عشرات الأسئلة في رأسها ، فمثلا لماذا في هذه اللحظة
بالذات كانت تبحث في قرارة نفسها عما إذا كان باريس سينتصر عليها؟
شردت افكارها في الماضي البعيد ، الصراع العنيف الذي إعتمل في نفسها قبل أن
توافق على زواجها من أليكس ماكسون، ترى هل هذا هو السبب الذي جعلها
تتساءل عن كان من الممكن أن ينتصر باريس عليها ايضا؟
وتساءلت ساندرا ، ترى على أي اساس يؤكد باريس أنها ستصبح زوجته ؟ ثم هزت
كتفيها من غير أن تصل الى نتيجة وصعدت الدرج مسرعة ، وهي تقول في نفسها أنها
لا يمكن باي شكل من الأشكال أن تكون زوجة لرجل مثل هذا ، رجل اقل ما يمكن
ان يقال فيه انه ليس بافضل من وحش ....
دخلت غرفتها واخذت تذرعها جيئة وذهابا ، لم تستطع ان تذهب الى فراشها ، يجب
أن تعرف الأمر من هاري ، فضولها يكاد يقتلها منذ ان أخبرها باريس عنه
خاصة عندما أكد عليها هذا الأمر الذي سيسرق النوم من عينيها طيلة الليل إذا عرفته
وهو قد سرق النوم من عينيها حتى قبل أن تعرفه!
بعد أن أمضت ساندرا ما يقرب من الساعة وهي تمشي في غرفتها جيئة وذهابا، عزمت
على الخروج والسير في الهواء الطلق، عله يصلح من حالها، او على الأقل يبعد عنها
القلق الذي يساورها ويساعدها على النوم.
وعلى الفور خرج ، وسارت في الممر الذي يؤدي من الفيللا الى حديقة الورود،
تستنشق عبيرها الذكي، وتمتع ناظريها بجمالها الساحر الذي تركته منذ قليل
كانت هذه الجزيرة حقا قطعة من الجنة، نظرت ساندرا نحو الجبال العالية، رأتها وقد
سلب جو المساء اللطيف خشونتها، تبدو ناعمة ، قبالة صفحة السماء المتألقة بنجومها
الوضاءة.
أضواء تطل بفضول من هنا وهناك، تنبىء بوجود منازل تسترخي بإرتياح على
سفوح الجبال.
أشجار الزيتون قديمة ، قديمة ، ولكنها لا زالت تزدهي بأوراقها الفضية اللامعة وكأنها
في عناق دائم مع شعاع القمر الذي إختلس طريقه اليها ، خلال أشجار السرو
العالية.
جلست ساندرا على حائط منخفض ، حيث احست بغتة بالسلام ولأول مرة منذ مجيئها
الى هذا البيت الفخم الرائع ، يملكه الرجل الذي كان يمكن أن يكون زوجها في يوم
من الأيام ، رجل تبدل كثيرا وكثيرا جدا ، حتى أنها لم تستطع ان تميزه للوهلة
الأولى.. أجفلت ، وسمعت دقات قلبها الذي علا وجيبه ، فإلتفتت لترى خيال إنسان آت
نحوها من جهة المنزل ، إنه باريس
هبت من غير ثبات ، تريد أن تهرب من الخيال الذي رأت ، لو إستطاعت ، ولكن
قدميها سمرتا في مكانهما ، ثم بدل ان تمضي عادت الى حيث كانت تجلس ، فسار
باريس نحوها ، طويل القامة ، يرتدي بدلة سوداء.
" هكذا لدينا بضع دقائق اخرى نقضيها منفردين."
صوته كان منخفضا ، وأحست بيده باردة كتلك التي في القبور ، عندما تناول يدها.
جاهدت ساندرا لتتحرر من يده ، ولكنها تعثرت فأمسك بها ، الرجل الذي بدأت
تكرهه.
" دعني أذهب ! اين هاري ؟ سوف املأ الدنيا صراخا ، إذا لم تتركني حالا ."
هز رأسه ، وكأنها تطلب المستحيل، وقال :
" ادعك تذهبين ! لقد تركتك مرة ، ساندرا ، ولكن لن يتكرر ذلك مرة اخرى ، أنت
الآن أسيرتي ، وستبقين كذلك حتى يفرق الموت بيننا".
وضمّها اليه يعانقها .
" أنت مجنون ، مجنون ، هل تسمعني؟ ."
ولكنه لم يابه لكلامها ، فعادت تقول وهي تحاول الإفلات من بين يديه:
" مجنون .... هي ايضا قالت لك ذلك
ذهبت هذه الكلمات بكل شوقه ورغبته ، وصاح فيها:
" هي؟ من هي؟ ."
" زوجتك ."
إرتفعت يده كأنه يريد أن يصفعها، يسكتها عن الكلام ، ولكنه تمالك نفسه وأنزل
يده الى جانبه ، وقال بصوت خشن:
" أنا لم أتّخذ زوجة أبدا ! انت التي كان يجب ان تكوني زوجتي ، وسوف تكونين !
لقد كانت زوجة الوهم ، وليست لي
."!
قالت بإضطراب:
" أنا.... آسفة باريس
ضحك بخشونة وقال:
" أمن أجلي ؟ شفقتك لم يعد لها نفع الآن ، لقد إستغنيت عنها !
دعي الشفقة لنفسك فسوف تحتاجين اليها عما قريب
."
أحست ساندرا بالخوف، وإرتجف جسمها ولكنها قالت بلطف:
" باريس دعني اذهب ، أنا لا الومك على أي شيء فعلته مع زوجتك ."
ولكنه بدل أن يتركها تجاهل حديثها وشد على جسدها أكثر ثم سأل بخشونة
" لماذا تزوجت؟ ."
" لقد أخبرتك ، انني كنت مرغمة.... ولم ارغب في الزواج مطلقا
" لكنك تزوجت ، تزوجت وتقريبا مباشرة
قاطعته ساندرا قائلة:
" ليس مباشرة ، وعلى أية حال كان هناك سبب هام لزواجي
" طبعا سبب هام! لقد بعت نفسك للأكثر ثراء." رشقها بنظرات حادة متفحصا وتابع:
" لكن كيف عدتي للعمل مع هذا الرجل هاري دارك ؟ انا لا استطيع ان أفهم ايمكن أن
يكون كل تخطيطك قد إنتهى الى العدم فلم يترك لك زوجك شيئا في وصيته؟
" هذا من شأني وحدي ."
كان قلبها يخفق أملا ، ولكنها حاولت أن تبدو هادئة باردة ، لعله يطلق سراحها ،
ومن الغريب أن ساندرا كانت تخلق له المعاذير لكل ما يفعل ويقول ، بينما تعلم منطقيا
أن لا عذر له.
قال باريس وفي صوته شيء من السخرية
" إذا صحيح أنه لم يترك لك شيئا وإلا لما كنت هنا الآن
كانت تريد ان تنتزع نفسها من يده وتسرع راكضة نحو المنزل ، ولكنها قاومت هذه
الرغبة ، مخافة أن حركة مثل هذه قد تثير غضبه من جديد ، فتذرعت بالصبر وقالت
بطريقة حاولت أن تكون لطيفة إلى حد ما
" باريس إنني متعبة جدا ، أرجوك دعني اذهب ."
بقي واقفا من غير حركة ، ينظر اليها نظرات شاملة ، ثم قال بلهجة الواثق مما يقول:
" ستكونين زوجتي ، ولا مفر من ذلك ، وسيتم هذا في غضون أسبوع ."
اشتعلت وتناست اللطف وكل شيء ثم هتفه به بحدة :
" إنك تتكلم قبل ان تفكر، انت تعلم أنه لا يمكنك ان تجبرني على ذلك ، ومما لا
شك فيه انني لن أتزوج منك إلا بإرادتي."
وقف أمامها مطبقا فمه بحزم كان كرجل يحمل سلاحا سريا ، سلاحا يوجهه الى أعزل
ليس له حماية.
" سوف نرى ، يا ساندرا الحلوة ، نعم سوف نرى."
كان صوته مليئا بالثقة ، وتعابير وجهه تدل على النصر الأكيد، ولكنها كانت ترى
شيئًا آخر ، وتحسب أن كلماته كلمات رجل لا يعرف ما يقول، يقتله الحقد على رفضها لها سابقا ويقول اشياءً غريبة اما أنه غير صحيح
العقل فهذا ليس حقا ، ولو أنها نعتته بالجنون ، ولكن يبدو أن الحقيقة هي ان باريس
لا يزال يريدها زوجة له ، هذا ما تراه واضحا ولذا فهي آسفة لأجله .
" أين هاري ؟." سألته اخيرا ، وتابعت: " هل ذهب الى الفراش؟ ." أحنى باريس راسه:
" نعم ، لقد ذهب حالما إنتهينا من عملنا ."
بعد أن تركها وقف باريس ينظر أمامه، ونسمات من البحر تداعب شعره الاسود، الأشجار تنشر
ظلالها في ضوء القمر، وكلما لامست هذه الظلال وجه باريس كانت ساندرا ترتعد ،
كانت ترى معالم شيء شرير ، شيء يحثها على الهروب ، الهروب بسرعة وفي تلك
اللحظة ، قبل أن يجرها الى الأسفل
.
ولكنها قالت تتابع الحديث:
" لقد ذهب مبكرا."
" قال انه متعب ."
" هل اعطى سببا لتعبه؟ ."
تعجبت ساندرا من سماعها أنه متعب ،فهي تعرف هاري ، وتعرف جيدا انه شديد
القدرة على العمل والتحمل ، لا يكل ولا يمل ، كثير النشاط والمهارة ، خاصة عندما
يكونان على سفر ، فهو لا يتوقف عن العمل مطلقا ، حتى يستطيعا العودة بأسرع ما
يمكن ."
وبعد برهة من الصمت اضافت وهي مقطبة الجبين:
" مثله لا يتعب ."
نظر اليها ومن غير تحذير رفع يده الى جبينها ليزيل التعبير الذي بدا عليه ، وقال :
" لا تفعلي ذلك ، فالجبين المقطب لا يناسبك ."
إبتعدت عنه ، فلم يحاول ان يوقفها ، ولكنه بقي واقفا بينها وبين الممر الذي يجب أن
تسلكه إذا عادت الى المنزل.
" أرجوك ، لا تلمسني."
ولكنه مرة اخرى إقترب منها وحاول أن يعانقها عنوة وهي تجاهد للتخلص منه ،
فقال:
" الأفضل ان تعوّدي نفسك على لمسات يدي ، لأنك ستشعرين بها حتى آخر يوم في
حياتك ."
" أنت إنسان قلبك مليء بالحقد والكراهية ! كم انا سعيدة لأنني كنت حكيمة بما
يكفي ، حتى انني لم أتزوجك ، ما هذه التصرفات الغبية التي تصدر عنك ؟ هل تظن
أن بإمكانك أن تجبرني على الزواج منك؟ ."
" أنا لا ألقي الكلام عبثا !!!
قال ذلك بسرعة، ووقف أمامها باردا ، جامدا ، قاسيا ، كتمثال عظيم من الرخام،
وقف بعيدا عنها ولكن بقيت عيناه تنطقان بروح السيادة المطلقة.
شعرت حياله أنها صغيرة تافهة، وإعتراها خوف شل تفكيرها ، ولكنها إستجمعت
قواها ، وقالت:
" ولكنك فعلت هذه الليلة ، لقد قلت الكلام عبثا .".
قاطعها بلطف:
" لا يا عزيزتي ساندرا ، سوف تعرفين قريبا جدا أنني اعني كل كلمة قلتها
."
تضاعف خوفها، وكأن سهما اصابها، إلتفت اليها حيث إستطاعت ان ترى وجهه جيدا في ضوء القمر ، كان صارما
قويا مليئا بالثقة ، حتى انها لم تعد تستطيع ان تقنع
نفسها بالنجاة ، فأحست وكأن الدماء تقف في عروقها وقاربت على الإغماء ،
فأمسكت بشيء قريب منها حتى تقي نفسها من السقوط ، وقالت بصوت حاولت جاهدة أن يكون ثابتًا:
" أريد أن أذهب."
كانت عيناها الجميلتان تتوسلان بالرغم من أنها كانت تعرف أن عليها أن تبدي شيئا
من الكبرياء والغضب من الطريقة التي عاملها بها ولكنها تابعت:
" إنني متعبة."
ولدهشتها وجدته يتنحى عن طريقها مشيرا بيده يدعوها للمرور.
" رئيسك سيتحدث اليك في الصباح."
كان في صوته نغمة لم تلفت نظرها فحسب ، بل زادت في ضربات قلبها، ترى ما
الذي حل بها حتى تخاف هذا الرجل الى هذا الحد ؟ ولكنها سألت:
" سيحدثني عن أي شيء؟ ." سألت وهي تحاول السير فتعثرت بحجر وكادت تسقط ، ومرة ثانية كانت قبالته ،
وإقترب منها ، كان باردا نظيفا هذه المرة ، كنسمة الهواء الناعمة التي تمر بالأرض
البكر غير المزروعة ، شعور غريب ألمّ بها ، وإنثنت كمثل بنفسجية خجلة على سفح
جبل ، وبخفة إبتعدت عنه .
وإجابة على سؤالها قال باريس
" سوف تعرفين كل شيء عندما يتحدث اليك."
ولكن ساندرا توقفت وأخذت تستوضح منه ببعض الأسئلة ، فقاطعها ساخرًا:
" لقد قلت انك متعبة ."
تجاهلت السخرية الواضحة ومرة أخرى قاطعته قائلة
ولكن ليس الى حد يمنعني أن أعرف الأمر الذي سيحدثني به رئيسي في العمل
فقال بهدوء:
" لقد اسأت فهمي ، فأنا افصد أنني لو أخبرتك به الان ، لطار النوم من عينيك ."
فار فضولها حتى ظهر للسطح فسألت ساندرا صائحة:
" لا أستطيع النوم ! ماذا تعني؟
أخذ باريس يهز كتفيه بلا مبالاة وهو يقول:
" انت تعرفين منذ وقت طويل انني منيع امام مكر النساء ، ولن أقول الان شيئا،
سوف تعرفين كل ما يجب ان تعرفيه ، عندما يتحدث اليك هاري في الصباح
هدل كتفها ومشت بجواره في صمت محترق ولما وصلا الى الفيللا ، قال : " إدخلي انت الآن ، فأنا اريد ان امشي قليلا
ومن دون اية كلمة أخرى ، إستدار ومشى ثم غاب مسرعا بين ظلال البستان.
لم تستطع ساندرا ان تتحرك ، بقيت تنظر خلفه حتى اختفى كليا عن ناظريها ، إختلطت
عليها الأمور وإحتشدت عشرات الأسئلة في رأسها ، فمثلا لماذا في هذه اللحظة
بالذات كانت تبحث في قرارة نفسها عما إذا كان باريس سينتصر عليها؟
شردت افكارها في الماضي البعيد ، الصراع العنيف الذي إعتمل في نفسها قبل أن
توافق على زواجها من أليكس ماكسون، ترى هل هذا هو السبب الذي جعلها
تتساءل عن كان من الممكن أن ينتصر باريس عليها ايضا؟
وتساءلت ساندرا ، ترى على أي اساس يؤكد باريس أنها ستصبح زوجته ؟ ثم هزت
كتفيها من غير أن تصل الى نتيجة وصعدت الدرج مسرعة ، وهي تقول في نفسها أنها
لا يمكن باي شكل من الأشكال أن تكون زوجة لرجل مثل هذا ، رجل اقل ما يمكن
ان يقال فيه انه ليس بافضل من وحش ....
دخلت غرفتها واخذت تذرعها جيئة وذهابا ، لم تستطع ان تذهب الى فراشها ، يجب
أن تعرف الأمر من هاري ، فضولها يكاد يقتلها منذ ان أخبرها باريس عنه
خاصة عندما أكد عليها هذا الأمر الذي سيسرق النوم من عينيها طيلة الليل إذا عرفته
وهو قد سرق النوم من عينيها حتى قبل أن تعرفه!