الفصل السابع
إختلطت
عليها الأمور وإحتشدت عشرات الأسئلة في رأسها ، فمثلا لماذا في هذه اللحظة
بالذات كانت تبحث في قرارة نفسها عما إذا كان باريس سينتصر عليها؟
شردت افكارها في الماضي البعيد ، الصراع العنيف الذي إعتمل في نفسها قبل أن
توافق على زواجها من أليكس ماكسون، ترى هل هذا هو السبب الذي جعلها
تتساءل عن كان من الممكن أن ينتصر باريس عليها ايضا؟
وتساءلت ساندرا ، ترى على أي اساس يؤكد باريس أنها ستصبح زوجته ؟ ثم هزت
كتفيها من غير أن تصل الى نتيجة وصعدت الدرج مسرعة ، وهي تقول في نفسها أنها
لا يمكن باي شكل من الأشكال أن تكون زوجة لرجل مثل هذا ، رجل اقل ما يمكن
ان يقال فيه انه ليس بافضل من وحش ....
دخلت غرفتها واخذت تذرعها جيئة وذهابا ، لم تستطع ان تذهب الى فراشها ، يجب
أن تعرف الأمر من هاري ، فضولها يكاد يقتلها منذ ان أخبرها باريس عنه
خاصة عندما أكد عليها هذا الأمر الذي سيسرق النوم من عينيها طيلة الليل إذا عرفته
وهو قد سرق النوم من عينيها حتى قبل أن تعرفه!
أسرعت ساندرا في خطواتها وعندما وصلت الى باب غرفة هاري ، تريثت قليلا قبل أن تقرع وتناديه برقة وعذوبة
هاري هل أنت مستيقظ ؟؟
، فتح الباب مباشرة وهو لا يزال بكامل ملابسه ، إذن هاري ايضا لا يزال يقظا حتى الآن!
علت الدهشة وجهها وخرج من بين شفتيها صوت يدل على عدم تصديقها لما ترى،
نظرت اليه فلاحظت وجهه الشاحب ، لاحظت أنه يبدو أكبر سنا وأنه غارق في
اعماق اليأس
اضطربت دقات قلبها وهتفت به
" ما بك ؟ هاري! ما الذي حدث؟ ."
تردد قليلا ، ومشى بداخل الغرفة فدخلت ورائه وأغلقت الباب جيدًا
وقف في المنتصف مقفل الفم ولكنها كانت تعلم أنه يريد أن يوضح لها أمر خطير، حاصرته بنظرات ترجوه أن يتحدث ويقول ما به وأخيرا اتخذ قراره وتكلم:
ذاك اللعين ، ذاك الهمجي الذي أحضرنا الى هنا بحجة مهمة كاذبة ."
قطع كلامه ، وإبتلع ريقه بصعوبة واخذ يهز راسه ذات اليمين وذات الشمال،
فسألت بإستغراب:
مهمة كاذبة؟! مهمة ماذا يا هاري ؟
تحركت ببطء نحو رئيسها الذي رفع يديه بإيماءة تدل على اليأس وانه لم يعد باليد
حيلة ، ثم تركهما تضربان جانبيه بإستسلام .
تابعت ساندرا إستفسارها:
هل تعني انه إحتال علينا للمجيء الى هنا؟
كان صوتها مليئا بالدهشة والإستغراب ، نظر اليها هاري ليومئ برأسه بأنه نعم ،وقبل أن يسأل
، أضافت:
" لا شك ان لديه أمورا خفية
أكنت تتحدثين اليه؟ ." أحنت راسها ايجابا، وقالت :
نعم إنه غريب جدا
توقفت عن الكلام قليلا ، وإصطبغ لونها بالحمرة عندما تذكرت تصرفه معها
سألها هاري بلهفه : ماذا قال لك ؟
تأففت وقالت : قال أنني سأكون زوجته في القريب العاجل، هه في أحلامه
انهت جملته ونظرت ساندرا في وجه هاري ، لترى تأثير هذه الكلمات عليه ، فلم تر سوى قناع لم
تستطع أن تفهم ما وراءه ، ثم لمحت بعض التغيير فيه ، لم تفهم سببه ايضا مما زاد في
تلهفها لمعرفة ما قاله له ، وأضافت:
" هاري! قل لي، ماذا قال لك ؟ فهو لا شك كان يضمر شيئا عندما أخبرني بأنك
ستتحدث إليّ في الصباح فلم أستطع الإنتظار ولذا تجدني هنا الآن
أحس ان ثقته الفظيعة تلك ترتكز على اساس قوي ، مع ان عقلي يحدثني أنه لا يمكن ان يتزوجني من غير موافقتي وهذه لن يحصل عليها بالطبع في أحلامه هذه المرة أيضًا
تفاجأت ساندرا أنه يسألها بصوت محمل بالقلق
" ساندرا هل انت متاكدة الى هذا الحد ؟ ألن توافقي على الزواج منه ولا تحت أي ظرف من الظروف؟ ."
تفاجأت حتى تراجعت الى الوراء أمام سؤاله وسألته هي غير مصدقة وبحدة:
" ما هذا الذي تقوله ؟ لا يوجد هناك اية ظروف يمكن أن تجبرني على الزواج منه ذلك الشرير الغريب
قاطعها بهدوء و قبل أن يترك لها فرصة للإجابة تابع قائلا:
إنسي ذلك ، عزيزتي ، سوف أخبرك كل شيء وبكلمات موجزة قدر الإمكان ."
وبمنتهى اليأس أخذ يتابع قوله:
" لقد دمرني يا ساندرا، دمرني باريس فيليب
توقف قليلا ليأخذ نفسا واضاف:
" لقد عرف باريس سرا خطيرا كنت أحتفظ به لنفسي ."
توقف هاري عن الكلام مرة اخرى وإستدار نحو النافذة التي كانت في نهاية الغرفة سار اليها ببطء ووقف يسحب الستائر عنها بهدوء غريب عكس ما يعتمل في نفسه الآن
ليجد أن كل شيء في الخارج كان يخلد الى السلام والراحة، الزهور الجميلة
العطرة، الجبال العالية الصامتة البحر الفسيح الداكن ، واشجار النخيل المتمايلة تتطلع الى الأعلى بإتجاه السماء المتلألئة ، أما هذان الإثنان في الداخل ، هاري و ساندرا ، فقد فقدا كل سلام وراحة ، وخيم عليهما الخوف والقلق.
وعند هذه النقطة أكمل هاري الكلام:
" منذ زمن طويل فعلت شيئًا غبيًا، كنت صغيرًا لا أعرف الكثير عن الدنيا إحتلت على رجل كبير السن وسرقت ماله وصدف أنه ذو قرابة بباريس فيليب
هزت رأسها وكأنها تنفض عنها ما سمعته الآن، التفتت نحوه لتتأكد أن حديثه ليس مزاح ثقيل كعادته، لتجد أن قسمات وجهه تخبرها بجدية حديثه فصاحت برعب:
" أنت سرقت مال أحد ؟ هذا مستحيل ! فأنا منذ عرفتك ، منذ عملت معك عرفت انك مثال الأمانة والشرف
أجابها بأسف :
" اليوم نعم ولكن قبل مجيئك لا، لقد اصبحت مرة على وشك الإفلاس حيث
فقدت تقريبا جميع أموالي في طيش الشباب."
صمت عن الكلام لحظة وإبتلع ريقه ثم قال:
" دخل علي مرة في مكتبي رجل يوناني كبير السن ، يعرض علي قطعة من الأرض واسعة لأشتريها لأنه كان على خصام مع إبنه الوحيد ويريد أن يحرمه من الميراث
أراد أن يبيع جميع ما يملك من أراضي وبشكل سريع جدا ذهبت معه الى اليونان وعاينت الأرض فلم أصدق أن الحظ سيوافيني هكذا ، كانت الأرض افضل وأجمل ما في البلاد
فإشتريتها منه بثمن بخس بعد أن احتلت عليه ثم بعتها بريع مليون من الجنيهات
صاحت الانا مرتعبة مما تسمع:
" هاري! لا لا ، لا يمكن أنك فعلت ذلك
إستدار هاري يخفي نفسه عنها وخفض ناظريه غير قادر على تلقي نظراتها وتابع:
نعم ، ساندرا بكل أسف العالم لقد فعلت ذلك، كل منا لديه نقطة ضعف جميعنا لديه ما يخفيه ، وحسبت أن سري سيبقى طي الكتمان لكني تفاجأت عندما عرفت أن باريس فيليب يعرف هذا السر وليس الآن فقط بل كان على علم بهذا السر
طيلة هذه المدة
استنتجت ساندرا باقي حديثه فقاطعته قائلة :
" وهو يهددك الان ، أليس كذلك؟ ."
كان إيمانها بهاري قويا كانت تثق بكل ما يعمل ، وترتكز في عملها معه على امانته
المطلقة والآن تعلم بهذه الجريمة النكراء وليس من احد آخر وشى به أو شيء من هذا القبيل بل من هاري نفسه
كررت سؤالها ، لتعرف الحقيقة التي تتوقعها
" اهو يهددك يا هاري ؟
بدت المرارة في قسمات وجه هاري وبصعوبة تكلم:
" نعم يمكنك ان تسمي ما يقوم به تهديدا ومن قبل أن اصف أي شكل من التهديد
ومن قبل أن اصف أي شكل من التهديد
يستعمله معي يجب أن أشرح لك بعض الأمور
صمت قليلا يستجمع أفكاره بينما هي كانت تحترق بنار الانتظار حتى أحست أن الدقيقة التي صمت فيها هي عام كامل وليس دقيقة واحدة فقط!
أخيرا نطق قائلاً :
" الذي لا تعرفيه أن ذلك الرجل المسن اللطيف الذي احتلت عليه من منطقة تدعى ماني وهي منطقة من مناطق اليونان مثل جزيرة
كريت لها تقاليدها وعاداتها ومن هذه العادات عادة واحدة لا يكاد المرء أن يصدقها،
وهي الأخذ بالثأر
قطبت حاجبيها وضيقت عينيها بتعجب على الكلمة التي لم تفهمها
قرأ ما حدث في صفحة عينيها ثم قال : أظن أنك لم تسمعي بالثأر من قبل
دعيني أوضح لك ما هو بالضبط
بدأ هاري في التحدث وأخبرها هاري ان الثأر عادة متأصلة عندهم منذ القدم وإذا لحق أي ظلم أو ضرر بشخص ما
فإن أفراد عائلته مستعدون للأخذ بثأره والثأر هو الإنتقام من الشخص الذي ألحق به
الأذية والضرر وإن لم يجدوا ذلك الشخص فقانونهم ينص أن يوقعون العقاب بشخص آخر من افراد
عائلته، عقابا قد يكون أحيانا أمر من القتل
شهقت ساندرا من الصدمة مما سمعته ومما وضحه لها عقلها أكثر وسألته بسرعة :
" ومعنى هذا أن باريس هو الذي أخذ على عاتقه مسألة الثأر منك؟
تطلعت إلى هاري، لترى وجهه وتأثير سؤالها عليه فرأت تعابير اليأس القاتل بادية في عينيه الرماديتين تمنت كثيراً أن تكون قرأته بشكل خاطئ فسألته بيأس لمرة أخيرة : قل لي أن هذا غير صحيح
هز هاري رأسه متألما : بل هو صحيح يا ساندرا
أكملت حديثها :
" ولكن لا أفهم ماذا يمكنه ان يفعل ؟ أعني انك إشتريت الأرض ودفعت ثمنها وأصبحت ملكك فبأي شيء يستطيع ان يهددك ؟ هل يستطيع؟
وبعد برهة صمت قال هاري :
نعم يستطيع لأنه لديه ما يهددني به
لم ينتظر سؤالها هذه المرة وأجاب بنفسه :
في خلال ساعات بعد توقيع العقد جاء الرجل مرة أخرى كان يريد ان يلغي العقد ولكنني رفضت تمامًا وأظن أنه قضى نحبه بسبب ذلك، لقد تنازل عن أرض ممتازة من أجل كيد ابنه وفجأه أفاق لكن بعد فوات الآوان، ساندرا لا أدري ما الذي اصابني ، لم فعلت ذلك ؟ إنه لا شك الطمع ! مجرد الطمع! ."
كان يعاني الكثير من عذاب الضمير وما زاد الأمر أنها لم تخفي شعورها وقالت له ساندرا :
" شيء فظيع يا هاري
" أعرف ذلك آه انا أعرف ذلك يا ساندرا لا تزيدي الأمر علي
وقف واخفى عينيه بكلتا يديه إهتزت كتفاه وهو يحاول أن يوقف نفسه عن البكاء لكن غلبته نفسه وإمتلأت عيناه بالدموع
أثر حاله في ساندرا كثيرا و استصعبت أن ترى رجلا يقاوم حتى لا يبكي
وليس أي رجل لكنه هاري دارك رئيسها في العمل وصديقها أيضًا
لم تتحمل الفكرة ففاضت عيناها
بالدموع لتتساقط في صمت، خيم عليهما الصمت لفترة ليست قليلة حتى إستطاعت أن تتماسك وتملك نفسها وقالت:
هاري كنت أريد ان أقول قبل ان تقاطعني إن الأمر ولو كان شنيعا فعًلا لكن ليس لك
أن تخشى باريس فيليب لقد قلت أنه يهددك وانا لا اجد فيما أخبرتني شيئًا ما يجعله متمكنا من ذلك أريد ان أعلم لماذا يهددك؟ هاري ، عزيزي هاري ، لا تخشى شيئا، فهو لا يملك شيئًا ضدك من الأصل!
" العقد لم يكن قانونيا
تكلم ببطء ، ينظر اليها وشفتاه ترتجفان .... وتابع:
" انا اعرف أنه لم يكن قانونيا ، ولكن الرجل المسن لم يكن يعرف
تكلمت ساندرا بصعوبة لقد جف ريقها وحلقها وبصعوبة خرجت الكلمات من بين شفتيها :
" أنت.... أنت خدعته يا هاري كما....
وقبل أن تكمل كلامها قاطعها قائلاً :
نعم فعلت ساندرا!
تنهدت بحزن وقالت :
" إذن هكذا يمكنه أن يقدمك للقضاء؟
أجابها بكل أسف أحس به في يوم
: نعم هو كذلك وإذا أخذت حكم قضائي فإنني سأقضي وقتا طويلا في السجن هنا في اليونان
بالإضافة الى إعادة المال الذي إستلمته ثمن الأرض وهكذا ستنهار المؤسسة وسمعتي
ستلوث وكل ما فعلته في حياتي سينهار
شهقت ساندرا ورددت كلامه غير مصدقة لما يقول :
" ستنهار!! ... لا ! مستحيل
كان هاري رجل أعمال صغير بدأ من الصفر وكبر وأصبح رجل أعمال مشهور و قد وسّع أعماله وفتح لمؤسسته فروعا في أنحاء كثيرة من الأرض
كندا وأستراليا كما كان
اكثر تجار الأملاك شهرة بالإحترام والأمانة في لندن، كلمته فوق الشبهات وجميع الذين يقصدونه،
يأتون اليه وكلهم ثقة به وبأمانته وبأن أعمالهم معه ستزيد لا ستنقص ومع كل ذلك فقد كانت في حياته هذه الوصمة
السوداء!
لقد صدمت ساندرا بما عرفت، وبأنها كانت تعرف القليل جدا عنه كيف ذلك ؟ لقد أحست انه صديقها وليس رئيسها في العمل فقط
لكنه كان حزينا وآسفا
على ما فعل وهذا يعني ويدل في رأيها أنه غير شرير لقد كان شابًا يافعا في ذلك الوقت لم يمتلك المال الكافي لقد أغواه شيطان الصبا والشباب
والتجربة قوية فلم يستطع مقاومتها وأقبل عليها وفعلها، وأما الآن فليس لديها أي شك على الإطلاق
انه يستطيع مقاومة جميع التجارب وأن أمانته التي اشتهر بها هي على حق
غاصت في أفكارها وبعد فترة صمت عادت تقول بصوت راح ينخفض حتى أصبح كالهمس:
" لن تنهار، هاري لن تنهار اعمالك الرائعة التي فعلتها طوال عمرك
هز رأسه لينفي ما تقول وبأعين دامعة وصوت مرتعش قال لها
" يجب أن أواجه الحقيقة يا ساندرا، لقد إنتهيت!!
إقتربت منه ووقفت أمامه وأمسكت يده التي كانت باردة كالتلج وربتت عليها جيدة لعلها تنفس فيه بعض من الدفء والأمان حتى لو كان مزيف
ثم قالت له : " لا ! لا يا هاري لم تنتهي أنت لم تخبرني عما يريد بالضبط فأنا متأكدة أن هناك طريقة للخروج من هذا المأزق، فقط أخبرني وسأقف بجانبك لنمر من هذا سويًا !!
عليها الأمور وإحتشدت عشرات الأسئلة في رأسها ، فمثلا لماذا في هذه اللحظة
بالذات كانت تبحث في قرارة نفسها عما إذا كان باريس سينتصر عليها؟
شردت افكارها في الماضي البعيد ، الصراع العنيف الذي إعتمل في نفسها قبل أن
توافق على زواجها من أليكس ماكسون، ترى هل هذا هو السبب الذي جعلها
تتساءل عن كان من الممكن أن ينتصر باريس عليها ايضا؟
وتساءلت ساندرا ، ترى على أي اساس يؤكد باريس أنها ستصبح زوجته ؟ ثم هزت
كتفيها من غير أن تصل الى نتيجة وصعدت الدرج مسرعة ، وهي تقول في نفسها أنها
لا يمكن باي شكل من الأشكال أن تكون زوجة لرجل مثل هذا ، رجل اقل ما يمكن
ان يقال فيه انه ليس بافضل من وحش ....
دخلت غرفتها واخذت تذرعها جيئة وذهابا ، لم تستطع ان تذهب الى فراشها ، يجب
أن تعرف الأمر من هاري ، فضولها يكاد يقتلها منذ ان أخبرها باريس عنه
خاصة عندما أكد عليها هذا الأمر الذي سيسرق النوم من عينيها طيلة الليل إذا عرفته
وهو قد سرق النوم من عينيها حتى قبل أن تعرفه!
أسرعت ساندرا في خطواتها وعندما وصلت الى باب غرفة هاري ، تريثت قليلا قبل أن تقرع وتناديه برقة وعذوبة
هاري هل أنت مستيقظ ؟؟
، فتح الباب مباشرة وهو لا يزال بكامل ملابسه ، إذن هاري ايضا لا يزال يقظا حتى الآن!
علت الدهشة وجهها وخرج من بين شفتيها صوت يدل على عدم تصديقها لما ترى،
نظرت اليه فلاحظت وجهه الشاحب ، لاحظت أنه يبدو أكبر سنا وأنه غارق في
اعماق اليأس
اضطربت دقات قلبها وهتفت به
" ما بك ؟ هاري! ما الذي حدث؟ ."
تردد قليلا ، ومشى بداخل الغرفة فدخلت ورائه وأغلقت الباب جيدًا
وقف في المنتصف مقفل الفم ولكنها كانت تعلم أنه يريد أن يوضح لها أمر خطير، حاصرته بنظرات ترجوه أن يتحدث ويقول ما به وأخيرا اتخذ قراره وتكلم:
ذاك اللعين ، ذاك الهمجي الذي أحضرنا الى هنا بحجة مهمة كاذبة ."
قطع كلامه ، وإبتلع ريقه بصعوبة واخذ يهز راسه ذات اليمين وذات الشمال،
فسألت بإستغراب:
مهمة كاذبة؟! مهمة ماذا يا هاري ؟
تحركت ببطء نحو رئيسها الذي رفع يديه بإيماءة تدل على اليأس وانه لم يعد باليد
حيلة ، ثم تركهما تضربان جانبيه بإستسلام .
تابعت ساندرا إستفسارها:
هل تعني انه إحتال علينا للمجيء الى هنا؟
كان صوتها مليئا بالدهشة والإستغراب ، نظر اليها هاري ليومئ برأسه بأنه نعم ،وقبل أن يسأل
، أضافت:
" لا شك ان لديه أمورا خفية
أكنت تتحدثين اليه؟ ." أحنت راسها ايجابا، وقالت :
نعم إنه غريب جدا
توقفت عن الكلام قليلا ، وإصطبغ لونها بالحمرة عندما تذكرت تصرفه معها
سألها هاري بلهفه : ماذا قال لك ؟
تأففت وقالت : قال أنني سأكون زوجته في القريب العاجل، هه في أحلامه
انهت جملته ونظرت ساندرا في وجه هاري ، لترى تأثير هذه الكلمات عليه ، فلم تر سوى قناع لم
تستطع أن تفهم ما وراءه ، ثم لمحت بعض التغيير فيه ، لم تفهم سببه ايضا مما زاد في
تلهفها لمعرفة ما قاله له ، وأضافت:
" هاري! قل لي، ماذا قال لك ؟ فهو لا شك كان يضمر شيئا عندما أخبرني بأنك
ستتحدث إليّ في الصباح فلم أستطع الإنتظار ولذا تجدني هنا الآن
أحس ان ثقته الفظيعة تلك ترتكز على اساس قوي ، مع ان عقلي يحدثني أنه لا يمكن ان يتزوجني من غير موافقتي وهذه لن يحصل عليها بالطبع في أحلامه هذه المرة أيضًا
تفاجأت ساندرا أنه يسألها بصوت محمل بالقلق
" ساندرا هل انت متاكدة الى هذا الحد ؟ ألن توافقي على الزواج منه ولا تحت أي ظرف من الظروف؟ ."
تفاجأت حتى تراجعت الى الوراء أمام سؤاله وسألته هي غير مصدقة وبحدة:
" ما هذا الذي تقوله ؟ لا يوجد هناك اية ظروف يمكن أن تجبرني على الزواج منه ذلك الشرير الغريب
قاطعها بهدوء و قبل أن يترك لها فرصة للإجابة تابع قائلا:
إنسي ذلك ، عزيزتي ، سوف أخبرك كل شيء وبكلمات موجزة قدر الإمكان ."
وبمنتهى اليأس أخذ يتابع قوله:
" لقد دمرني يا ساندرا، دمرني باريس فيليب
توقف قليلا ليأخذ نفسا واضاف:
" لقد عرف باريس سرا خطيرا كنت أحتفظ به لنفسي ."
توقف هاري عن الكلام مرة اخرى وإستدار نحو النافذة التي كانت في نهاية الغرفة سار اليها ببطء ووقف يسحب الستائر عنها بهدوء غريب عكس ما يعتمل في نفسه الآن
ليجد أن كل شيء في الخارج كان يخلد الى السلام والراحة، الزهور الجميلة
العطرة، الجبال العالية الصامتة البحر الفسيح الداكن ، واشجار النخيل المتمايلة تتطلع الى الأعلى بإتجاه السماء المتلألئة ، أما هذان الإثنان في الداخل ، هاري و ساندرا ، فقد فقدا كل سلام وراحة ، وخيم عليهما الخوف والقلق.
وعند هذه النقطة أكمل هاري الكلام:
" منذ زمن طويل فعلت شيئًا غبيًا، كنت صغيرًا لا أعرف الكثير عن الدنيا إحتلت على رجل كبير السن وسرقت ماله وصدف أنه ذو قرابة بباريس فيليب
هزت رأسها وكأنها تنفض عنها ما سمعته الآن، التفتت نحوه لتتأكد أن حديثه ليس مزاح ثقيل كعادته، لتجد أن قسمات وجهه تخبرها بجدية حديثه فصاحت برعب:
" أنت سرقت مال أحد ؟ هذا مستحيل ! فأنا منذ عرفتك ، منذ عملت معك عرفت انك مثال الأمانة والشرف
أجابها بأسف :
" اليوم نعم ولكن قبل مجيئك لا، لقد اصبحت مرة على وشك الإفلاس حيث
فقدت تقريبا جميع أموالي في طيش الشباب."
صمت عن الكلام لحظة وإبتلع ريقه ثم قال:
" دخل علي مرة في مكتبي رجل يوناني كبير السن ، يعرض علي قطعة من الأرض واسعة لأشتريها لأنه كان على خصام مع إبنه الوحيد ويريد أن يحرمه من الميراث
أراد أن يبيع جميع ما يملك من أراضي وبشكل سريع جدا ذهبت معه الى اليونان وعاينت الأرض فلم أصدق أن الحظ سيوافيني هكذا ، كانت الأرض افضل وأجمل ما في البلاد
فإشتريتها منه بثمن بخس بعد أن احتلت عليه ثم بعتها بريع مليون من الجنيهات
صاحت الانا مرتعبة مما تسمع:
" هاري! لا لا ، لا يمكن أنك فعلت ذلك
إستدار هاري يخفي نفسه عنها وخفض ناظريه غير قادر على تلقي نظراتها وتابع:
نعم ، ساندرا بكل أسف العالم لقد فعلت ذلك، كل منا لديه نقطة ضعف جميعنا لديه ما يخفيه ، وحسبت أن سري سيبقى طي الكتمان لكني تفاجأت عندما عرفت أن باريس فيليب يعرف هذا السر وليس الآن فقط بل كان على علم بهذا السر
طيلة هذه المدة
استنتجت ساندرا باقي حديثه فقاطعته قائلة :
" وهو يهددك الان ، أليس كذلك؟ ."
كان إيمانها بهاري قويا كانت تثق بكل ما يعمل ، وترتكز في عملها معه على امانته
المطلقة والآن تعلم بهذه الجريمة النكراء وليس من احد آخر وشى به أو شيء من هذا القبيل بل من هاري نفسه
كررت سؤالها ، لتعرف الحقيقة التي تتوقعها
" اهو يهددك يا هاري ؟
بدت المرارة في قسمات وجه هاري وبصعوبة تكلم:
" نعم يمكنك ان تسمي ما يقوم به تهديدا ومن قبل أن اصف أي شكل من التهديد
ومن قبل أن اصف أي شكل من التهديد
يستعمله معي يجب أن أشرح لك بعض الأمور
صمت قليلا يستجمع أفكاره بينما هي كانت تحترق بنار الانتظار حتى أحست أن الدقيقة التي صمت فيها هي عام كامل وليس دقيقة واحدة فقط!
أخيرا نطق قائلاً :
" الذي لا تعرفيه أن ذلك الرجل المسن اللطيف الذي احتلت عليه من منطقة تدعى ماني وهي منطقة من مناطق اليونان مثل جزيرة
كريت لها تقاليدها وعاداتها ومن هذه العادات عادة واحدة لا يكاد المرء أن يصدقها،
وهي الأخذ بالثأر
قطبت حاجبيها وضيقت عينيها بتعجب على الكلمة التي لم تفهمها
قرأ ما حدث في صفحة عينيها ثم قال : أظن أنك لم تسمعي بالثأر من قبل
دعيني أوضح لك ما هو بالضبط
بدأ هاري في التحدث وأخبرها هاري ان الثأر عادة متأصلة عندهم منذ القدم وإذا لحق أي ظلم أو ضرر بشخص ما
فإن أفراد عائلته مستعدون للأخذ بثأره والثأر هو الإنتقام من الشخص الذي ألحق به
الأذية والضرر وإن لم يجدوا ذلك الشخص فقانونهم ينص أن يوقعون العقاب بشخص آخر من افراد
عائلته، عقابا قد يكون أحيانا أمر من القتل
شهقت ساندرا من الصدمة مما سمعته ومما وضحه لها عقلها أكثر وسألته بسرعة :
" ومعنى هذا أن باريس هو الذي أخذ على عاتقه مسألة الثأر منك؟
تطلعت إلى هاري، لترى وجهه وتأثير سؤالها عليه فرأت تعابير اليأس القاتل بادية في عينيه الرماديتين تمنت كثيراً أن تكون قرأته بشكل خاطئ فسألته بيأس لمرة أخيرة : قل لي أن هذا غير صحيح
هز هاري رأسه متألما : بل هو صحيح يا ساندرا
أكملت حديثها :
" ولكن لا أفهم ماذا يمكنه ان يفعل ؟ أعني انك إشتريت الأرض ودفعت ثمنها وأصبحت ملكك فبأي شيء يستطيع ان يهددك ؟ هل يستطيع؟
وبعد برهة صمت قال هاري :
نعم يستطيع لأنه لديه ما يهددني به
لم ينتظر سؤالها هذه المرة وأجاب بنفسه :
في خلال ساعات بعد توقيع العقد جاء الرجل مرة أخرى كان يريد ان يلغي العقد ولكنني رفضت تمامًا وأظن أنه قضى نحبه بسبب ذلك، لقد تنازل عن أرض ممتازة من أجل كيد ابنه وفجأه أفاق لكن بعد فوات الآوان، ساندرا لا أدري ما الذي اصابني ، لم فعلت ذلك ؟ إنه لا شك الطمع ! مجرد الطمع! ."
كان يعاني الكثير من عذاب الضمير وما زاد الأمر أنها لم تخفي شعورها وقالت له ساندرا :
" شيء فظيع يا هاري
" أعرف ذلك آه انا أعرف ذلك يا ساندرا لا تزيدي الأمر علي
وقف واخفى عينيه بكلتا يديه إهتزت كتفاه وهو يحاول أن يوقف نفسه عن البكاء لكن غلبته نفسه وإمتلأت عيناه بالدموع
أثر حاله في ساندرا كثيرا و استصعبت أن ترى رجلا يقاوم حتى لا يبكي
وليس أي رجل لكنه هاري دارك رئيسها في العمل وصديقها أيضًا
لم تتحمل الفكرة ففاضت عيناها
بالدموع لتتساقط في صمت، خيم عليهما الصمت لفترة ليست قليلة حتى إستطاعت أن تتماسك وتملك نفسها وقالت:
هاري كنت أريد ان أقول قبل ان تقاطعني إن الأمر ولو كان شنيعا فعًلا لكن ليس لك
أن تخشى باريس فيليب لقد قلت أنه يهددك وانا لا اجد فيما أخبرتني شيئًا ما يجعله متمكنا من ذلك أريد ان أعلم لماذا يهددك؟ هاري ، عزيزي هاري ، لا تخشى شيئا، فهو لا يملك شيئًا ضدك من الأصل!
" العقد لم يكن قانونيا
تكلم ببطء ، ينظر اليها وشفتاه ترتجفان .... وتابع:
" انا اعرف أنه لم يكن قانونيا ، ولكن الرجل المسن لم يكن يعرف
تكلمت ساندرا بصعوبة لقد جف ريقها وحلقها وبصعوبة خرجت الكلمات من بين شفتيها :
" أنت.... أنت خدعته يا هاري كما....
وقبل أن تكمل كلامها قاطعها قائلاً :
نعم فعلت ساندرا!
تنهدت بحزن وقالت :
" إذن هكذا يمكنه أن يقدمك للقضاء؟
أجابها بكل أسف أحس به في يوم
: نعم هو كذلك وإذا أخذت حكم قضائي فإنني سأقضي وقتا طويلا في السجن هنا في اليونان
بالإضافة الى إعادة المال الذي إستلمته ثمن الأرض وهكذا ستنهار المؤسسة وسمعتي
ستلوث وكل ما فعلته في حياتي سينهار
شهقت ساندرا ورددت كلامه غير مصدقة لما يقول :
" ستنهار!! ... لا ! مستحيل
كان هاري رجل أعمال صغير بدأ من الصفر وكبر وأصبح رجل أعمال مشهور و قد وسّع أعماله وفتح لمؤسسته فروعا في أنحاء كثيرة من الأرض
كندا وأستراليا كما كان
اكثر تجار الأملاك شهرة بالإحترام والأمانة في لندن، كلمته فوق الشبهات وجميع الذين يقصدونه،
يأتون اليه وكلهم ثقة به وبأمانته وبأن أعمالهم معه ستزيد لا ستنقص ومع كل ذلك فقد كانت في حياته هذه الوصمة
السوداء!
لقد صدمت ساندرا بما عرفت، وبأنها كانت تعرف القليل جدا عنه كيف ذلك ؟ لقد أحست انه صديقها وليس رئيسها في العمل فقط
لكنه كان حزينا وآسفا
على ما فعل وهذا يعني ويدل في رأيها أنه غير شرير لقد كان شابًا يافعا في ذلك الوقت لم يمتلك المال الكافي لقد أغواه شيطان الصبا والشباب
والتجربة قوية فلم يستطع مقاومتها وأقبل عليها وفعلها، وأما الآن فليس لديها أي شك على الإطلاق
انه يستطيع مقاومة جميع التجارب وأن أمانته التي اشتهر بها هي على حق
غاصت في أفكارها وبعد فترة صمت عادت تقول بصوت راح ينخفض حتى أصبح كالهمس:
" لن تنهار، هاري لن تنهار اعمالك الرائعة التي فعلتها طوال عمرك
هز رأسه لينفي ما تقول وبأعين دامعة وصوت مرتعش قال لها
" يجب أن أواجه الحقيقة يا ساندرا، لقد إنتهيت!!
إقتربت منه ووقفت أمامه وأمسكت يده التي كانت باردة كالتلج وربتت عليها جيدة لعلها تنفس فيه بعض من الدفء والأمان حتى لو كان مزيف
ثم قالت له : " لا ! لا يا هاري لم تنتهي أنت لم تخبرني عما يريد بالضبط فأنا متأكدة أن هناك طريقة للخروج من هذا المأزق، فقط أخبرني وسأقف بجانبك لنمر من هذا سويًا !!