الفصل الثامن عشر

_ تعالي يا مروه أوصلك في طريقي
قالها فارس بهدوء وهو يركز في وجه مروه
_ لاء شكرا، هنروح لوحدنا، يله يا غادة
قالتها مروة بهدوء وهي تجذب ايد غادة للتحرك ولكن فارس اتحرك من مكانه ووقف في وجههم، وقال بإلحاح:
_ ما ينفعش كده العربية بره يله علشان أوصلكم في طريقي
جاء يمد يده ليلمس كفها برفق ولكنها شهقت بغضب وهي تبعد يدها عنه بعنف ثم نظرت له بغضب، وقالت بعصبية مفرطة:
_ أوعك تلمس ايدي مرة ثانية أنا بقولك أهو
وسحبت غادة وخرجت بخطوات عنيفة تكاد تأكل الأرض أسفلها وعينيها تشتعل بلهيب غاضب، ابتسم إياد بشماته وقرب من فارس بغل ووضع ايده على كتفه واتكلم بشماته:
_ هو ده وضعك عندها يا فارس، لو في حد هتحبه مروه هيكون أنا وبس
قالها وغمز له بمكر فدفع فارس ايده بغل وتركه ورحل بينما نظر إياد إلي ظهره وهو يبتعد بجمود، وقف فارس أمام السنتر متجه لسيارته ولكنه توقف مكانه قبل أن يركب السيارة وهو يري مروه وغادة واقفين مع عاصم ومعاذ، كور ايده بغضب وهمس بحدة:
_ بقي هو ده إلي فضلتيه عليه أنا يا مروه، صدقيني هخليكي تنسيه وتحبيني أنا وبس
قالها فارس بوعد لنفسه قبل أن يكون وعد لها، ثم صعد إلي سيارته بضيق وتحرك بسرعة كبيرة مخلفا خلفه تراب كثير أعمي من بالمكان وسبوا السائق المتهور.
عند مروه وغادة خرجوا من السنتر بأعصاب منفلتة ومروه تسب ذلك المتطفل ولكنهم توقفوا فجأة في مكانهم متسمرين وهم يروا عاصم ومعاذ معا يقفون أمام السنتر، يستند كل منهم علي سيارته بهيبة كبيرة، رمش الفتاتان بتيه ثم نظروا لبعض بعيون متسعة وعادو بنظرهم ناحية عاصم ومعاذ مرة أخري غير مصدقين وجودهم، رمشت مروه وهي تهتف بعدم تصديق:
_ ايه ده إلي جاب عاصم هنا
ارتعشت غادة بخوف وه تتذكر ما فعله معها معاذ منذ ساعات قليلة، مسكت ايد مروه بتوتر وقالت بخوف:
_ سي معاذ ايه إلي جابه ثاني ليه، تفتكري جاي يكمل شخيطه فيه ولا جاي ليه؟
قالتها وهي تدلك يدها التي لا تزال تؤلمها من قبضته
_ معرفش
قالتها مروه وهي تلوي شفاهها بضيق، تنهدت وهي تري عاصم يعتدل بوقفته فقالت بسرعة:
_ بس عموما يله نروح ليهم واجمدي كده يا بنتي، افتكري أنه بيحبك، معاذ بيحبك وبس
ابتسمت غادة بفرحة وهي تضغط علي شفاهها بتوتر، ذهب الفتاتان لهم ووقفوا أمامهم يرمقونهم باستغراب، اتحرك عاصم ناحية مروه بينما معاذ اتحرك لحبيبته الصغيرة غادة.
سحب معاذ غادة من ايدها برفق بعيد عنهم قليلا، وقال لها بهمس:
_ انتى مخطوفة
شحب وجهها وظهر عليه الخوف فرجعت خطوة للخلف كما لو أنها ترغب بالهرب منه، انتبه لشحوب بشرتها وخوفها منه فابتسم بلطف محاول بث الطمأنينة لقلبها وقال بلطف:
_ استأذن عاصم من والدك علشان نقضي اليوم كله مع بعض، قولنا نفسحكم يوم قبل الامتحانات ما تبدء وتنشغلوا بيها، يعني حبينا نديكم ريست صغير كده
ابتسمت بتوتر وقالت بارتباك:
_ بس أنا مش عايزه أخرج، أنا عايزه اروح البيت وبس
رفع حاجبه للأعلى وقال وهو بيشاور لها علي السيارة المركونة:
_ قولتلك انتى مخطوفة انهارده يا غادة والمخطوف ما بيعترضش، يلا يا بنتي
زمت شفاهها بتذمر طفولي ولكن بداخلها تشعر بالسعادة تغمرها لوجودها معه، تحركت ناحية السيارة بدلال متظاهرة بالضيق فسبقها وهو يفتح لها الباب الأمامي، صعدت بهدوء وهو لف وصعد جوارها حيث كرسي القيادة ثم تحرك بالسيارة.
في نفس الوقت الذي أقترب فيه معاذ من غادة كان عصم هو الأخر أقترب من مروه بهدوء و مد يده لها بوردة حمراء، ضحكت بداخلها وهي تتذكر كلام غادة لها بأنه اليوم العالمي للورد أخذتها من ايده بفرحة وقالت باستفهام وهي تشاور علي نفسها:
_ دي ليه أنا؟!
ضحك بهدوء وسرحت هي في ضحكته وعينيه التي دائما تسحرها، مسك ايدها بلطف وقال:
_ هو في حد غيرك هنا واقف معايا، هي ليكي يا بنتي انتى، انهارده عاملك مفاجئة كبيرة اووي اليوم هنقضيه مع بعض
ابتسمت له بفرحة وقالت بفضول وهي ترمقه بعيون واسعة وطفولية:
_ الله مفاجئة، هنروح فين
_ الملاهي
كشرت مروه بضيق، وقالت بتذمر:
_ الملاهي هو أنا عيلة
رفع حاجبه للأعلى وقال بخبث:
_ مش عجباكي بلاش، خلاص نروح يعني
مسكت ايده بسرعة وقالت بسرعة:
_ طبعا لاء، يله ملاهي ملاهي مش مشكلة المهم نخرج
ضحك وشاور لها علي السيارة لتسبقه، ذهبت إليها بخطوات أقرب للركض وهي تشعر بالحماس يغمرها كطفلة صغيرة وعدتها والدتها بالحلوى، صعدت إلي السيارة وانتظرت قدومه، شاور لمعاذ الذي كان يقف أمام سيارته مع غادة وبادله هو الآخر الإشارة بهدوء ثم غمزوا لبعض بمرح، صعد عاصم بجوار مروه بينما لمحت مروه معاذ ماسك غادة في ايده وركبها معاه، فقالت بفضول:
_ هم ليه مركبوش معانا؟
قال بهدوء وهو يعبث بمفتاح سيارته ليتحرك بها:
_ علشان عربيته هيسيبها فين يعني
_ أوك
قالتها بهدوء ونظرت من النافذة المجاورة لها بينما هو اتحرك بالسيارة خلف سيارة معاذ.
عند غادة في سيارة معاذ
لعبت بخصلة شعرها بتوتر وقالت باستفهام قلق:
_ ليه ماركبناش معاهم؟
ابتسم بهدوء ومسك ايدها وقربها من صدره بهدوء، قال بعمق وهو ينظر لداخل عينيها:
_ علشان نكون لوحدنا يا جميل مش عايز عزول بينا
ارتبكت من وقاحته وصراحته، سحبت ايدها بتوتر لكنه ظل ماسك فيها وأسرها بين قبضته، قضب حاجبه وكشر وقال بعصبية طفيفة:
_ منكن أعرف فين الأسورة مش لبساها ليه؟
ابتسمت بتوتر وهي تحاول سحب يدها بقلق:
_ عادي ملحقتش البسها
ترك ايدها وقال وهو مركز في الطريق أمامه:
_ طيب البسيها دلوقتي
وضعت يدها علي صدرها تبعدها عنه بقصد وقالت بعند:
_ مش دلوقتي هلبسها بعدين
بنبرة جامدة وهو ينظر علي الطريق أمامه:
_ قولت البسيها دلوقتي
قالها بأمر فتنهدت بضيق ولبستها وهي تنفخ وجهها من تحكماته بها
جذب يدها ناحيته وقال وهو ينظر بتركيز إلي يدها والأسورة تزينها:
_ حلوه اووي عليكي يا حبيبتي، احلي مما اتخيلت
قالها وقبل يدها بإعجاب وحب فسحبت ايدها بتوتر من بين قبضته، وقالت بانفعال طفيف ووجه أحمر غاضب:
_ لو سمحت ما ينفعش كده
رفع حاجبه باستغراب وقال بدهشة:
_ ما ينفعش ايه؟
قالت بضيق:
_ إنك تمسك ايدي وتبوسها كمان وإحنا مش متجوزين أصلا، إحنا حتي ما فيش بينا أي رابط يخليك تهتم بيه كده ونخرج مع بعض
_ بس أنا هتجوزك
قالها بثقة كبيرة، أغمضت عينيها بضيق ثم فتحتها بهدوء وقالت بهدوء:
_ ايه إلي مخليك واثق كده ما يمكن أرفض، أصلا أنا لسه صغيرة ومش مرتاحة بوجودي قربك
كور ايده بغضب ونظر لها بعيون قاتمة، بلعت ريقها بتوتر ورجعت خطوة للخلف والتصقت في الكرسي التي تجلس عليه برعب من نظراته التي تبدو كوحش أمامها الآن، استندت بظهرها علي النافذة بخوف وعندما رأي خوفها منه شعر بنغصة في قلبه فأتنهد بقوة وقرب منها وهمس بقوة وثقة:
_ أنا واثق مش من نفسي لاء، أنا واثق من عنيكي دي إلي فاضحة مشاعرك ليه، أنا عارف إنك بتحبيني ذي ما أنا بحبك يا غادة
نظر أمامه لحظات بسيطة ثم رجع بنظره لها وأكمل بثقة:
_ هخلي قلبك ده ما يعرفش غيري، هتتنفسي بحبي هتكوني مستنيه قربي ليكي يا غادة، بوعدك لغاية الوقت ده مش هضغط عليكي أو المسك مره ثانية بس ده مش معناه إني هبطل حربي معاكي لكسب قلبك يا حب
نظر أمامه يركز علي الطريق وهو يكمل سواقه بينما هي ابتسمت بحب، تشعر بأن قلبها يكاد ينفجر من السعادة لتمسكه بها تشعر بأن الحياة تبتسم لها لوجود محارب مثل معاذ يحارب قلبها ويحاربها هي شخصيا لتصبح أميرته وملكة قلبه، لفت وجهها بسرعة تخفي تلك الابتسامة الخائنة التي ظهرت علي ثغرها ونظرت علي الطريق والشوارع من خلال نافذتها الزجاجية الصغيرة، بعد ربع ساعة كانت السيارتان وصلتا للمكان المقصود فتوقفوا بهدوء أمام مدينة الألعاب الكبيرة، نزل الجميع من السيارات فنظرت مروه حولها بانبهار ثم مسكت ايد عاصم تجذبه بقوة للأمام ليتحرك معها وهي تهتف بطفولية:
_ يله بينا أنا إلي هختار الألعاب كلها
ابتسم عاصم لها بحب فتركت ذراعه وركضت ناحية غاده التي نزلت من السيارة بوجه احمر، رفعت مروه حاجبها لها مستغربة كادت تلمسها ليتحركوا معا ولكن معاذ وقف بينهم وقال برخامة لمروه المذبهله:
_ هش من هنا بيتك بيتك يا ماما روحي لعند جوزك
كان عاصم وصل لها ومسك ايدها وجذبها ناحيته وقال لمعاذ بلطف وتوصية:
_ هنتقسم كل أثنين مع بعض، بعد ساعة هنتجمع هنا ونكون علي اتصال يا معاذ، اوك وخلي بالك منها يله بينا
قالها وسحب ايد مروه معه لبعيد بينما وقفت غادة مكانها مستغربة تصرفهم، نظرت إلي معاذ الواقف بجوارها يكاد يلتصق بها فوجدته ينظر لها بابتسامه واسعة، قال بهدوء وهو بيشاور أمامه كأنه يوفي بوعده لها منذ الآن:
_ يله بينا
جلست ميرا علي طرف السرير بتقلب في الفون بملل تبحث عن حجز تذاكر الطيران، سمعت طرق علي الباب فقفلت الفون بهدوء وقالت برقة:
_ اتفضل
دخل جدها وهو يستند علي العكاز، قرب منها بهدوء فلوت شفاهها بضيق بمجرد رؤيتها له وأبعدت عينيها عنه بضيق نافخة بغيظ، منذ قدومها لمصر منذ عدة أيام وهي تحبس نفسها بغرفتها بعيد عن جدها لا تريد حقا أن تراه أو تكون بالقرب منه فهي مقهورة منه ومن كذبه عليها، فبسبب كذبة صغيرة منه لا تفرق معه جعلها تترك كل حياتها وأمورها الهامة وتعود لوطنها وأرضه من أجله هو من اجل ان تبقي معه بمرضة ولكن جدها الماكر خدعها، طلب منها القدوم فقط ليقدمها صفقة ليستفيد من خلفها وكأنها باتت من ممتلكاته، يرغب أن يزوجها من جاسر لأجل مصلحته هو فقط وليس حبا بها وتأمين حياتها، عادت بنظرها له.
_ عايز ايه؟
قالتها ميرا ببرود وقلة ذوق
قرب منها أكثر ووقف أمامها وقال بهدوء:
_ خطوبتك بجاسر الأسبوع الجاى، اعملي حسابك كويس ومش عايز مشاكل
انتفضت من مكانها بغضب وصرخت به بصوت عالي غير مصدقة وقاحته:
_ انت بتقول ايه؟ ايه الجنان إلي بتقوله ده! مستحيل أقبل بكده، أنا مش هرتبط بحته العيل ده أفهم بقي
رمقها بحدة وهتف بأمر ا يقبل النقاش:
_ أنا مبطلبش منك يا ميرا ده أمر وهتنفذيه، لو رفضي أو لمحتيله حتي هينسفنا من علي وش الدنيا ده جاسر الدمنهوري مش شخص عادي
اقتربت منه بضيق وقربت وجهها منه
_ انت خايف منه ليه، ده حته عيل
قالتها وهي تحاول أن تكذب علي نفسها هي خائفة من جاسر قبل جدها حتي، رغم سنه الصغير لكنه أقوي بكثير من تخيلها
شهق جدها بصدمة وقال بصدمة موبخا إياها:
_ عيل في عينك يا بت انتى عايزاه يموتنا أوعك تقوليله كده في وشه
ضحكت ببلاهة وهي تهتف بينما تحك فروة رأسها بتوتر:
_ ما هو أنا قولتله كده فعلا
صرخ بها:
_ نهار أبوكي أسود
رفعت عينها بملل فكمل بخبث:
_ يا بت انتى لو مستغنيه عن نفسك ماشي أنا معنديش مشكلة روحي انتحري عادي بس أنا لاء عايز أعيش
_ أكثر من إلي عيشته يا جدي
وضع ايده في وجهها وفرد ايده أمامها وقال:
_ قل أعوذ برب الفلق، أعوذ بالله من عينك يا شيخه بتحسديني في وشي كده
اتحرك بعيد عنها وقال بهدوء:
_ اسيبك تجهزي شويه، جاسر هيجي يشوفك انهارده
قالها وخرج بسرعة هربا منها قبل أن تتعصب عليه، أغلق الباب وهي ألقت الشاحن الذي بجوارها علي الباب وصرخت بغيظ
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي