الفصل الثامن

ساد الصمت قليلاً مسح هاري فيه دموعه التي انهمرت وتنحنح ليجعل صوته هادئ بقدر الإمكان ثم أخبرها قائلاً :

" هناك طريقة واحدة للخروج ، ولكنني على غير إستعداد لأن أخبرك بها الآن

قاطعته ساندرا معترضة على الذي يقوله :

لا! أنت قلت انك ستخبرني بكل شيء فقد اخبرتني الكثير، وما عليك إلا أن

تكمل الباقي حتى نحدد ماذا سنفعل هاري !

" لا استطيع ! " كان صوته ثابتًا هذه المرة ليؤكد لها على قراره الذي اتخذه

هتفت مرة أخرى تسأله : لماذا ! قل لي لماذا ؟ أخبرني سبب واحد لماذا أنت متعنت لهذا الحد ؟!

شعرت وكأن عينيه تدور في محجرهما من شدة التوتر، رأت رعشه يداه فتنهدت وقررت الهدوء قليلاً العصبية لن تأتي بنتيجة، تنهدت وسحبت شهيق ثم زفير شهيق ثم زفير آخر حتى تمالكت أعصابها ثم قالت







هناك حل يا هاري هل نسيت ؟ أنت تملك الآن مبلغا كبيرا من المال لديك أعمال ضخمة يمكنك تصفيتها أو يمكنك ان تستدين مبلغا آخر ،وعندئذ يمكنك ان تعيد المال للإبن وبهذا يسقط عنك هذا الثأر الذي تخشاه صحيح ؟ ما رأيك ؟!



خيم سكون عميق عليهما، انتظرت ساندرا على الجمر، نعم كل ما تشعر به الآن هو وجودها على جمر مشتعل، هذا الصمت القليل إنه كثيرا جدا

هاري ؟

قالتها متشككه أنه معها في نفس الغرفة من الأصل!

حثته على التحدث وعندما تحدث كان الحزن يقطر من كلماته أخبرها ليصدمها قائلاً :

" لقد إنتحر الإبن ، ساندرا "



توقف عن الكلام بضع دقائق وكتفاه تهتزان ، ثم تابع: " لم أكن اعلم بذلك، كان هو الحل الوحيد فعلا لكن فاجئني باريس فيليب أخبرني بذلك هذه الليلة، ألا تدركين يا ساندرا؟! لقد انتهيت صدقيني!





احست ساندرا وكأن دفق الدم تجمد في عروقها وسمرت في مكانها وأحست أن الهواء حتى يصعب دخولها إلى رئتها، سمرت لا تستطيع الكلام



.

لكن تابع هاري حديثه :

إنني أتعذب... عندما تذكرت هذا الأمر شعرت بالعذاب ويجب علي أن أعاني وأتعذب حتى اخر يوم في حياتي! .

سمعت كلامه لكن برغم ذلك حاولت ساندرا ان تتكلم أن تخفف عنه بعض آلامه وتهون الأمر عليه فخرجت الكلمات من فمها



بصعوبة ولكن برقة وعذوبة كما تعود منها :

" هاري لا تقلق إلى هذا الحد فأنا لا أستطيع ان احتمل رؤيتك على هذه الحال ."

إغرورقت عيناها بالدموع ، وسرعان ما تذكرت كلمات كانت تقولها والدتها لها رنت في عقلها

" مشكلتك أنك رقيقة القلب، فأنت لن تصادفي الأذى في حياتك فحسب ، وإنما



ستخدعين أيضا بأناس أكثر منك حذقا، كوني حذرة يا بنيتي، وحاولي أن تري ما في داخل القلوب."

كانت والدتها تحذرها وتريدها أن تغير من طبيعتها ولكن ساندرا لا تستطيع أن تفعل ولا تريد، فإن كانت رقتها وحنانها يبعثان العزاء والسلوى في قلوب الآخرين ، فهي

تكون سعيدة جدا بقدرتها على المساعدة ، والآن ، رغبتها الوحيدة هي ان تساعد هاري ، هاري الذي كان لطيفا معها ،وحسن المعاملة ، طيلة الوقت الذي عملت معه، فهو الذي اعادها الى العمل عندما إحتاجت لذلك ، واكثر من ذلك فهي لن تنسى ما دامت على قيد الحياة، إنه جازف مرة بحياته من أجل ان يخلصها من بناء كان يحترق وهي في داخله ، فهي مدينة له بحياتها، ولن تنسى انها وعدت أن ترد له



الجميل في يوم من الأيام والآن عليها أن تجد له حلاً بأي شكل من الأشكال الممكنه وحتى المستحيلة

بعد فترة صمت خيم عليهما بسبب غرقها في افكارها، قال هاري

" إذهبي الى فراشك عزيزتي ، لا بد أنك متعبة جدا يكفي ما عرفيته حتى الآن

التفتت نحوه واجابته بسرعة وبصوت حازم:

لن أذهب هاري أريد أن أعرف ما هي مطالب باريس فيليب والآن!

ألح عليها بالذهاب، لكنها تجاهلته واصرت أن تسمع الجواب!

" ساندرا ."

" نعم ، هاري ."

خرجت الكلمات متقطعة من فمه وهو يقول:

" أنا لا استطيع ان أخبرك عن ماهية تهديد باريس

" تهديد؟ ."

رددت كلمته بتعجب شديد ،وقد حل في نفسها إحساس بأن هاري يريد ان يخبرها كل شيء عن إنذار أو تهديد باريس كما يسميه، ولكنه يتظاهر بأنه غير راغب في ذلك ، واضافت بتعجب :

" لم افهم شيئا ."!

" ارجوك ساندرا إذهبي الى فراشك، ولا تصري اكثر."

ضاقت عيناها وبدا صوتها جافا باردا وهي تقول:

" أظن انه من الأفضل أن أذهب وأسأل باريس نفسه ، لعلي استطيع أن اعرف منه أكثر ما الذي تخفيه

توقفت قليلا وبقي هاري صامتا، ثم اضافت محاولة لتخمين الحقيقة

" إن الأمر يشملني، أليس كذلك؟ ولولا ذلك لما سألتك أي إيضاحات، باريس قال



لي أنه إذا اخبرني فلن يغمض لي جفن ."

لاحظت جمود هاري، وإستدارت نحو الباب لتفتحه وتذهب لباريس مرة أخرى، وما كادت تبلغه حتى سمعته يقول



بصوت منخفض:

" سأوفر عليك مشقة الذهاب اليه

، فإن تهديده ."....

وتوقف مرة أخرى ، وعادت اليها تلك الفكرة الغريبة بأنه تظاهر بالإمتناع عن القول، قطع فكرتها وتابع :



" هذا لن يغير في الأمر شيئا ساندرا

، فأنا لن اسمح لك بأن تضحّي بنفسك من أجلي."

دارت ساندرا على نفسها، وقد زاغت عيناها:

" أضحّي بنفسي !"

قشعريرة إعترتها، رعشه هزت جسمها هزا، اشبه بقشعريرة الموت ، وإستطاعت بصعوبة أن تسأل:

" ماذا تعني هاري ؟ .

جمد لحظة ثم قال: " إنه يمنحني حريتي، إذا إستطعت أن أقنعك بالزواج منه ، فهو يعرف انني أنقذت



حياتك مرة من الحريق، ويعتمد الآن على ردك على هذا الجميل



رفرفت بجفنيها وسألته متعجبه : هو يعرف انك انقذت حياتي ؟ كيف عرف ذلك؟



هز هاري رأسه وقال:

" يبدو انه يعرف كل شيء عن كلينا

أنه أمر يكاد لا يصدق ، ولكنه الواقع ، يبدو



أن له في لندن من يدوّن له حركاتنا وسكناتنا

صمت لحظة ، ينظر اليها مباشرة ، ثم تابع:

" يظهر أنه لم يتوقف عن رغبته في الزواج منك طيلة هذه السنين ،ولست أدري ما



الذي يدفعه للإصر ار على الزواج منك بهذا الشكل ، اهو الحب مثلا ؟ حاولت ان أستدرجه لمعرفة هذا السبب ولكنني لم أفلح إنه كالسد المنيع أو كالكتاب المغلق لن تعرفي منه شيئًا إلا إذا فتحتي دفتيه المغلقة تجاهلت حديثه وتشبيه فهي خير الناس معرفة بباريس في الأصل، لكنها سألته متوجسه :

" اهو واثق أنني ساتزوج منه كي أنقذك؟."

جاهدت كي تضبط نفسها كما كانت تفعل دائما ، ولكن الحكم بالموت أهون عليها من الزواج من باريس !

الحكم بالموت أهون عليها الف مرة مما يطلبه!

لم تستطيع ايقاف قطار عقلها الذي أخذها نحو محطة الماضي، تتذكر مشهدا تتخيله في ذهنها ولكنها لم تره، مشهدا قيل لها عنه ، إن هاري كان بطل الساعة في ذلك الحين، عندما خاطر بحياته ليخرجها من المكتب الذي إشتعلت فيه النيران فجأه، كانت هي فاقدة الوعي حينها، لقد سيطرت الأدخنه على الموقف وأغشي عليها لم تتحمل، أخبروه أنه إستطاع ان



يقحتم كل ذلك من أجلها وأخرجها سالمة قبل ان يسقط سقف الغرفة وينطبق على الارض بثوان معدودة

خرجت ساندرا من الحريق سالمة، لا اثر للحروق على جسمها فقط رئتيها التي تشبعت بالدخان وبعد فترة من الاكسجين والدواء عاد كل شيء لطبيعته، اما هاري فسيبقى مدى الحياة يحمل علامات الحروق على كتفيه وظهره، بسببها ومن أجلها!

إنتبهت ساندرا الى أنها شردت طويلا، وعادت تقول:

" لقد كان واثقا من أنني سأكون زوجته ، نعم لقد أخبرني بذلك والآن فقط عرفت سبب هذه الثقة. "

" ثقة في غير محلها"

قال هاري ذلك وهو يهز راسه ، كأنما يريد بذلك أن يضيف قوة الى كلامه ، وتابع:

" لن ارضى بنفسك من اجلي، وأنا أعني ذلك."

صوته كان ثابتا، ولكن ثمة شيئا مبهما فيه ، لا تعرفه لكنها تشعر به، ستتجاهلته الآن ليس وقت أن تتأكد من شيء، شردت مرة أخرى وعادت افكارها عادت الى باريس فيليب



الذي يبدو انه كان يتابع كل ما يجري معها، فلماذا؟ لماذا يريد أن يتزوجها؟ لا يمكن أن يكون الحب ، فلا شك أن هذا الشعور قد مات عنده منذ زمن طويل، ما رآته منه الآن يؤكد لها ذلك

إذا لماذا ؟ هل هي الرغبة في تنفيذ كلامه فقط!!

لا أكيد فهناك إحساس في داخلها بأن الحقيقة ليست كذلك ، لكنها لم يكن

لديها الرغبة لتتحقق من ذلك حاليا ، وقالت:

" يعني أن زواجي من باريس يحميك من العقاب ومن الدمار، أليس كذلك ؟؟

" ساندرا ......) قاطعها قبل ان تتمكن من إتمام كلامها( لن اسمح لك أن تضحي



بنفسك من أجلي أنا أعرف جيدا رأيك في الزواج من باريس ورأيك في الزواج عموما ولن أرضى لك هذا، دعينا ننسى كل شيء عن هذا، إنسي الجميل الذي تذكرين دائما أنك مدينة به الي هو شيء طبيعي بيننا وليس جميل، وكذلك الوعد الذي قطعت على نفسك، فأنا أذعن للدمار، والعقاب، والسجن."

إنقطع عن الكلام ، وساندرا تنظر اليه ، ومع كل ما رأته من تعابير محزنة على وجهه ،



فإنها قطبت حاجبيها بكثير من الشك ، لم يكن من الضروري ان يذكر الدين الذي له في ذمتها، وان يذكرها بالوعد الذي وعدته به هناك شيء خاطيء لكن حديثها جاء معاكس لما تشعر به فقالت:

" هاري ، أنت أنقذت حياتي بمحض إرادتك ، وإذا جاء يوم أستطيع فيه أن أرد



المعروف ، سوف افعل ، مهما كان الثمن."

صممت ساندرا عليها أن تفي بوعدها، من دون أن يذكرها بذلك حتى، فسوف تنقذ هاري طالما ذلك في قدرتها، إنها مجبرة أخلاقيا ان تنقذه من اجل شرف الوعد الذي قطعته على نفسها، وصممت أن تفي به وقت الحاجة، والآن جاء الوقت المناسب لتفعل!!

" يعني أن زواجي من باريس يحميك من العقاب ومن الدمار، أليس كذلك ؟؟

" ساندرا ......) قاطعها قبل ان تتمكن من إتمام كلامها( لن اسمح لك أن تضحي



بنفسك من أجلي أنا أعرف جيدا رأيك في الزواج من باريس ورأيك في الزواج عموما ولن أرضى لك هذا، دعينا ننسى كل شيء عن هذا، إنسي الجميل الذي تذكرين دائما أنك مدينة به الي هو شيء طبيعي بيننا وليس جميل، وكذلك الوعد الذي قطعت على نفسك، فأنا أذعن للدمار، والعقاب، والسجن."
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي