٢١

- كان يدور حوله في حزن يملأ فؤاده، ظل يردد تلك الكلمات متناسيًا ذاته وهو يدونها في مذكراته: اشتقت لكِ، ويبدو أن هذا الشعور سوف يبقى كثيرًا بداخل صدري، اقاوم كل شئ.. ذاتي، ووقتي، وتفكيري بدونك، بشكل يهلك ذلك العقل والفؤاد، منذ تلك الفجوة التي حدثت واطالت الفراق بيننا وطيفك يرافقني طوال اليوم، قلبي يُهلك فأنا اتمناكِ بيني وبين نفسي وانتي لا تعلمي شئ!، وفي كل مرة اسأل نفسي لماذا جاءت بكِ الحياة لي وهي لا تمنحنـي حتى وجودك؟، والله إذا كان الاشتياق ذنب لكان جميعه من نصيبي، انا الآن لا شئ؛ فقط انا المحروم من رؤياكِ.
- أغلق عمار ذلك الدفتر الذي أمامه بحزن دفين وهو يفكر في إيجاد طريقة ليجد مكان ليلى، ظل يدور حوله لوقتٍ طويل حتى تصبب العرق منه بكثرة ليدلف إلى ذلك المكيـف بإهمال وهو يؤنب ذاته فكيف سمح لهم المغادرة دون أن يسأله عن ذلك المكان أو على الأقل طريقة التواصل معه؟ صمم بشدة أن غدًا سيذهب لذلك الصياد بعينه ليعلم أين وحيدته.

-  عند خالد التهامي كان في حالة لا يرثى لها، كان متشتت لدرجة هائلة، أتت إليه صافي ويرتسم على ملامح وجهها الخوف: بابا مالك؟ حصل حاجة جديدة! وشك اصفر ليه؟.
- لا يعلم ماذا يجيبها، هل يقول لها أن الرأس الكبرى لا احد يعرف اين هي أو أثرها حتى! أو أن اقوي هيكل في تلك المنظمة تك خفيه ببراعة وحرفية شديدة؟ فماذا عنه هو وليس بقوي مثلهم! فماذا عن عقابك انتي منهم وهو ليس بيده حيلة؟ أجابها وهو يشير إليها بتوتر: بصي انا لازم احميكي ومفيش غير طريقة واحدة.
- ردت عليه مسرعة تأمل أن تنجى من ذلك المراد: قول بسرعة يا بابا.
- هتف وهو في حالة مرزية يُشفق عليه وكأنه مغيب لا يدري اثر فعلته تلك أو ما الذي سوف يترتب عليها: احنا لازم نخطف اللي اسمها نور دي فورًا.
- شهقت هي بفزع لتردف مرعوبة: لا لا مستحيل مـراد اتحول لوحش، أو نار مستنياه اللي ينفخها مش بس يولعها، انا مش ممكن اخاطر بحياتي.
- أجابها مهملًا إياها: يبقى كدا اتكلي على نفسك ووريني هتفتلتي منه ازاي!

- كاد يتحرك للرحيـل ولكن أوقفته متمسكه بذراعه لتقول بقلة حيلة: خلاص انا موافقة، امتى وازاي؟
- رد عليها مبتسمًا بشماتة: النهاردة، مُراد اصلا مش في الدنيا ومحدش واعـي لأي حاجة، هلبس طقم تمريض ونحاول نطلعها فاهمة!
- آماءت له وهي تفكر في حيلة آخرى يملأها الغدر والخيانة.

-  في تلك المستشفى التي توجد بها نور كان جميعهم يجلسون أمام تلك الغرفة التي تتواجد بها نور، منتظرين خروج الطبيب ليقول لهم عن تطوراتها العلاجية.. في حين ذلك كان جاسم يشتد عليه الآلم حتى كاد يفتك به، كان ينظر إلى آدم محاولًا إخباره ليساعده دون أن يخبر أكد وخاصة مليكة التي تجلس بجوارة، صفر بهدوء محاولًا كسب اتجاه آدم ولكن ذلك المعتوه بالنسبة له يدري أو الأصح أنه لم يفهم، تحدثت مليكة بقلق: فيه حاجة يا جاسـم؟.

- رد عليها وهو يحاول إخفاء ملامح وجهه التي تظهر ما يتحمله من الداخل ليقول: لا مفيش حاجة دا من الملل.
ردت عليه بإستغراب: ملل! ما علينـا.
- آماء لها بهدوء، وهو يحاول مرة أخرى جذب انتباه آدم إليه، حتى آخيرًا نظر إليه ولكن في تلك المرة كان أغبىٰ أو كان كتلة من الغباء، ظل يشير إليه بعينيه إلى ظهره بحركات مفهومة إلى حد ما، حتى تحدث آدم بكلل: فيه ايه يا عم؟
- نظرت له مليكة منتظره الإجابة، حتى هتف هو بعصبية: لا مفيش حاجة يا زفت مفيش حاجة.

- آماء له آدم مبتسمًا بغباء ولكن استفزت تلك البسمة ذلك الجاسم الذي كان دقائق وسيصرخ آلمًا، حاول مرة أخرى جذب انتباه آدم ولكن تلك المرة لم يحتمل ذلك الغبي ليصرخ بوجهه وهو يتقدم عليه لكي يبرحه ضربًا متناسيًا جرحه، تقدم إليه حتى صرخت مليكة بفزع وهو تشير إلى ما يرتديه بتعثلم: دا ايـه! ازاي وصلك الدم دَ؟
- ركضت إليه وهي فزعة قلبها يقرع كالطبول، أما هو فكان مُستاء منه نفسه لأنه لم يكن ذلك الالم بـه، فنظر إلى آدم يلومه على غباءه، حتى أردف آدم بنبرة حادة: انت ازاي متقولش انك متصاب؟.

- نظر إليه بغضب شنيع ولكن لم يقدر على التفوه فكانت اقصى مراحل الآلم تتملكه تمامًا، جلس أرضًا بحركة مفاجأه مغشيًا عليه، حتى صرخت مليكة قائلة بدموع غزيرة: جاسـر قوم حصلك ايه؟! يا جاسر.
- حمله آدم وكاد مُراد يشاركه في حمله من الجهة الأخرى ولكن سبقه زين وهو ينظر إليه بغضب ولكن اكمل طريقه مسرعًا إلى الطبيب خوفًا من ذلك الدم الي ينزل من جاسـم وكأنه بحيرة.
- لم يريد مُراد أن يشبك معه والجميع في حالة متوترة والأهم أن أخاه وابن عمـه ينزف الكثير من الدماء وحالته تزاد خطرًا.
- زادت الضوضاء وزاد الصراخ في أنحاء المستشفى حتى هتف زيـن بصوتٍ جهوري: الحقوه بيموت.

- انتفض مُراد من تفوه زين لتلك الكلمة، ليهجم عليـه بغضب شديد ونظراته تتواعد إليه، ليقوم زين لمواجهته ولكن اوقفتهم مليكة قائلة بقلب مفزوع مُهلك: انتوا ايه؟ ازاي انتوا كدا بجد! جاسم قدامكم مطوح وبدل ما حد فيكم ينادي على الدكتور بتتخانقوا.. انا آسفة يا جاسم بالنيابة عنهم، انا آسفة.

- شعر كلًا منهم بالندم والآخر بالقسوة فترك مُراد زين وهو يؤنب ذاته عن فعلته تلك فكيف يكون متسرع إلى هذه الدرجة وهو متفنن في إتقان البرود! ولكن مهلًا ذكر الموت! ولمن؟
- لذلك رفيق عُمره الذي يعلم بكل عيوبه وسيئاته وتقبله وما زال يحبه كما هو واستمر بجانبه! لذلك الوحيد الذي يعلم حينما يتناثر آلمه أرضًا ويقطع فؤاده بسيوف الآلم، لذلك الذي لا ينقذ ذاته وينقذني من دوامة الحياة، الذي يشعر بي عندما اتلوى همًا، هو الوحيد الذي يبتسم لي وهو غارقًا في دوامة احزانه، فلا يستطيع لشئ أن يبعده عني.. ولا حتى الموت، لانه حتمًا بذلك سيصبح أضعف مخلوقات الله.
- صرخ مُراد وعينيه تكاد تُفتك من الغضب، حتى أصبح وجهه قطعة من القطن المصبوغ باللون الأحمر، وعيناه تزاد شرارة وهو يرى تلك الدموع التي تنزف من ابن عمه.
- أتى الطبيب ركضًا وهو يصرخ على تلك المـمرضات قائًلا: بسرعة جهزوا اوضة العمليات.

- في ذلك الوقت استغل خالد التهامـي تلك الفرصة التي أتت له على إناء من ذهب واعتبرها من كثرة هحظه في هذا الحياة، ليدلف وهو يلتفت حوله يمينـًا وشمالًا حتى أوقفه شخص مًا بداخل المستشفى قائلًا بنبرة يغلفها الشك: حضرتك ليك حد هنا في المستشفى؟
- ارتبك خالد التهامـي ليردف بتعثلم، مما أكد لذلك الشخص أن ذلك الرجل يخبأ خلفه شئ ما: لا بس قريبتـي هنا تعبانة جيت اطمن عليها.
- آماء له ذلك الرجل وهو يتابعه بعينيه بحذر، حتى ابتعد عن نظره ليجلب هاتفه المحمول من تلك الأريكة التي بجانبه ليخبر شخصًا مـا عما يحدث.

- بعد دخول جاسـم غُرفة العمليات، جلس الجميع في حالة لا يرثىٰ لها.. فكانت مليكة تبكي بحرقة تشعر وكأنها محطمة، ففي كل مرة تتظاهر بأنها بخير وتصر على الاستمرار تسقط ممزقة وفي لحظة تستعيد شتاتها ولكن ها هي انهارت في النهاية.

- أما آدم فكان يبكي بصمت، نادمًا وكأنه السبب معتقدًا أنه لو فهم ما يحاول قوله لكان الحال افضل!، بعد كل تلك الحوادث التي مروا بها في هذه الفترة الأخيرة سقط أرضًا معترفًا بأن في هذه الحادثة الأخيرة المختصة بأخيه طعن قلبه حتى تمزق، في هذه المرة تألم حتى أعتقد أنه ابتلع جمرة من نار!

- عند مُراد كان ينظر أرضًا شاعرًا بالضياع، يردد في مخيلته قائًلا: الظاهر أن هذا الحزن سيستغرق وقتًا طويلًا، الايام تمضـي والأحزان تتكاثر حولنا، لقد كنا سعداء ماذا حدث! لماذا تلك الأيام ثقيلة هكذا؟ الحزن اكل من قلبه جزء جزء حتى أصبح فارغا، فهل سيدوم هذا الحزن؟ فقدت جرعة ثمية، ضخمة للاستمرار، اريد التخلص من كل ما حولي، لماذا قطار الحزن يقف امامـي ولا يريد التزحزح؟ فأنا لست بداخل النار لكل هذا الاحتراق الذي يستولى ويستوطن في ذلك القلب!.

- نظر زين لمن حولـه ودموعه تذرف دون استئذان منه، فنظر إلى مليكة وجدها لم تعد إلى تلك الفتاة المرحة! رآها غارقة في دوامة من الحزن وكأنها فاقدة للأمل لا تستطيع أو لا تريد أن تحارب، ألقى بنظره إلى آدم وجده لا يتقبل ما يحدث معهم... لا يعترف وكأنه ينتظر العودة لما كانوا عليه، خطف نظره خطفة سريعة إلى مراد وجده أصعب حالًا فكان يكظم آلمه بداخله ولكن معالم وجهه تفضحه وبشدة، فكأنه لم يفقد السيطرة فقط! بل وكأنه فقد نفسه فقد ذلك المُراد، فكان يحدق أمامه إلى الفراغ بأمل لا ينطفئ، نظر إلى تلك ملك وحلا الذين تدلف كلتاهما بداخل حضن الآخرى وكان هذا سيحميهم من بشاعة الحياة!.
- قاطع تفكيـر كلًا منهم رنين مُراد الذي لا يجيب ويرى تلك المدعوة صافي، كاد يلقي هاتفه إلى آخر الممر ولكن استوقفه تلك الرسالة التي تظهر على الشاشة الأمامية مدونًا بداخلها" بابا دلوقتـي حالًا بينفذ لخطف مراتك، وانا طبعًا مستحيل اسببلك انت او نور نور اي أذي مهما حد يقولك"

- جن جنونه ليركض مسرعًا منفعلًا إلى غرفتهـا، ولكن ما حقًا اصابه الفزع غرفتها الفارغة.. لم ينتظر ذلك الزين الذي يركض خلفه ويلحقه الفتيات بجانبهم آدم، بل ركض بكل ما به من قوة وكأنه حقًا يسابق الريح، ومن حسن الحظ كان خالد التهامـي يركض خارج المستشفى بغباء لم يعطي بال لذالك الأمن الذي ينتظره خارجًا.. كاد يخرج مُراد ولكن وقف امامـه نفس الرجل الذي كان يراقب خالد التهامي وهو يعطي له ذلك السلاح، ليكمل مُراد ركضه خلفه وهو يصوب عليه ذلك السلاح حتى قام بإطلاق تلك الطلقة الاولى ثم لحقتها الثانية والثالثة والرابعة حتى جلس جثة هامدة أرضًا تستعد للقاء ربها.
- نقلها مُراد وهو يحملها مسرعـا إلى غرفتها تاركًا خلفه تلك الفوضى والضوضاء التي تسيطر على المستشفى، ركض آدم خلف الذي أعطى السلاح لمُراد ليعلم منه لماذا فعل ذلك! ولكن لسوء الحظ فكان يعلم ذلك الرجل فقام بالهرب.
- الجميع في حالة ذهول حتى تناسوا ما هم فيه، ولكن لم يعطي لهم بال وهو يقول بنبرة حزينة، يظهر بها تلك الحنية الخاصة بها وهو ينظر إلى زرقواتها بداخل غرفتها:
يا جميلتي متى ينتهى ذلك البعد! ونتلقي وتحتضن عيناكِ عيناي، فمتى العناق! الذي لا آراه إلا في مُخيلتي!، استيقظـي يا اميرتي لالقي عليكِ قنبلة من غير نون، سأعتني بكِ بين ثنايا قلبي..وعد!، ليلًا ونهارًا ..عند ظهور الشمس، واختفاء القمر، حتى لقياكِ..حتى نتعانق.

- خرج الجميع من الغرفة بطلب من الطبيـب تحت شجار مُراد معه..ولكن لم يعيره اهتمام كافي لانه يريد إلى غرفة ابن عمه لذهب الجميع هناك ولكن بقيت إيمان في غرفة من نور.

- في ذلك القصر المهجـور من خارجه وعميق بداخله كانت ليلى تجلس ساكنة هادئة هائمة في ملامح ذلك العمار لتردف بقلب مترجف:
أُحبك لانك حتى في عدم وجودك تستطيع بث الامان والاطمئنان بداخلي، اتمنى في ذلك الوقت أن احكي لك عن كل الاشياء التي تحدث معي، ياليت شبعت من ذلك الوقت الذي كان يجمعنا.. فكيف بتلك السرعة تفارقنا فمتى تقابلنا من الأساس! كيف أصبحت شخصي المُفضل وانا لم أعلم عنك شئ غير انك منقذي!، كيف تركتني ذلك دون موعد أو استئذان؟، لماذا كل الاشياء التي هي جبر لقلبي تذهب سُدى! لماذا؟ انت ثم مُراد ثم شقيقتـي..عائلتي جميعها لم تعلم بي وانت أيضًا الآن لم تعلم بي هل قدرها هكذا؟ ام هناك آمل ينتظرها؟.

- مسحت تلك الدموع التي نزلت منها من غير تردد وهي عازمة أنها لن تبقى مقيدة منعدمة من كلمة الحرية، عزمت أنها لن تسمح لشخص ما أن يقيدها...كفى ذلك العمر الذي بقيت فيه كطائر تم قص جناحيـه ليجلس أرضًا لا يستطيع أن يحلق في محيطه.
- تحركت وهي تتحدث مع ذاتها لتكتسب بعد الثقة والهدوء وتجمع شتات أمرها وإصرارها لتنادي بصوتٍ عالي: بابا.. يا بابا.
- استجاب محمد الصياد لندائها ليقول بنبرة متسائلة: حصل ايه يا ليلي؟.
- ردت عليه بإصرار وعزيمة: أنا عايزة اطلع من هنا وعايزة اشوف عيلتي واتعرف عليهم وأشوف جدي.

- تدخلت والدتها لتقول وهي تنهرها: انتي ازاي تقولي كدا؟ انتي مش عارفة يعني اللي حصل.

- قاطعتها بإصرار في كل حديث يزيد عن المرة الأولى وكأنها فقط تخبرهم بقرارها وليست تستشيرهم: انا كدا كدا هطلع من هنا وهعمل اللي عيزاه.
- لتكمل حديثها بنبره حزينة حادة لا تحتمل النقاش: كفايا نص عمري ضيعته وانا متخبيه، حتى اسمي كنت بداريه عشان محدش يعرفني! كنت عايشة بهوية غير بتاعتي.. انتوا ظلمتوني لما اتجوزتوا لأن محدش دفع ذنب دا غيري، محدش اتعذب ولا تعب غيري، انا بس اللي اتمحيت من خريطة عائلة الصياد.

- قالت تلك الكلمات وهي غير واعية وكأنها مغيبة بالفعل، تحدثت بهسترية من الحزن.. ليتحرك محمد الصياد إلى مكتبه دون حديث وهو يشرد في ما قالته أبنته وعن مدى الظلم التي واجهته هي وحدها ليس أحد غيرها ليأخذ قراره بأنه كفى لم يظلمها في ما تبقى من عمرهـا.

- جلست ليلى على الأريكة في حزن، لتردف والدتها بتردد: باباكي ملهوش زنب يا ليلى هو حسب اللي ممكن يحصل والاذى اللي كان هيحصلك بسببهم مكنش عايز يدخلك.
- لم ترد عليها ليلى بل توجهت إلى مكتب ابيها لتطرق الباب ليأتيها صوته الحزين قائلًا: ادخلي يا ليلى.
- ردت عليه مبتسمة تحاول تغير مجرى ذلك الحديث والحدة التى تفوهت بها: وحضرتك بقى عرفت منين إن أنا ليلى؟.
- أجابها ببسمة هادئة لا تبين أسنانه: لأن عارفه هتيجي تعتذرى.
- هتفت هي بتنهيدة: بحيث كدا أنا آسفة يا بابا، متزعلش مني انا قولت كدا من غير ما اخد بالي انا بقول ايه.. اعذرني.
- قام هو ليجلبها بداخل أحضانه ويغلق عليها ليقول وهو يزيل خصلات شعرها المنسرد للوراء: انا اللي آسف يا بنتي انا محسبتش كل دا، انا فعلًا ظلمتك وكنت اناني بس هحاول اصلح كل دا، وعد مني في اقرب وقت هتكوني حرة يا ستي ومحدش تاني هيمنعك من أي حاجة.

- احتضنته بشدة وهي تفكر بتلك الأيام التي سيكون قلبها يرفرف من السعادة وهي وسط عائلتها وهي ترى أخيها المُراد الذي دائما تسمع عنه وعن شخصيته القوية، تتخيل لقاها إلى شقيتها وجدها وجميع تلك العائلة، وأخيرًا لقياه لمنقذها من تلك الدوامة التي كادت تزلق بداخلها دون وعي منها.

- بعد مدة ليست بطويلة خرجت ليلى من ذلك المكتب، ليتحرك محمد الصياد ويجلب هاتفه نحوه ليتصل بأبيه، حتى أجابه قائلًا بشموخ: نعم يا محمد!.

رد عليه محمد الصياد قائلًا بنبرة حزينة: يا بابا انا ظلمت بنتي بما فيه الكفاية فكفاية لحد هنا انا حرمتها من حجات كتير من حقها انا مش هقدر اظلمها اكتر من كدا فكل مرة بحس بالذنب فكل مرة مبعرفش انام كفايا كدا يا بابا.

- اجابه الصياد وهو مشغول بشخص ما أمامه قائًلا بإيماء: هنتكلم في الموضوع دا بعدين يا محمد، دلوقتي انا مش فاضي.
- أغلق الهاتف دون أن يسمع رده، ليتحدث ببسمة ماكرة موجها للذي أمامه قائلًا: ها انت مين وعايز ايه! وازاي تجرأ وتعمل الدوشة دي قدام قصر الصياد؟!

- اجابه بنبرة قوية لا يتخلخل منها الخوف ولا التوتر من ذلك القوة العظمى المجتمعة بالصياد: انا عمـار مش عارف هتفتكرني ولا لا بس انا ابن عم نور مرات مُراد حفيدك.
- قاطعه الصياد بنبرة حادة: وبعدين؟.
هتف عمار مندفعًا: عايز اعرف ليلى فين! وفين وديتهم انا لازم اشوفها ودلوقتي حالًا.

- تحدث الصياد يتلاعب بمشاعره: ولو قولتلك معرفش!.
- رد عليه بنبرة مترجية: حضرتك انا عارف انك انت اللي خبيتهم.. انا والله مش هأذيها انا صديقها وعايز اطمن عليها ارجوك قولي هي فين ارجوك.

- هتف الصياد مرة أخرى ضاحكًا بخفوت: صديقها اه، طب ما علينا سيبني افكـر اقولك ولا لا، أو اشوفك تستحق دا أو لا، هعملك اختبار بسيط كدا.

- اجابه عمار مسرعًا: اي حاجة انا هعملها قولي اي حاجة ودلوقتي حالًا.
- رد عليه الصياد متمهلًا: كل حاجة في وقتها يا ابني، روح كمل طريقك لحد ما تقابل اختبارك وسعتها هتشوف ليلى.

- خرج عمار وعلامات الاستغراب تحتل معالم وجهه من ذلك الرجل العجوز، ماذا تعني تلك الكلمات التي يتفوه بها؟ اختبار! هل هو في مدرسته الابتدائية!!، ولكن لم يعيره حديثه اهتمام فهو جاهز لكل شئ حتى يرى تلك الفتاة التي جعلت قلبه ينبض بإسمها فقط.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي