الجزء الثالث (3)

أحضر خاطر الطبيب لفحص أبن أخيه فقد كان متعب للغاية وشاحب الوجه، بعدما أمر زوجته بأخذه وتنظيفه وإلباسه ملابس مناسبة له من ملابس أحد أبنائهم حتى يبتاع له ملابس جديدة تكون خاصة به فقط، وبعد فحص الطبيب له كتب على الكثير من الفيتامينات والمكملات الغذائية فقد وجده يعاني من حالة ضعف عام وهزلان نتيجة لسوء التغذية في الفترة السابقة من عمره، كما أوصى بأعداد أصناف من الطعام الصحي والتي تجعل جسده يستعيد عافيته وتقوى مناعته في أقرب وقت، ظل خاطر وزوجته عائشة يرعيان ذلك اليتيم الذي لا حول له ولا قوة ويهتمان به حتى استعاد كامل عافيته وقوته وأصبح بخير لا يعاني من أي علة أو مرض، كما أبتاعت له عائشة ملابس جديدة ومتميزة كملابس أبنائها وأهتمت بمظهره فقد أشفقت عليه وقررت أن تعتني به وتربيه كأبنًا لها بعدما فعلته به والدته متحجرة القلب من أفعال يندى لها الجبين وقسوتها عليه من بعد وفاة والده، وأعتبرته فعلًا أبنًا خامس لها فقد منّا الله عليها ورزقها من زوجها خاطر بثلاث صبيان وفتاة، وبعد أن أطمئن خاطر على ابن شقيقه قرر الذهاب لبلدتهم على غفلة ومداهمة منزل أخيه الذي دنسته زوجته الحقيرة بعد فعلتها الشنعاء  و جلبها لغريب به تعاشره كما لو كان زوجها، واجتمع خاطر بعائلته وقبيلته في منزل أبيه والذي أصبح مقرًا له في بلدته وتشاوروا في أمرهما، وقرروا القصاص منهما ورجمهما كما يرجم الزانية والزاني هى وذلك الخائن الذي دنسة شرفهم معه، لكنها لم تكن بالضعيفة التي تدهسها الأقدام بل كانت أفعى رقطاء قوية فقد وقفت في وجههم وأشهرت وثيقة زواج شرعية لها من أبن عمها فقد أحتاطت وأخذت حذرها منهم حتى لا تدهسها أقدامهم، فبعد فرار صغيرها توقعت ذهابه لعمه وأخباره بما رأه منها هى وعشيقها وسيسارع خاطر للمجيئ لهنا من أجل قتلها اقتصاصًا لشرف أخيه، فذهبت برفقة عويس لمأذونًا شرعيًا وتزوجا على سنة الله ورسوله، وأخذت الوثيقة كي تكون حجتها التي تبطل بها عقابهم عليها، ووقفت بكل قوة متبجحة تخبرهم أنها لم تخطئ في حق ربها أو نفسها أو حق زوجها الراحل حيث انها تزوجت من أبن عمها كي تعف نفسها من الفتنة ومن القيل والقال لأنها مازالت في ريعان شبابها، وعويس ليس غريبًا عليهم فهو من نفس عائلتهم برغم أنه ينتمي لفرعها الفقير مثلها لكنه في الأخر يظلون كلهم من نفس السلالة ويحملون بداخل عروقهم دمًا واحد، غلت الدماء في عروق خاطر بعدما استطاعت تلك الأثمة الأفلات من العقاب وود لو أمسك بعنقها بين يديه وضغط عليه بكل قوته حتى تفيض روحها ويشفي غليله منها، لكنه تريث وقرر الأنتقام والخلاص منها لكن على نفس طريقتها وهى التلاعب في الخفاء كي يظل يحتمي بثوب الفضيلة الذي يلتحف به أمام عشيرته، لكنه لن يترك حق أبن أخيه في بيت أبيه وأرضه والتي سرقتهما والدته الخائنة كي تتنعم بهم، ووقف في وجهها يطالبها بأعادتهما وسيعطيها ميراثها الشرعي بزوجها فقط لكنها أبت أن تخرج وأخبرته وهى تظهر حجة البيع التي تحمل ختم وبصمة أخيه أنه منحها إياه بنفسه كي تحفظ حق صغيرهما منه فهو كان يخشى أن يستحل خاطر لماله وممتلكاته ويحرمهما على ولدهما الوحيد، لذا كتب لها كل ما يملك كي تعطيه لولدها حين يكبر ويشتد عوده ويصبح رجلًا كبيرًا، لم يكترث خاطر لما قالته فهو على يقين أن تلك الحجة باطلة وليست حقيقة وشقيقه لن يفعل ذلك لأنه كان يحبه ويثق به، فهددها بأبلاغ الشرطة والطعن بها بالتزوير أن لم تتراجع عن عنادها وتترك بيت أخيه وأرضه، رضخت حكمت لأمر خاطر وقررت أخذ حقها الشرعي والخروج لأن تخشى فضح أمرها وأنقلاب لعبتها عليها ويكون مصيرها السجن فقد أخذت ختم زوجها الراحل من جيب جلبابه يوم وفاته وطبعت به على الحجة التي كانت قد أعدتها مسبقًا كي تبتاع لنفسها كل ما يملك زوجها المريض ثم أنتهزت موته وأمسكت بأبهامه ولونته بالحبر الأزرق وبصمت به على الورقة، أعطاها خاطر بضعة الآلاف من الجنيهات تزيد على الخمسين الف ثمن حقها نقدًا وجعلها توقع على عقد بيع لصالح أبنها كما أجبرها على منحه الوصاية الكاملة على هاشم كي يستطيع أن يدبر له أمره ويرسم له مستقبل مضمون كما يفعل لأبنائه، ثم قام بأخراجها من المنزل واعطائها قائمة منقولاتها الزوجية كاملة، و أحضر بمساعدة رجال عائلته عمال متخصصون بإصلاح الأبنية القديمة لإعادة ترميم المنزل وفرشه بأحدث الأثاث لكي يكون مقرًا يليق بأبن أخيه كما فعل في منزل أبيه وجعله مقرًا يليق به، وبعد انتهائهم من تهيئة المنزل عاد مرة أخرى للقاهرة كي يتابع حياته وعمله ومراعاة أبن أخيه وتربيته وسط أبنائه.

منذ أن جاء هاشم لمنزل عمه وقد تبدل حاله وأصبح طفلًا أخر يحظى بكل الحب والأهتمام من عمه وزوجته، ورجع يستكمل تعليمه الذي جعلته والدته يتركه لعام كامل كي يهتم بزراعة الأرض وتربية الحيوانات التي تملكهم، لكن خاطر أبى أن يظل هكذا وقدم له أوراقه في المدرسة الخاصة التي يدرس بها أبنائه وخصص لهم سيارة بسائق تقلهم منها وإليها، ترغد هاشم وتنعم بخير عمه وأصبح ينتمي للطبقة الراقية لكن ظل بداخله ثغره تنغص عليه حياته وتذكره بما فعلت والدته وطعنها له في قلبه وشرفه وشرف أبيه الحبيب وود لو قتلها بيديه كي تبرد نار الأنتقام بداخله لكنه كان عاجزًا عن فعل ذلك لأن والدته كونت لديه رهاب الخوف منها بما كانت تفعله معه من قسوة وعذاب، فكبر هاشم حتى أصبح رجلًا وكبرت عقدته معه وكان ينتقم من والدته في كل سيدة تبيع جسدها له مقابل المال وأصبح ساديًا يتلذذ بضربهن وأهانتهن، ومنهن من كانت تجاريه كي تكسب المزيد من المال ومنهن من كانت تهرب بعد أول لقاء لها معه خوفًا من قسوته الغير مبررة لها، وظل هكذا ينتقل من أمرأة لأخرى حتى قرر عمه الذي لا يعلم شيء عن مغامراته النسائية أن يزوجه من أبنته الوحيدة رقية بعدما أتمت تعليمها الثانوي بنجاح كبير يؤهلها لدخول كلية الطب، وفي أحد الأيام عند عودة هاشم من شركة عمه وجد عمه يفتح معه موضوع الزواج، وبعد تناولهم لطعام الغذاء نادى عليه كي يجالسه مع باقي أبنائه.

- تعالى يا هاشم عايز أتكلم معاك في موضوع مهم ضروري.

جاء هاشم وجلس بجواره يربت على قدمه.

- خير يا عمي موضوع أيه المهم ده؟.

أحضرت عائشة أكواب الشاي لهم ثم غادرت وتركتهم يكملون حديثهم.

- الشاي يا حاج خاطر.

أمئ لها زوجها برضا.

- تسلم يدك يا أم غيث.

وأكمل حديثه وهو ينظر لأبن أخيه.

- موضوع جوازك من رقية الحمدلله أنها خلصت الثانوية العامة ونجحت فيها كمان، وانا شايف أنه يدوب كده وتتجوز زي غيث وتكمل نص دينك.

تجرع هاشم بعضًا من كوب الشاي خاصته.

- بس يا عمي رقية لسه صغيرة دي يدوب ١٨ سنة بس وبعدين بصراحة خسارة مجموعها في الثانوي يروح كدا دي جايبة ٩٨٪ ولازم تدخل طب.

أحتدت نبرة خاطر وخرجت من بين أسنانه.

- لأ كفاية عليها لغاية كدا وانا قولت هتتجوزوا يعني هتتجوزوا ولا عندك أعتراض وانا معرفش.

هز هاشم رأسه برهبة كي يتلاشى أغضاب عمه.

- يا عمي انا مش بقول عليا انا بقول عليها هى هتوافق على الجواز ولا هترفض عشان تكمل تعليمها في الجامعة.

ضرب خاطر يد المقعد الجالس عليه بقوة.

- انا معنديش بنات ليهم رأى واللي أقول عليه هو اللي يمشي، وانا خلاص خدت قراري وفرحكم بعد شهر قولت أيه؟.

أمأ له هاشم برضا.

- اللي تشوفه طبعًا يا عمي، ورقية بنت عمي وانا أولى بيها من الغريب.

أصدر خاطر أمره كي ينهي النقاش في هذا الموضوع.

- خلاص الفرح بعد شهر وكدا كدا شقتكم متشطبة وجاهزة على الفرش بس في الدور الرابع فوق شقة غيث.

ابتلع هاشم ريقة ثم زفر براحة.

- وانا أن شاءالله هاخد غيث وحمدي وننزل نشتري العفش من بكرة.

ضرب خاطر الأرض بعصاه الأبنوسة.

- وكمان تحجز القاعة بتاعة فرح غيث لو متوفرة.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي