الجزء الأول (1)

جلس الصغير هاشم كعادته مؤخرًا على سطح منزلهم كما أمرته والدته منذ ساعتين تقريبًا وبرغم تعبه من الجلوس ورغبته في النزول للطابق الأرضي كي يرقد بفراشه ويريح جسده ورأسه اللذان ألماه من المكوث تحت أشعة الشمس الحارقة في وقت الظهيرة والذي يمتاز بشدة حرارته عن باقي أوقات اليوم الإ أنه لم يجرؤ على ذلك خوفًا من أمه التي عنفته وضربته بقوة أول أمس لأنه خالف أمرها ونزل دون أن تأذن له، وظل هكذا حتى غفى من شدة عطشه وجوعه فهو لم يتناول غذائه بعد وكل ما تناوله في أفطاره بضع لقيمات من الخبز والجبن لا تكفي لأطعام هرة صغيرة، صعدت والدته بعد أذان العصر بساعة لتجده متكوم على تلك السجادة اليدوية المهترئة والتي تضعها له على الأرض حتى يجلس عليها في أوقات عقابها له، لكزته بقدمها بجفاء وهى تصيح بأسمه بصوتًا مرتفع كي يفيق وينزل برفقتها لتنظيف روث حيوانتهم قبل أن يظلم الليل عليه.

- هاشم...... أنت يا زفت قوم قامت قيامتك، كانك نمت مكانك كيف البهايم.

فزع الصغير ونظر حوله بتيه والدوار يلفه ويجعله غير قادر على الرؤية بوضوح، فنظر لأعلى حيث يأتي صوت أمه، فوجدها تشرف عليه بقامتها الفارة فأخافته وكأنها مارد عظيم سيبتلعه في جوفه المظلم أن لم يفق وينهض سريعًا.

- ايوه يا أمى انا قايم اهه.

فعادت تصرخت به بضجر.

- هم يا واد قوم عشان تنزل تنضف الزريبة قبل المغرب ما يأذن والعتمة تاجي.

حاول الصغير الوقوف فترنح بسبب أنخفاض ضغط دمه لأنه ظل طوال اليوم بدون طعام تقريبًا، فنظر لوالدته يستعطفها حتى يرق قلبها عليه.

- أني جعان قوي يا أمي اديني اي حاجة أكلها الأ اني دايخ ومش قادر اصلب طولي.

زمجرت أمه بصوت مرعب ونهرته بقوة.

- قولتلك هم نضف الزريبة لاول على ما اقليلك بضتين تاكلهم.

نظر لها الصغير متعجبًا وسألها والدهشة تحتل عقله.

- بضتين ايه يا أمى اللي هتقليهم ليا مش أنتِ كنت دبحة جوزين حمام وبطة كبيرة وانا شايفك وانتِ بتطبخيهم ودتيهم فين عاد؟.

اتسعت عين والدته بشر وقامت بتكوير يدها وضربته بها على ظهره بقوة جعلته يسقط أرضًا، كادت روحه أن تفارقه من شدة الألم وضعف جسده، فارتعدت فرائضة وهو يزحف بمقعدته ويديه للخلف بعدما كادت أن تركله بقدمها دون شفقة أو رحمة لحاله وحال جسده الهزيل.

- وأنت بتسأل ليه يا أبن ال...........، أنت أهنه تاكل اللي أقدمه ليك وأنت ساكت والإ هحرمك من الوكل لغاية ما تقول حقي برقبتي يا فاشل يا أبن ال..........

أمأ الصغير بفزع وعبراته تنازح بعضها في النزول.

- حاضر يا أمي، حقك عليا مش هسأل عن حاجة تانية واصل بس أبوس رجلك متضربنيش اني تعبان ومش قادر.

أشارت له بالهبوط الدرج وهى تصرخ به بحدة.

- أنزل نضف الزريبة يا............ يا أبن ال.............     
لحسن قسمًا عظمًا لو نزلت ولقيتك مخلصتهاش هموتك في يدي.

أسرع الصغير يجر قدماه وجسده المنهك ونزل الدرج  قبل أن تطاله يد والدته ثانيًا فوقتها لن تتركه حتى تجعله يتمنى الموت كما فعلت به سابقًا، وبعد ما يزيد عن الثلاث ساعات جاء مترنحًا وملابسه متسخة وتفوح منها رائحة الروث العفنة، نظرت له أمه بأشمئزاز وهى تشير له ناحية المرحاض.

- ادخل اقلع خلقاتك وغسل نفسك من الريحة المقرفة دي وألبس خلقات نضيفة وتعالي عشان تطفح.

كاد الصغير أن يبكي من فرط ضعفه وود لو شرب كوب ماء يزيح به جفاف حلقه لكن ما بيده حيلة فقد أمتثل لأمرها حتى لا يكون عقابه وخيمًا وذهب ينفذ ما قالته له بالحرف وخرج بعد أن نظف نفسه وجلس على الحصير بصمت ينتظر ما تجود بها نفسها عليه، خرجت حاملة بيدها صحن به بيضتان مقليتان ورغيف خبز واحد وضعتهما أمامه بلامبلاة

- خد أطفح على قلبك وبعدها تدخل تنام طوالي معوزاش أشوف وشك واصل، اني داخله أنام وعالله أسمع ليك حس ولا خبر أنت فاهم.

أمئ الصغير بخوف.

- فاهم يا أمى حاضر مهعملش صوت واصل.

ثم تركته وحيدًا ودخلت غرفتها تختلي بنفسها كما تفعل دومًا دون أن تكترث لأمره، التهم هاشم الطعام كله بلحظات لكنه مازال جائعًا وبطنه تصدر صوت قرقرة وكأنها تخبره أن ذلك القدر لم يفي لسد رمقها، قام متلصصًا ببطئ حتى لا تشعر به والدته ودخل لغرفة أعداد الطعام وظل يبحث هنا وهناك عن شيء يصلح للأكل فوجد عظام الطيور ملقاه في صفيحة القمامة بعد أن أكل لحمها فأنحنى يطالعها وهو يهز رأسه متمعنًا بها فعلى ما يبدو أن أمه التهمت الطيور التي ذبحتها وطهتها وحدها ولم تترك له حتى قطعة صغيرة منها، فمسح بلسانه على شفتيه متلذذًا متخيلًا أنه يتذوق طعمها اللذيذ، وشرد بخياله يتذكر متى أخر مرة أكل فيها اللحم فوجد نفسه لم يتذوقها قط منذ أن مات والده من عدة شهور تقارب السنة، حزن عظيم تملك من قلبه عند تذكره لأبيه الحنون الذي كان يطعمه حتى يشبع قبل أن يأكل هو أما والدته فمن طيلة عمره الصغير لم يتذكر قط أنها أحبته أو أحنت عليه أو أطعمته ولولا شدة والده عليها واجبارها على صنع الطعام له ما كانت تفعله من نفسها حتى ولو صدفة، أعتدل مرة أخرى بعدما وجد العظام لا يوجد بها حتى ذرات لحم وكأن والدته كانت تنتقم منهم، استدار يبحث عن طعام مرة أخرى حتى وجد الخبز بعدما لمح الوعاء الخاص به أعلى خزانة الأواني فصعد فوق المقعد وسحب وعائه البلاستيكي ينظر به بعدما علم أن أمه خبأته فوقها حتى لا تطاله يداه فوجد بها خمسة أرغفة من الخبز فأهذ واحد فقط كي لا تلاحظ أمه وتعنفه، ثم نزل وبحث عن جبن أو أي شيء يصلح ان يأكل مع الخبز لكنه لم يجد شيء فأخذ يأكله فقط وبعد أن فرغ منه كله، ملئ ذورق المياه وشربه كله كي لا يعطي مجال لمعدته أن تشكو ثانيًا من جوع، ثم تسلل بهدوء للخارج وذهب لغرفته كي ينام قبل أن تشعر به أمه فتصرخ عليه وتضربه مجددًا، وفي الصباح الباكر صحى من نومه على طرقات خافتة على باب منزله فكاد أن ينهض لكي يرى من الذي جاء يزورهم في هذا الوقت المبكر فمازالت خطوط الصباح لم تعلن عن مجيئه بعد، فقط صوت الديوك تصدح من بيوت القرية تعلن عن حلول وقت الفجر تباطئ هاشم عندما سمع صوت والدته فوقف خلف الباب يرى من زائرهما المبكر، فوجده جارهم الذي يسكن بجوارهم مباشرةً، وتحجرت عيناه عندما وجد والدته تغوص في أحضانه وهو يقبلها بنهم ثم دخلا لغرفتها وهما ملتصقان ببعضهما البعض وأغلقا الباب خلفهما، تسارعت أنفاسه وأشتعلت نيران غضبه بداخله، ففتح باب غرفته وذهب ناحية غرفة أمه ووقف على بابها يستمع لهمسات جارهم وضحكات والدته والتي تشي بوضعهما المحرم، تقززت نفسه وصار يبكي بألم وحزن وكأنه تلقى مئات السوط على جسده الصغير، لكنه رغم ما به من حزن وغضب لم يقوى على مواجهتهما لصغر سنه الذي لم يتخطى الحادية عشر من عمره، دخل لغرفته وجلس يبكي على حال أمه التي باعت نفسها للشيطان بعد أن نجح في غوايتها، وبعد فترة ليست بقصيرة شعر بالرجل وهو يغادر بعدما قضى وتره من والدته، فرجع هاشم إلى النوم حتى لا تعرف والدته بعلمه بحقيقتها الدنيئة فوقتها لن تلوم نفسها على فعلها الحرام ولكنها ستلقي باللوم كله عليه لأنه علم بعلاقتها المحرمة بجارها بمحض الصدفة وستبدأ في ضربه وتعذيبه لذا فضل الصمت حتى ينظر الله في أمرهم، وبعد فترة جاءت له لكي تيقظه حتى يقوم بمهامه الشاقة والتي فرضتها عليه جبرًا وغصبًا، فقام بصمت متجاهلًا إياها لم يتحدث معها أو ينظر في وجهها بل نهض وذهب ينظف روث الحيوانات كما أعتادوا أن يفعل صباحًا ومساءٍ، ورجع بعد أنتهائه لردهة المنزل فوجد أمه تجلس أرضًا تزيل الريش من الطيور التي ذبحتها فهز رأسه بسخرية فقد بات يعلم لمن تذبحها وتطهوها كل يوم.

نظرت له بوجوم تسأله.

- خلصت تنضيف الزريبة يا وله؟.

أمئ دون أن ينظر لها.

- أه نضفتها وطلعت الجلة على عربية عويس زي ما قولتِ.

أحتدت نظراتها بغضب ونفضت الدجاجة التي تمسكها بيدها.

- عويس كدا حاف يا قليل الرباية، إياك أسمعك تقول أسمه كدا حاف تاني بعد كدا تقول عم عويس أو أبويا عويس فاهم يا مقصوف الرقبة.

تحجرت نظراته واستعرت بها الشرر وتلاحقت أنفاسه وهو يشير لها.

- مفيش حد ياخد مكان أبويا ولا عمي، ومش هقوله غير عويس بس.

نهضت وتقدمت منه وجاءت تصفعه على جرائته عليها، لكنه أمسك يدها وأعتصرها بيده، فدب في نفسها الخوف منه عندما وجدت ساعده يكاد يكسر يدها، فجاءت تجذبها منه ونجحت بعد أن حاولت بقوة، فصرخت به بجنون.

- أنت بتمد يدك على أمك يا أبن...............

لمعت عين هاشم بغضب وهو يتوعدها.

- وأكسرها لو فكرتِ أنك تدخلي عويس بيت أبويا تاني فاهمة.

كان يظنها ستنهار أمامه وتتوب عن فعلتها لكنه وجدها لا تهتم وتضحك بغنج وتتحدث بسخرية.

- لأ يا عين أبوك عويس هيدخل تاني وتالت وطول العمر كمان عارف ليه يا ضنايا لأن أني وهو هنتجوز وهيبقى رجلي وتاج راسي وسيد البيت ده باللي فيه وأنت هنا مش هتكون أكتر من كلاف لسيدك عويس اللي هو هيكون جوزي ولو فكرت تتكلم ساعتها هخليه يدبحك ويتاوي جتتك في الزريبة تحت البهايم، ها قولت ايه يا عمري؟.

ارتجف الصغير وهو يشير لباب البيت الخارجي.

- عايزة تتجوازيه روحي أتجوزيه في بيته أنما أهنه لأ ده بيت أبوي، ده بيت مختار القناوي وهيفضل بيته لغاية ما أموت.

صدحت منها ضحكات ركيكة تزيد من توغل كرهها في قلبه.

- ههههههههههئ، لأ مبقاش بيت مختار القناوي لأنه مات بقى بيت حكمت السعداوي اللي هى اني وخلي بالك مختار باع ليا البيت والغيط قبل ما يموت وبصم وختم على حجتهم كمان، يعني أنت أهنه خدام بلقمتك عجبك ولا أخليك تحصل أبوك قريب.

انتفض الصغير بغضب.

- كدابة أبويا قالي أنه فايت البيت والغيط ليا لوحدي وكاتب بيهم عقد عشان متورثيش فيهم كمان.

أشارت له حكمت بغضب وعروق عينيها قد تلونت بلون الدم.

- شكلك مش عايز تفهم أن البيت ده بقى ليا، اني هجيب لك اللي يفهمك ويخليك تقول حقي برقبتي.

ثم ذهبت لباب البيت الخلفي ونادت على عشيقها من بيته الذي جاء مسرعًا وكأنه خادمها المطيع.

- يا عويس، يا سي عويس تعالى بسرعة عايزاك.

وقف عويس أمامها ينظر لها بوله.

- نعم يا ست حكمت يا ست الستات وتاج راسي أؤمريني واني أنفذ على طول.

نظرت لصغيرها وأشارت عليه.

- هات الكرباج وتعالى عشان تأدب ليا الفاشل ده، قال أيه بيقولي ده بيت مختار القناوي وهيفضل بيته لأخر يوم في عمره وأنه مش هيدخلك فيه، اني عايزاك تقطعلي جسده تقطيع لغاية ما تخليه يقول حقي برقبتي ولو مات يبقى كلب وراح وندفنه في الزريبة.

مسح عويس على شاربه ونظر لهاشم بشر متوعدًا.

- دا أني هخليه يتمنى الموت وميطلوش ويندم على اليوم اللي زعلك فيه يا ست حكمت.

ثم انصرف لدقيقتان وعاد حاملًا سوط اسود غليظ جعل الصغير يرتعب خوفًا واقترب منه عويس وارتفعت يده بالسوط لكي ينزل به على جسده لكن هاشم فر هاربًا من منزل أبيه يسابق الريح حتى لا يلحق به ذلك الفظ غليظ القلب، وظل يعدو مسرعًا حتى وصل لمحطة القطار وركب في القطار الذي كاد يغادر، ووقف يلتقط أنفاسه ولأول مرة منذ أن خرج من منزله ينظر خلفه فوجد عويس وصل توًا لرصيف الركاب وأنحنى يمسك ركبتيه بيديه كي يلتقط أنفاسه المتسارعة بعدما جرى خلفه وأنهكت قواه، نظر لو بوعيد وود لو لحق به وأمسكه قبل ركوبه القطار، اشار له هاشم بسخرية ثم بصق عليه وأستدار للداخل وجلس أرضًا منتظرًا أن يتوقف القطار به.


- هاشم........ هاشم......... فوق بقى يا هاشم أنت سرحت تاني.

عاد هاشم بوعيه ينظر متعجبًا لتلك الراقدة بجواره والتي تكاد تكون عارية.

- أيه يا سهر عايزة أيه؟.

أعتدلت سهر وسحبت الغطاء على جسدها تغطيه.

- يعني أنت عمال تتصل عليا وتقولي وحشاني وحشاني وجي دلوقتي تسبني وتسرح، بقى دا ينفع؟.

نظر له ورفع حاجبه الأيسر.

- طب منا عبرت ليكِ عن مدى اشتياقي ولا أنت مبتشبعيش.

هزت كتفها بغنج ومالت برأسها على كتفه.

- كنت الأول بشبع منك بس من يوم ما أتجوزت وانا مبقتش أشوفك غير مرة كل أسبوع بس.

زفر بغضب يخرج لهيب أنفاسه.

- ما أنتِ عارفة أن عمي مدبسني في بنته غصب عني  ولازم أظهر ليها كل فروض الولاء والطاعة والإ عمي هيغضب عليا ويطردني من هنا ومن الشركة وأنت أكتر واحدة عارفة انا تعبت في الشركة والشغل قد أيه، ومفيش حاجة مكتوبة بأسمي لسه، إنما لو عليا مفيش في قلبي غيرك يا حبيبتي.

هزت رأسها بغير رضا.

- كان ممكن أصدق كلامك لو مكنتش مصاحب بنات بعدد شعر راسك.

هز رأسه بنفي.

- يا شيخة حرام عليكِ بقى انا أعرف بنات بعدد شعر راسي.

تلاعبت بحاجبيها بدلال وهى تعد على أصابع يدها.

- اه امال ناني وسوسو وسهام وسونة وسالي؟.

اقترب منها يضم جسدها ويقبلها قبلة ناعمة.

- خلاص يا حبيبتي قلبك أبيض.

وضعت يديها على صدره تبعده عنها قليلًا.

- أصل أنت فاكر أنك هتاكل بعقلي حلاوة.

هز رأسه ينفي ما تظنه ثم ضمها مجددًا.

- كل البنات دول قوم وانتِ لوحدك قوم تاني، لأنك أنتِ بالنسبالي الحب والدلع والمزاج، مفيش واحدة منهم بتملى عيني زيك.

تملصت منه بقوة.

- أه ماشي هعمل مصدقة بس بشرط.

أخذها يطرحها على الفراش ثم يضمها له يقبلها برقة.

- كل اللي أنتِ عايزاه هيكون عندك يا حبيبتي بس خليكِ معايا الأول أصلك وحشاني قوي.

وغيبها هاشم معه في عالمه المحرم الذي أختار أن يدخله وبمحض إرادته كي يثبت لنفسه أنه قادر على أخضاع أي أمرأة له كما خضعت أمه لغريب دنس شرفه حتى لا تكون وحدها السيئة في نظره بل كلهن سواء لسن سوا محض نساء فاسقات باعتنّ أنفسهن لشيطان الغوى وسقطن في بحر الرذيلة، لقد تكون لدى هاشم دون أن يدري عقدة نفسية دمرت ثقته بالنساء ككل بسبب ما فعلته به والدته صغيرًا لدرجة جعلته يكره كل جنس حواء وود لو قتلهن جميعهن.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي