الفصل الثاني

كبُر «أذيب» و إشتد عوده حتى أصبح شابًا هُمامًا و شجاعًا تُفتن به كُل فتيات القلعة بأكملها، يُقال عنه أنه يملُك الليل في سواد عينيه و يُشاع أن شعره تسلل على جبينه ليُضفي له هيبةٍ تشعرك بالقشعريرة حينما ترى وجهه الجميل.
يمتلك أنفًا منحوتًا كالسيف، وبنية قوية متكاملة وصامده بحدة، بهيئته هذه يجعل الجميع يهاب منه بطريقة واضحه.

مرَّ الزمان و ما زالت أراضي مملكة (إسبكتلان) تحتضن «أذيب» بكل ودّ و حب وكانت هناك مُقلات تُراقبه من بعيد، تُشاهد ذلك السهم الغريب الذي لم ترى كمثلهُ أبدًا في حياتها، كان هديةً من ملكة (إسبكتلان) الملكه «لورا» لأذيب البطل الصبيّ الشجاع.
هكذا تُناديه دائمًا «البطل» رُغم أن الجميع يعرف أن «أذيب» لم يكن أمير بالمره!
لقد كان مُجرد سنعاني وجده قُبع في غارًا في مدينتهم «إسبكتلان»
هكذا كما قيل بالضبط.
لم تكن تُراقبه «لورا» فقط
بل كانت هُناك الكثير من المُقلات و الأعين التي تشاهده في ترّقب دائم ينظرون له بصمت، البعض بفخرًا كالملكة لورا هكذا والبعض بحُبٍ كالأميرة «لارينا» الجميلة والبعض بحقدٍ «كجير» الغيور ذو القلب القاسي واللعين.
في حين أنه أصاب هدفه في أضئل نُقطة في الدائرة، كان يمتاز بالدقة والمرونة في حركاته.
إبتسمت «لارينا» وحركت يدها في سعادة والتي لاحظتها الملكة «لورا» التي تقف في شُرفتها تتابع كل شيء بدقة فإبتسمت هي الآخرى على إبنة اخيها العاشقه، تعلم جيدًا وترى هذا.. يبدو ان أذيب قد أوقعَ شباكه أمام قلب ابنة اخيها وسقطت هي أسيرته.

«لارينا» هي إبنة أخيها الأمير الذي قُتل منذ زمن في حربًا من الحروب ولذلك هي تحبها أكثر من أي شيء و تحب كل ما تحبه، إنها الأميرة المُدللة في القصر كُله والجميع يُغار منها لشدة جمالها وذكائها وحكمتها المُفرطه، لديها عينان بُنيتان واسعتان وشعرٌ ذهبي وطويل ذات قامة قصيرة مما يجعلها خالصة الأنوثة والجمال.
يعشقها «جير» منذ زمن، حينما كانوا أطفال صغيره و لكنها لا تُحب سوى «أذيب» وذلك مايعرفه «جير» جيدًا لذلك يكره «أذيب» بشده إلى أبعد حدود عقلك.
يقال انه في مرة قد اعترف لها جير بحبه فرفضته رفضًا قاطعًا قائلة يومها:
- لا يا جير أنا لا أحبك أعتذر ان احب شخص واحد فقط، شخص لا يشبهه اي أحد فارس من فرسان القلعة وساحر من ساحرينها، سحرني ووقعت أسيرته لا أريد غيره أنتَ لا تشبهه أبدًا لذلك لا يمكن حتى أن انظر لك.
أنحني جير برأسه للأسف متأسفًا قائلًا لها بقلبٍ منكسر:
- أعرف، أنتِ تقصدين أذيب أليس كذلك؟
حركت رأسها بمعنى أجل، مما جعل معالم الغضب تظهر في وجهه ثم قال مُتناسيًا نفسه:
- هو ليس بتلك الروعة كما تقولين يا سمو الأميرة ثم انظري نحن لا نعلم من أي سلالة هو ولا من عائلته، والداه، أنه يتيم ضغيف لا يساوي شيئًا، كان يمكن أن تُحبيني بدلًا منه فأنا الأمير ج..
قاطعته رافعة أصبعها غاضبة صارخة في وجهه:
- أحذر أن تُخطئ ليس لأن عائلتك من أغنياء أسبكتلان وأنك الأمير الأكبر هنا يمكنك الخطأ فيه او في غيره، ثم تابعت قائلة:
الحقيقة أنه هو مميز عنك أقوي وأشجع منك، قوي البنية طيب القلب برئ الملامح أما أنت تحمل الحقد والشر داخلك يا جير لا أريد السماع لشيء منك ثانيتًا.
ثم تابعت كلماتها الأخيرة:
- وأخيرًا حتي وإن لم أكن أحب أذيب كنت لأرفضك لأنك شخص جشع ولا يهمك سوى السلطة والنفوذ.. لذلك لا تُفكر في حتى.

ظهر الغضب على وجهه ورحل تاركًا أياها في عاصفة من الفكير بعدما قال لها:
- وهذا الذي تدافعين عنه لم ولن يحبك أبدًا يا سمو الأميرة.

أما الآن فقد لاحظت الملكة «لورا» نظراتها وإبتسامتها الواضحة وهي تُراقب «أذيب» يتدرب، وعلمت حينها أن إبنه أخيها الوحيد سقطت في غرام إذيب، فتلك النظرات يستحل أن تكون مجرد إعجاب عادي. وها الآن قد قضيّ الأمر.

تركت الملكة جناحها الواسع العظيم برؤية تُذهلك من جماله، كان الجميع يُحيها بحب، فالجميع هُنا يُحبها، حركت رأسها بتقدير و إبتسامة واسعة للجميع ثم إقتربت من القاعه الخاصة بالتدريب والتي لا يكثرها سوى وجود «أذيب»، كان ردائها المُرصع بالذهب يلمع تحت أشعة الشمس فيزيدها طلة فوق طلتها بهاءً، تحركت بدلال انثوي وقاسٍ في نفس الوقت
اما هو كان يُخطط بعينيه الضيقه إلى أين يُصيب سهمه السحري وأخذ يلتف حوله بحركةٍ دائرية.
فلاحظ الملكة تقف بقربه تناظره بإبتسامة واسعة فأفلت السهم حتى وقع أسفله!
نظر إليه الأمير «جير» بحقدٍ و غادر على الفور حتى لا يتأثر أكثر من ذلك، أما «لارينا» فإبتسمت و أخذت تُتابع ما يحدث في هدوء.
- عليكَ أن تَهابني يا إذيب!
قالتها الملكة لورا «لأذيب» الذي ينظر في عينيها بقوة عجيبة لا يستطيع فعلها شخصًا غيره أما عنها فتنظر إليه بإعجاب تُخفيه تحت نظراتها الذكيه
وذلك ما لاحظه «أذيب»
- أنا لا أهاب شيء أبدًا سيدتي.
إبتسمت الملكة ثم رفعت رأسها قليلًا و أغلقت عينيها بإحكام قائلة بنفس الحكمة:
- تعالَ معي أذيب.

خرج من تلك القاعة و إتجهت أقدامه خلفها يُتابع سردها وهي تلتف حول كل جهةِ في القصر.
- هل تعرف كيف و صلت إلى هُنا، وأصبحت ملكة مدينة (إسبكتلان)؟.
قال لها أذيب بشغف كبير ولهفة غير متوقعه بالمره
- كيف حدث ذلك؟
نظرت له بعدما انتبهت للهفة التي يحمِلها في صوته، فهي تعرف أنه فضولي بشكلٍ كبير وسحب أن يعرف كُل شيء ولا يُريد أن يَكُون في أي مجلس مجرد حضور ظاهري بل يكون يعرف كُل تفصيلة كبيرة وصغيره، وهذا من الحكمة.
لم تجيبه الملكة وأكملت سيرها وكان يتبعها أذيب ليقول مره إخرى:
-هَل يزال لديكِ جواب؟
قالها وهو يسير خلفها بلامبالاة، وهذا بعدما حاول السيطره على رد فعله الفضولي هذا، هو دومًا يحاول أنه لا يكترث للأمر ولكنه يكون عكس ذلك تمامًا ويظهر عليه.
يتمنى لو أن يذهب لغرفته الآن وتنتهي هذه المهزلة في نظره لكنه من الداخل لا يتمنى ذلك أبدًا.. الشيء الوحيد الذي تمناه هو كيف أصبحت الملكة ملكة.
فألتفتت تنظر إليه بمقلتيها الحادتين الجميلتين قائلة:
- لأنني كُنت أخطط لذلك يا أذيب، ولأنني أعرف جيدًا ما هي خطوتي القادمة وأحسبها قبل الغوصَ فيها، لا أتصرف بتهورًا، أفكر قبل كل شيء ولا أتسرع مطلقًا.
إلتفتت تسير مرةً آخرى وتبتسم لكل من ينحني إحترامًا لها مما جعلها لطيفة جدًا، ثم قالت:
- ببساطة يا أذيب أنا أحسب كُل خطوة أخطيها، أفكر في العواقب أولًا ثم في حلول تلك العواقب التي ستواجهني، ثم بعد ذلك أباشر في خطوتي الأولى وهكذا وهكذا إلى أن أصلَّ إلى مرادي.
قال أذيب يغلق عينيه ببطءٍ حتى بدى سئيمًا بعض الشيء:
- أعرف.
قالت وهي تلتفت إليه مرةً آخرى وتنظر إليه بجمود:
- أنت لا تعرف اي شيء يا إذيب.. أنت لا تعرف اي شيء.
ثم إلتفتت للأمام مرة آخرى حتى وصلت لجناحٍ كبير جدًا، كان يملؤه الكثير والكثير من الكُتب بكل أنواعها.
ثم أقتربت من حاوية قريبة وأخذت منها ثلاثة كُتب وضعتها أمامه بجمود قائلة:
- القراءة!
أصابه اليأس قليلًا ثم قال بنفس الجمود:
- أنا لا أحب القراءة، ذلك يفعله المثقفون ذو العقول الواسعة أو اقول عقولهم فارغة لذلك يريدون ان تمتلئ بالمعلومات.

حركت رأسها ببطئ وضيقت مقلتيها ثم خرجت من ذلك الجناح غاضبه بسبب أفكاره الغريبة والتي مهما حاولت تغييرها لا تستطيع لكنها في الحال إسترجعت هدوئها مرة آخرى وتسير وهو خلفها.

توقفت عند جناح الفتيات والأميرات الذين قدمن إحترامهن وصدمتهن لرؤية «أذيب» الذي ينظر إليهم بلا مبالاة ولم تجذبه أبدًا تلك الحورايات مفتولات الجسد الذين حينما نظروا لعينيه حاولوا إغراءه بنظراتهم الجريئة والتي جعلته ينظر لهم بغضب وآخراوات بنظرات غير مُبالية بالمره.
- ما رأيك بذلك؟
تعجب «أذيب» بشدة ثم قال لها مستفسرًا بجرأة وغضب لم يسبقَ له وفعل:
- بماذا؟
نظرت إليه نظرة لم يفهمها ثم إقتربت من إحدى الفتيات الجميلة تتحسس وجهها ببراعة.
- أن تتزوج!
قال بتسرعٍ ممزوجًا بالغضب التي توقعته تقريبًا:
- لا.
ضيقت عينيها مرة أخرى ثم تركت الفتيات في صدمة لم يتوقعها أحد، حتى أن تلك الفتاة قد أصابها الإغماء وذهبت عن وعيها تمامًا لمجرد فكرة أنها قصدتها في الزواج لأذيب الجميل.

- ما رأيك بالأميرة «لارينا»
قالتها الملكة و كأنها تجس نبض أذيب دون أن يدري.
لكنه ذكي ويعرف جيدًا مرادها ذلك فأجابها بغموض حيث لا تنال إجابة واضحة وفي نفس ذات الوقت يجيبها على ما أرادت.
- إنها فتاة قوية.


ولازالت الأيام تمرُ بسلام و لازال «أذيب» يشتد عوده ولازال «جير» يغار منه، و لازالت «لارينا» تحبه ولازالت الملكة تفكر!
ولكن بما تفكر هناك شيء يتحرك في عقلها فقد لاقت الفكرة تشتيتًا خاصًا بها.

كان عشق «لارينا» غير متبادل من قِبل «أذيب»
ورغم حُب الملكة «لورا» لـ
«أذيب» إلا أنه حدث ما لم يتوقعه أحد سوى «أذيب».
كانت الملكة تُخطط لزواجهم في حين أن «أذيب» كان غير مبالٍ لشيء نهائي.
- أسمع أيها الوزير!
قالتها الملكة وهي تنظر للوزير مبتسمة فنظر لها بإهتمام:
- أجل سيدتي تفضلي؟!
- ما رأيك في «أذيب»
ابتسم الوزير وقال لها:
- شاب شجاع قوي وفارس همام، وفي السحر لم أرى له مثيل شاب يحتذى به ويضرب به الأمثال والأمثال.
ابتسمت وتنهدت ثم قالت له:
- سوف أزوجه لارينا أبنة أخي.
صدم الوزير قليلًا من قراراها ذلك، هو يدري عن قوته ويعرفه جيدًا لكنه لم يتوقع ذلك القرار أبدًا، حيث أنها في النهاية أميرة أما عن أذيب هو مجرد متبني لا اصلَ له ولا فصل، إذًا كيف لها أن تتخذ هذا القرار بهذه البساطه؟
قال الوزير يبتسم غصبًا ليخفي توتره الواضح:
- لكن أذيب مجرد فتى مُتبني يا حضرة الملكة، كيف أتخذتي هذا القرار؟
أجابته بثقه وهي ترفع حاجبها الأيسر:
- أذيب ليس شخصًا عاديًا أيها الوزير، ستعرف ذلك في يوم من الأيام، أما الآن فأنا انه الوحيد القادر على حمايتها.
تفهم الوزير ما قالته ثم إبتسم قليلًا وقال:
- وأنا أثق بكل قراراتك أيها الملكة.


في غرفة أذيب بعيدًا عن الضوضاء والأصوات الشاغبة في الخارج، شعر بشيء يتحرك حوله بسرعة بالغه فنظر بطرف عينيه وقال محاولة السماع جيدًا:
- من أنتِ؟
إن أذيب يمتلك حدسًا مريب، يسمع أصواتًا لا يمكن أن يسمعها أي مخلوق على وجه الأرض فقد كانت من ضمن قواته هي قوى التدقيق.
قالها أذيب بعدما افرج عن ابتسامة بجانب شفتيه مثيرة، فخرجت الفتاة من خلف الباب.
إبتسمت تلك الفتاة التي ظهرت من اللاشيء، كانت ترتدي ثوبًا أبيضًا وطويل مُرصعًا بقليل من الماس الأسود اللامع و مفتوح من الجانب الأيمن فتحة طويلة، لديها وجهه أبيض وعينين واسعتين متكحلتين، نحيفة بدرجةٍ و اضحة و جسدها مرسوم، تبدو كالحوريات تمامًا.

- قبل أن تعرف من أنا، عليك أن تعرف أولًا من أنت.

«لوري» إنها تلك الفتاة التي تتولى أكثر المهمات قساوة في العالم، التي تعاملت مع أكبر الملوك لشدة ذكائها، قوية وشجاعة لا تهابُ شيئًا أبدًا لذلك يستدعيها دائمًا أقوى الملوك للعمل.
رغم برائتها الزائدة التي تجعلها ساذجة في أكثرية الأوقات إلا أن ذلك لا يخفي شيئًا من ذكائها.
أرسلها أحد الملوك بمرسال إلى «أذيب».
مهمةً غيرت حياتها، ومرسال في إعتقادها أنه سيغير حياته.


نحن لم نقصَّ عليك شيء حتى الآن، وكل هذا فقط بداية لقصصًا كثيرة يجب أن تُدركها.
هنالك الكثيرين الذين لم يصِلون معنا لتلك المرحلة
وبالتأكيد سيظنون أن القصة تنتهي بزواج «أذيب» من الأميرة الجميلة «لارينا»
و ينجبون الأطفال وتنتهِ القصة عند هذا الحد.
لكن القصة الحقيقة لم تبدأ بعد.
لكن عندما ننتهي من سردها، لا تنسى أن تدِع لنا، فالبتأكيد سنكون في عالم آخر.. عالم نذهب إليه ولا نعود أبدًا.

- فتاة قوية!
قالتها «لارينا» و هي تغلق عينيها بدقة مستفسره ماقاله و تحاول إستعياب ذلك بشدة:
- أعتقد أنها بداية جيدة لقصة حب جديدة، فتاة قوية تلك لا تُقال من فمِّ أذيب بهذه السهولة.

و برغم أن الأميرة ذكية لأبعد الحدود
إلا أن الحب أعمى.
ولأن قلبها أحبه لم تعد تدرك الصواب من الخطأ.

كان ذلك بعدما أخبرتها الملكة «لورا» بما قيل، هي تعرف جيدًا حبها المكنون لأذيب
فأعلنت زواجهم، و ذلك رغم ذكائها الحاد و حكمتها البالغة إلا أنها في تلك المرة بالتحديد، لم تفكر أبدًا في أذيب و ذلك ما لاحظه جميع المقربين لأذيب بالأخص «قُبع» الذي يحاول إصطناع الفرحة و لكنهُ لا يَشعر بالعدل تجاه هذا الأمر مطلقًا.

أما أذيب عِندما و صل إليه ذلك الخبر، نزل عليه وكأنه جمر على رأسه، هو لا يحب الأميرة و لا يفضل الزواج من الأساس، و الملكة حتى لم تأخذ برأيه قبل إعلان هذا القرار.
لقد كان طموح بالحد الذي لا يتخيله أحدًا، للحد الذي يجعله لا يؤمن أنه سيتزوح يوما لأنه لم يفكر بهذا الأمر في الأساس.
و ها هو الآن لا يعرف كيف يُفكر، لا يعرف كيف يتصرف أو كيف يرفض و يتعجب من الملكة كيف أنها لم تسأله حتى عن هذا الأمر الذي يخص حياته بأكملها؟!


تجلس «لوري» بقرب أذيب الذي كان يستمع بغضب لخبر الملكة «لورا» من إحدى الحُراس ولم ينتبه من لوري التي نتظر إليه بسخريه، فهو لا يعرفها و لا هي تعرفه و لكن هي لديها رساله من الملك «رام» و هو عدوًا لدود للملكة «لورا»
لذلك رفض أذيب أن يُنصت إليها و لشدة برائتها حكم عليها بالسذاجة والغباء ثم أخبرها أن ترحل من هنا سريعًا و إلا سوف يقتلع رأسها العنيدة هذه.
- إذا لم تُنصت لي الآن، لن يخبرك أحدًا بما سأقول.
كانت لوري تحاول أن تُثير فضول أذيب بطريقه ذكية
و لكنها لا تعلم من هو، لقد تجاهلها بشدة، أما عنه أصرَّ على رأيه وأصرت هي على رأيها وما العناد بحلٍ لتلك المشكلة.

لم يقتنع أذيب بما تقول لكنه قرر مجاراتها بعدما أظهر لها إقتناعه، إبتسم أذيب قليلًا و أقر أن يُنصت لها و لمرسال حاكمها، فأخذته أقدامه مُتجهةً إلى غرفته و قال لها:
-الحقي بي.
ذهبت خلفه ببعض الريبة مصطنعة الهدوء
لا تنكر أنه جذبها لكنها تحاول أن تهتم بعملها و تترك ذلك الإحساس خلفها
خاصة أنها لم تشعر به منجذبًا لها كان يتعامل بكل برود.
أخذ منها المرسال و شرع بقراءته ومعالم البرود ما زالت في وجهه.
كان يحوي المرسال أمر من الملك «رام» ذلك الملك اللعين الذي يكرههم لأبعد الحدود.

(إترك يا «إذيب» مملكة (اسبكتلان) و شأنها، فهي لا تعمل إلا على سَحب قوتك العُظمى هذه
أنا من سوف يقدر قوتك ويجعلك أقوى أقوياء الأرض، أنضم لقوة مملكتي يا «أذيب» قبل أن أهدم (اسبكتلان) أجمع.
قريبًا ستهجم كل جيوشي عليها، فكُن الناجي الوحيد من بينهم،«أذيب» أنتَ لا تعرف قدرك حتى الآن، ولكن عندما تكون في طوعي فقط ستملك قوة العالم بأكملها وستحقق كل مراداتك)
قال «أذيب» ببرود:
- هَذا كُل شيء؟
ثم عاود الكلام مجددًا بنفس ذات البرود:
- هل هذه رسالتكِ المهمة التى تريديني أن اقرأها؟
ضيقت عينيها وقالت متعجبة من رد فعله الذي يبدو فيه قليل السخرية الصادمة بالنسبة إليها
- أ..أجل.
صرّ على أسنانه بغيظٍ وقال:
- أخبري ملكك أن يلتهي في دولته الغبية ويتركني وشأني من بعد الآن.
و ضعت يديها على جنبيها بغضب ثم قالت بجديه:
- لديَّ ملك طيب يخبرُك بانقلابه قبل أن يفعل لتأخذ حذرك وهذا رد فعلك في النهاية؟
إبتسم رغما عنه ثم قال:
-غبية، الجميع يعرف أنني أقتل من يُشكل خطر على مملكتي هنا، فبطبع هذا الملك الطيب الذي تتحدثين عنه يريد أن يتخلص منكِ.

ذلك لم تتوقعه «لوري»، ذكية لكنها بريئة لحد السذاجة، لدرجة أنها تتعرض لمواقفٍ غريبه تجد نفسها في مواضع غريبه أيضًا.
ذلك يعني أنه أرسلها فقط ليتخلص منها، وربما ذلك لأنها تعرف أسراره و أسرار دولته كونها تعمل معه لفترة طويلة جدًا.. فهل هذا جزائها في النهاية؟
جلست تبكي على تلك الأريكة في غرفته
فذلك النوع من الغدر لم تراه مطلقًا، لقد تعرضت لكثير من الغدر لكن تلك الطريقة كانت الأبشع بالنسبة إليها.
كان ملك غبي جدًا وبذكائها إستطاعت أن تُكسبه قوة لم يكن يحلم بها.
و الآن يريد التخلص منها بتلك البساطة، هي التي حاولت مساعدته وقدمت له كل العون والمعلومات التي لم يحلم يومًا بها لشدة قوتها.
غدر بها و جعلها في تلك الورطة الآن بهذه البساطه؟
كان أذيب منشغل بالتفكير، لا يعرف كيفية الهروب من تلك الكارثة الآن، أنا عنها فما زالت تبكي لحد الآن.
تذكرها ثم نظر إليها قليلًا و ابتسم بخبث وقال:
- الآن يجب أن أقتلك.
نظرت إليه بطرف عينيها ثم أخذت تبحث عن شُرفة قريبة لتهرب بسرعة، فلاحظها هو حتى جاوبها بكل بساطة في لحظتها
- لا تحاولي.
قالها و هو يضع خنجره على عنقها بينما هي قلقه من رد فعله القادم وتخلت عن فكرة الهروب فستموت الآن لا مُحال، فقال أذيب بنفس معالم الخبث:
- إذْ لم أقتلكِ الآن، سيفعل ذلك «رام» ملكك الطيب!
توقف قليلًا ينظر في عينيها ثم قال:
يعني أنه قد جاء بكِ إلى هنا فقط ليتخلص منكِ و أنا الآن واجبي تسهيل مهمته تلك، فمن الواضح أنه لم يقدر على التخلص منكِ أيتها الجميلة، لذلك أرسلكِ إليّ.
قالها مصطنع الحزن فقالت بخوفٍ ورهبة:
- أخبرني ماذا تريد؟
نظر إليها نظرة عميقه ثم انتبه ورفع أحدى حاجبيه قائلا:
- غريب، ساذجة و ذكيه جدًا؟ لم أرَّ الأثنين معًا من قبل.


الآن حان و قت المواجهه.

- أعتقد أن هكذا أتضح الأمر!
قالتها الملكة «لورا» بِغضب شديد الظهور، غضب لم يسبق وغضبته قبلًا.. كانت غاضبة لدرجة أنها لم تستطيع سماع كلمة واحده.. كانت تتحدث فقط، حيث أكملت و هي تصِر على أسنانها قائلة:
- انتهى الأمر، فأنا و بكل قوتي و بكل سُلطتي و سحري و غضبي، أرجع إلى ما جئتَ و لا تعود، أغرب عن وجهي ووجه مملكتي.

كان ذلك أخر شيء سمعته أذنايّ «أذيب» من الملكة «لورا» التي كانت دومًا حنونة وطيبه.
أما تلك الفتاة «لوري» فقد طُردت بنفس الطريقة.
ببساطة أنه أغضبها، و عندما يغضب الحليم يُمحى كل الحنين من قلبه و يصبح غزير القسوة لدرجة أنك قد تنبهر بمجرد رؤية معالم وجهه.
فكيف «لأذيب» ان يرفض الزواج من إبنة أخيها الأميرة لارينا، ولأجل مَن؟
و لما أخفى حبه المكنون لتلك الفتاة كما يقول! هل كان يخدعها كل هذا الوقت؟.
أما عن «قُبع» فكان لا حول له ولا قوة، أخذ يبكي كالطفل يشتاق لأذيب من أول ليلة.
و في نفس الليلة، تحولت الأميرة الطيبة العاشقة «لارينا» لروح شريرة لا تعرف شيء عن الحب.
إمتلأ قلبها بالكُره والقسوة والأذية و كان السبب بذلك هو «أذيب» برأي الجميع! وكان مبررهم الوحيد لتلك القسوة هو الحب.
فأصبح «أذيب» هو المُذنب الخائن لمن إحتواه، أصبح هو المُخطئ في حق الجميع ولم يغفر له أحد.



في سِنعان
-أريد العودة، قل لي ما هو ذنبي لكي أُطرد من دياري!
قالتها «لوري» بلوم لـ «أذيب» الذي مازال لا يُصدق
كل الذي فعله هو أعتراضه على الزواج من تلك الأميرة التي لم يكن يحبها من الأساس، ولم يكن حتى يفكر فيها فلما يُعاقب وعلى ماذا؟
استخدم «لوري» في تلك اللعبة ليهرب من ذلك الحكم، و ليس ليهرب من عالم لا يعرف غيره.

كانت بمثابة أكبر خذلةٍ تعرض إليها في حياته وذلك ما لاحظته «لوري» التي اصطنعت حبها لـ«إذيب» بأمر منه حتى تخرجه من تلك المصيبة لكنها من وقعت بها بالفعل فلا مُحال من يتقرب من إذيب يسقط بعشقه وذلك ما حدث معها منذ الوهلة الأولى رغم محاولتها الشديدة في الإخفاء.
ذلك المكان الذي وجدوه به حينما كان طفلًا
هو نفسه المكان الذي يجلس فيه الآن فاقدًا الأمل في كل شيء لا يعرف أين يذهب وماذا يفعل ليس لدية مخرج الآن،  يشعر وكأن كل شيء كان يسعى إليه ومن أجله انتهى، وهو أيضًا ينتهي معه
- عليك أن لا تيأس، لكل مُصيبة مخرج، ربما أن ذلك تستحقه أنتَ وكل الذي سبق لا شيء، صدق واقعك ولا تتوهم فإنه لن يغنيك شيء سوى العداوة والكره، خذني نبذة صغيرة، ها أنا أبتسم في وجهك بعدما طُردت من عالمي الذي أحبهُ أيضًا وليس هذا فقط وإنما أراد قتلي الملك الذي أفديته بروحي.
وها نحن الآن بنفس المكان.
إبتسم إذيب على ما قالته لوري والتى لاحظ فيها الحنان وانها بالفعل تحاول أن تواسي قلبه رغم أنها هي ايضًا تعرضت للخذلان والطرد من ديارها، لقد شعر الآن كيف أنهم متشابهين تمامًا.
كانت إبتسامة «أذيب» في تلك اللحظة
مصافحة قوية، لبداية صداقة بينهم لن تنتهي، وربما تنتهي الصداقة بشيء اخر افضل.

لم يكن يعرف شيء في ذلك العالم الغريب، لكن الشيء الذي كان يشعره أنه في مكان يخُصه، أنه في بيته، وذلك الإحساس لم يُفارق قلبه أبدًا.. لقد شعر وكأن ذلك المكان هو مكانه الحقيقي الوحيد.
كانت «لوري» لا تُفارقه أبدًا رغم أنها وبكل بساطه كونت صداقات مع نصف فتيات المملكه على عكس «أذيب» الذي فضل الوحدة.

****

- «أذيب» يا بني هناك أمرٌ طارئ
قالها «قُبع» الذي جاء فجأة بتلك المقابلة الغريبة في ذلك الوقت
فقال «أذيب» متعجبًا وقلقًا:
- ماذا يحدث يا قبع هل انت بخير؟!
أجابه قُبع بنفس القلق والخوف الذي لاحظهم أذيب جيدًا.
- الملكة «لورا» تطلبك في الحال ولا وقت للتفسير.

لم يكترث إذيب لما فعلته به أخر ومرة ولكنه تفهم جيدًا أنها بحاجه إليه ويجب ألا لا يخون من قانة لأعوام طوال وجعلت مملكتنا تحتوي منذ الصغر، فهو لن ينسى لها هذا الجميل مهما فعلت به، ولكن كالعاده يظهر عكس ما يشعر به ليقول بتمرد مرة واحده وهو يقدم لقبع رد فعله سريعًا.
- لن آتي.
رفع «أذيب» حاجبيه في دهشة ولِما الآن؟ لما تذكرته، نظرت له لوري وقالت بحان:
- ولما لا يا إذيب هي بحاجتك الآن.
نظر لها إذيب حتى شرد ياترى لِمَ تريده الآن، بالتأكيد هناك امر هام
حركت «لوري» رأسها بإشارة له للذهاب فأخذ بيدها وأنطلق خلف «قُبع» رغم تردده الشديد.

الملكة «لورا» بقوتها وعظمتها هي الآن طريحةٌ في الفراش، جسدها هزيل وأصبحت نحيفة ووجهها شاحب وكأنها تحتضر، أصبح الموت يطوف حولها والضريح يُنادي فِراشها!
حرك «قُبع» رأسه طالبًا من «أذيب» الذهاب للداخل فدلف برفقة «لوري».
حتى رأته الملكة وقالت له بصوت ضئيل ومُتعب:
- تعالَ إلى هُنا يا «أذيب» هيا تقدم إلىَّ لا تقلق.
تقدم منه أذيب عدة خطوات حتى وصل للفراش ثم أنحني على قدميه ممسكًا بيد الملكة و هو يستمع لها وهي تقول له بكل لين وحنان على عكس المرة الأخيرة:

-الحُب ليس مجبرًا على أحد يا أذيب الحُب يولد من الصدف، و الإجبار في الحب ليس حبًا وإنما تملُك، و العين لا ترى إلا الحبيب و أنتَ لم تكن ترى أبنه أخي «لارينا» وذلك لم أتقبله حينها.
لقد ظلمتك حينما نفيتك من مملكتي، أعماني غضبي و حزني عليها، لكنني أعلم من أنتَ فأنا من ربيتك، لقد كنت رضيع صغير حينما أتى بكَ «قُبع» و «فاتنة» إلىَّ هنا في مملكتي
أعلمك و أعلم تهورك وغضبك في أكثر الأحيان ولكني أعلم من أنتَ ومن ستكون لذا سأعطيك بداية الخيط لمُستقبلك أذيب.
وسوف تكون أنتَ.. أنتَ وحدك من الآن وصاعد ملك (أسبكتلان).
صدم أذيب لدرجة أنه لم يعرف حتى ماذا يقول، فقط فتح عينيه بشدة لا يُصدق ما يملى على مسمعه الآن.
نظرت له نظرة حنونه تحمل الكثير من المعاني لتنطق جملتها الاخيرة لتأكد عليه وعلى من حوله ما تريد قوله لذلك أحضرت أذيب إلى هنا مرة أخرى، قالت بنفس النبرة المرتعشه:
- أنتَ يا إذيب و لا أحد سواك، هل تسمعني، هذا ليس اختيار ولا أجبار، هذا قدرك إذيب وانت المُختار وليس لك خيار حينما يلعب معانا القدر يا عزيزي.

ثم أمرت الملكة «قُبع» بإحضار و زرائها و أبنة أخيها و معظم أعيان المملكة وقالت أمامهم:
-من الآن فصاعدًا «أذيب» هو ملك مملكة (أسبكتلان).
عم الضجيج في كل انحاء الغرفة و صاحت الأميرة «لارينا» بصدمة كبيرة جدًا:
- بعد كُل ما فعله بي، كيف؟

ردت الملكة عليها:
- لم يخطئ، كل ما في الأمر أنه لم يشعر بالحب تجاهك، وذلك ليس بالأجبار.
حرك «أذيب» رأسه فنطقت الملكة بآخر كلماتها:
- أنا الآن في حضرة الموت لكني أرى مستقبلك يا «أذيب».
و إذ بصمت تام يعُم الغرفة وبكاء الأميرة يقطع هذا الصمت ودمعة فارة من عين «أذيب» تحاوط وجنتيه لتربت على ظهره «لوري» بكل حنان وكان يبدو على ملامحها الحُزن الشديد.
و ذلك ما لاحظته «لارينا» التي كاد أن يقتلع قلبها، ولا تعرف تكترث بأمر من هل تحزن على حُبها الوحيد الذي يبدو عليه أن في قلبه شخصًا اخر، أم تحزن على والدتها الوحيدة التى تراعها منذ الصغر بعد موت والديها، فهي في مواقف لا يحسد عليه أحد ابدًا.

وهكذا اغلقت إحدي صُحف الماضي ليبداء الحاضر بصحيفة جديدة.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي