الفصل الثالث
- لديكِ مُهمة.
قالها «أذيب» بغرور و اضح جدًا لتلك الفتاة «لوري» التي تركت حياتها و طموحاتها وأصبحت تعمل لصالح سيدها الجديد «أذيب» إبتسمت له وهزت رأسها للأسفل بأسفٍ قليلًا من غروره الواضح معها لقد كان دائمًا هكذا بذلك الغرور ولكنها تتحمله لأنها تعرف قلبه جيدًا.
رفعت رأسها مرةً أخرى ثم وقفت بلمح البصر قائلة:
- تفضل يا سيدي أنا على استعداد.
توقف و تقدم للأمام قليلًا قائلًا بجديه مفرطه:
- إنها قصة في زمن غير هذا الزمن، سيتراجع الزمن بكِ إلى الوراء، سوف تعودين للماضي يا «لوري»، يجب ان تستعدي جيدًا فهُناك مغامرة تنتظرك.
لم تفهم «لوري» القصد فضيقت عينيها الواسعة ورفعت حاجبها و هي تَستفهم مايقول فقال وهو يحاول الشرح لها:
- هذه المُهمه من أكثر المَهمات قسوةً عليكِ يا لوري.
إبتسم بخفة لأنه يعرف جيدًا أنها لا تهاب شيء أبدًا، فقالت لوري دون رُهبة أو خوف:
- سأفعل جُهدي ياسيدي، و لكن هل تُخبرني أكثر عن هذه المهمه؟
تنهد «أذيب» ثُم زين عرشه الذي لا يليق سواه وجلس مرةً أخرى تاركًا ساعديه بارتياح شديد.
- أريد منكِ لّمَ شمل بعض الأشخاص في الماضي، أشخاص عند تجمعهم تُحل كل الألغاز في المستقبل، إنهم ثلاثة فتيات، خلفهم قصصًا و قصص، هنالك الكثير والكثير من الأحداث الكاذبة التي تورطن بها ثم تحدث عنهم تاريخنا بكُل ظُلم و كذب، أريدك ان تغيري مجرى هذة القصة بالكامل يا لوري.
حركت «لوري» رأسها بتفهم معتاد فأكمل إذيب محاولًا في تلخيص ما قاله الآن.
- الحقيقة غير المذكور يا «لوري» هل تفهميني؟
قالت باستفهام:
- إذًا ما المذكور يا سيدي؟
قال بهدوء مُميت عكس ما يبوح به:
- المذكور يا لوري أنهم قاتلات، و ساحرات، و سارقات، و أنهن يظلمن و لا يعرفن الرحمة قط، ورِد في كُتب التاريخ أن هذا بسبب ساحرًا تلاعب بعقولهم وجعل منهم و حوش مجرمون لا يعرفون شيء عن الرحمة ويقال أنهم لم يكونوا من البشر اساسًا، بل عاشوا فقط هُناك في هذا العالم.
التاريخ إما أن يوثق الحدث أو يحرف كل ما حدث ولذلك سوف تذهبين هناك لتغيري مجرى هذه الأمور، سوف تذهبين لإثبات خطأ التاريخ و عندها سوف تكون في انتظاركِ مفاجأة كبيرة حين إنتهائك من تلك المُهمة.. و أعدكِ أنها سوف تعجبكِ.
تنهدت «لوري» في نفسها في محاولة تفسير ما قاله ثم قالت:
- مكافأة؟ أعتقد كالعادة سوف يعطيني المال، ألماس أم جواهر ام ذهب لم يعد يهم ذلك فلقد إعتدت.
لاحظت تغير تعبيرات وجه أذيب فأبتسمت وهي تقول له بمغذى ذكي:
- حسنًا يا سيدي سوف أعمل بجد لا تقلق، فقط ثق بي.
اكتفى «أذيب» بأن يُخبرها ذلك ولم تسأله عن شيء أخر، ثم هزت رأسها و حركت ردائها ورحلت من أمامه.
إنصرفت «لوري» و بقى «أذيب» شاردًا على غير عادته.
يتذكر محتويات ذلك الكتاب الذي أعطاه أياه قُبع ودائمًا ما يقرأه و يتنهد تنهيدة مطولة لا يفهمها أحد ولا حتى لوري.
ذلك الكتاب يحوى العديد من الذكريات التي تؤثر على قلب «أذيب» الصلب، يعرفه الجميع بالقوة والقساوة ولكن لا يعلم أحد ما تخفي القلوب حين تتعرض لمواقف مؤثرة، لا أحد يعرف ما يجري في القلوب حقًا، تكون في قمة الثَبات بينما يكون داخلك ليّنًا كالقطن ولا أحد يشعر بذلك مطلقًا وذلك كان شعور أذيب الحقيقي.
بعد قليل من الوقت.
دلفت «لوري» مرة آخرى لجناح «أذيب» لتجده يقف بشموخ مُستقيم البنية ويُعقد ساعديه خلف ظهره وهو مُطلق عنان رأسه بشرود، كان يرتدي ملابس العرش التي تلمع بإصرار وكأنها تؤكد أنه الملك ولا يستحق أحد تلك الملابس غيره هو، هو فقط كانت الألماسات تتدلي بسلاسة مكونة من عدة طبقات على ردائه الملكي، بعض الفراء الفاخر يزين الرقبة وتاج العرش المكون من العديد من الماس و الذهب العديد و العديد منهم لدرجة أن بقعة الضوء الواحدة إذا لامسته سوف تصدع في أرجاء المكان الذي هو فيه.
ليقطع «أذيب» شروده ذلك بحدةٍ بعدما لاحظ دخول «لوري» إلى جناحه العريق:
- أخبريني، ماذا تُريدين الآن يا «لوري»؟
تقدمت بِخطوات و اثقه و هي رافعة إحدى حاجبيها قائلة بذكاء:
- عُدت كي أعلم بعض ما يخص تلك المهمة ياسيدي قبل الرحيل، أريد معرفة كل شيء حتى استطيع البدأ بداية صحيحة مثل ما تريد.
نَظر لها «أذيب» ثم طأطأ رأسهُ وكأنه يُفكر في شيءٍ ما، كان يتجه لأريكتهُ التي لا يخلوها الألماس فكالعادة «أذيب» والألماس و جهان لعملة واحدة.
حيثُ استكان على الأريكة وهو مُتنهد ناظرًا للمدى البعيد قال بصوت هادئ ومُريب:
- سوف تحررين أحدهم أولاً يا لوري.
تعجبت «لوري» و لم تفهم معنى ما قاله الآن ثم قالت بجديه مُفرطه:
- ومن ذلك الحد يا سيد أذيب؟
نظر لها أذيب بطرف عينيه بنظرة عميقه ولم يقدر على الكلام لفترة من الوقت كانت عيناه هي التي تتحدث، وذلك أثار إعجاب لوري بشدة وأرادت أن يظل هكذا لفترةٍ من الوقت.. لا يفعل شيء و لا يقول شيء، فقط ينظر إليها هكذا بكل حنين، وكأنه يخبرها أن لا تسأل.. أن تعرف دون كلام.
***
لقد تغيرت الكثير من الأحوال في تلك الفترة القصيرة، حيث تغير «أذيب» لحد كبير و تحول من «أذيب» المتسرع إلى الملك الهادئ الذكي الذي يتأمل قبل أن يبوح بشيء ولا يقول كلمة واحده دون أن يحسبها.
وأيضًا كما نعتتهُ «لوري» مؤخرًا بأنهُ أصبح بارد الطباع و يتعامل كأنه آلة ما تنجز مهامها دون قلب او مشاعر، مهتمًا بالمال والسلطة أكثر من أي شيء، كان يحكم كل شيء و أي مكان يقع تحت سيطرته لا يخلو من الثراء الفاخر، أعتقد حين ذاك أن الأماكن التي يحتلها كانت تحب فكرة الإحتلال من أذيب حيث انه يضع يديه على الدولة لا يتركها و لا يرحل منها إلا وإن كانت الأوضاع الأقتصادية والتجارية و المالية بها جيدة واكثر من ذلك بكثير.. بذلك كان محبوبًا و ذكيًا لحدٍ لا يوصف.
(رُبما تَنجح وتكون من أكبر الحُكماء و الملوك ولكن لا شيء يستطيع أن يُزيل ذِكرى سيئة من عقلك أبدًا)
غفله الطموح عن حاله ونفسه، و ذلك ما شعرت به «لوري» قبل رحيلها و تأكدت أن السبب في كل هذا هو الكتاب الذي لا يتركه «أذيب» لحظة واحده والتي لا تعرف حتى من أين حصل عليه و لماذا يهتم به لتلك الدرجة الواضحة.
لم يتَغير في الطبع فقط بل ظهرت عليهُ قوات غير عاديه وتغيرات في بنية جسده أزدادت قواه أكثر وأصبح يتمتع بقوي لا يستطيع عناني و لا سنعاني تخيلها أبدًا.
كان ممتلئ الفراغ و لا يتحدث إلا قليل، مشغول البال تائه في أفكاره الخاصة التي لا يدريها أحد.
كانت «لوري» تتمنى لو أن يحكي إليها ذلك الشعور الذي يخفيه داخله واحده، لكنه أصرَّ الصمت دائمًا ولم يخبر أحدًا شيء.
فقررت «لوري» داخلها أنها بعد الإنتهاء من تلك المهمة سوف تحاول معرفة كل شيء، لن تتركه إلا حينما تعرف القصة كاملة مهما حدث.
أحيانًا كثرة الإلحاح تأتي بنتيجة و ليس العكس هكذا قالت لوري و هي تحاول تخبئة أفكارها عنه.
لنُبحر الآن في عالم جديد، لكن إنتبه فالغرق وارد أرفع أشرعتك ولتستعد معنا في هذا العالم الذي ربما يجعلك تائهًا.
قبل العديد من الأعوام.
بالأخص في (سِنعان) بعد مُنتصف الجزيرة المقسمة لجزئان، أحدهم سوقٍ و الآخر طريق يأخذ لبعض الجُنينات الخضراء والصحروات التي يسكُنها المواشي والحيوانات الغريبة النادرة و المريبه.
عمَّ السكون المكان و طأطأ السكان راسهم إحترامًا للقادم، كانوا يقفون بهدوء دون أصدار الأصوات المعتادة فلا يجرأ أحدهم على رفع رأسه أمام القادم.
كان السيد «ميدوس» يُهبط من خيلهِ الأبلق ويقتلعُ خنجره الذي تشبث به بعض الشيء ثم يقتلعه بغلٍ واضح مرةً أخرى ليُشعل هيبته القوية أمام الجميع أخذ يُدقق حولهُ بصمودٍ و اضح رُغم خُصلاته المُنسدله على سوداويته المخفيه بعض الشيء.
وكان هُناك ثلاثة رجال يقفون أمامه دون النظر إليه هيبتًا من هيئته الضخمة، و إحترامًا لمكانته، ليلفُت إنتباهه ولدًا يبدو صغيرًا يقف قُرب أحد حُراسه.
كان هذا الصغير ينظر إليه وعينيه مُتشبته في عينيّ «ميدوس» المُخيفه بقوةً بلا رُهبةً أو خوف و عندما لاحظ هذا أشتعل غضبه أكثر وبدى يُثرثر في خاطره.
هذا الصغير استطاع بتلك النظرة أن يُغضب الأمير وقائد الجيوش و ولي العهد الملك المُستقبلي «ميدوس»!
شدَّ «ميدوس» على أنيابه بخوفٍ على أمل أن يُخيفهُ، لكنه لم يتحرك ساكنًا واحدًا وهذا ما أفقده صوابه، ركز ميدوس في عين الصغير و فعل الصغير نفس الشيء لم تتحرك عيناه ولو للحظه.
ألا يخاف الا يرتعب مِن مَن يقف أمامه؟ فقال «ميدوس» دون النظر لغير ذلك الصغير بدقة، كان ينظر في عينيه و خاصته مُغلقه بإحكام ورفع إحدى حاجبيه الكثيفة:
- أبن مَن هذا؟
قالها و لم يُجيب عليه أحد حتى كاد الغضب يُفتكه فقالها ثانيتًا بصوتٍ أكثر جشًا ورعبًا:
- قُلت ابن مَن هذا أجيبوا؟
فأجاب عليه أحد الحُراس و رأسه أسفل قدميه بحركة سريعة أتخذها أحترامًا لـ«ميدوس» الغاضب الآن.
- ابن الراعي «أدرهام» يا سيدي و..
- و ماذا؟
قالها «ميدوس» بصوتٍ أثاره رُعبًا أكثر فأجابه بصوتٍ متقطع:
- إنه يا سيدي يرعى الأيتام، لكن هذا الطفل مُخصصًا لا يعامله كأمثاله!
أغلق عينيه دقيقه ثم فتحها قليلًا ليُظهر غضبه أكثر بعدما نظر للصغير مرة أخرى
- خذ هذا الطفل معنا أريده.
قال الطفل بصوتٍ عالٍ جعل من «ميدوس» الذي يقف أمامه يشتد غضبًا أكثر عن ذي قبل بمراحل:
- لكني لا أريد القدوم معك.
قالها الصغير وأخذ يركض تجاهًا أخر تحت أنظار «ميدوس» التي تحولت لابتسامة خبيثة على ثُغره والتي لا تُبشر بالخير أبدًا، ولكن لم تكن أنظار «ميدوس» و حده هي من تُلاحقه!
هذا الطفل كان غريب بعض الشيء فهو ليس بجريئ فقط بل هو جميل جدًا لم تُرى أبدًا ملامحه من قبل.
كان لديه شعرًا طويل يُحاوط رقبته وعينه سوداء اللون واسعه، عند إندماجها مع شعره يبدو كنفس اللون تمامًا وبشرة صافية هادئة.
كانت هُناك نظرات أخرى تتبعهُ.
نعم كان هُناك حارس يقف خلفهم ويُشاهد كل شيء بوضوح دون إظهار أي ملامح على وجهه.
ابتعد الصغير قليلًا و نظر جواره، كان هناك في الجانب الذي يقف قُربه مشهدًا غريب، لم يُلاحظه أحد إلا هذا الحارس الذي كان يقترب شيء فَشيء دون إلفات نظرهم.
فَكان يُوجد رجُل يبدو عجوزًا يحمل بيدهُ حجارة متوسطه ويقترب من تلك الحمامة الصغيرة التي تروي عطشها من قارورة الماء التي تخُصه.
كان الرجُل يُتابع الحمامة والطفل الصغير يُتابع الرجُل والحارس يُتابع الطفل بمشهدًا ربما يخربطك.
اقترب العجوز مِنها أكثر حتى ألقى عليها تلك الحجارة التي قتلتها على الفور!
تحولت نظرات الصغير للغضب ونظر لهذا العجوز نظرة واحدة فقط.
نظره واحدة فقط غاضبه جعلته يقع أرضًا مغشيًا عليه، أقترب منه بعض الرجال حتى أُستُنتج أنه مات، كانت طريقة موته غريبة لم يفهمها أحد.
كل هذا كان تحت نظرات الحارس الذي بدى مُستغربًا من هذا الطفل وكيف فعل هذا بتلك السهولة بنظرةٍ واحدة فُتك بهذا العجوز.
كيف هذا؟
طار على الفور و كأنه تذكر شيء ضروري.
أما «ميدوس» فكان كُل ما يفعله هو النظر إليهم ويستمتع برُهبتهم و خوفهم، كأنه فارغ المهام ويُمارس هوايته المُفضلة، كان مستند على أحد الخيل بيد والأخرى يتفحص خُصلاته ببرود و يلتفها حول سبابته يضع أقدامه فوق بعضها و يهُز قدمه مما جعل الجميع متوترًا، كان ينتظر هذا الشسيق ليعرف منه مَن هذا الطفل المتمرد، كان يُتابع الصغير بنظراته المُتوحشة حتى جاء حُراسه وتركوه أسفل قدمه ليتفحصه بعنايه، كان رجل يبدو مُسنًا وضعيف، نحيل القامه عينه شاحبه يبدو أن حُراسه أفترسوه قبل أن يأتوا به.
- من هذا؟
قالها دون النظر لعينه و هذا ما جعل العجوز يرفع رأسه قليلًا لكنه أسفلها عندما نظر له «ميدوس» بطرف عينيه قائلًا:
- من تقصد يا سيدي؟
قالها العجوز فردَ «ميدوس» قائلًا ببرود في نفس الوضعية وكأنه لأول مره يُحاول إستفسار شيء دون قوة:
- هذا المُتمرد الصغير!
أجابه الرجل بنقطاع وخوف:
- إنه ياسيدي طفل.. جائتني به أُمه منذ أعوام كثيرة، وقالت لي أنه ليس شرعيًا وتُريد التخلص منه
رفع رأسه قليلًا:
- لكنني تبنيته مُنذ ذاك الو..
- أريده!
قالها بنبرة أكثر هدوء مقاطعا إياه قبل أن يكمل جملته بعدما عدل جلسته وأخذ ينظر إليه
-وهل يا سيدي، هل ستقتُله؟!
أجابهُ ببرود مُصطنع
- لا، ولكني سوف استمتع معه قليلًا.
خاف الرجُل أن يسأله شيء آخر ولكنه في نفس الوقت قد تذكر أنه من الممكن أن يحصُل على مقابلًا أو بالآحرى تذكر شيء آخر فقال برغبة.
- أعطني مالًا ويمكنك أخذه.
إبتسم «ميدوس» ثم رفع رأسه وأخذ ينظر إليه وهو يضغط على أسنانه حتى أقترب من أحد الحُراس وأخذ من خوزته الصغيرة بعض المال وألقاه في وجه العجوز.
بعدها أخذ ينظر للطفل من بعيد كان يركض مع بعض الأطفال، وشعره ينساب خلفه في تسلسل، ترك ذلك الرجل العجوز «ميدوس» وذهب للصغير ثم إنحنى ليقاربه الطول وابتسم له بحب ثم همس له بصوتٍ غير مسموع وأخذ يُقبل جبينه وعندما إنتهى من محاورته جاء به الرجل، كان الطفل مُطيع عكس البداية!
ولكنه لم يستطع أخفاء غضبه إتجاه هذا الميدوس وشعر «ميدوس» بهذا، اقترب «ميدوس» منه ثم حمله ووضعه على خيله الديجور وهذا ما جعل الجميع ينظر لهُ في ذهول!
هذه أول مره يفعل فيها ميدوس شيء كهذا، لم يُسبق له أبدًا ودللَّ طفلًا بهذه الطريقة كلا بل أنه لم يُدلل أحدًا قط، شعر بالراحة أكثر لهذا الصغير والتمرد والقوة التي في وجهه جعلته يُريده بشدة.
ثم تسطح خلفه وتمتم بخفوت للصغير:
- ماهو أسمك أيها الصغير؟
لم يُجيبه الطفل ويظل يُحدق في هذا الفرس الأسود وكأنه لأول مره يرى خيلًا، وبعد القليل من الوقت أجابه:
«رانجوران»
فضغط بيده الصغيرة على مُقدمه الخيل فتحرك مما جعل «ميدوس» يتعجب فهو لا يأخذ الأمر إلا منه وهذه أول مره يفعل فيها شيء كهذا، تعجب «ميدوس» مِما حدث هو كان يعلم جيدًا أنه يستطيع قتله لكنه لم يفعل..
هناك شيء بداخله دفعه على أن يأخذه وكأنه قطعه من الألماس النادر أراد شرائها لا يعلم هل أعجبه هذا الصغير أم أنهُ يريد أن يتسلى به ولا يعلم لماذا دفعه الفِكر بأخذه فهو لا يُحب الأطفال من الأساس.
أخذه إلى القصر وأمر بعض الخدم أن يهتمون به كان يُفكر كثيرا ماذا يفعل به إلى أنه وأخيرًا وصل لهذا الحل الأخير.. قرر أن يجعل منه ساحرًا، أن يجعله تحت قيادته مادام حيًا ليحميه، هذا ما فكر به ميدوس، لكنه أيضًا لم يؤكد لنفسه الفِكر فهو متأكد تمامًا أن هناك لغز وراء هذا الطفل الجميل.
و لكن إلى متى سوف يستمر هذا اللغز؟
لازالت قصتنا الغريبة تحوى الكثير من الأمور الغامضة فلنكمل معًا لنكتشف ألغازها، هناك الكثير من الأمور المريبه التي ربما تغيّر حياة أشخاص كامله، لذلك لا تحكم من البداية.. أجل فهذه هي البداية فقط.
أنت تعرف أنه لا يمكن للحجارة أن تصبح لينه، ولكن يمكن أن تتفتت لتكون أنعم من حبات الرمال وهكذا لقلب ميدوس الذي ترك العنان له أصبح فتات، كان قلب «ميدوس» قاسيًا لا يعرف الرحمة أبدًا تعلم تلك القسوة من و الده وعندما كبر أصبحت القساوة من عاداته وكانه شيئًا روتينيًا يقوم به كل يوم، حيث يصرخ في ذاك ويعاقب ذاك و لكن الآن تفتت صخور قلبه فقط من لفت انتباه «رانجوران» له.
في قصر الملك «كمانون»
كان ميدوس يجلس منتبهًا للطفل و هو يقرأ بعجب شيديد.
إستغرب لسن ذلك الصغير و الفقير أيضًا الذي يعرف القراءة!! حتى سأله بإستغراب قائلًا:
- مَن علمك القراءة ياولد؟
قال الصغير ببتسامه هادئة:
-إنه سيدي، كان يُعلمني القراءة و الكتابة يا ميدوس
نظر له بغضب شديد كاد أن يُفتكهُ الآن ثم قال:
- هو سيدك وأنا «ميدوس» إذًا؟
لمس شعره وأشتدّ عليه أكثر بغضب ثم قام بلوي ثغره يمارس قساوته مع الصغير قائلًا له:
- قبل «ميدوس» تقول سيدي هل تفهم؟
نظر له الصغير بغضب و اضح و غلٍ لم يعتاد رؤيته أبدًا.
كان «ميدوس» يشعر ببعض الغيرة:
- حسنًا يا سيدي اترك شعري الآن لا أحب من أحد المساس به أنه شيء أقدسه.
إعتدل «ميدوس» في جلسته ثم نظر له بطرف عينه محاولًا الا يظهر إهتمامه الواضح بما قاله لكنها نفس الجملة المعتاظة التي كان ولازال ميدوس يقولها ( لا أحب من احد المساس بشعري) قال ميدوس بمزيد من الأنبهار:
- إسمك من الآن هو «راني»، أنسَ هذا الرانجوان.
ضحك الصغير، كان يُقهقه بشدة مما أثار غضب ميدوس الذي يناظره بإخفاء رغبته للضحك في عينيه و قلبه.
وقال ميدوس له بجمود:
- ما المُضحك في هذا يا فتى؟ هل قلت شيء مضحكًا للتوّ.
قال من بين قهقهته:
- رانجوران (قهقه أكثر) هذا أسمي أنتَ تنطقه بشكل غير صحيح.
إبتسم «ميدوس»، هذا الصغير يجعله يبتسم و هذا أغرب من الغرابه بحدِ ذاتها «ميدوس» لا يبتسم أبدًا، يفعلها فقط وقت بؤسه بخبث، لاحظها الصغير فإبتسم هو الأخر، و كأن قلبه بدأ أستقباله، وكان هذا الوحش الذي أمامه أختفى الآن و إنه شخصًا عادى و بسيط للغاية، الغير عادي هي إبتسامة الصغير التى تسببت في حدث في غاية الغرابه حدث لا يُصدق بالفعل.
فجأة حاوطته الغُرفة بالفراشات البيضاء وكأنها تتراقص، هذا جعل من «ميدوس» مصدومًا هو الآخر، لأول مرة يحدث شيء كهذا أمامه نظر للطفل كان يبتسم ثم نظر للفراشات الغريبة مرة أخرى لكنها إختفت في تلك الإلتفاته بعينه، لم يُعلق على الأمر هو فقط تأكد أن هذا الطفل ليس عاديًا، هو ليس بالساحر ولكن ماذا إن كان والده او والداته ساحران يا ترى؟ قاطع صمتهم المفاجئ «ميدوس»
- أتُحب السحر يا صغير؟
رفع رانجوران رأسه و أخذ ينظر لوجهه بطفوله
- أجل.
«ميدوس» لم يتعجب هو فقط توقع أن يسأله ما هو السحر.
- هل تعرف السحر في الأساس؟
قالها متعجبًا.
- أجل، لقد كنت أتابع المُعلمين دائمًا لأتعلم.
قال «ميدوس» بسرعه غريبة:
- و هل تعلمت؟
قالها ليتأكد من هذا الذي حدث مُنذ قليل، هو ليس بطبيعي فأجابهُ الصغير:
- لم أفعل لازلت صغيرًا أيضًا هناك رسوم لتعلم السحر وأنا لا أملكها ولكن عندما أكبر سوف أكون أعظم ساحر في التاريخ
إستنشق زفيره و تراجع للوراء قليلًا ثم نظر إليه بطرف عينيه:
- أُعلمك أنا؟
تعجب الصغير و لوى ثُغره ثم قال غير حاسبًا لكلماته:
- لا أريد أن أصبح مثلك، أنا أكره الوحوش كثيرا، في الأساس أنا أحارب الوحوش اريد ان اكون ساحرًا طيبًا وليس شريرًا.
إبتلع لعابه و صمت قليلًا ثم قال بحزن يحاول إخفائه بشدة امامه:
- و هل، وهل أنا بوحش؟!
همهم الصغير بندم قليلًا و كأنه فعل شيء لم يكن يريد فعله لكنه أعاود الرد بطفولة بالغة:
- لا أعرف، تبدو كذلك أنتَ تخيفني.
ما قاله في البداية جعله يحزن لكنه أرتاح قليلًا بعدما أجابه، إن «ميدوس» معروفًا بقلبه القاسي ومعاملته الوحشية
لكنه أمام ذلك الطفل لا يستطيع، إنه إلتمس قلبه وروحه و ذلك الذي لم يتوقعه أحدًا على الإطلاق ولا حتى «ميدوس» نفسه.
إبتسم ميدوس تلك الإبتسانة الهادئة و كأنه لأول مره في حياته يبتسمها مما بدى جذاب بدرجة لا تُصَدق، ثم قال:
- سأعلمك السحر لتحميني أيها الصغير فيما بعد.
نظر له بعدم فهم ثم أوسع عينيه بصدمه قائلًا:
- هل تريد مني أنا حمايتُك؟
هز «ميدوس» رأسه عدة مرات متوالية ثم قال:
- أجل.. أجل
قال راني بتعجب و عدم فهم، بعدما تأكد أنه لا يكذب و لا يمزح:
- و لكن كيف تثق بطفل مثلي.؟ بأي عقل أنت تتحدث.
كان راني متعجب لأنه يفكر بالمنطق وعقله ليس بعقل طفل صغير، كان و كأنه شابًا كبيرًا في العمر، فكيف لحاكم كبير مثل هذا يحتاج إليه هو.؟
قال له ميدوس بإبتسامة حنونه تجعلك مستعجبًا من كونه ميدوس هذا الشرير:
-لا تُفكر كثيرًا يا صغيري هيا.
أغلق الصغير عينيه يُفكر قليلًا ثم قال بعدما و سع عينيه فجأة
- إذًا، هُناك شرط لدي
قال جملته بكل فخر وثقه و كأنه ينوي على قول شيء ما رغم أنه سبق له وتردد
ولكن قرر «ميدوس» مُجارته بذكاء وقال:
- إذًا و ما هو شرطك أيها الصغير؟
حرك «رانجوران» سبابته في وجهه ثم قال بصوت طفولي:
- أن تُناديني بسيدي من الآن، فلا تنسَ أنني سأكون الحامي لك في يوم من الايام.
جن جُنون «ميدوس»، شعر بالندم على مُجارته بسبب عقليته و ظن نفسه أبلهًا بعض الشيء كيف يجاري ذلك القزم ليقُل له هذا، هو من تسبب في ذلك الأمر بدي على ملامح ميدوس الضيق بشده و ظل صامد لبرهةٍ من الوقت
و لكنهُ فكر قليلًا و استنتج أنه لن يخسر شيء إذا فعل ذلك فهو مجرد طفل، لن يحدث شيء و لن ينتهى العالم بل سوف يكتسب ذلك الصغير.
تعرف أنت معنى الصراع هكذا كان يحدث بعقل ميدوس جانب لا يسمح لأحد كسر شموخه و قوته وهيبته هذه وجانب آخر يحن و يلين و لكن ليس إلا مع ذلك الصغير، تدور تساؤلات كثيره حول ميدوس لماذا قلبه يخفق بقوة هكذا تجاة ذلك الفتى، الأمر مروع و لكنه شيق، فمن السهل أن تصنع الهيبة و الشموخ او ربما تتصنعهم، و لكن من الصعب السيطرة على الشعور بالحنين تجاة أحدهم، أنت من يحيى و القدر هو الذي يسير..
قرر أن يُجرب هذا فقط حتى و لو لمرة واحده فقال:
- حسنًا موافق، لكن هذا سرًا بيننا، لذلك سأقول لك سيدي في الخفاء فقط.. إبتسم بشدة ثم قال:
- اتفقنا يا سيدي؟
مَد له يده:
- إتفقنا يا «ميدوس» الفارس.
ليؤكد عليه ميدوس مرة أخرى بحزن ممزوج بالحنان:
- سر بيننا يا راني و لن يخرج لأحد أخر؟
ثم ابتسم له و فعل حركة تلقائية
مد «ميدوس» يده مبتسمًا بعفوية:
- إتفقنا يا
تردد ميدوس قليلًا و لكن غلب حنين قلبه أكثر ثُم قال
- يا سيدي الصغير
نظر لها راني ببتسامه بريئة وقال لهُ:
-يبدو أنك لطيف الآن، و ليس تبدو كما كنت من قبل.
نظر له ميدوس بغرابة شديدة ثم قال مستفهمًا:
-و كيف كُنت أبدوا من قبل أيها الصغير؟
نظر له راني وصمت قليلًا ولاحظ ميدوس تررده مما جعلة يقول له بحنان:
-هيا أخبرني و لن أحزن منك أبدًا.
قال له رأني بعفوية:
-صراحتًا كُنت قاسي للغايه، و لكن أنت الآن تبدو عكس ذلك تمامًا..
أبتسم ميدوس بحنان وقال له:
-ما يُهمني هو أنك تراني الآن فقط.
قال له راني بحب:
-حسنًا يا سيدي الكبير
ذلك المشهد، لن يُصدقه أحدًا ابدًا، لن يُصدقه حتى ولو رأه بأم عيناه، هل من الممكن أن يلين الحجر، ولكن مخطيء لان قلوب البشر تلين مهمها حدث
ما يعرفه العالم عن «ميدوس» لم يتغير أبدًا.
و لكن كيف لملك مثل هذا ان يضعف امام فتى صغير مثل هذا؟ لاحظ الجميع ذلك الامر و اصبحت الاقاويل تطوف من حولهم كثيرًا.
في بعض الأحيان تنخدع بالمظاهر الخارجية، ولكن من الصعب المراحل انك تشاهد الحقيقة بأم عينك، والآذكى الذي لا يُبالي.
و كما قُلنا لك في البداية (ثق بنا)
هذه المعلومات لم تذكر أبدًا في التاريخ.
لم يعرفها أحد في هذا العالم غيرنا نحن و من قُتل قبل أن يُصرح بها، لذلك يجب أن تعلم أننا على حواف الضرائح منتظرين السقوط بأي لحظه، و كل هذا مٍن أجلك، ومن أجلنا، يجب ان ندون كُل حرفٍا يحدث معانا لان ربما هذا يكون تحذير، لحضارات قادمه تكتشف ما مضى وتتفهم كل الاخطاء كي لا تُكررها مرة أخرى لذلك نحن ندون و ندون ليس لنكون ابطال من ابطال التاريخ و لكن كي لا يسقط احفادنا واحفادهم في فخوخ الماضي، وكي لايمحى أصلنا و يظل متصل، ونظل على دراية تامة بأن المستقبل القادم بداية ليوم النهاية.
و مع ذلك سنُخبرك بشيء آخر، نحن الآم نجلس أمام بعضنا و نكتب إليك هذه الكلمات التي إتفقنا عليها البوح بها معًا، في ليلة من ليالي سردنا.. أراد أحدًا قتلنا لكننا نفدنا بتعويزة قديمة لولا هي لكانت تلك السطور التي نكتبها الآن لم تصلّ إليك، لذلك و كلنا أحد الأشخاص بنشر هذه الكلمات إذا حدث لنا شيء.. رغم أن الاقوال المهمة لم تُقال بعد، لكننا نحاول و لو أن يصل إليك سطرًا واحد فقط حتى يدعك تسأل و تبحث عن تلك الأسرار المدفونة.
فإذا و صلت لهذا السطر الذي أكتبه و الآن، فأنت محظوظ لأنك ستقرا هذا الجزء القادم في سلام و ثبات نفسي.. سلامنا معك أيها القارئ العزيز.
قالها «أذيب» بغرور و اضح جدًا لتلك الفتاة «لوري» التي تركت حياتها و طموحاتها وأصبحت تعمل لصالح سيدها الجديد «أذيب» إبتسمت له وهزت رأسها للأسفل بأسفٍ قليلًا من غروره الواضح معها لقد كان دائمًا هكذا بذلك الغرور ولكنها تتحمله لأنها تعرف قلبه جيدًا.
رفعت رأسها مرةً أخرى ثم وقفت بلمح البصر قائلة:
- تفضل يا سيدي أنا على استعداد.
توقف و تقدم للأمام قليلًا قائلًا بجديه مفرطه:
- إنها قصة في زمن غير هذا الزمن، سيتراجع الزمن بكِ إلى الوراء، سوف تعودين للماضي يا «لوري»، يجب ان تستعدي جيدًا فهُناك مغامرة تنتظرك.
لم تفهم «لوري» القصد فضيقت عينيها الواسعة ورفعت حاجبها و هي تَستفهم مايقول فقال وهو يحاول الشرح لها:
- هذه المُهمه من أكثر المَهمات قسوةً عليكِ يا لوري.
إبتسم بخفة لأنه يعرف جيدًا أنها لا تهاب شيء أبدًا، فقالت لوري دون رُهبة أو خوف:
- سأفعل جُهدي ياسيدي، و لكن هل تُخبرني أكثر عن هذه المهمه؟
تنهد «أذيب» ثُم زين عرشه الذي لا يليق سواه وجلس مرةً أخرى تاركًا ساعديه بارتياح شديد.
- أريد منكِ لّمَ شمل بعض الأشخاص في الماضي، أشخاص عند تجمعهم تُحل كل الألغاز في المستقبل، إنهم ثلاثة فتيات، خلفهم قصصًا و قصص، هنالك الكثير والكثير من الأحداث الكاذبة التي تورطن بها ثم تحدث عنهم تاريخنا بكُل ظُلم و كذب، أريدك ان تغيري مجرى هذة القصة بالكامل يا لوري.
حركت «لوري» رأسها بتفهم معتاد فأكمل إذيب محاولًا في تلخيص ما قاله الآن.
- الحقيقة غير المذكور يا «لوري» هل تفهميني؟
قالت باستفهام:
- إذًا ما المذكور يا سيدي؟
قال بهدوء مُميت عكس ما يبوح به:
- المذكور يا لوري أنهم قاتلات، و ساحرات، و سارقات، و أنهن يظلمن و لا يعرفن الرحمة قط، ورِد في كُتب التاريخ أن هذا بسبب ساحرًا تلاعب بعقولهم وجعل منهم و حوش مجرمون لا يعرفون شيء عن الرحمة ويقال أنهم لم يكونوا من البشر اساسًا، بل عاشوا فقط هُناك في هذا العالم.
التاريخ إما أن يوثق الحدث أو يحرف كل ما حدث ولذلك سوف تذهبين هناك لتغيري مجرى هذه الأمور، سوف تذهبين لإثبات خطأ التاريخ و عندها سوف تكون في انتظاركِ مفاجأة كبيرة حين إنتهائك من تلك المُهمة.. و أعدكِ أنها سوف تعجبكِ.
تنهدت «لوري» في نفسها في محاولة تفسير ما قاله ثم قالت:
- مكافأة؟ أعتقد كالعادة سوف يعطيني المال، ألماس أم جواهر ام ذهب لم يعد يهم ذلك فلقد إعتدت.
لاحظت تغير تعبيرات وجه أذيب فأبتسمت وهي تقول له بمغذى ذكي:
- حسنًا يا سيدي سوف أعمل بجد لا تقلق، فقط ثق بي.
اكتفى «أذيب» بأن يُخبرها ذلك ولم تسأله عن شيء أخر، ثم هزت رأسها و حركت ردائها ورحلت من أمامه.
إنصرفت «لوري» و بقى «أذيب» شاردًا على غير عادته.
يتذكر محتويات ذلك الكتاب الذي أعطاه أياه قُبع ودائمًا ما يقرأه و يتنهد تنهيدة مطولة لا يفهمها أحد ولا حتى لوري.
ذلك الكتاب يحوى العديد من الذكريات التي تؤثر على قلب «أذيب» الصلب، يعرفه الجميع بالقوة والقساوة ولكن لا يعلم أحد ما تخفي القلوب حين تتعرض لمواقف مؤثرة، لا أحد يعرف ما يجري في القلوب حقًا، تكون في قمة الثَبات بينما يكون داخلك ليّنًا كالقطن ولا أحد يشعر بذلك مطلقًا وذلك كان شعور أذيب الحقيقي.
بعد قليل من الوقت.
دلفت «لوري» مرة آخرى لجناح «أذيب» لتجده يقف بشموخ مُستقيم البنية ويُعقد ساعديه خلف ظهره وهو مُطلق عنان رأسه بشرود، كان يرتدي ملابس العرش التي تلمع بإصرار وكأنها تؤكد أنه الملك ولا يستحق أحد تلك الملابس غيره هو، هو فقط كانت الألماسات تتدلي بسلاسة مكونة من عدة طبقات على ردائه الملكي، بعض الفراء الفاخر يزين الرقبة وتاج العرش المكون من العديد من الماس و الذهب العديد و العديد منهم لدرجة أن بقعة الضوء الواحدة إذا لامسته سوف تصدع في أرجاء المكان الذي هو فيه.
ليقطع «أذيب» شروده ذلك بحدةٍ بعدما لاحظ دخول «لوري» إلى جناحه العريق:
- أخبريني، ماذا تُريدين الآن يا «لوري»؟
تقدمت بِخطوات و اثقه و هي رافعة إحدى حاجبيها قائلة بذكاء:
- عُدت كي أعلم بعض ما يخص تلك المهمة ياسيدي قبل الرحيل، أريد معرفة كل شيء حتى استطيع البدأ بداية صحيحة مثل ما تريد.
نَظر لها «أذيب» ثم طأطأ رأسهُ وكأنه يُفكر في شيءٍ ما، كان يتجه لأريكتهُ التي لا يخلوها الألماس فكالعادة «أذيب» والألماس و جهان لعملة واحدة.
حيثُ استكان على الأريكة وهو مُتنهد ناظرًا للمدى البعيد قال بصوت هادئ ومُريب:
- سوف تحررين أحدهم أولاً يا لوري.
تعجبت «لوري» و لم تفهم معنى ما قاله الآن ثم قالت بجديه مُفرطه:
- ومن ذلك الحد يا سيد أذيب؟
نظر لها أذيب بطرف عينيه بنظرة عميقه ولم يقدر على الكلام لفترة من الوقت كانت عيناه هي التي تتحدث، وذلك أثار إعجاب لوري بشدة وأرادت أن يظل هكذا لفترةٍ من الوقت.. لا يفعل شيء و لا يقول شيء، فقط ينظر إليها هكذا بكل حنين، وكأنه يخبرها أن لا تسأل.. أن تعرف دون كلام.
***
لقد تغيرت الكثير من الأحوال في تلك الفترة القصيرة، حيث تغير «أذيب» لحد كبير و تحول من «أذيب» المتسرع إلى الملك الهادئ الذكي الذي يتأمل قبل أن يبوح بشيء ولا يقول كلمة واحده دون أن يحسبها.
وأيضًا كما نعتتهُ «لوري» مؤخرًا بأنهُ أصبح بارد الطباع و يتعامل كأنه آلة ما تنجز مهامها دون قلب او مشاعر، مهتمًا بالمال والسلطة أكثر من أي شيء، كان يحكم كل شيء و أي مكان يقع تحت سيطرته لا يخلو من الثراء الفاخر، أعتقد حين ذاك أن الأماكن التي يحتلها كانت تحب فكرة الإحتلال من أذيب حيث انه يضع يديه على الدولة لا يتركها و لا يرحل منها إلا وإن كانت الأوضاع الأقتصادية والتجارية و المالية بها جيدة واكثر من ذلك بكثير.. بذلك كان محبوبًا و ذكيًا لحدٍ لا يوصف.
(رُبما تَنجح وتكون من أكبر الحُكماء و الملوك ولكن لا شيء يستطيع أن يُزيل ذِكرى سيئة من عقلك أبدًا)
غفله الطموح عن حاله ونفسه، و ذلك ما شعرت به «لوري» قبل رحيلها و تأكدت أن السبب في كل هذا هو الكتاب الذي لا يتركه «أذيب» لحظة واحده والتي لا تعرف حتى من أين حصل عليه و لماذا يهتم به لتلك الدرجة الواضحة.
لم يتَغير في الطبع فقط بل ظهرت عليهُ قوات غير عاديه وتغيرات في بنية جسده أزدادت قواه أكثر وأصبح يتمتع بقوي لا يستطيع عناني و لا سنعاني تخيلها أبدًا.
كان ممتلئ الفراغ و لا يتحدث إلا قليل، مشغول البال تائه في أفكاره الخاصة التي لا يدريها أحد.
كانت «لوري» تتمنى لو أن يحكي إليها ذلك الشعور الذي يخفيه داخله واحده، لكنه أصرَّ الصمت دائمًا ولم يخبر أحدًا شيء.
فقررت «لوري» داخلها أنها بعد الإنتهاء من تلك المهمة سوف تحاول معرفة كل شيء، لن تتركه إلا حينما تعرف القصة كاملة مهما حدث.
أحيانًا كثرة الإلحاح تأتي بنتيجة و ليس العكس هكذا قالت لوري و هي تحاول تخبئة أفكارها عنه.
لنُبحر الآن في عالم جديد، لكن إنتبه فالغرق وارد أرفع أشرعتك ولتستعد معنا في هذا العالم الذي ربما يجعلك تائهًا.
قبل العديد من الأعوام.
بالأخص في (سِنعان) بعد مُنتصف الجزيرة المقسمة لجزئان، أحدهم سوقٍ و الآخر طريق يأخذ لبعض الجُنينات الخضراء والصحروات التي يسكُنها المواشي والحيوانات الغريبة النادرة و المريبه.
عمَّ السكون المكان و طأطأ السكان راسهم إحترامًا للقادم، كانوا يقفون بهدوء دون أصدار الأصوات المعتادة فلا يجرأ أحدهم على رفع رأسه أمام القادم.
كان السيد «ميدوس» يُهبط من خيلهِ الأبلق ويقتلعُ خنجره الذي تشبث به بعض الشيء ثم يقتلعه بغلٍ واضح مرةً أخرى ليُشعل هيبته القوية أمام الجميع أخذ يُدقق حولهُ بصمودٍ و اضح رُغم خُصلاته المُنسدله على سوداويته المخفيه بعض الشيء.
وكان هُناك ثلاثة رجال يقفون أمامه دون النظر إليه هيبتًا من هيئته الضخمة، و إحترامًا لمكانته، ليلفُت إنتباهه ولدًا يبدو صغيرًا يقف قُرب أحد حُراسه.
كان هذا الصغير ينظر إليه وعينيه مُتشبته في عينيّ «ميدوس» المُخيفه بقوةً بلا رُهبةً أو خوف و عندما لاحظ هذا أشتعل غضبه أكثر وبدى يُثرثر في خاطره.
هذا الصغير استطاع بتلك النظرة أن يُغضب الأمير وقائد الجيوش و ولي العهد الملك المُستقبلي «ميدوس»!
شدَّ «ميدوس» على أنيابه بخوفٍ على أمل أن يُخيفهُ، لكنه لم يتحرك ساكنًا واحدًا وهذا ما أفقده صوابه، ركز ميدوس في عين الصغير و فعل الصغير نفس الشيء لم تتحرك عيناه ولو للحظه.
ألا يخاف الا يرتعب مِن مَن يقف أمامه؟ فقال «ميدوس» دون النظر لغير ذلك الصغير بدقة، كان ينظر في عينيه و خاصته مُغلقه بإحكام ورفع إحدى حاجبيه الكثيفة:
- أبن مَن هذا؟
قالها و لم يُجيب عليه أحد حتى كاد الغضب يُفتكه فقالها ثانيتًا بصوتٍ أكثر جشًا ورعبًا:
- قُلت ابن مَن هذا أجيبوا؟
فأجاب عليه أحد الحُراس و رأسه أسفل قدميه بحركة سريعة أتخذها أحترامًا لـ«ميدوس» الغاضب الآن.
- ابن الراعي «أدرهام» يا سيدي و..
- و ماذا؟
قالها «ميدوس» بصوتٍ أثاره رُعبًا أكثر فأجابه بصوتٍ متقطع:
- إنه يا سيدي يرعى الأيتام، لكن هذا الطفل مُخصصًا لا يعامله كأمثاله!
أغلق عينيه دقيقه ثم فتحها قليلًا ليُظهر غضبه أكثر بعدما نظر للصغير مرة أخرى
- خذ هذا الطفل معنا أريده.
قال الطفل بصوتٍ عالٍ جعل من «ميدوس» الذي يقف أمامه يشتد غضبًا أكثر عن ذي قبل بمراحل:
- لكني لا أريد القدوم معك.
قالها الصغير وأخذ يركض تجاهًا أخر تحت أنظار «ميدوس» التي تحولت لابتسامة خبيثة على ثُغره والتي لا تُبشر بالخير أبدًا، ولكن لم تكن أنظار «ميدوس» و حده هي من تُلاحقه!
هذا الطفل كان غريب بعض الشيء فهو ليس بجريئ فقط بل هو جميل جدًا لم تُرى أبدًا ملامحه من قبل.
كان لديه شعرًا طويل يُحاوط رقبته وعينه سوداء اللون واسعه، عند إندماجها مع شعره يبدو كنفس اللون تمامًا وبشرة صافية هادئة.
كانت هُناك نظرات أخرى تتبعهُ.
نعم كان هُناك حارس يقف خلفهم ويُشاهد كل شيء بوضوح دون إظهار أي ملامح على وجهه.
ابتعد الصغير قليلًا و نظر جواره، كان هناك في الجانب الذي يقف قُربه مشهدًا غريب، لم يُلاحظه أحد إلا هذا الحارس الذي كان يقترب شيء فَشيء دون إلفات نظرهم.
فَكان يُوجد رجُل يبدو عجوزًا يحمل بيدهُ حجارة متوسطه ويقترب من تلك الحمامة الصغيرة التي تروي عطشها من قارورة الماء التي تخُصه.
كان الرجُل يُتابع الحمامة والطفل الصغير يُتابع الرجُل والحارس يُتابع الطفل بمشهدًا ربما يخربطك.
اقترب العجوز مِنها أكثر حتى ألقى عليها تلك الحجارة التي قتلتها على الفور!
تحولت نظرات الصغير للغضب ونظر لهذا العجوز نظرة واحدة فقط.
نظره واحدة فقط غاضبه جعلته يقع أرضًا مغشيًا عليه، أقترب منه بعض الرجال حتى أُستُنتج أنه مات، كانت طريقة موته غريبة لم يفهمها أحد.
كل هذا كان تحت نظرات الحارس الذي بدى مُستغربًا من هذا الطفل وكيف فعل هذا بتلك السهولة بنظرةٍ واحدة فُتك بهذا العجوز.
كيف هذا؟
طار على الفور و كأنه تذكر شيء ضروري.
أما «ميدوس» فكان كُل ما يفعله هو النظر إليهم ويستمتع برُهبتهم و خوفهم، كأنه فارغ المهام ويُمارس هوايته المُفضلة، كان مستند على أحد الخيل بيد والأخرى يتفحص خُصلاته ببرود و يلتفها حول سبابته يضع أقدامه فوق بعضها و يهُز قدمه مما جعل الجميع متوترًا، كان ينتظر هذا الشسيق ليعرف منه مَن هذا الطفل المتمرد، كان يُتابع الصغير بنظراته المُتوحشة حتى جاء حُراسه وتركوه أسفل قدمه ليتفحصه بعنايه، كان رجل يبدو مُسنًا وضعيف، نحيل القامه عينه شاحبه يبدو أن حُراسه أفترسوه قبل أن يأتوا به.
- من هذا؟
قالها دون النظر لعينه و هذا ما جعل العجوز يرفع رأسه قليلًا لكنه أسفلها عندما نظر له «ميدوس» بطرف عينيه قائلًا:
- من تقصد يا سيدي؟
قالها العجوز فردَ «ميدوس» قائلًا ببرود في نفس الوضعية وكأنه لأول مره يُحاول إستفسار شيء دون قوة:
- هذا المُتمرد الصغير!
أجابه الرجل بنقطاع وخوف:
- إنه ياسيدي طفل.. جائتني به أُمه منذ أعوام كثيرة، وقالت لي أنه ليس شرعيًا وتُريد التخلص منه
رفع رأسه قليلًا:
- لكنني تبنيته مُنذ ذاك الو..
- أريده!
قالها بنبرة أكثر هدوء مقاطعا إياه قبل أن يكمل جملته بعدما عدل جلسته وأخذ ينظر إليه
-وهل يا سيدي، هل ستقتُله؟!
أجابهُ ببرود مُصطنع
- لا، ولكني سوف استمتع معه قليلًا.
خاف الرجُل أن يسأله شيء آخر ولكنه في نفس الوقت قد تذكر أنه من الممكن أن يحصُل على مقابلًا أو بالآحرى تذكر شيء آخر فقال برغبة.
- أعطني مالًا ويمكنك أخذه.
إبتسم «ميدوس» ثم رفع رأسه وأخذ ينظر إليه وهو يضغط على أسنانه حتى أقترب من أحد الحُراس وأخذ من خوزته الصغيرة بعض المال وألقاه في وجه العجوز.
بعدها أخذ ينظر للطفل من بعيد كان يركض مع بعض الأطفال، وشعره ينساب خلفه في تسلسل، ترك ذلك الرجل العجوز «ميدوس» وذهب للصغير ثم إنحنى ليقاربه الطول وابتسم له بحب ثم همس له بصوتٍ غير مسموع وأخذ يُقبل جبينه وعندما إنتهى من محاورته جاء به الرجل، كان الطفل مُطيع عكس البداية!
ولكنه لم يستطع أخفاء غضبه إتجاه هذا الميدوس وشعر «ميدوس» بهذا، اقترب «ميدوس» منه ثم حمله ووضعه على خيله الديجور وهذا ما جعل الجميع ينظر لهُ في ذهول!
هذه أول مره يفعل فيها ميدوس شيء كهذا، لم يُسبق له أبدًا ودللَّ طفلًا بهذه الطريقة كلا بل أنه لم يُدلل أحدًا قط، شعر بالراحة أكثر لهذا الصغير والتمرد والقوة التي في وجهه جعلته يُريده بشدة.
ثم تسطح خلفه وتمتم بخفوت للصغير:
- ماهو أسمك أيها الصغير؟
لم يُجيبه الطفل ويظل يُحدق في هذا الفرس الأسود وكأنه لأول مره يرى خيلًا، وبعد القليل من الوقت أجابه:
«رانجوران»
فضغط بيده الصغيرة على مُقدمه الخيل فتحرك مما جعل «ميدوس» يتعجب فهو لا يأخذ الأمر إلا منه وهذه أول مره يفعل فيها شيء كهذا، تعجب «ميدوس» مِما حدث هو كان يعلم جيدًا أنه يستطيع قتله لكنه لم يفعل..
هناك شيء بداخله دفعه على أن يأخذه وكأنه قطعه من الألماس النادر أراد شرائها لا يعلم هل أعجبه هذا الصغير أم أنهُ يريد أن يتسلى به ولا يعلم لماذا دفعه الفِكر بأخذه فهو لا يُحب الأطفال من الأساس.
أخذه إلى القصر وأمر بعض الخدم أن يهتمون به كان يُفكر كثيرا ماذا يفعل به إلى أنه وأخيرًا وصل لهذا الحل الأخير.. قرر أن يجعل منه ساحرًا، أن يجعله تحت قيادته مادام حيًا ليحميه، هذا ما فكر به ميدوس، لكنه أيضًا لم يؤكد لنفسه الفِكر فهو متأكد تمامًا أن هناك لغز وراء هذا الطفل الجميل.
و لكن إلى متى سوف يستمر هذا اللغز؟
لازالت قصتنا الغريبة تحوى الكثير من الأمور الغامضة فلنكمل معًا لنكتشف ألغازها، هناك الكثير من الأمور المريبه التي ربما تغيّر حياة أشخاص كامله، لذلك لا تحكم من البداية.. أجل فهذه هي البداية فقط.
أنت تعرف أنه لا يمكن للحجارة أن تصبح لينه، ولكن يمكن أن تتفتت لتكون أنعم من حبات الرمال وهكذا لقلب ميدوس الذي ترك العنان له أصبح فتات، كان قلب «ميدوس» قاسيًا لا يعرف الرحمة أبدًا تعلم تلك القسوة من و الده وعندما كبر أصبحت القساوة من عاداته وكانه شيئًا روتينيًا يقوم به كل يوم، حيث يصرخ في ذاك ويعاقب ذاك و لكن الآن تفتت صخور قلبه فقط من لفت انتباه «رانجوران» له.
في قصر الملك «كمانون»
كان ميدوس يجلس منتبهًا للطفل و هو يقرأ بعجب شيديد.
إستغرب لسن ذلك الصغير و الفقير أيضًا الذي يعرف القراءة!! حتى سأله بإستغراب قائلًا:
- مَن علمك القراءة ياولد؟
قال الصغير ببتسامه هادئة:
-إنه سيدي، كان يُعلمني القراءة و الكتابة يا ميدوس
نظر له بغضب شديد كاد أن يُفتكهُ الآن ثم قال:
- هو سيدك وأنا «ميدوس» إذًا؟
لمس شعره وأشتدّ عليه أكثر بغضب ثم قام بلوي ثغره يمارس قساوته مع الصغير قائلًا له:
- قبل «ميدوس» تقول سيدي هل تفهم؟
نظر له الصغير بغضب و اضح و غلٍ لم يعتاد رؤيته أبدًا.
كان «ميدوس» يشعر ببعض الغيرة:
- حسنًا يا سيدي اترك شعري الآن لا أحب من أحد المساس به أنه شيء أقدسه.
إعتدل «ميدوس» في جلسته ثم نظر له بطرف عينه محاولًا الا يظهر إهتمامه الواضح بما قاله لكنها نفس الجملة المعتاظة التي كان ولازال ميدوس يقولها ( لا أحب من احد المساس بشعري) قال ميدوس بمزيد من الأنبهار:
- إسمك من الآن هو «راني»، أنسَ هذا الرانجوان.
ضحك الصغير، كان يُقهقه بشدة مما أثار غضب ميدوس الذي يناظره بإخفاء رغبته للضحك في عينيه و قلبه.
وقال ميدوس له بجمود:
- ما المُضحك في هذا يا فتى؟ هل قلت شيء مضحكًا للتوّ.
قال من بين قهقهته:
- رانجوران (قهقه أكثر) هذا أسمي أنتَ تنطقه بشكل غير صحيح.
إبتسم «ميدوس»، هذا الصغير يجعله يبتسم و هذا أغرب من الغرابه بحدِ ذاتها «ميدوس» لا يبتسم أبدًا، يفعلها فقط وقت بؤسه بخبث، لاحظها الصغير فإبتسم هو الأخر، و كأن قلبه بدأ أستقباله، وكان هذا الوحش الذي أمامه أختفى الآن و إنه شخصًا عادى و بسيط للغاية، الغير عادي هي إبتسامة الصغير التى تسببت في حدث في غاية الغرابه حدث لا يُصدق بالفعل.
فجأة حاوطته الغُرفة بالفراشات البيضاء وكأنها تتراقص، هذا جعل من «ميدوس» مصدومًا هو الآخر، لأول مرة يحدث شيء كهذا أمامه نظر للطفل كان يبتسم ثم نظر للفراشات الغريبة مرة أخرى لكنها إختفت في تلك الإلتفاته بعينه، لم يُعلق على الأمر هو فقط تأكد أن هذا الطفل ليس عاديًا، هو ليس بالساحر ولكن ماذا إن كان والده او والداته ساحران يا ترى؟ قاطع صمتهم المفاجئ «ميدوس»
- أتُحب السحر يا صغير؟
رفع رانجوران رأسه و أخذ ينظر لوجهه بطفوله
- أجل.
«ميدوس» لم يتعجب هو فقط توقع أن يسأله ما هو السحر.
- هل تعرف السحر في الأساس؟
قالها متعجبًا.
- أجل، لقد كنت أتابع المُعلمين دائمًا لأتعلم.
قال «ميدوس» بسرعه غريبة:
- و هل تعلمت؟
قالها ليتأكد من هذا الذي حدث مُنذ قليل، هو ليس بطبيعي فأجابهُ الصغير:
- لم أفعل لازلت صغيرًا أيضًا هناك رسوم لتعلم السحر وأنا لا أملكها ولكن عندما أكبر سوف أكون أعظم ساحر في التاريخ
إستنشق زفيره و تراجع للوراء قليلًا ثم نظر إليه بطرف عينيه:
- أُعلمك أنا؟
تعجب الصغير و لوى ثُغره ثم قال غير حاسبًا لكلماته:
- لا أريد أن أصبح مثلك، أنا أكره الوحوش كثيرا، في الأساس أنا أحارب الوحوش اريد ان اكون ساحرًا طيبًا وليس شريرًا.
إبتلع لعابه و صمت قليلًا ثم قال بحزن يحاول إخفائه بشدة امامه:
- و هل، وهل أنا بوحش؟!
همهم الصغير بندم قليلًا و كأنه فعل شيء لم يكن يريد فعله لكنه أعاود الرد بطفولة بالغة:
- لا أعرف، تبدو كذلك أنتَ تخيفني.
ما قاله في البداية جعله يحزن لكنه أرتاح قليلًا بعدما أجابه، إن «ميدوس» معروفًا بقلبه القاسي ومعاملته الوحشية
لكنه أمام ذلك الطفل لا يستطيع، إنه إلتمس قلبه وروحه و ذلك الذي لم يتوقعه أحدًا على الإطلاق ولا حتى «ميدوس» نفسه.
إبتسم ميدوس تلك الإبتسانة الهادئة و كأنه لأول مره في حياته يبتسمها مما بدى جذاب بدرجة لا تُصَدق، ثم قال:
- سأعلمك السحر لتحميني أيها الصغير فيما بعد.
نظر له بعدم فهم ثم أوسع عينيه بصدمه قائلًا:
- هل تريد مني أنا حمايتُك؟
هز «ميدوس» رأسه عدة مرات متوالية ثم قال:
- أجل.. أجل
قال راني بتعجب و عدم فهم، بعدما تأكد أنه لا يكذب و لا يمزح:
- و لكن كيف تثق بطفل مثلي.؟ بأي عقل أنت تتحدث.
كان راني متعجب لأنه يفكر بالمنطق وعقله ليس بعقل طفل صغير، كان و كأنه شابًا كبيرًا في العمر، فكيف لحاكم كبير مثل هذا يحتاج إليه هو.؟
قال له ميدوس بإبتسامة حنونه تجعلك مستعجبًا من كونه ميدوس هذا الشرير:
-لا تُفكر كثيرًا يا صغيري هيا.
أغلق الصغير عينيه يُفكر قليلًا ثم قال بعدما و سع عينيه فجأة
- إذًا، هُناك شرط لدي
قال جملته بكل فخر وثقه و كأنه ينوي على قول شيء ما رغم أنه سبق له وتردد
ولكن قرر «ميدوس» مُجارته بذكاء وقال:
- إذًا و ما هو شرطك أيها الصغير؟
حرك «رانجوران» سبابته في وجهه ثم قال بصوت طفولي:
- أن تُناديني بسيدي من الآن، فلا تنسَ أنني سأكون الحامي لك في يوم من الايام.
جن جُنون «ميدوس»، شعر بالندم على مُجارته بسبب عقليته و ظن نفسه أبلهًا بعض الشيء كيف يجاري ذلك القزم ليقُل له هذا، هو من تسبب في ذلك الأمر بدي على ملامح ميدوس الضيق بشده و ظل صامد لبرهةٍ من الوقت
و لكنهُ فكر قليلًا و استنتج أنه لن يخسر شيء إذا فعل ذلك فهو مجرد طفل، لن يحدث شيء و لن ينتهى العالم بل سوف يكتسب ذلك الصغير.
تعرف أنت معنى الصراع هكذا كان يحدث بعقل ميدوس جانب لا يسمح لأحد كسر شموخه و قوته وهيبته هذه وجانب آخر يحن و يلين و لكن ليس إلا مع ذلك الصغير، تدور تساؤلات كثيره حول ميدوس لماذا قلبه يخفق بقوة هكذا تجاة ذلك الفتى، الأمر مروع و لكنه شيق، فمن السهل أن تصنع الهيبة و الشموخ او ربما تتصنعهم، و لكن من الصعب السيطرة على الشعور بالحنين تجاة أحدهم، أنت من يحيى و القدر هو الذي يسير..
قرر أن يُجرب هذا فقط حتى و لو لمرة واحده فقال:
- حسنًا موافق، لكن هذا سرًا بيننا، لذلك سأقول لك سيدي في الخفاء فقط.. إبتسم بشدة ثم قال:
- اتفقنا يا سيدي؟
مَد له يده:
- إتفقنا يا «ميدوس» الفارس.
ليؤكد عليه ميدوس مرة أخرى بحزن ممزوج بالحنان:
- سر بيننا يا راني و لن يخرج لأحد أخر؟
ثم ابتسم له و فعل حركة تلقائية
مد «ميدوس» يده مبتسمًا بعفوية:
- إتفقنا يا
تردد ميدوس قليلًا و لكن غلب حنين قلبه أكثر ثُم قال
- يا سيدي الصغير
نظر لها راني ببتسامه بريئة وقال لهُ:
-يبدو أنك لطيف الآن، و ليس تبدو كما كنت من قبل.
نظر له ميدوس بغرابة شديدة ثم قال مستفهمًا:
-و كيف كُنت أبدوا من قبل أيها الصغير؟
نظر له راني وصمت قليلًا ولاحظ ميدوس تررده مما جعلة يقول له بحنان:
-هيا أخبرني و لن أحزن منك أبدًا.
قال له رأني بعفوية:
-صراحتًا كُنت قاسي للغايه، و لكن أنت الآن تبدو عكس ذلك تمامًا..
أبتسم ميدوس بحنان وقال له:
-ما يُهمني هو أنك تراني الآن فقط.
قال له راني بحب:
-حسنًا يا سيدي الكبير
ذلك المشهد، لن يُصدقه أحدًا ابدًا، لن يُصدقه حتى ولو رأه بأم عيناه، هل من الممكن أن يلين الحجر، ولكن مخطيء لان قلوب البشر تلين مهمها حدث
ما يعرفه العالم عن «ميدوس» لم يتغير أبدًا.
و لكن كيف لملك مثل هذا ان يضعف امام فتى صغير مثل هذا؟ لاحظ الجميع ذلك الامر و اصبحت الاقاويل تطوف من حولهم كثيرًا.
في بعض الأحيان تنخدع بالمظاهر الخارجية، ولكن من الصعب المراحل انك تشاهد الحقيقة بأم عينك، والآذكى الذي لا يُبالي.
و كما قُلنا لك في البداية (ثق بنا)
هذه المعلومات لم تذكر أبدًا في التاريخ.
لم يعرفها أحد في هذا العالم غيرنا نحن و من قُتل قبل أن يُصرح بها، لذلك يجب أن تعلم أننا على حواف الضرائح منتظرين السقوط بأي لحظه، و كل هذا مٍن أجلك، ومن أجلنا، يجب ان ندون كُل حرفٍا يحدث معانا لان ربما هذا يكون تحذير، لحضارات قادمه تكتشف ما مضى وتتفهم كل الاخطاء كي لا تُكررها مرة أخرى لذلك نحن ندون و ندون ليس لنكون ابطال من ابطال التاريخ و لكن كي لا يسقط احفادنا واحفادهم في فخوخ الماضي، وكي لايمحى أصلنا و يظل متصل، ونظل على دراية تامة بأن المستقبل القادم بداية ليوم النهاية.
و مع ذلك سنُخبرك بشيء آخر، نحن الآم نجلس أمام بعضنا و نكتب إليك هذه الكلمات التي إتفقنا عليها البوح بها معًا، في ليلة من ليالي سردنا.. أراد أحدًا قتلنا لكننا نفدنا بتعويزة قديمة لولا هي لكانت تلك السطور التي نكتبها الآن لم تصلّ إليك، لذلك و كلنا أحد الأشخاص بنشر هذه الكلمات إذا حدث لنا شيء.. رغم أن الاقوال المهمة لم تُقال بعد، لكننا نحاول و لو أن يصل إليك سطرًا واحد فقط حتى يدعك تسأل و تبحث عن تلك الأسرار المدفونة.
فإذا و صلت لهذا السطر الذي أكتبه و الآن، فأنت محظوظ لأنك ستقرا هذا الجزء القادم في سلام و ثبات نفسي.. سلامنا معك أيها القارئ العزيز.