الفصل الحادي عشر
- إلى أين ؟!
لم تخرج هذه الجملة منه، هذا ليس صوته ولم تتحرك شفتاه حتى، هذا الصوت تعرفه جيدًا، ارتعد جسدها، لا تريد أن تلفتت، قررت التعامل مع الصياد وكأنه هو الذي نطق بها، لكن بترت كلماتها عندما تعلق عين الصياد بشيء ما خلفها، رأسه مرفوعة بالطبع عرفت من هو صاحب ذلك الطول الفارع!
التفتت أخيراً له كان باريس فيليب يقف معقد الذراعين على صدره يراقبها بنظرة قاتلة أثارت الرعب في نفسها!
قررت أن تحتمي بالصياد واخبرته بسرعة أنها تريد الذهاب معه وقبل أن تقول أنها محتجزه أو أي شيء يستطيع فهمه وانقاذها، كان باريس قد تحرك بالفعل وأمسك بها بقوة جعلتها تبتلع حروفها، تحدث إلى الصياد باليونانية التي لا تعرفها، لكن الصياد يعرفها جيدًا فقد سمعته يحيه بلقبه، لفها باريس نحوه ثم سحبها خلفه بقوة كادت أن تتمزق لها، كانت تريد الصراخ والبكاء والعويل وكل شيء يعبر عن خوفها واعتراضها عن ما يحدث لكنها لم تستطيع فعل شيء!
- تريدين الهرب مني ساندرا ؟ بهذه السهولة ؟ كنت أحسبك أذكى من ذلك
ساندرا ولو أنك ذهبت إلى آخر الأرض سآتي إليك وأخذك إلى نفس المنزل ونفس المصير
لن تهربي مني مادمت على قيد تلك الحياة!
فتح باب الغرفة ودفعها إليها دفعا قويًا وقعت بسببه على الأرض!
أغلق الباب بعنف وقبل أن تتحرك من مكانها أو تحاول النهوض توجه نحوها ثم أمسك بذراعها ليجبرها على الوقوف أمامه ليس مساعدةً بل تجبرًا !
كانت ترتعد بين يديه كعصفور خائف تبلل بمياة سيل من الأمطار لتوه،
وكان هو يحاصرها بنظرات أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها مرعبة!
تكاد تقسم أن عينيه تخرجا شرار أحمر من شدة الغضب
- تحاولين الهروب مني ؟ بهذه السهولة ؟ على الأقل كنتي لتختاري أن تحترمي ذكائي أكثر من ذلك
كان ينتظرها أن تجيبه أو تقول له شيئًا، لكنه لم يرى فيها سوى دموع متحجرة في عينيها، اجفل لهذا المنظر ثم تركها فجأة كادت أن تقع بسببها ولكنها تماسكت وحاولت الوقوف، تمالكت أعصابها ووقفت أمامه تحاول أن تسأله عن شيء ليخرج صوتها ضعيفا مهزوزاً على الرغم من محاولاتها
: كيف عرفت ؟
ضحك ساخرة : ساندرا قلت لك إحترمي ذكائي، المنزل كله مراقب بالكاميرات، حتى أنني توقعت فعلتك هذا لكن كنت أتمنى أن تخيبي ظني
هتفت به : أخيب ظنك ؟ أخيب ظنك كيف وأن تحتجزني هنا أسيرة ؟! نعم بالطبع أي شخص مكانك سيتوقع هروبي لإنني ضحية وأسيرة لديك هذا ليس ذكاء خارق منك أتفهم ؟!
لم يتمالك نفسه وضحك بشدة ثم توقف فجأه عن الضحك واقترب منها أكثر وقال لها بنبرة مستفزة لأعصابها : نعم..أفهم ساندرا، لكن ما لا تفهمينه أنك هنا لست أسيرة، أنت هنا نتيجة لتضحيتك الغبية من أجل هاري دارك الذي تركك بكل سهولة، أنت هنا من أجل اختياراتك السيئة في حياتك، مرة عند رفضك من الزواج مني
مرة عند زواجك من خنزير لعين
ومرة عندما اسئتي فهم الأشخاص الذين حولك مثل هاري دارك
أنت لست أسيرة لكنك تحبين عيش دور الضحية ليس أكثر!
جحظت عيناها لكلامه وهتفت أخيرا غاضبة : لست أسيرة ؟ اذا اتركني، حل مشاكلك مع هاري ما ذنبي أنا، أريد العودة لوطني لا أريد العيش هنا ولا الزاوج منك
أمسك معصمها بشدة وقربها منه أكثر ثم تحدث لها والغل يقطر من لسانه : في أحلامك ساندرا، عودتك إلى وطنك هذا في أحلامك، ستبقين هنا حتى أكتفي منك، وستصبحين زوجتي وبموافقتك، جهزي نفسك غدا سيكون زواجنا أمام الجميع
قال جملته وتركها فجأة لتقع أرضًا فعلا هذه المرة ولم يهتم لذلك وتركها وخرج من الغرفة بعد أن صفق الباب خلفه بشدة أجفل لها جسدها!
جهزي نفسك غدا سيكون زواجنا أمام الجميع
جهزي نفسك غدا سيكون زواجنا أمام الجميع
ظلت هذه الجملة تتردد في عقلها بسرعة كادت أن تجن لها!
غدا ؟ بهذه السرعة ؟ كيف ذلك ؟ وكيف ستحتمل أن توافق على زواج شرعي أمام الناس وهي بهذه الحالة؟!
حاولت النهوض من الأرض ثم تسندت على نفسها ووصلت الفراش، وعندما تخيلت فقط ماذا سيحدث انهمرت دموعها وراحت في موجه بكاء حار حتى احمرت عيناها ووجنتاها من شدتها!
جلست تبكي حتى غلبها النعاس فهي لم تنم ليلتها والبكاء اصابها بالصداع والهبوط
فسلمت نفسها لعالم الأحلام لعلها تهرب من هذا الواقع الأليم !
. . .
كانت في وطنها في شقتها الصغيرة التي في منتصف شارع حي في لندن، دخلت إلى المطبخ الصغير لتخبز بعض الشطائر الخفيفة وتستنشق عبير رائحتها المميزة أثناء خروجها من الفرن، أمسكت بها وجلست أمام التلفاز الصغير جلست تأكل وتشاهد فيلمها الرومانسي المفضل، ثم تأتيها طرقات متوترة على باب الشقة، فتحت الباب ولم تجد أحدًا ولكنها لازالت تسمع صوت الطرقات، مستمرة ولكنها هادئه، تسمعها وكأنها تأتي من تحت الأرض السابعة، فتحت عينيها ونظرت حولها لتنتفض عندما وجدت أنها ليست في وطنها ولا شقتها، كانت في غرفة غريبة وهناك طرقات بالفعل على الباب ظهرت كخلفية في حلمها التي قامت لتوها منه، ثوان معدودة حتى استوعب عقلها من هي وأين هي وأن ما تسمعه من طرقات كان حقيقًا، اعتدلت في فراشها ومسدت شعرها ثم قالت : تفضل
قالتها بثقة لأنها كانت متأكدة أن الطارق لا يمكن بأي شكل أن يكون باريس فيليب من أين له بهذا الاحترام لها!
فتح الباب بهدوء وطلت منها امرأة شابة، اقتربت من ساندرا لتتبين شكلها أكثر، خمنت أنها في العقد السادس من عمرها، خمرية البشرة وسوداء العينين كبنات اليونان، كانت ابتسامتها رائعة عندما وقفت أمام الفراش وابتسمت قائلة : أهلا بك سيدتي ساندرا، أنا أولجا خادمتك، آسفه يبدو أنني ايقظتك من النوم لكن سيدي أخبرني أنك لم تجهزي للزفاف بعد
صمتت ساندرا قليلاً حتى تستوعب هذه المخلوقة التي أمامها، تجولت بعينيها في الغرفة، كان الليل يطل من الشرفة ويبدو أنها نامت لساعات طويلة، جلست في مكانها ابتلعت ريقها لقد ذكرتها بالحقيقة التي نامت من أجل أن تهرب منها!
خرج صوتها متحشرجًا : أهلا بك أولجا أنا اسمي ساندرا بدون سيدتي
شهقت أولجا ثم قالت : هذا لا يصح سيدتي، يبدو أنك لازالت نائمة وأنا أحتاج إلى أن تكوني مستيقظة حتى أستطيع أخذ مقاساتك من أجل الفستان
ما رأيك في فنجان من القهوة الساخنة ينعشك ؟
رفرفت بعينيها تحاول استيعاب ما قالته أولجا بسرعة، يبدو أنها ثرثارة جدا، سمعتها تقول قهوة ؟ نعم قهوة هذا كل ما تحتاجه الآن، هزت رأسها ثم قالت : قهوة بدون سكر من فضلك
- حاضر سيدتي، سأجهز لك حمام دافئ ترتاحي فيه من عناء السفر الموجود على وجهك، يوم غد مهم جدًا أن تكوني فيه هادئه وجميلة
تنهدت ساندرا وفضلت عدم الاجابة والصمت، كل حرف يخرج من ساندرا يخرج أمامه عشرة كلمات من أولجا
اختفت بداخل الحمام الموجود في الغرفة بينما قامت ساندرا ووقفت أمام المرآه لتشهق، كان وجهها مريعًا، ليس من آثار السفر كما فهمت أولجا لكنه من أثر البكاء الشديد، تنهدت ومسحت عيناها جيدًا، ثم اتجهت إلى حقيبتها الصغيرة وأخرجت ملابس لها لتستعد إلى الحمام الدافئ والتي تريده أن يساعدها على التفكير في الفترة القادمة!
خرجت أولجا مسرعة وأمسكت بملابس ساندرا ثم دخلت إلى الحمام ورتبتها فيه وعادت مرة أخرى لتقف أمام ساندرا قائلة : كل شيء جاهز الآن، هل أساعدك في الاستحمام سيدتي ؟!
شهقت ساندرا، تساعدها في الاستحمام ؟ لماذا هل هي فاقدة للتصرف إلى هذه الدرجة أم أنها انتقلت لتوها إلى العصور الوسطى حيث احتياجها لصب الماء على رأسها ؟!
رأت أولجا تعجبها فإبتسمت وقالت : هكذا نفعل في اليونان أحيانًا
رفضت ساندرا بسرعة : لا لا أشكرك سأستحم بنفسي وأخرج
- كما تريدين وأنا سأحضر لك القهوة إلى هنا
دخلت ساندرا إلى الحمام، كان مربعا وواسع المساحة ككل شيء هنا، يبدو أن غرفتها كانت تمثل جناح بمفردها، يا ترى ماذا عن غرفة باريس نفسه ؟!
أجفل جسدها عند هذه النقطة وتذكر فيليب وما يفعله بها
تقدمت وخلعت ملابسها ثم رفعت ساقها ودخلت إلى حوض الاستحمام والذي كان أبيضًا مزينا بالشموع على أطرافه مما بعث بعض الهدوء إلى نفسها، يبدو أن أولجا هذه ماهرة في إعداد الحمام والذي أول مرة تعرفه اليوم، عاشت طوال عمرها تسمع تلك الجملة في الأفلام وتقرأها في الروايات لكنها اليوم فقط فهمت ماذا يعني " سأجهز لك الحمام الدافئ "
نامت في الحوض وأغمضت عينيها واستسلمت إلى الشعور الذي بداخلها، أرادت البكاء ولكنها أحست وكأن الدموع جفت في عينيها حتى مع محاولاتها في اجبارها على الإتيان ولو بدمعة واحدة، كانت عيناها بدلا من الدموع تحرقها فقط
كان موقفا سيئا للغاية
ذكرها بما حدث لها من قبل، نفس الدائرة المغلقة ونفس الشعور، وستضطر إلى ارتداء الفستان الأبيض التي تحلم به كل فتاه للمرة الثانية بالإجبار
مرة للمساومة
ومرة للانتقام
ولكن لماذا يهتم باريس بهذه الاجراءات التي لا قيمة لها ؟
مهتم أن يجعل هذا الزواج شرعيا على الرغم من شعوره الحقيقي نحوها
اليوم هو آخر يوم لها في الحرية، اخر رمق فالرمق الذي كان قبله كان يوم وصولها الكارثي إلى أرض اليونان سجنها الكبير!
آخر ليلة في العزوبية كانت لها احتفال في لندن، يتجمعن الفتيات ويلبسون الفساتين والأشياء المجنونة ويشربون ويرقصون حتى الصباح، لكنها الآن تبيت ليلتها في بيت كئيب وفي زواج مجبرة عليه
خرجت من افكارها على صوت طرقات على الباب مثل الحلم الجميل التي كانت به، آتاها صوت أولجا من خلف الباب " القهوة جاهزة سيدتي أرجوك أسرعي فلا وقت لدينا"
تنهد ساندرا لقد أصابتها أولجا بالصداع في أول دقائق لها معها ماذا ستفعل بعد ذلك ؟!
فتحت عيناها ثم اغتسلت جيدا قبل أن تقوم من الحوض، جففت جسدها جيدا ثم ارتدت ملابس رقيقة مثلها وخرجت نحو أولجا التي كانت تقف لها على الباب كحارس أمن وفي يدها القهوة!
أمسكت بها ساندرا ثم تمشت في الغرفة وجلست على الأريكة الموجودة، رشفت أول رشفة من القهوة واستمتعت بها جدا حتى أنها قالت : طعمها رائع
- هذه القهوة أمريكية بإضافات يونانية صنع يدي
- سلمت يداك أولجا
ساد الصمت قليلاً حتى انتهت ساندرا من قهوتها لتقف أمامها أولجا وتخرج من يدها شريط قياس وأدوات خياطة ثم تقول : اسمحي لي بأخذ مقاسات جسدك لفستان زفافك
- لماذا ؟ ألن نشرتيه ؟
- نعم نشتري لكن في اليونان تجري العادة بشكل عكسي، الزوج هو من يختار الفستان
قالتها بإبتسامة واسعة ثم تابعت : وذوق السيد باريس رائع حتى إنه اختارتك وأنت جميلة للغاية، محظوظ بك ومحظوظه به سيدتي
محظوظه به ؟ سخرت من تلك الكلمة في عقلها لكنها لم تظهر شيئا للخادمة، فقط استسلمت لها لتأخذ مقاسها كما طلبت ثم تخرج من الغرفة وتترك ساندرا في أفكارها السوداء نحو غد والذي هو يوم زواجها !
لم تخرج هذه الجملة منه، هذا ليس صوته ولم تتحرك شفتاه حتى، هذا الصوت تعرفه جيدًا، ارتعد جسدها، لا تريد أن تلفتت، قررت التعامل مع الصياد وكأنه هو الذي نطق بها، لكن بترت كلماتها عندما تعلق عين الصياد بشيء ما خلفها، رأسه مرفوعة بالطبع عرفت من هو صاحب ذلك الطول الفارع!
التفتت أخيراً له كان باريس فيليب يقف معقد الذراعين على صدره يراقبها بنظرة قاتلة أثارت الرعب في نفسها!
قررت أن تحتمي بالصياد واخبرته بسرعة أنها تريد الذهاب معه وقبل أن تقول أنها محتجزه أو أي شيء يستطيع فهمه وانقاذها، كان باريس قد تحرك بالفعل وأمسك بها بقوة جعلتها تبتلع حروفها، تحدث إلى الصياد باليونانية التي لا تعرفها، لكن الصياد يعرفها جيدًا فقد سمعته يحيه بلقبه، لفها باريس نحوه ثم سحبها خلفه بقوة كادت أن تتمزق لها، كانت تريد الصراخ والبكاء والعويل وكل شيء يعبر عن خوفها واعتراضها عن ما يحدث لكنها لم تستطيع فعل شيء!
- تريدين الهرب مني ساندرا ؟ بهذه السهولة ؟ كنت أحسبك أذكى من ذلك
ساندرا ولو أنك ذهبت إلى آخر الأرض سآتي إليك وأخذك إلى نفس المنزل ونفس المصير
لن تهربي مني مادمت على قيد تلك الحياة!
فتح باب الغرفة ودفعها إليها دفعا قويًا وقعت بسببه على الأرض!
أغلق الباب بعنف وقبل أن تتحرك من مكانها أو تحاول النهوض توجه نحوها ثم أمسك بذراعها ليجبرها على الوقوف أمامه ليس مساعدةً بل تجبرًا !
كانت ترتعد بين يديه كعصفور خائف تبلل بمياة سيل من الأمطار لتوه،
وكان هو يحاصرها بنظرات أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها مرعبة!
تكاد تقسم أن عينيه تخرجا شرار أحمر من شدة الغضب
- تحاولين الهروب مني ؟ بهذه السهولة ؟ على الأقل كنتي لتختاري أن تحترمي ذكائي أكثر من ذلك
كان ينتظرها أن تجيبه أو تقول له شيئًا، لكنه لم يرى فيها سوى دموع متحجرة في عينيها، اجفل لهذا المنظر ثم تركها فجأة كادت أن تقع بسببها ولكنها تماسكت وحاولت الوقوف، تمالكت أعصابها ووقفت أمامه تحاول أن تسأله عن شيء ليخرج صوتها ضعيفا مهزوزاً على الرغم من محاولاتها
: كيف عرفت ؟
ضحك ساخرة : ساندرا قلت لك إحترمي ذكائي، المنزل كله مراقب بالكاميرات، حتى أنني توقعت فعلتك هذا لكن كنت أتمنى أن تخيبي ظني
هتفت به : أخيب ظنك ؟ أخيب ظنك كيف وأن تحتجزني هنا أسيرة ؟! نعم بالطبع أي شخص مكانك سيتوقع هروبي لإنني ضحية وأسيرة لديك هذا ليس ذكاء خارق منك أتفهم ؟!
لم يتمالك نفسه وضحك بشدة ثم توقف فجأه عن الضحك واقترب منها أكثر وقال لها بنبرة مستفزة لأعصابها : نعم..أفهم ساندرا، لكن ما لا تفهمينه أنك هنا لست أسيرة، أنت هنا نتيجة لتضحيتك الغبية من أجل هاري دارك الذي تركك بكل سهولة، أنت هنا من أجل اختياراتك السيئة في حياتك، مرة عند رفضك من الزواج مني
مرة عند زواجك من خنزير لعين
ومرة عندما اسئتي فهم الأشخاص الذين حولك مثل هاري دارك
أنت لست أسيرة لكنك تحبين عيش دور الضحية ليس أكثر!
جحظت عيناها لكلامه وهتفت أخيرا غاضبة : لست أسيرة ؟ اذا اتركني، حل مشاكلك مع هاري ما ذنبي أنا، أريد العودة لوطني لا أريد العيش هنا ولا الزاوج منك
أمسك معصمها بشدة وقربها منه أكثر ثم تحدث لها والغل يقطر من لسانه : في أحلامك ساندرا، عودتك إلى وطنك هذا في أحلامك، ستبقين هنا حتى أكتفي منك، وستصبحين زوجتي وبموافقتك، جهزي نفسك غدا سيكون زواجنا أمام الجميع
قال جملته وتركها فجأة لتقع أرضًا فعلا هذه المرة ولم يهتم لذلك وتركها وخرج من الغرفة بعد أن صفق الباب خلفه بشدة أجفل لها جسدها!
جهزي نفسك غدا سيكون زواجنا أمام الجميع
جهزي نفسك غدا سيكون زواجنا أمام الجميع
ظلت هذه الجملة تتردد في عقلها بسرعة كادت أن تجن لها!
غدا ؟ بهذه السرعة ؟ كيف ذلك ؟ وكيف ستحتمل أن توافق على زواج شرعي أمام الناس وهي بهذه الحالة؟!
حاولت النهوض من الأرض ثم تسندت على نفسها ووصلت الفراش، وعندما تخيلت فقط ماذا سيحدث انهمرت دموعها وراحت في موجه بكاء حار حتى احمرت عيناها ووجنتاها من شدتها!
جلست تبكي حتى غلبها النعاس فهي لم تنم ليلتها والبكاء اصابها بالصداع والهبوط
فسلمت نفسها لعالم الأحلام لعلها تهرب من هذا الواقع الأليم !
. . .
كانت في وطنها في شقتها الصغيرة التي في منتصف شارع حي في لندن، دخلت إلى المطبخ الصغير لتخبز بعض الشطائر الخفيفة وتستنشق عبير رائحتها المميزة أثناء خروجها من الفرن، أمسكت بها وجلست أمام التلفاز الصغير جلست تأكل وتشاهد فيلمها الرومانسي المفضل، ثم تأتيها طرقات متوترة على باب الشقة، فتحت الباب ولم تجد أحدًا ولكنها لازالت تسمع صوت الطرقات، مستمرة ولكنها هادئه، تسمعها وكأنها تأتي من تحت الأرض السابعة، فتحت عينيها ونظرت حولها لتنتفض عندما وجدت أنها ليست في وطنها ولا شقتها، كانت في غرفة غريبة وهناك طرقات بالفعل على الباب ظهرت كخلفية في حلمها التي قامت لتوها منه، ثوان معدودة حتى استوعب عقلها من هي وأين هي وأن ما تسمعه من طرقات كان حقيقًا، اعتدلت في فراشها ومسدت شعرها ثم قالت : تفضل
قالتها بثقة لأنها كانت متأكدة أن الطارق لا يمكن بأي شكل أن يكون باريس فيليب من أين له بهذا الاحترام لها!
فتح الباب بهدوء وطلت منها امرأة شابة، اقتربت من ساندرا لتتبين شكلها أكثر، خمنت أنها في العقد السادس من عمرها، خمرية البشرة وسوداء العينين كبنات اليونان، كانت ابتسامتها رائعة عندما وقفت أمام الفراش وابتسمت قائلة : أهلا بك سيدتي ساندرا، أنا أولجا خادمتك، آسفه يبدو أنني ايقظتك من النوم لكن سيدي أخبرني أنك لم تجهزي للزفاف بعد
صمتت ساندرا قليلاً حتى تستوعب هذه المخلوقة التي أمامها، تجولت بعينيها في الغرفة، كان الليل يطل من الشرفة ويبدو أنها نامت لساعات طويلة، جلست في مكانها ابتلعت ريقها لقد ذكرتها بالحقيقة التي نامت من أجل أن تهرب منها!
خرج صوتها متحشرجًا : أهلا بك أولجا أنا اسمي ساندرا بدون سيدتي
شهقت أولجا ثم قالت : هذا لا يصح سيدتي، يبدو أنك لازالت نائمة وأنا أحتاج إلى أن تكوني مستيقظة حتى أستطيع أخذ مقاساتك من أجل الفستان
ما رأيك في فنجان من القهوة الساخنة ينعشك ؟
رفرفت بعينيها تحاول استيعاب ما قالته أولجا بسرعة، يبدو أنها ثرثارة جدا، سمعتها تقول قهوة ؟ نعم قهوة هذا كل ما تحتاجه الآن، هزت رأسها ثم قالت : قهوة بدون سكر من فضلك
- حاضر سيدتي، سأجهز لك حمام دافئ ترتاحي فيه من عناء السفر الموجود على وجهك، يوم غد مهم جدًا أن تكوني فيه هادئه وجميلة
تنهدت ساندرا وفضلت عدم الاجابة والصمت، كل حرف يخرج من ساندرا يخرج أمامه عشرة كلمات من أولجا
اختفت بداخل الحمام الموجود في الغرفة بينما قامت ساندرا ووقفت أمام المرآه لتشهق، كان وجهها مريعًا، ليس من آثار السفر كما فهمت أولجا لكنه من أثر البكاء الشديد، تنهدت ومسحت عيناها جيدًا، ثم اتجهت إلى حقيبتها الصغيرة وأخرجت ملابس لها لتستعد إلى الحمام الدافئ والتي تريده أن يساعدها على التفكير في الفترة القادمة!
خرجت أولجا مسرعة وأمسكت بملابس ساندرا ثم دخلت إلى الحمام ورتبتها فيه وعادت مرة أخرى لتقف أمام ساندرا قائلة : كل شيء جاهز الآن، هل أساعدك في الاستحمام سيدتي ؟!
شهقت ساندرا، تساعدها في الاستحمام ؟ لماذا هل هي فاقدة للتصرف إلى هذه الدرجة أم أنها انتقلت لتوها إلى العصور الوسطى حيث احتياجها لصب الماء على رأسها ؟!
رأت أولجا تعجبها فإبتسمت وقالت : هكذا نفعل في اليونان أحيانًا
رفضت ساندرا بسرعة : لا لا أشكرك سأستحم بنفسي وأخرج
- كما تريدين وأنا سأحضر لك القهوة إلى هنا
دخلت ساندرا إلى الحمام، كان مربعا وواسع المساحة ككل شيء هنا، يبدو أن غرفتها كانت تمثل جناح بمفردها، يا ترى ماذا عن غرفة باريس نفسه ؟!
أجفل جسدها عند هذه النقطة وتذكر فيليب وما يفعله بها
تقدمت وخلعت ملابسها ثم رفعت ساقها ودخلت إلى حوض الاستحمام والذي كان أبيضًا مزينا بالشموع على أطرافه مما بعث بعض الهدوء إلى نفسها، يبدو أن أولجا هذه ماهرة في إعداد الحمام والذي أول مرة تعرفه اليوم، عاشت طوال عمرها تسمع تلك الجملة في الأفلام وتقرأها في الروايات لكنها اليوم فقط فهمت ماذا يعني " سأجهز لك الحمام الدافئ "
نامت في الحوض وأغمضت عينيها واستسلمت إلى الشعور الذي بداخلها، أرادت البكاء ولكنها أحست وكأن الدموع جفت في عينيها حتى مع محاولاتها في اجبارها على الإتيان ولو بدمعة واحدة، كانت عيناها بدلا من الدموع تحرقها فقط
كان موقفا سيئا للغاية
ذكرها بما حدث لها من قبل، نفس الدائرة المغلقة ونفس الشعور، وستضطر إلى ارتداء الفستان الأبيض التي تحلم به كل فتاه للمرة الثانية بالإجبار
مرة للمساومة
ومرة للانتقام
ولكن لماذا يهتم باريس بهذه الاجراءات التي لا قيمة لها ؟
مهتم أن يجعل هذا الزواج شرعيا على الرغم من شعوره الحقيقي نحوها
اليوم هو آخر يوم لها في الحرية، اخر رمق فالرمق الذي كان قبله كان يوم وصولها الكارثي إلى أرض اليونان سجنها الكبير!
آخر ليلة في العزوبية كانت لها احتفال في لندن، يتجمعن الفتيات ويلبسون الفساتين والأشياء المجنونة ويشربون ويرقصون حتى الصباح، لكنها الآن تبيت ليلتها في بيت كئيب وفي زواج مجبرة عليه
خرجت من افكارها على صوت طرقات على الباب مثل الحلم الجميل التي كانت به، آتاها صوت أولجا من خلف الباب " القهوة جاهزة سيدتي أرجوك أسرعي فلا وقت لدينا"
تنهد ساندرا لقد أصابتها أولجا بالصداع في أول دقائق لها معها ماذا ستفعل بعد ذلك ؟!
فتحت عيناها ثم اغتسلت جيدا قبل أن تقوم من الحوض، جففت جسدها جيدا ثم ارتدت ملابس رقيقة مثلها وخرجت نحو أولجا التي كانت تقف لها على الباب كحارس أمن وفي يدها القهوة!
أمسكت بها ساندرا ثم تمشت في الغرفة وجلست على الأريكة الموجودة، رشفت أول رشفة من القهوة واستمتعت بها جدا حتى أنها قالت : طعمها رائع
- هذه القهوة أمريكية بإضافات يونانية صنع يدي
- سلمت يداك أولجا
ساد الصمت قليلاً حتى انتهت ساندرا من قهوتها لتقف أمامها أولجا وتخرج من يدها شريط قياس وأدوات خياطة ثم تقول : اسمحي لي بأخذ مقاسات جسدك لفستان زفافك
- لماذا ؟ ألن نشرتيه ؟
- نعم نشتري لكن في اليونان تجري العادة بشكل عكسي، الزوج هو من يختار الفستان
قالتها بإبتسامة واسعة ثم تابعت : وذوق السيد باريس رائع حتى إنه اختارتك وأنت جميلة للغاية، محظوظ بك ومحظوظه به سيدتي
محظوظه به ؟ سخرت من تلك الكلمة في عقلها لكنها لم تظهر شيئا للخادمة، فقط استسلمت لها لتأخذ مقاسها كما طلبت ثم تخرج من الغرفة وتترك ساندرا في أفكارها السوداء نحو غد والذي هو يوم زواجها !