الفصل التاسع
- تريدين طفلا؟ ها! تشعُرين بالغيرة؟
قالها ضاحكًا بمكر ونظراته تطوف حولها بجوع بينما هي نصف مُستلقية على فراشٍ غريب لا تعرف كيف وصلت إليه، تجابهه بنظرة لا تقلُّ حدّةً وقالت وكأنها تُكمِلُ حوارًا انقطع لساعات:
- أتشعُرُ انتَ بالألم؟ أتشعُر بأن روحك تنسحبُ عن جسدك وانا أُخبرُكَ فقط بأنني سأتزوّج ما ان تتركني؟!
جفلت وهو يقترب منها هامِسًا بخطورة امام شفتيها:
- إخرسي!
الّا انها اكملت وكأن لم تراه:
- هذا فقط وانت تتخيّل انني قد أكون لرجُلٍ سواك، ماذا عنّي وانا اضعُ رأسي على وسادتي وأعلمُ انّكَ برفقة أُخرى، لا يفصلني عنكما سوى سقف، احيانًا اتخيّلُ كيف تكون برفقتها، هل تُرضيكَ كما افعل، هل تُقلبكَ كما أُقبّلك انا؟! هل تشعُر معها كما تشعُر وانتَ بين ذراعيّ؟
- إخرسي يا ليلى! اخرسي.
اومأت بالرفض بشدّة واضافت بكره:
- أنتَ انانيٌّ للغاية، فها انت قد تزوجت بأُخرى لما لا أفعل المِثل، اتزوّج من رجُلٍ...
اخرس جملتها وفمه يهبط نحوها بهجومٍ شرِس، لم يكُن يُقبّلها بل ينتزع مرارة كلماتها من فمها، يمسحُ بقايا كلماتها قبل ان تنطقها، وكانت تتلوّى بين ذراعيه برفضٍ لم يُعره ايّ انتباه، فقد كان عقله يصوّر له الكثير من الصور الدنيئة، صورتها مع رجُلٍ آخر، يقتربُ منها كما يفعل، ينظُر اليها بعينان ملؤهما الرغبة دون حرج.
- لن تكونين لغيري ابدًا.
صرخته المليئة بالقهر ترافقت مع صوت تمزُّق ثوبها الذي شقّهُ لنصفين وانحنى نحوها بملامح مُتغضّنة من الألم ينهلُ من حسنها دون ان يرتوي وكأنها سرابٌ ما ان يظُنُّ ماءً يهرُب منه الى البعيد، كان مُتعبًا من جُرحها لهُ ومُحتجب العقل عمّا يفعل، فكُل ما يرغب به في تلك اللحظات هو ان يجعلها ملكه، وان يُقحِم تلك الحقيقةُ بقلبها.
حاولت المقاومة ولكن جسده فرض قوّته عليها فلم تستطع التغلُّب عليه، بكت بشدّة وهي تشعُر بالإمتهان لأوّل مرّةٍ بحياتها، تحاول جاهدة ان تُبعده عنها بصرخاتٍ مكبوته الّا انّ صوتها يذهبُ كمرور الرياح امام همساته السافرة التي تغزوا مسامعها.
- تُريدين طفلًا، سأُساعدكِ يا حبيبتي، صدقيني لن أُخرجكِ من هذه الغُرفة الّا وهو بداخلك...
مرّت شفتيه على بطنها بقسوةٍ ولا زال نحيبها يتعالى وقد خارت قواها تمامًا فأستسلمت لعواطفه الهادرة التي اجتاحتها بعُنفٍ غير مسبوق وكأنه يعاقبها على ذنبه، يعاقبها على كلماتٍ لا تتقصّد قولها سوى لإيلامه بينما يفعلُ هو كُلّ ما يجرح قلبها.
بعد وقتٍ طويلٍ للغاية شعرت بإبتعاده ولأوّل مرّة منذُ اكثر من عشرين عامًا من زواجها منه تشعُر بأنها عارية، عارية بصورةٍ مُخزية جعلتها تختبئُ بداخل غطاء الفراش وتُغمضُ عيناها بتعب...
لم يعُد لديها إحساس بأي شيءٍ حولها، إختفى الزمان والمكان وبقيت هي مختبئة على الفراش الغريب، عندما عاد اليها احسّت بنفورٍ غريبٍ ورائحته تجتاح انفها، ولمسته على خصرها وهو يستلقى بجانبها جعلتها ترغبُ بالموت، فالموت وحده ما قد يزيلُ ما بداخلها من ألم، وبالرغم من شعوره بإجفالها الّا انّ يده احكمت وثاقها حول خصرها يسحبها نحوه بتسلُّطٍ رجوليّ مُتأصلٍ بداخله ويهمس وشفتاه ترسوان على عنقها:
- نامي يا ليلى، نامي يا زوجتي الحلوة.
.
.
في تلك الأثناء كانت فلك حائرة تتخبط هنا وهناك وضربات الحياة تلطمها من كُلّ جانب، فبعد غياب والديها وبكاء أختيها وهما تُخبرانها بما حدث تداعى العالم من حولها، وقد أخرج زواج ابيها اسوأ ما فيه، حاولت هي وبحر الوصول اليهما ولكن وكأن الأرض انشقّت وابتلعتهُما، الى ان انقضت تلك الليلة لتتفاجأ برسالة مختصرة من والدها يخبرها فيها انهما خارج المدينة وسيبقيان لبضعة ايام، امرها ان تعتني بأخواتها الى ان يعود فشعرت بالقليل من الراحة، على الأقل هما بخير وربما يحتاج كلاهما للأبتعاد والتفكير برويّة في حياتهما التي اوشكت على الإنهيار، اما حور فقد كانت ردّة فعلها عنيفة وهي تخاول مرارًا وتكرار مهاتفة والدها ولكنه لا يرُد عليها.
التفتت الى عزيز الجالس بقربها على الشاطئ في الجانب البعيد عن الأنظار، نظرت الى عينيه الحبيبتين وابتسمت برقّة، على الأقل هو هنا بجانبها، وهذا اكثر ما تحتاج اليه في هذا الوقت بالذات.
شعرت بأنامله تتلاعبُ بأصابعها الصغيرة المُستريحة على حجرها، قبل ان يجذب يدها الى فمه يقبلها ببُطء تحت نظراتها الخجولة وقلبها يرقصُ بسعادة...
رأته يخرج من جيبه علبة مخملية حمراء يفتحها امامها لتتفاجأ بخاتمٍ ذهبيّ صغير، به نقوش صغيرة، يبدوا غايةً في الجمال.
رفعت نظراتها اليه، تطالعه بعيناها الشمسيتين الواسعتين بتساؤل، ولكنه لم يجيبها فقط شعرت ببرودة الحلقة الذهبيّة بداخل اصبعها وهو يلبسها اياه بصمت، وعلى عينيه ذلك التعبير المُتوحش الذي بات جُزءً من ملامحه التي تعشقها.. راقب الخاتم الصغير على بشرتها البيضاء الناعمة فإزدادت ابتسامته عُمقًا ورفع عيناه اخيرًا يُطالعها بنظرةٍ غريبة، وكأنه تائهٌ في البعيد، يناجي خيالًا ليس لهُ وجود.
وقد تلاشت في تلك الأثناء صورة فلك الفاتنة ذات الشعر الأسود الناعم لتحلّ محلّها أُخرى، غجرية، بشعرٍ مُتشابكٍ كمُعضلةٍ عويصة، واختفت العينان الكبيرتان ذات اللمعة الذهبية لتغدوا سماءً صافية..
شعرت فلك بقلبها الصغير يتفجّر بمشاعر غريبة لم تُجربها من قبل وانامله الخشنة تمُرُّ على وجهها بتلكؤ، واشتعل وجهها كبُركانٍ ما ان اقترب منها اكثر، يبثّها اشواقهُ بقُبلاتٍ لم تعرفها من قبل، وبالرغم من لذّة شعورها بتلك اللحظة الّا انّ شيئًا ما بداخلها اخبرها بأنها ارتكبت إثمًا فادِحًا.
حاولت الإبتعاد الّا انّ يداهُ جذبتها اكثر لتسقُط على صدره فتلقّفها مهمهمًا بخشونة وشفتاه تلتهمان وجهها بشراهة، غير قادرٍ على الإبتعاد، الّا انهُ شعر فجأةً بدموعها مالحةً على فمه ففتح عينيه اخيرًا وشاهد اجمل ما قد ترى عيناه، تلاشت كُلّ آلامه وتبخّرت صورة غيد تمامًا لتعود اليه فلك، الصغيرة ذات الوجه المتوهّج تنظُر اليه بخوفٍ طفولي وتأثُّرًا غريزيًا بهجومه عليها، تأثُرًا هزّ اعماق قلبه فأحس بأنه اكثر رجال الأرض دناءة.
افلتها سريعًا لتبتعد عنه وانفاسها اللاهثة تختلطُ بشهقات بكاءٍ ساورها فجأةً وقلبها الذي يرفرفُ بين أضلُعها بات يؤلمها للغاية بضرباته القاسية، اخذت اناملها المُرتجفة تعدل من خصلات شعرها التي لم تُفلت من اجتياحه العنيف وشعرت بأنّهُ قد وصمها بشيءٍ لن يُنسى، ورغما عنها اجفلت ما ان وضع يده على يدها الّا انه امسك بها بقوّة وهمس صوتٍ خفيض:
- اعتذر، يبدوا ان مشاعري المجنونة اخافتكِ قليلا.
نظرت اليه بطرف عينها وقد بدأت تهدأ قليلًا الّا انّهُ اكمل بشرود:
- عليكي الإعتياد عليها، لأنني لم امنحها لإمرأةٍ سواكِ.
شعرت بغباء بكاءها وقد افسدت اوّل قُبلةٍ تحصُل عليها الّا انها احست بالراحة بعد حديثه وودّت لو ظلّت بأحضانه الى الأبد.
نظرت للخاتم الجميل وهمست اليه بتلعثُم:
- لم اشكُرك على الهديّة.
- اعجبكِ؟
تسائل بتوتُّرٍ لتهمس اليه بصدق:
- إنه جميل للغاية، واجمل لأنهُ منك.
شعر بغصّةٍ تتضخّم بحلقه فأومأ بصمت ونهض ليسحبها معه ويسيران على طول الشاطئ قبل ان يُعيدها لبيتها، ولأوّل مرّة تكون صامته طوال الطريق، فقد بدت مشوشة للغاية ويدركُ هو السبب، عندما اوصلها بجانب بيت بحر نظر الى وجهها وحمد الله انّ قبلاته كانت رقيقةً بالرغم من هيجان مشاعره فلم تترُك اثرا على شفتيها، الّا انها بدت اكثر جمالًا وكأنها حلوى نزع احدهم غلافها، لتظهر للعلن، حمراء شهيّة.
ابتعد بعد ان ودعها بقبلة على جبينها مُعتذرا وسامحته هي من دون تردد، فهي تُحبّه منذ طفولتهما وهو يستغلّ بخُبث هذا الحُب، ولكن بدلًا عن شعوره بالنشوى من تلك الأفعال الحقيرة يجد ان احتراق قلبه بات اكثر ألمًا وكأنه يمشي على جرحه بقدميه.
فلك ليس لها ذنب، قطعا... ولكنه يتألم بشدّة ولا يمكنه ترك المُسكّن الوحيد لأوجاعه.
.
.
عادت فلك الى البيت وصعدت الى غُرفتها مُباشرةً وحمدت الله ان لا احد انتبه لها، وعندما اندست بفراشها لتنام اشتعل قلبها بشدّة وصورة عزيز تعود لتطفو على جدار ذاكرتها لتدغدغ قلبها بمشاعر أُخرى غريبة، ولذيذة للغاية اخفت ذرّات الندم الذي بدأ بمساورتها واقنعت نفسها انه حبيبها، وهي على استعداد تام ان تمنحهُ كُلّ شيءٍ في سبيل بقائه برفقتها، ثم إنها متأكدة انه لن يتمادى معها مرّةً أُخرى وإن حاول ستمنعه بثبات.
عضّت على شفتيها ووجهها يحترق مدركة انها لن تستطيع منعه، ولا ترغب بأن تمنعه، لن تفعل بل ستستمتع بدروس الغرام التي يمنحها اياها، ستمتنع عن خجلها وتُحبّهُ بجُرأة، يكفي فقط ان يظلّ بقُربها، ان يخبرها انّهُ يُحبُّ وجهها ووجنتيها وفمها كما يفعل دائمًا..
تحشرجت انفاسها وقلبها يصارع بجنون تلك الأحاسيس الغريبة التي تتفجّر بداخلها كمفرقعاتٍ نارية منذُ قبلته المجنونه، إنها في هذه اللحظة على استعداد ان تمنحه روحها وجسدها طواعيةً في سبيل عيش لحظات الجنون التي ساورتها قبل ساعات.
رفعت يدها في ظلام الغُرفة وتحسست الخاتم الجميل بين يديها وحده يخبرها بأنها لا تحلم، هي بالفعل قابلته وقطف قلبها الغضّ من أوّل قُبلة.
تنهّدت بعُمق ونامت اخيرًا واحلامها الوردية لا يسكنها سواه، بهيئته الهمجية وبنطاله الجينز الباهت ونظراته الغامضة، سيظلّ وحده من يملك قلبها دون منازع.
لا تدري انه في ذات اللحظة التي تبتسمُ فيها ببلاهةٍ اثناء نومها يوشك هو قتل كُلّ ما يجمعها به، ينسى استسلامها المُخزي الذي كان ليتطور لأكثر من قُبلة لينهي سمعتها تماما، يحاولُ جاهدًا إبعاد صورة وجهها البريئ المتورّد بالرغبة عن ذاكرته، يسبحُ بمياه البحر الباردة علّها تُطفئُ نيران رغبته المُستعرة ولكن بلا فائدة، لقد كاد اليوم ان يخسر نفسه الى الأبد، كاد ان يفقد آخر ذرّات اخلاقه، لقد استغلّها بصورةٍ مُخزية، والآن يموت شوقا اليها، ليس بدافع الأنتقام بل بسبب جروحه التي تئنّ وجعًا والتي نثرت قبلاتها عليها بلسم راحة غريبة، وكم رغِب حينها بأن لا يبعدها عنه، ان يجعلها ترمم قلبه المعطوب الى ان تشفيه.
سقط على الشاطئ خائر القوى وهمس من بين لهاثه المحموم:
- لقد انتهت لعبتنا يا فلك، انتهت الى الأبد..
تسللت دموعًا حارّة الى وجهه وهمس بقلبٍ مكسور:
- سامحيني يا صغيرة، سامحيني يا اطهر نساء الأرض.
.
.
اسبوعين مرّا على تلك الليلة التي قتل فيها آخر ما تبقى بينما، اسبوعين وهو يجبرها عليه بأكثر الطُرقِ خزيًا، يهمسُ اليها بكُلّ كلمات الحُب، يخبرها انه سيرضيها، سيُزيل حُزنها وتبكِ هي بصمت وشعورًا مُهينًا رُسم عليها الى الأبد، تخاف إن خرجت من هذه الغُرفة ان يرى الناسُ ما بداخلها ان يروا هزيمتها وعُريّها، تخاف ان تلمح بناتها ما فعله والدهُنّ بها.
ها هي تنظُرُ الى نفسها في المِرآة المُلحقة بطاولة الزينة، ترى امرأةً أُخرى مهزومة، مُنكسرة، إمرأة مُغتصبة...
شهقت بعُنف تتجرّعُ مرارة تلك الكلمة القميئة، وانتحبت بإنكسار وهي تضمُّ وجهها بين كفيها وتهمس بداخلها بألم:
- لن انسى ما حدث، لن استطيع... لن استطيع
وتعالى صوت بكائها ليضع يده على اذنيه وهو يطالعها بملامح مُتجهّمة، لا زالت نظرته تحوي سوادًا غريبًا، وكأن قوي شريرة تتلبّس جسده، ينظر اليها بلا تعبير، غير قادرٍ حتى على التعاطُف معها، يشعُر بأنها تستحق هذا الألم، تستحق ان يقتلها لولا ان قلبه لا يقوى على ذلك، كيف لها ان تتبجّح وتطلب منه الطلاق ليتزوجها احدٌ غيره؟
- إنهضي، سنغادر..
قال كلماته المقتضبة لترفع اليه وجهها المُنتفخ من البكاء تطالعه بعينين ميتتين قبل ان تومئ بصمت، وقد فقدت صوتها تمامًا وهي تصرُخ بوجهه كُلّ ليلة رافضة لإخضاعه القسريّ العنيف، الّا ان صرخاتها تتوه في ظلام الليل ككُلّ ما تبقى من حياتهما.
نظرت الى الغرفة نظرة اخيرة ولم تهتم للثياب الجديدة التي كانت ترتديها في تلك الأيام، بل اوّل ما ستفعله ما ان تغادر هذا المكان هو ان تخلع هذا الثوب وتحرقه علها تشعُر بالراحة...
نظرت اليه وهو ينحني ليجمع قطع الثياب في كيس ويحمله متقدّمًا امامها، خمّنت بأنهما بأحد فنادق المدينة وتحديدًا بجناح فخم ذكّرها بزياتهما للمدينة قبل عام ونصف.. نظرت الى الصالة الفخمة وتذكّرتها على الفور، إنه ذات المكان الذي قضيا فيه عطلة رائعة وحدهما.. قبل ان تدخل غيد الى حياتهما،
سقطت دموعها وقد شوّه آخر ذكرياتهما الجميلة.
عندما خرجت الى البهو الذي يضُمّ بعض البشر وجدت انها تُخفي رأسها بخزي، تسير بسُرعة وخوف وقد اختنقت من هذا المكان.
وبدى الطريق الى منطقتهم بعيدًا طويلا بغير نهاية، ولكنها وصلت اخيرًا، بقدمين مُتثاقلتين صعدت الدرج حيث بيتها الذي اصرّ على ان تعود اليه، شعرت بأنها غير قادرة على الصعود ورأسها يدورُ بشدّة ورغمًا عنها لم تستطع مقاومة يداه اللتان حملتاها الى باب الشقّة.
ونظرت الى وجهه وهو ينزلها لتستند الى الحائط قبل ان يفتح الباب ويحملها مُجددًا وقد فقدت قدرتها على الحركة تمامًا وقد تراخت اعصابها بخمولٍ شديد، ولم ترغب بشيءٍ في تلك اللحظة سوى ان تنفرد بنفسها وتستريح من رؤية وجهه.
وقد لبّى رغبتها هامسًا بنبرته القاسية:
- استريحي، انا سأُغادر الآن وسأُعيد البنات اليكِ مساءً.
غادر وهمست في إثره ودمعها تتساقط من جديد:
- لا ارغب برؤية احد، لا اريد ايّ احد فقط اتركوني .. ليتني متُّ وارحت الجميع.
ظلّت تبكي الى ان غفت بعد ساعات واحلامًا سوداء تلفّ خيالها المُتعب تأبى جعلها تنعم بالراحة، وقد ايقنت انها لن تنسى.. ولو بعد مئة عام لن تنسى نظرته وهو ينتهكها بلا رحمة.
.
.
-انتبهي لخطواتك
همسٌ يأتيها من بعيد، تنظُرُ الى موضع قدميها لتجد انها تسيرُ على طريق الشوك، تلسعها وخذاته المؤلمة، تغوصُ في لحم قدميها فتدميهما، تنظُرُ حولها بضياع، وهناك على البُعد تلمحُ صورة اختها الحبيبة نوال، بعيناها الجميلتين وابتسامتها المُشرقة، تتقدم نحوها فتزول الأشواك، ويختفي الألم.
- ميرال الصغيرة.
يترددُ صوتها مُحمّلًا بذكرياتٍ بطعم السُكّر، تبتسمُ فجأة وتنظر لثيابها، إنها ترتدي ثوبًا ابيضًا، وتحمِلُ لفافة جميلة كالتي يوضع فيها الأطفال.
تغزوا رائحته المكان بشدّة، ويظهر بجانبها على حين غرّة كفارسٍ مغوار، ضخم، بشعرٍ طويل، تمتدّ ذراعاهُ القويّتان لتحملان اللفافة الملوّنة، ونوال تنظر اليهما مبتسمةً بإمتنان، يقربها منها فتلمح وجهًا ملائكيًا صغيرًا بعينان تشبهان عينيها، خضراء كقلوب المُحبّين وعندما تعود بنظراتها لأُختها الحبيبة تجدها تتراجع ولا زالت تنظر اليهم، تبتعد... تتلاشى ... تزول كأن لم تكُن.
ويأتي فجأةً صوتًا آخر، ذو نبرةٍ قذرة، يهمسُ بإسمها بوعيد:
- ميرال.. ميرال الصغيرة...
تصارعه ببسالة، تحاول جاهدةً الفرار من قيوده ولكنها لا تستطيع، إنه هنا.. يقترب اكثر فأكثر وتفوح منه رائحة الرغبات المُحرّمة، يقترب ولكنها مقيدة... يقترب وينتهي كُلّ شيء...
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
فصل جديد.
اتمنى ان ينال اعجابكم....
مع حبي
فايا ❤❤❤
قالها ضاحكًا بمكر ونظراته تطوف حولها بجوع بينما هي نصف مُستلقية على فراشٍ غريب لا تعرف كيف وصلت إليه، تجابهه بنظرة لا تقلُّ حدّةً وقالت وكأنها تُكمِلُ حوارًا انقطع لساعات:
- أتشعُرُ انتَ بالألم؟ أتشعُر بأن روحك تنسحبُ عن جسدك وانا أُخبرُكَ فقط بأنني سأتزوّج ما ان تتركني؟!
جفلت وهو يقترب منها هامِسًا بخطورة امام شفتيها:
- إخرسي!
الّا انها اكملت وكأن لم تراه:
- هذا فقط وانت تتخيّل انني قد أكون لرجُلٍ سواك، ماذا عنّي وانا اضعُ رأسي على وسادتي وأعلمُ انّكَ برفقة أُخرى، لا يفصلني عنكما سوى سقف، احيانًا اتخيّلُ كيف تكون برفقتها، هل تُرضيكَ كما افعل، هل تُقلبكَ كما أُقبّلك انا؟! هل تشعُر معها كما تشعُر وانتَ بين ذراعيّ؟
- إخرسي يا ليلى! اخرسي.
اومأت بالرفض بشدّة واضافت بكره:
- أنتَ انانيٌّ للغاية، فها انت قد تزوجت بأُخرى لما لا أفعل المِثل، اتزوّج من رجُلٍ...
اخرس جملتها وفمه يهبط نحوها بهجومٍ شرِس، لم يكُن يُقبّلها بل ينتزع مرارة كلماتها من فمها، يمسحُ بقايا كلماتها قبل ان تنطقها، وكانت تتلوّى بين ذراعيه برفضٍ لم يُعره ايّ انتباه، فقد كان عقله يصوّر له الكثير من الصور الدنيئة، صورتها مع رجُلٍ آخر، يقتربُ منها كما يفعل، ينظُر اليها بعينان ملؤهما الرغبة دون حرج.
- لن تكونين لغيري ابدًا.
صرخته المليئة بالقهر ترافقت مع صوت تمزُّق ثوبها الذي شقّهُ لنصفين وانحنى نحوها بملامح مُتغضّنة من الألم ينهلُ من حسنها دون ان يرتوي وكأنها سرابٌ ما ان يظُنُّ ماءً يهرُب منه الى البعيد، كان مُتعبًا من جُرحها لهُ ومُحتجب العقل عمّا يفعل، فكُل ما يرغب به في تلك اللحظات هو ان يجعلها ملكه، وان يُقحِم تلك الحقيقةُ بقلبها.
حاولت المقاومة ولكن جسده فرض قوّته عليها فلم تستطع التغلُّب عليه، بكت بشدّة وهي تشعُر بالإمتهان لأوّل مرّةٍ بحياتها، تحاول جاهدة ان تُبعده عنها بصرخاتٍ مكبوته الّا انّ صوتها يذهبُ كمرور الرياح امام همساته السافرة التي تغزوا مسامعها.
- تُريدين طفلًا، سأُساعدكِ يا حبيبتي، صدقيني لن أُخرجكِ من هذه الغُرفة الّا وهو بداخلك...
مرّت شفتيه على بطنها بقسوةٍ ولا زال نحيبها يتعالى وقد خارت قواها تمامًا فأستسلمت لعواطفه الهادرة التي اجتاحتها بعُنفٍ غير مسبوق وكأنه يعاقبها على ذنبه، يعاقبها على كلماتٍ لا تتقصّد قولها سوى لإيلامه بينما يفعلُ هو كُلّ ما يجرح قلبها.
بعد وقتٍ طويلٍ للغاية شعرت بإبتعاده ولأوّل مرّة منذُ اكثر من عشرين عامًا من زواجها منه تشعُر بأنها عارية، عارية بصورةٍ مُخزية جعلتها تختبئُ بداخل غطاء الفراش وتُغمضُ عيناها بتعب...
لم يعُد لديها إحساس بأي شيءٍ حولها، إختفى الزمان والمكان وبقيت هي مختبئة على الفراش الغريب، عندما عاد اليها احسّت بنفورٍ غريبٍ ورائحته تجتاح انفها، ولمسته على خصرها وهو يستلقى بجانبها جعلتها ترغبُ بالموت، فالموت وحده ما قد يزيلُ ما بداخلها من ألم، وبالرغم من شعوره بإجفالها الّا انّ يده احكمت وثاقها حول خصرها يسحبها نحوه بتسلُّطٍ رجوليّ مُتأصلٍ بداخله ويهمس وشفتاه ترسوان على عنقها:
- نامي يا ليلى، نامي يا زوجتي الحلوة.
.
.
في تلك الأثناء كانت فلك حائرة تتخبط هنا وهناك وضربات الحياة تلطمها من كُلّ جانب، فبعد غياب والديها وبكاء أختيها وهما تُخبرانها بما حدث تداعى العالم من حولها، وقد أخرج زواج ابيها اسوأ ما فيه، حاولت هي وبحر الوصول اليهما ولكن وكأن الأرض انشقّت وابتلعتهُما، الى ان انقضت تلك الليلة لتتفاجأ برسالة مختصرة من والدها يخبرها فيها انهما خارج المدينة وسيبقيان لبضعة ايام، امرها ان تعتني بأخواتها الى ان يعود فشعرت بالقليل من الراحة، على الأقل هما بخير وربما يحتاج كلاهما للأبتعاد والتفكير برويّة في حياتهما التي اوشكت على الإنهيار، اما حور فقد كانت ردّة فعلها عنيفة وهي تخاول مرارًا وتكرار مهاتفة والدها ولكنه لا يرُد عليها.
التفتت الى عزيز الجالس بقربها على الشاطئ في الجانب البعيد عن الأنظار، نظرت الى عينيه الحبيبتين وابتسمت برقّة، على الأقل هو هنا بجانبها، وهذا اكثر ما تحتاج اليه في هذا الوقت بالذات.
شعرت بأنامله تتلاعبُ بأصابعها الصغيرة المُستريحة على حجرها، قبل ان يجذب يدها الى فمه يقبلها ببُطء تحت نظراتها الخجولة وقلبها يرقصُ بسعادة...
رأته يخرج من جيبه علبة مخملية حمراء يفتحها امامها لتتفاجأ بخاتمٍ ذهبيّ صغير، به نقوش صغيرة، يبدوا غايةً في الجمال.
رفعت نظراتها اليه، تطالعه بعيناها الشمسيتين الواسعتين بتساؤل، ولكنه لم يجيبها فقط شعرت ببرودة الحلقة الذهبيّة بداخل اصبعها وهو يلبسها اياه بصمت، وعلى عينيه ذلك التعبير المُتوحش الذي بات جُزءً من ملامحه التي تعشقها.. راقب الخاتم الصغير على بشرتها البيضاء الناعمة فإزدادت ابتسامته عُمقًا ورفع عيناه اخيرًا يُطالعها بنظرةٍ غريبة، وكأنه تائهٌ في البعيد، يناجي خيالًا ليس لهُ وجود.
وقد تلاشت في تلك الأثناء صورة فلك الفاتنة ذات الشعر الأسود الناعم لتحلّ محلّها أُخرى، غجرية، بشعرٍ مُتشابكٍ كمُعضلةٍ عويصة، واختفت العينان الكبيرتان ذات اللمعة الذهبية لتغدوا سماءً صافية..
شعرت فلك بقلبها الصغير يتفجّر بمشاعر غريبة لم تُجربها من قبل وانامله الخشنة تمُرُّ على وجهها بتلكؤ، واشتعل وجهها كبُركانٍ ما ان اقترب منها اكثر، يبثّها اشواقهُ بقُبلاتٍ لم تعرفها من قبل، وبالرغم من لذّة شعورها بتلك اللحظة الّا انّ شيئًا ما بداخلها اخبرها بأنها ارتكبت إثمًا فادِحًا.
حاولت الإبتعاد الّا انّ يداهُ جذبتها اكثر لتسقُط على صدره فتلقّفها مهمهمًا بخشونة وشفتاه تلتهمان وجهها بشراهة، غير قادرٍ على الإبتعاد، الّا انهُ شعر فجأةً بدموعها مالحةً على فمه ففتح عينيه اخيرًا وشاهد اجمل ما قد ترى عيناه، تلاشت كُلّ آلامه وتبخّرت صورة غيد تمامًا لتعود اليه فلك، الصغيرة ذات الوجه المتوهّج تنظُر اليه بخوفٍ طفولي وتأثُّرًا غريزيًا بهجومه عليها، تأثُرًا هزّ اعماق قلبه فأحس بأنه اكثر رجال الأرض دناءة.
افلتها سريعًا لتبتعد عنه وانفاسها اللاهثة تختلطُ بشهقات بكاءٍ ساورها فجأةً وقلبها الذي يرفرفُ بين أضلُعها بات يؤلمها للغاية بضرباته القاسية، اخذت اناملها المُرتجفة تعدل من خصلات شعرها التي لم تُفلت من اجتياحه العنيف وشعرت بأنّهُ قد وصمها بشيءٍ لن يُنسى، ورغما عنها اجفلت ما ان وضع يده على يدها الّا انه امسك بها بقوّة وهمس صوتٍ خفيض:
- اعتذر، يبدوا ان مشاعري المجنونة اخافتكِ قليلا.
نظرت اليه بطرف عينها وقد بدأت تهدأ قليلًا الّا انّهُ اكمل بشرود:
- عليكي الإعتياد عليها، لأنني لم امنحها لإمرأةٍ سواكِ.
شعرت بغباء بكاءها وقد افسدت اوّل قُبلةٍ تحصُل عليها الّا انها احست بالراحة بعد حديثه وودّت لو ظلّت بأحضانه الى الأبد.
نظرت للخاتم الجميل وهمست اليه بتلعثُم:
- لم اشكُرك على الهديّة.
- اعجبكِ؟
تسائل بتوتُّرٍ لتهمس اليه بصدق:
- إنه جميل للغاية، واجمل لأنهُ منك.
شعر بغصّةٍ تتضخّم بحلقه فأومأ بصمت ونهض ليسحبها معه ويسيران على طول الشاطئ قبل ان يُعيدها لبيتها، ولأوّل مرّة تكون صامته طوال الطريق، فقد بدت مشوشة للغاية ويدركُ هو السبب، عندما اوصلها بجانب بيت بحر نظر الى وجهها وحمد الله انّ قبلاته كانت رقيقةً بالرغم من هيجان مشاعره فلم تترُك اثرا على شفتيها، الّا انها بدت اكثر جمالًا وكأنها حلوى نزع احدهم غلافها، لتظهر للعلن، حمراء شهيّة.
ابتعد بعد ان ودعها بقبلة على جبينها مُعتذرا وسامحته هي من دون تردد، فهي تُحبّه منذ طفولتهما وهو يستغلّ بخُبث هذا الحُب، ولكن بدلًا عن شعوره بالنشوى من تلك الأفعال الحقيرة يجد ان احتراق قلبه بات اكثر ألمًا وكأنه يمشي على جرحه بقدميه.
فلك ليس لها ذنب، قطعا... ولكنه يتألم بشدّة ولا يمكنه ترك المُسكّن الوحيد لأوجاعه.
.
.
عادت فلك الى البيت وصعدت الى غُرفتها مُباشرةً وحمدت الله ان لا احد انتبه لها، وعندما اندست بفراشها لتنام اشتعل قلبها بشدّة وصورة عزيز تعود لتطفو على جدار ذاكرتها لتدغدغ قلبها بمشاعر أُخرى غريبة، ولذيذة للغاية اخفت ذرّات الندم الذي بدأ بمساورتها واقنعت نفسها انه حبيبها، وهي على استعداد تام ان تمنحهُ كُلّ شيءٍ في سبيل بقائه برفقتها، ثم إنها متأكدة انه لن يتمادى معها مرّةً أُخرى وإن حاول ستمنعه بثبات.
عضّت على شفتيها ووجهها يحترق مدركة انها لن تستطيع منعه، ولا ترغب بأن تمنعه، لن تفعل بل ستستمتع بدروس الغرام التي يمنحها اياها، ستمتنع عن خجلها وتُحبّهُ بجُرأة، يكفي فقط ان يظلّ بقُربها، ان يخبرها انّهُ يُحبُّ وجهها ووجنتيها وفمها كما يفعل دائمًا..
تحشرجت انفاسها وقلبها يصارع بجنون تلك الأحاسيس الغريبة التي تتفجّر بداخلها كمفرقعاتٍ نارية منذُ قبلته المجنونه، إنها في هذه اللحظة على استعداد ان تمنحه روحها وجسدها طواعيةً في سبيل عيش لحظات الجنون التي ساورتها قبل ساعات.
رفعت يدها في ظلام الغُرفة وتحسست الخاتم الجميل بين يديها وحده يخبرها بأنها لا تحلم، هي بالفعل قابلته وقطف قلبها الغضّ من أوّل قُبلة.
تنهّدت بعُمق ونامت اخيرًا واحلامها الوردية لا يسكنها سواه، بهيئته الهمجية وبنطاله الجينز الباهت ونظراته الغامضة، سيظلّ وحده من يملك قلبها دون منازع.
لا تدري انه في ذات اللحظة التي تبتسمُ فيها ببلاهةٍ اثناء نومها يوشك هو قتل كُلّ ما يجمعها به، ينسى استسلامها المُخزي الذي كان ليتطور لأكثر من قُبلة لينهي سمعتها تماما، يحاولُ جاهدًا إبعاد صورة وجهها البريئ المتورّد بالرغبة عن ذاكرته، يسبحُ بمياه البحر الباردة علّها تُطفئُ نيران رغبته المُستعرة ولكن بلا فائدة، لقد كاد اليوم ان يخسر نفسه الى الأبد، كاد ان يفقد آخر ذرّات اخلاقه، لقد استغلّها بصورةٍ مُخزية، والآن يموت شوقا اليها، ليس بدافع الأنتقام بل بسبب جروحه التي تئنّ وجعًا والتي نثرت قبلاتها عليها بلسم راحة غريبة، وكم رغِب حينها بأن لا يبعدها عنه، ان يجعلها ترمم قلبه المعطوب الى ان تشفيه.
سقط على الشاطئ خائر القوى وهمس من بين لهاثه المحموم:
- لقد انتهت لعبتنا يا فلك، انتهت الى الأبد..
تسللت دموعًا حارّة الى وجهه وهمس بقلبٍ مكسور:
- سامحيني يا صغيرة، سامحيني يا اطهر نساء الأرض.
.
.
اسبوعين مرّا على تلك الليلة التي قتل فيها آخر ما تبقى بينما، اسبوعين وهو يجبرها عليه بأكثر الطُرقِ خزيًا، يهمسُ اليها بكُلّ كلمات الحُب، يخبرها انه سيرضيها، سيُزيل حُزنها وتبكِ هي بصمت وشعورًا مُهينًا رُسم عليها الى الأبد، تخاف إن خرجت من هذه الغُرفة ان يرى الناسُ ما بداخلها ان يروا هزيمتها وعُريّها، تخاف ان تلمح بناتها ما فعله والدهُنّ بها.
ها هي تنظُرُ الى نفسها في المِرآة المُلحقة بطاولة الزينة، ترى امرأةً أُخرى مهزومة، مُنكسرة، إمرأة مُغتصبة...
شهقت بعُنف تتجرّعُ مرارة تلك الكلمة القميئة، وانتحبت بإنكسار وهي تضمُّ وجهها بين كفيها وتهمس بداخلها بألم:
- لن انسى ما حدث، لن استطيع... لن استطيع
وتعالى صوت بكائها ليضع يده على اذنيه وهو يطالعها بملامح مُتجهّمة، لا زالت نظرته تحوي سوادًا غريبًا، وكأن قوي شريرة تتلبّس جسده، ينظر اليها بلا تعبير، غير قادرٍ حتى على التعاطُف معها، يشعُر بأنها تستحق هذا الألم، تستحق ان يقتلها لولا ان قلبه لا يقوى على ذلك، كيف لها ان تتبجّح وتطلب منه الطلاق ليتزوجها احدٌ غيره؟
- إنهضي، سنغادر..
قال كلماته المقتضبة لترفع اليه وجهها المُنتفخ من البكاء تطالعه بعينين ميتتين قبل ان تومئ بصمت، وقد فقدت صوتها تمامًا وهي تصرُخ بوجهه كُلّ ليلة رافضة لإخضاعه القسريّ العنيف، الّا ان صرخاتها تتوه في ظلام الليل ككُلّ ما تبقى من حياتهما.
نظرت الى الغرفة نظرة اخيرة ولم تهتم للثياب الجديدة التي كانت ترتديها في تلك الأيام، بل اوّل ما ستفعله ما ان تغادر هذا المكان هو ان تخلع هذا الثوب وتحرقه علها تشعُر بالراحة...
نظرت اليه وهو ينحني ليجمع قطع الثياب في كيس ويحمله متقدّمًا امامها، خمّنت بأنهما بأحد فنادق المدينة وتحديدًا بجناح فخم ذكّرها بزياتهما للمدينة قبل عام ونصف.. نظرت الى الصالة الفخمة وتذكّرتها على الفور، إنه ذات المكان الذي قضيا فيه عطلة رائعة وحدهما.. قبل ان تدخل غيد الى حياتهما،
سقطت دموعها وقد شوّه آخر ذكرياتهما الجميلة.
عندما خرجت الى البهو الذي يضُمّ بعض البشر وجدت انها تُخفي رأسها بخزي، تسير بسُرعة وخوف وقد اختنقت من هذا المكان.
وبدى الطريق الى منطقتهم بعيدًا طويلا بغير نهاية، ولكنها وصلت اخيرًا، بقدمين مُتثاقلتين صعدت الدرج حيث بيتها الذي اصرّ على ان تعود اليه، شعرت بأنها غير قادرة على الصعود ورأسها يدورُ بشدّة ورغمًا عنها لم تستطع مقاومة يداه اللتان حملتاها الى باب الشقّة.
ونظرت الى وجهه وهو ينزلها لتستند الى الحائط قبل ان يفتح الباب ويحملها مُجددًا وقد فقدت قدرتها على الحركة تمامًا وقد تراخت اعصابها بخمولٍ شديد، ولم ترغب بشيءٍ في تلك اللحظة سوى ان تنفرد بنفسها وتستريح من رؤية وجهه.
وقد لبّى رغبتها هامسًا بنبرته القاسية:
- استريحي، انا سأُغادر الآن وسأُعيد البنات اليكِ مساءً.
غادر وهمست في إثره ودمعها تتساقط من جديد:
- لا ارغب برؤية احد، لا اريد ايّ احد فقط اتركوني .. ليتني متُّ وارحت الجميع.
ظلّت تبكي الى ان غفت بعد ساعات واحلامًا سوداء تلفّ خيالها المُتعب تأبى جعلها تنعم بالراحة، وقد ايقنت انها لن تنسى.. ولو بعد مئة عام لن تنسى نظرته وهو ينتهكها بلا رحمة.
.
.
-انتبهي لخطواتك
همسٌ يأتيها من بعيد، تنظُرُ الى موضع قدميها لتجد انها تسيرُ على طريق الشوك، تلسعها وخذاته المؤلمة، تغوصُ في لحم قدميها فتدميهما، تنظُرُ حولها بضياع، وهناك على البُعد تلمحُ صورة اختها الحبيبة نوال، بعيناها الجميلتين وابتسامتها المُشرقة، تتقدم نحوها فتزول الأشواك، ويختفي الألم.
- ميرال الصغيرة.
يترددُ صوتها مُحمّلًا بذكرياتٍ بطعم السُكّر، تبتسمُ فجأة وتنظر لثيابها، إنها ترتدي ثوبًا ابيضًا، وتحمِلُ لفافة جميلة كالتي يوضع فيها الأطفال.
تغزوا رائحته المكان بشدّة، ويظهر بجانبها على حين غرّة كفارسٍ مغوار، ضخم، بشعرٍ طويل، تمتدّ ذراعاهُ القويّتان لتحملان اللفافة الملوّنة، ونوال تنظر اليهما مبتسمةً بإمتنان، يقربها منها فتلمح وجهًا ملائكيًا صغيرًا بعينان تشبهان عينيها، خضراء كقلوب المُحبّين وعندما تعود بنظراتها لأُختها الحبيبة تجدها تتراجع ولا زالت تنظر اليهم، تبتعد... تتلاشى ... تزول كأن لم تكُن.
ويأتي فجأةً صوتًا آخر، ذو نبرةٍ قذرة، يهمسُ بإسمها بوعيد:
- ميرال.. ميرال الصغيرة...
تصارعه ببسالة، تحاول جاهدةً الفرار من قيوده ولكنها لا تستطيع، إنه هنا.. يقترب اكثر فأكثر وتفوح منه رائحة الرغبات المُحرّمة، يقترب ولكنها مقيدة... يقترب وينتهي كُلّ شيء...
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
فصل جديد.
اتمنى ان ينال اعجابكم....
مع حبي
فايا ❤❤❤