الفصلالثالثعشر
همسته الغريبة جائت امام وجهها كبركانٍ من النار وانامله التي رفعت ذقنها لتواجه نظراته احرقتها بلهيبٍ مجنون.
بهذا الثوب الذي خُلق خصيصًا ليحتضن جسدها الغضّ، بذلك الشعر الذي يشبهُ شمسًا على وشك الغروب، بهذا الوجه الشاحب النقيّ كغيمة تبدوا ميرال بعينيه اجمل نساء الدُنيا.
- معك حق سيّدي، هذا الثوب صُنع خصيصًا ليلائم جمال الآنسة.
قطعت فتاة المتجر تأمله للوردة الواقفة امامه ليهمس بخفوت اجش:
- سنأخذه، هيا انتقي بعض الثياب الأُخرى غزالتي.
فغرت فمها ببلاهةٍ وهي تسمعُ صوته الذي يزلزل اقصى عمقٍ بقلبها الّا انها تمالكت نفسها وهمست برفض:
- لا اريده، ليس معي نقود لأشتري شيئًا كهذا.
همس بغضب:
- هل للنساء كلمة امام الرجال؟! هيا ابتاعي ما يعجبكِ ولا تتحذلقي، فالسعر مدفوع مُسبقًا.
رفضت تماما اخذ اي شيءٍ، إنها عنيدة كالبِغال.. اضطر هو ان يختار لها تشكيلةً من التنانير والكنزات الناعمة وبعض البجامات الطفولية، بكُلّ ضميرٍ اخذ يتجوّل براحة في المتجر النسائي يتخيلها بكُلّ قطعةٍ يختارها كطفلٍ ينتقي لعبته المُفضلة.
اتسعت عينا ميرال وهي تراقبه يدلف لمحل الثياب النسائية الخاصّة، ركضت خلفه لتحاول سحبه هامسة بغضب:
- هل جُننت يا بحر، اخرج من هنا ارجوك..
لم يهتم لحديثها وهو ينظر للمنامات الحريرية المُثيرة وعاد ليحدجها بنظرة تقييمية طويلة لتصرخ ودموع الخجل تتساقطُ على وجنتيها:
- توقّف عن النظر اليّ، انت عديم الحياء.
ركضت للخارج ليتبعها ضاحكًا بإنتعاش، ولا يرغب بشيءٍ سوى ان يقبض عليها ويريها معنى نظراته.
كانت تبكِ وتنظُرُ حولها بتشوّش ولا تعرف اي طريق ستسلُك بينما سارع بحر بدفع الحساب واتجه للخارج.
وجدها تجلس على الرصيف وتمسح دموعها بكفيها فإبتسم بمكر، وضع الأكياس الكثيرة على المقعد الخلفي للسيارة واتجه نحوها ليقول بعطف:
- هيا يا ميرال، سأوصلكِ الى المنزل فقط، ولن اتحدّث معكِ مُطلقًا.
نظرت اليه بعينان شرستين ليقول كاذبًا:
- لن انظُر اليكِ بأي طريقة.
رمقته بشكّ لتتحول ملامحه لحملٍ وديعٍ وهو يخفضُ نظراته عنها بصعوبة لتتجه للسيارة وتركب بصمت.
وبعد فترةٍ قصيرة كانت هي من تكلم فقالت له:
- انا اعتذر يا سيد بحر، لن استطيع اخذ هذه الثياب.
لم يرد عليها بل حدجها بنظرةٍ حانقة لتهمس بتلعثُم وحروفها تتجمع بصعوبة:
- من الأفضل ان تظلّ بعيدًا عني، صدقني السيدة ليلى ستطردني من العمل إن شكت ولو للحظة انك...
صمتت غير قادرة على الكلام ليرفع حاجبه هامسًا بتساؤل:
- انني ماذا؟!
فركت اصابعها بتوتُر الى ان شعرت بأنه يوقف السيارة على طريقٍ جانبي، نظر اليها واكمل بصراحة:
- انني مُعجبٌ بكِ؟!
طرقت الكلمة جدران قلبها الخاوي منذُ زمنٍ طويلٍ لتُحدث ضجّةٍ مُربكة، ولم تعُد تدري كيف حدث كُلّ هذا، كيف انتهى يومًا عاديًّا خرجت فيه من المنزل لتُبعد ذكراه التي تأبى مُبارحتها لينتهي بها المطافُ امامه يعترف لها ببساطة بشعوره نحوها.
نظرت اليه وقلبها لا زال يتخبّطُ بلا وجهةٍ ليُضيف هو بذات الهدوء:
- انا بالفعل مُعجبٌ بكِ للغاية، وبالفترة الأخيرة تعدى الأمرُ مُجرد إعجاب من النظرة الأولى.
تلوّنت وجنتاها بحرجٍ وهمست بخفوت:
- النظرة الأولى.
لم يستطع كتم ضحكٍ خفيضةٍ هربت من بين شفتيه وهو يتذكّرُ النظرة الأولى، لقد كانت مشوشة لأن هذه الفاتنة التي تجلس بجواره الآن نثرت الرمل على عينيه، وكأنما نثرت معه سِحرًا اسودًّا ليس لهُ حل.
- لقد لمحتُ بهاتان العينان شيئًا من الحُزن والألم الذي حرّك بداخلي نوازِعًا من الحمائية الغريبة، شعرت انني مسؤولٌ عنكِ دون ان ابحث عن السبب، بالرغم من كذبكِ المتواصل وإخفائكِ الدائم لنفسكِ تحت هالةٍ من الصمت الّا انك وبطريقة لم تعرفيها استطعت التأثير عليّ.
ظلّت تطالعه ببلاهة وكأنه يتحدث بلُغةٍ أُخرى، إن عقلها لا يستوعب ايّ شيء، ما الذي يهذي به؟!
وضعت يداها حول قلبها بحركتها الأثيرة التي باتت تسلب روحه وراحته، إنها مُتعبة... لا تستطيع تحمُّل المزيد من الكلام، الّا انه مُصِر، يجب ان يبوح لها بكُلّ شيء ربما يكون حديثه سببًا لتفتح قلبها وتبوح بأسرارها.
- ميرال، انا ارغبُ بأن اتزوّجكِ، لن اتحمّل رؤيتكِ بعد اليوم وانتِ بعيدةٌ عني.
شعرت بدوارٍ عنيف، إنه يعترف بكُلّ شيء، ويرغب بأن يتزوجها، يا الله كيف لأقصى احلامها ان تتحقق بهذه السهولة، لقد كانت هذه اللحظات الثمينة حلما بعيد المنال ولكنها الآن باتت اكثر لحظات حياتها إيلامًا فكيف لها ان تعترف له بماضيها المُخزي؟ كيف تخبره بأنها قاتلة، نعم، لقد قتلت روحًا ولكنها ليست نادمة بالرغم من انها لم تكُن تريد قتله، ارادت فقط ان تُبعده عن أُختها المسكينة التي لم تستطع مقاومة هجوم رجُلٍ متوحّش.
ارادت ان تثأر لروحها المُنتهكة غير راغبة بأن يحوي العالمُ نُسخةً منها، يا الله! هل اخطأت عندما قتلته؟! طالما سألت نفسها هذا السؤال طوال الأعوام التي قضتها في السجن عقوبةً علي هذه الفعلة الّا انها في كُلّ مرّة تُجيب على نفسها:
- لستِ مُخطئة يا ميرال، لست مُخطئة، فقد كان يستحق ما هو اسوأ.
- لا تبكِ، ارجوك..
شعرت بقُربه... بعناقه الحنون يهدهد اوجاعها ولا زالت تهمِسُ بهذيان:
- لستُ مُخطئة.
ضمّها بين ذراعيه والكثير من الأسئلة تدور بداخله، ورغبته بمعرفة كُلّ شيءٍ باتت محفوفةً بالمخاوف، ماذا إن كانت تُخبئ ما يجعله يكرهها؟! هل سيأتي يومٌ ويستطيع نبذها من حياته؟! تسائل بخوف ولكن الإجابة لا يملكها احدٌ سواها، فالحقائق كُلّها مُغلقةٌ في قلبها.
عندما وصلا الى البيت كانت ميرال قد هدأت قليلًا ولكن قلبها لا زال يؤلمها، وخوفها يتعاظم من نظرة بحر الصارمة وقد ابدى رغبته بها دون حتى ان يسمح لها بالإعتراض.
هو شاب بعُمر السادسة والعشرون، غني، وسيم ومن عائلة معروفة ما الذي جذبه اليها وهي بهذا الهيئة البائسة، إنها بالكاد تعترف بأنوثتها الخجولة، بحياتها لم تشعُر بأنها محطّ إعجاب لأي احد، حتى قبل سجنها.. بحياتها القديمة لم يكُن تفكيرها ينصبُّ في جانب الحُبّ والغرام بل كانت تعيشُ بعالمٍ مُحاطٍ بالقلق... اقصى امانيها ان تستطيع الإستغلال بنفسها لتهرُب من سُلطة زوج والدتها الحقير.
لقد كان رجُلًا كريهًا يحمِلُ صفاتًا لا تُطاق الّا انّهُ مُمثل بارع، استطاع ان يجذب والدتهما ليحصُل على كُل اموالهما التي ورثاها عن ابويهما حتى البيت الذي تم تسجيله بإسم والدتهما حوله لنفسه، وعندما كبرت الصغيرات وتحولن لفتيات راشدات لم يستطع مقاومة نزعاته الحيوانية فبدأ بالتحرُّش بنوال، وبالرغم من تكتُمها على الأمر الّا انّ ميرال لاحظت ذلك الخوف الساكن بعيني أُختها وبدأت تشعُر بذات الخوف عندما تسمع همهمات أُختها في عُمق الظلام.
كان ذلك الرجُل البشع يحاولُ مرارًا وتكرارًا تلويث طفولتهما، الى ان هربتا منه وظلّت كلاهما بمدرسة داخلية ولكن عقب تخرجها من الثانوية اضطرت نوال للعودة الى بيتها برفقة والدتها وذلك الحقير، وابتدت رحلة عذابها التي ولحُسن حظها لم تدُم طويلًا إذ انها تعرفت على حبيب عمرها الذي تزوجها بفترة قصيرة وغادرت ونظرات زوج والدتها الحقير تشيعها بأسف، فقد غادرت فاتنته التي طالما تمنى ان يحصل عليها وانتهى الأمرُ ببعض الذكريات المُرة دون خسائر ملموسة.
- ميرال!
صوته انتشلها من ذكرياتٍ بعيدة، رمشت تستعيد انتباهها لتتفاجأ بنظرة الحنان التي تفيضُ من عينيه نحوها، حنانًا لم تعرفه بحياتها، فقد كانت وحيدة دائما، خاصة بعد زواج نوال التي انغمست في سعادتها ونست تمامًا ان اختها الصغيرة تحتاجها.
اغرورقت عيناها بالدموع الّا انها طرفت برمشيها تغلقهما حول دموعها، لا ترغب بأي ذكرى، فقد انتهى كل شيء.
- هيا بنا.
نظرت اليه مرّة أُخرى وهو يخرج من السيارة ويفتح لها الباب لتجد نفسها امام بيت سيدتها، تشعر بالخوف بل اكثر ما قد يؤلمها هو نظرة فلك وليلى، بالتأكيد سيظنا انها ليست سوى امرأة خبيثة التفّت حول الشاب الغني وخطفت قلبه ليتزوجها.
"هل حقًّا خطفت قلبه؟!"
تسائلت تعضُّ شفتيها وشعورًا غريبًا يتسللُ الى قلبها، تراقبه يخرج الاكياس من المقعد الخلفي ويقف امامها، بذلته الأنيقة بقميصٍ ابيض ناصع مفتوح الأزرار العلوية، شعره المتمرد الطفولي، عيناه الماكرة المُختبئة بنظارات شمسية انيقة، هل حقًّا استطاعت ان تمتلك قلب هذا الرجُل؟!
اخفضت نظراتها عنه وهمست بإرتباك:
- ارجوك لا تصعد معي الى الأعلى، لا استطيع مواجهة السيدة ليلى.
- هيا امامي ولا تقلقي.
قالها بصرامه ولم يعُد بإمكانه الإنتظار اكثر من ذلك، ولن يسمح لأي احد ان يعترض على الأمر ، فهو اعلم الناس بأمر قلبه ... ذلك القلب الذي لن يهدأ ما لم يحصُل على غزالته الصغيرة.
سارت بجانبه وقلبها يقرعُ بعُنف، إنها تحملُ مشاعرًا لا يمكن نكرانها لهذا الرجُل ولكنها ليست غبيّة لتحلُم بأنه سيسامحها او يتقبلها عقب معرفة حقيقتها، وحتى اذا فعل فالمُجتمع لن يرحمه، لا يمنكها تعريضه لهذا الأمر، يجب ان تغادر سريعًا من هنا، ستبتعد عن هذا المكان الأبد.
فتحت ليلى الباب وهمست بتوبيخ:
- لما كُلّ هذا التأخير يا...
ابتلعت بقية جُملتها وهي ترى بحر خلف ميرال التي حاولت الحديث الّا ان بحر همس لها بهدوء وهو يمدُّ اليها اكياس الثياب:
- ادلفي لغرفتكِ يا ميرال، انا سأتحدث مع ليلى قليلًا.
نظرت اليه تترجاه بدموعًا صامته الّا انه قال برقّة:
- لا تقلقي.
جرّت قدميها بضعف الى غرفتها وجلست على سريرها بتعب، نظرت حولها بملامح مُنهكة الى الحوائط الوردية اللطيفة، مررت كفيها على الفراش القطني الناعم، لقد اعتادت عليه، بوقت قصير غدت هذه الغرفة بيتها الخاص، بالرغم من مساحتها الصغيرة الّا انها تسعُ احلامها البسيطة وتطلُعاتها التي لا ترقى لأكثر من سقفٍ يأويها، بأربعة اشهُر نسى جسدها رطوبة الشوارع القذرة واعتادت معدتها على الشعور بالشبع، حتى ملامحها المُتعبة اكتست بالرحة النابعة من اعماق قلبها بالرغم تعبها من اعمالها الكثيرة، كيف ستستطيع ترك هذا المكان وتعود للشوارع من جديد؟!
تسائلت بقلبٍ نازفٍ وعادت دموعها لتنسكب ببُطء وقلبها يهمس بألم:
- إنها ضريبة الحُب، ضريبة الأحلام الوردية...
بالخارج كانت ليلى تقِفُ مُتحفّزة وقد اشتعلت عيناها بلهيبٍ غاضب، اخيها الوحيد يخبرها بكُلّ بساطه انه سيتزوج من خادمة، خادمة تعملُ لديها هي... صدقًا إن لم يقضي عليها آدم بزيجته المخزية سيفعل بحر بأقرب وقت.
- انتَ تريد ان تصيبني بجلطة أليس كذلك؟!
قالتها وهي تثبُ نحوه تُمسك بكتفيه بعنف بينما طالعها هو بسكونٍ شديد وهمس ببرود:
- توقفي عن هذه العصبية يا ليلى، صحتك لم تعُد حمل هذا الجنون، إهدأي.
برقت عيناها بوميضٍ خطيرٍ وامسكت بتلابيب قميصه صارخةً بعُنف:
- صحتي؟! اتراني امامك عجوزًا تتوكأ عصاها؟! لا دخل لك بصحتي دعنا الآن في مُصيبتك يا ابن مُهجة.
زفر بضيق وهي تبتعد عنه وتجلس على الأريكة وتضيف آمرة مشيرةً للمساحة بجانبها:
- تعال هنا يا ولد.
جلس متذمّرًا ليهمس لها بحدّة:
- ما الأمر يا ليلى، انا اريد الفتاة.. سأتزوجها وينتهي الأمر، لستُ طفلًا لتشعري بكُلّ هذا الهلع.
إنه يشبهها تمامًا، حتى في غضبه، يصبحُ شُعلةً من نار، ولكن رغمًا عنها ستحاول إثنائه عن الأمر، لن تسمح لأخيها الوحيد بأن يتزوج بهذه المرأة التي لا تعرف لها اصلًا ولا عائلة.
- لا يمكنك ان تتزوج بموافقة قلبك فحسب، اين عقلك يا بحر، لم اعهدك بهذا الإندفاع.
قالتها بهدوء تحاولُ امتصاص غضبه ليجيبها بصدق:
- اعلمُ ان الأمر غريب وقد كنتُ متوقعًا لردة فعلكِ فهي شبيهة بردة فعل ابي عندما اخبرته بالأمر الّا ان هنالك اشياء لا تعرفينها عن ميرال، بغض النظر عما بقلبي نحوها هي يجب ان تكون ببيتي، وبأسرع وقت.
- بالله عليك يا بحر، توقف عن هذه التصرُّفات، انا سأختار لك اجمل فتاةً بالمنطقة، سأزوجك فتاةً ذات حسبٍ ونسب تليقُ بحمل اسم عائلتنا، ولكن هذه الخادمة من المُستحيل ان تظلّ للحظة واحدة ببيتي، انا يجبُ ان اطردها في الحال.
انهت حديثها وهي تتوجه نحو غرفة ميرال بخطواتٍ شبه راكضة والغضب يعمي بصيرتها، صحيح انها لم ترى من ميرال اي تصرُّفٍ غير لائقٍ طوال فترة عملها التي قاربت الخمسة اشهُر الّا انها لن تسمح لها بأن تستميل اخيها ابدًا، هو مجرد شاب مندفع اعجبته امرأة مختلفة لا تشبه من حوله من النساء الّا انها خادمة وارملة ايضا وتفوقه عمرًا، اي ان كُلّ السُبُلِ لإنجاح هذه العلاقة مُغلقة.
شهقت ميرال بفزع عندما وجدت ليلى تدلف لغرفتها وتصرخ بغضب:
- احزمي اغراضكِ واخرجي من منزلي على الفور، هذا جزاء من يفعل الخير في هذا الزمن، تريدين استغفالي واللعب على اخي لتصبحي ذات مكانة؟! والله لن اسمح لكِ بذلك.
كانت تقول كلماتها وهي تمسك بذاعي ميرال تهزّها بعُنفٍ الى ان شعرت ميرال بأن ذراعيها ستحملان علامةً زرقاء من قوّتها، فليلى تمتلك قوة بدنية لا يمكن اغفالها وها هي ميرال ترتجُّ امامها كجُرذٍ صغير.
- توقّفي يا ليلى، لن اسمح لكِ بأن تتحدثي معها بهذه الطريقة.
في تلك الأثناء كانت فلك قد استيقظت من قيلولتها ليتناهى الى مسمعها اصواتًا عالية صادرة من غرفة ميرال وعندما دلفت اليها بقلق وجدت بحر يُمسكُ بكتفيها بتملُّك ويهتف بحدّة:
- سآخذها من هنا، لن اجعلها تتعرض لأي اذى منكِ.
نظرت حولها بتشوش وقد زالت علامات نومها تمامًا لتتفاجأ بوالدتها تقترب من بحر وتصرخ بوحشية:
- ستكون حينها قد هدمت آخر ما بيننا، لن تكون أخي يا بحرُ إن تزوجتها.
وقف كلاهما ينظرُ الى الآخر، اخوان ليس لهما في الدُنيا سوى بعضهما، يتشابهان بشدّة في كُلّ شيء ويتناطحان الآن كثورين هائجين، لم تكُن ليلى لتسمح لأخيها الوحيد بأن يبتعد عنها ولن تُجازف ابدًا به ولثقتها العميقة بحُبه لها نطقت تلك الكلمات، هي تعلمُ بأنها لن تهون عليه، ولا يمكنه استبدالها... لديه اخت وحيدة لن يخسرها.. الا انه صدمها عندما قال بوجه مُتصلّب بالرغم من الألم الكامن بنظراته:
- آسف يا اختي.
التفت خلفه الى تلك الصغيرة التي تختبئُ خلفه بوجه احمرٍ باكٍ، يعلمُ تماما ما تشعُر به ومتأكدٌ بأن طريقه معها سيكون محفوفًا بالشوك الّا انه يريد ذلك، يريدها بحياته بأي ثمن.
- هيا بنا، سنذهب الى بيتنا.
نظرت اليه من بين غمام الدمع فوجدته يطالعها بإبتسامةٍ صغيرةٍ واضاف وكأنه يؤكد على تساؤلها التي لم تُفصِح به:
- نعم الى بيتنا.
متى آخر مرّة كان لديها بيت؟! منذ طفولتها المشوشة التي يترآى بين ضبابها وجه ابيها الحنون، منذ وفاته وهي في غربة دائمة، ولكن الآن وهي تطالع وجه الحبيب ايقنت انها وجدت بيتها اخيرًا، فعيناه بيتها، وهذه النظرة ستُحفر بذاكرتها الى الأبد لتُسليّ غربة ايامها القادمة...
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
فصل جديد وسر آخر انكشف... ميرال قاتلة ولكن الأحداث ستتضح في الفصول القادمة.
فلك وعزيز لا زالا بين مد وجزر الى ان يقرر آدم قراره..
ليلى المقاتلة الشرسة ستحافظ على عائلتها باي ثمن..
وبحر يحصد عواقب قراره المتهور.
الكثير سيحدث بالفصول القادمة
وربما سيكون هنالك فصل بمنتصف الأسبوع على حسب التفاعل.
مع حبي ❤❤❤
فايا
بهذا الثوب الذي خُلق خصيصًا ليحتضن جسدها الغضّ، بذلك الشعر الذي يشبهُ شمسًا على وشك الغروب، بهذا الوجه الشاحب النقيّ كغيمة تبدوا ميرال بعينيه اجمل نساء الدُنيا.
- معك حق سيّدي، هذا الثوب صُنع خصيصًا ليلائم جمال الآنسة.
قطعت فتاة المتجر تأمله للوردة الواقفة امامه ليهمس بخفوت اجش:
- سنأخذه، هيا انتقي بعض الثياب الأُخرى غزالتي.
فغرت فمها ببلاهةٍ وهي تسمعُ صوته الذي يزلزل اقصى عمقٍ بقلبها الّا انها تمالكت نفسها وهمست برفض:
- لا اريده، ليس معي نقود لأشتري شيئًا كهذا.
همس بغضب:
- هل للنساء كلمة امام الرجال؟! هيا ابتاعي ما يعجبكِ ولا تتحذلقي، فالسعر مدفوع مُسبقًا.
رفضت تماما اخذ اي شيءٍ، إنها عنيدة كالبِغال.. اضطر هو ان يختار لها تشكيلةً من التنانير والكنزات الناعمة وبعض البجامات الطفولية، بكُلّ ضميرٍ اخذ يتجوّل براحة في المتجر النسائي يتخيلها بكُلّ قطعةٍ يختارها كطفلٍ ينتقي لعبته المُفضلة.
اتسعت عينا ميرال وهي تراقبه يدلف لمحل الثياب النسائية الخاصّة، ركضت خلفه لتحاول سحبه هامسة بغضب:
- هل جُننت يا بحر، اخرج من هنا ارجوك..
لم يهتم لحديثها وهو ينظر للمنامات الحريرية المُثيرة وعاد ليحدجها بنظرة تقييمية طويلة لتصرخ ودموع الخجل تتساقطُ على وجنتيها:
- توقّف عن النظر اليّ، انت عديم الحياء.
ركضت للخارج ليتبعها ضاحكًا بإنتعاش، ولا يرغب بشيءٍ سوى ان يقبض عليها ويريها معنى نظراته.
كانت تبكِ وتنظُرُ حولها بتشوّش ولا تعرف اي طريق ستسلُك بينما سارع بحر بدفع الحساب واتجه للخارج.
وجدها تجلس على الرصيف وتمسح دموعها بكفيها فإبتسم بمكر، وضع الأكياس الكثيرة على المقعد الخلفي للسيارة واتجه نحوها ليقول بعطف:
- هيا يا ميرال، سأوصلكِ الى المنزل فقط، ولن اتحدّث معكِ مُطلقًا.
نظرت اليه بعينان شرستين ليقول كاذبًا:
- لن انظُر اليكِ بأي طريقة.
رمقته بشكّ لتتحول ملامحه لحملٍ وديعٍ وهو يخفضُ نظراته عنها بصعوبة لتتجه للسيارة وتركب بصمت.
وبعد فترةٍ قصيرة كانت هي من تكلم فقالت له:
- انا اعتذر يا سيد بحر، لن استطيع اخذ هذه الثياب.
لم يرد عليها بل حدجها بنظرةٍ حانقة لتهمس بتلعثُم وحروفها تتجمع بصعوبة:
- من الأفضل ان تظلّ بعيدًا عني، صدقني السيدة ليلى ستطردني من العمل إن شكت ولو للحظة انك...
صمتت غير قادرة على الكلام ليرفع حاجبه هامسًا بتساؤل:
- انني ماذا؟!
فركت اصابعها بتوتُر الى ان شعرت بأنه يوقف السيارة على طريقٍ جانبي، نظر اليها واكمل بصراحة:
- انني مُعجبٌ بكِ؟!
طرقت الكلمة جدران قلبها الخاوي منذُ زمنٍ طويلٍ لتُحدث ضجّةٍ مُربكة، ولم تعُد تدري كيف حدث كُلّ هذا، كيف انتهى يومًا عاديًّا خرجت فيه من المنزل لتُبعد ذكراه التي تأبى مُبارحتها لينتهي بها المطافُ امامه يعترف لها ببساطة بشعوره نحوها.
نظرت اليه وقلبها لا زال يتخبّطُ بلا وجهةٍ ليُضيف هو بذات الهدوء:
- انا بالفعل مُعجبٌ بكِ للغاية، وبالفترة الأخيرة تعدى الأمرُ مُجرد إعجاب من النظرة الأولى.
تلوّنت وجنتاها بحرجٍ وهمست بخفوت:
- النظرة الأولى.
لم يستطع كتم ضحكٍ خفيضةٍ هربت من بين شفتيه وهو يتذكّرُ النظرة الأولى، لقد كانت مشوشة لأن هذه الفاتنة التي تجلس بجواره الآن نثرت الرمل على عينيه، وكأنما نثرت معه سِحرًا اسودًّا ليس لهُ حل.
- لقد لمحتُ بهاتان العينان شيئًا من الحُزن والألم الذي حرّك بداخلي نوازِعًا من الحمائية الغريبة، شعرت انني مسؤولٌ عنكِ دون ان ابحث عن السبب، بالرغم من كذبكِ المتواصل وإخفائكِ الدائم لنفسكِ تحت هالةٍ من الصمت الّا انك وبطريقة لم تعرفيها استطعت التأثير عليّ.
ظلّت تطالعه ببلاهة وكأنه يتحدث بلُغةٍ أُخرى، إن عقلها لا يستوعب ايّ شيء، ما الذي يهذي به؟!
وضعت يداها حول قلبها بحركتها الأثيرة التي باتت تسلب روحه وراحته، إنها مُتعبة... لا تستطيع تحمُّل المزيد من الكلام، الّا انه مُصِر، يجب ان يبوح لها بكُلّ شيء ربما يكون حديثه سببًا لتفتح قلبها وتبوح بأسرارها.
- ميرال، انا ارغبُ بأن اتزوّجكِ، لن اتحمّل رؤيتكِ بعد اليوم وانتِ بعيدةٌ عني.
شعرت بدوارٍ عنيف، إنه يعترف بكُلّ شيء، ويرغب بأن يتزوجها، يا الله كيف لأقصى احلامها ان تتحقق بهذه السهولة، لقد كانت هذه اللحظات الثمينة حلما بعيد المنال ولكنها الآن باتت اكثر لحظات حياتها إيلامًا فكيف لها ان تعترف له بماضيها المُخزي؟ كيف تخبره بأنها قاتلة، نعم، لقد قتلت روحًا ولكنها ليست نادمة بالرغم من انها لم تكُن تريد قتله، ارادت فقط ان تُبعده عن أُختها المسكينة التي لم تستطع مقاومة هجوم رجُلٍ متوحّش.
ارادت ان تثأر لروحها المُنتهكة غير راغبة بأن يحوي العالمُ نُسخةً منها، يا الله! هل اخطأت عندما قتلته؟! طالما سألت نفسها هذا السؤال طوال الأعوام التي قضتها في السجن عقوبةً علي هذه الفعلة الّا انها في كُلّ مرّة تُجيب على نفسها:
- لستِ مُخطئة يا ميرال، لست مُخطئة، فقد كان يستحق ما هو اسوأ.
- لا تبكِ، ارجوك..
شعرت بقُربه... بعناقه الحنون يهدهد اوجاعها ولا زالت تهمِسُ بهذيان:
- لستُ مُخطئة.
ضمّها بين ذراعيه والكثير من الأسئلة تدور بداخله، ورغبته بمعرفة كُلّ شيءٍ باتت محفوفةً بالمخاوف، ماذا إن كانت تُخبئ ما يجعله يكرهها؟! هل سيأتي يومٌ ويستطيع نبذها من حياته؟! تسائل بخوف ولكن الإجابة لا يملكها احدٌ سواها، فالحقائق كُلّها مُغلقةٌ في قلبها.
عندما وصلا الى البيت كانت ميرال قد هدأت قليلًا ولكن قلبها لا زال يؤلمها، وخوفها يتعاظم من نظرة بحر الصارمة وقد ابدى رغبته بها دون حتى ان يسمح لها بالإعتراض.
هو شاب بعُمر السادسة والعشرون، غني، وسيم ومن عائلة معروفة ما الذي جذبه اليها وهي بهذا الهيئة البائسة، إنها بالكاد تعترف بأنوثتها الخجولة، بحياتها لم تشعُر بأنها محطّ إعجاب لأي احد، حتى قبل سجنها.. بحياتها القديمة لم يكُن تفكيرها ينصبُّ في جانب الحُبّ والغرام بل كانت تعيشُ بعالمٍ مُحاطٍ بالقلق... اقصى امانيها ان تستطيع الإستغلال بنفسها لتهرُب من سُلطة زوج والدتها الحقير.
لقد كان رجُلًا كريهًا يحمِلُ صفاتًا لا تُطاق الّا انّهُ مُمثل بارع، استطاع ان يجذب والدتهما ليحصُل على كُل اموالهما التي ورثاها عن ابويهما حتى البيت الذي تم تسجيله بإسم والدتهما حوله لنفسه، وعندما كبرت الصغيرات وتحولن لفتيات راشدات لم يستطع مقاومة نزعاته الحيوانية فبدأ بالتحرُّش بنوال، وبالرغم من تكتُمها على الأمر الّا انّ ميرال لاحظت ذلك الخوف الساكن بعيني أُختها وبدأت تشعُر بذات الخوف عندما تسمع همهمات أُختها في عُمق الظلام.
كان ذلك الرجُل البشع يحاولُ مرارًا وتكرارًا تلويث طفولتهما، الى ان هربتا منه وظلّت كلاهما بمدرسة داخلية ولكن عقب تخرجها من الثانوية اضطرت نوال للعودة الى بيتها برفقة والدتها وذلك الحقير، وابتدت رحلة عذابها التي ولحُسن حظها لم تدُم طويلًا إذ انها تعرفت على حبيب عمرها الذي تزوجها بفترة قصيرة وغادرت ونظرات زوج والدتها الحقير تشيعها بأسف، فقد غادرت فاتنته التي طالما تمنى ان يحصل عليها وانتهى الأمرُ ببعض الذكريات المُرة دون خسائر ملموسة.
- ميرال!
صوته انتشلها من ذكرياتٍ بعيدة، رمشت تستعيد انتباهها لتتفاجأ بنظرة الحنان التي تفيضُ من عينيه نحوها، حنانًا لم تعرفه بحياتها، فقد كانت وحيدة دائما، خاصة بعد زواج نوال التي انغمست في سعادتها ونست تمامًا ان اختها الصغيرة تحتاجها.
اغرورقت عيناها بالدموع الّا انها طرفت برمشيها تغلقهما حول دموعها، لا ترغب بأي ذكرى، فقد انتهى كل شيء.
- هيا بنا.
نظرت اليه مرّة أُخرى وهو يخرج من السيارة ويفتح لها الباب لتجد نفسها امام بيت سيدتها، تشعر بالخوف بل اكثر ما قد يؤلمها هو نظرة فلك وليلى، بالتأكيد سيظنا انها ليست سوى امرأة خبيثة التفّت حول الشاب الغني وخطفت قلبه ليتزوجها.
"هل حقًّا خطفت قلبه؟!"
تسائلت تعضُّ شفتيها وشعورًا غريبًا يتسللُ الى قلبها، تراقبه يخرج الاكياس من المقعد الخلفي ويقف امامها، بذلته الأنيقة بقميصٍ ابيض ناصع مفتوح الأزرار العلوية، شعره المتمرد الطفولي، عيناه الماكرة المُختبئة بنظارات شمسية انيقة، هل حقًّا استطاعت ان تمتلك قلب هذا الرجُل؟!
اخفضت نظراتها عنه وهمست بإرتباك:
- ارجوك لا تصعد معي الى الأعلى، لا استطيع مواجهة السيدة ليلى.
- هيا امامي ولا تقلقي.
قالها بصرامه ولم يعُد بإمكانه الإنتظار اكثر من ذلك، ولن يسمح لأي احد ان يعترض على الأمر ، فهو اعلم الناس بأمر قلبه ... ذلك القلب الذي لن يهدأ ما لم يحصُل على غزالته الصغيرة.
سارت بجانبه وقلبها يقرعُ بعُنف، إنها تحملُ مشاعرًا لا يمكن نكرانها لهذا الرجُل ولكنها ليست غبيّة لتحلُم بأنه سيسامحها او يتقبلها عقب معرفة حقيقتها، وحتى اذا فعل فالمُجتمع لن يرحمه، لا يمنكها تعريضه لهذا الأمر، يجب ان تغادر سريعًا من هنا، ستبتعد عن هذا المكان الأبد.
فتحت ليلى الباب وهمست بتوبيخ:
- لما كُلّ هذا التأخير يا...
ابتلعت بقية جُملتها وهي ترى بحر خلف ميرال التي حاولت الحديث الّا ان بحر همس لها بهدوء وهو يمدُّ اليها اكياس الثياب:
- ادلفي لغرفتكِ يا ميرال، انا سأتحدث مع ليلى قليلًا.
نظرت اليه تترجاه بدموعًا صامته الّا انه قال برقّة:
- لا تقلقي.
جرّت قدميها بضعف الى غرفتها وجلست على سريرها بتعب، نظرت حولها بملامح مُنهكة الى الحوائط الوردية اللطيفة، مررت كفيها على الفراش القطني الناعم، لقد اعتادت عليه، بوقت قصير غدت هذه الغرفة بيتها الخاص، بالرغم من مساحتها الصغيرة الّا انها تسعُ احلامها البسيطة وتطلُعاتها التي لا ترقى لأكثر من سقفٍ يأويها، بأربعة اشهُر نسى جسدها رطوبة الشوارع القذرة واعتادت معدتها على الشعور بالشبع، حتى ملامحها المُتعبة اكتست بالرحة النابعة من اعماق قلبها بالرغم تعبها من اعمالها الكثيرة، كيف ستستطيع ترك هذا المكان وتعود للشوارع من جديد؟!
تسائلت بقلبٍ نازفٍ وعادت دموعها لتنسكب ببُطء وقلبها يهمس بألم:
- إنها ضريبة الحُب، ضريبة الأحلام الوردية...
بالخارج كانت ليلى تقِفُ مُتحفّزة وقد اشتعلت عيناها بلهيبٍ غاضب، اخيها الوحيد يخبرها بكُلّ بساطه انه سيتزوج من خادمة، خادمة تعملُ لديها هي... صدقًا إن لم يقضي عليها آدم بزيجته المخزية سيفعل بحر بأقرب وقت.
- انتَ تريد ان تصيبني بجلطة أليس كذلك؟!
قالتها وهي تثبُ نحوه تُمسك بكتفيه بعنف بينما طالعها هو بسكونٍ شديد وهمس ببرود:
- توقفي عن هذه العصبية يا ليلى، صحتك لم تعُد حمل هذا الجنون، إهدأي.
برقت عيناها بوميضٍ خطيرٍ وامسكت بتلابيب قميصه صارخةً بعُنف:
- صحتي؟! اتراني امامك عجوزًا تتوكأ عصاها؟! لا دخل لك بصحتي دعنا الآن في مُصيبتك يا ابن مُهجة.
زفر بضيق وهي تبتعد عنه وتجلس على الأريكة وتضيف آمرة مشيرةً للمساحة بجانبها:
- تعال هنا يا ولد.
جلس متذمّرًا ليهمس لها بحدّة:
- ما الأمر يا ليلى، انا اريد الفتاة.. سأتزوجها وينتهي الأمر، لستُ طفلًا لتشعري بكُلّ هذا الهلع.
إنه يشبهها تمامًا، حتى في غضبه، يصبحُ شُعلةً من نار، ولكن رغمًا عنها ستحاول إثنائه عن الأمر، لن تسمح لأخيها الوحيد بأن يتزوج بهذه المرأة التي لا تعرف لها اصلًا ولا عائلة.
- لا يمكنك ان تتزوج بموافقة قلبك فحسب، اين عقلك يا بحر، لم اعهدك بهذا الإندفاع.
قالتها بهدوء تحاولُ امتصاص غضبه ليجيبها بصدق:
- اعلمُ ان الأمر غريب وقد كنتُ متوقعًا لردة فعلكِ فهي شبيهة بردة فعل ابي عندما اخبرته بالأمر الّا ان هنالك اشياء لا تعرفينها عن ميرال، بغض النظر عما بقلبي نحوها هي يجب ان تكون ببيتي، وبأسرع وقت.
- بالله عليك يا بحر، توقف عن هذه التصرُّفات، انا سأختار لك اجمل فتاةً بالمنطقة، سأزوجك فتاةً ذات حسبٍ ونسب تليقُ بحمل اسم عائلتنا، ولكن هذه الخادمة من المُستحيل ان تظلّ للحظة واحدة ببيتي، انا يجبُ ان اطردها في الحال.
انهت حديثها وهي تتوجه نحو غرفة ميرال بخطواتٍ شبه راكضة والغضب يعمي بصيرتها، صحيح انها لم ترى من ميرال اي تصرُّفٍ غير لائقٍ طوال فترة عملها التي قاربت الخمسة اشهُر الّا انها لن تسمح لها بأن تستميل اخيها ابدًا، هو مجرد شاب مندفع اعجبته امرأة مختلفة لا تشبه من حوله من النساء الّا انها خادمة وارملة ايضا وتفوقه عمرًا، اي ان كُلّ السُبُلِ لإنجاح هذه العلاقة مُغلقة.
شهقت ميرال بفزع عندما وجدت ليلى تدلف لغرفتها وتصرخ بغضب:
- احزمي اغراضكِ واخرجي من منزلي على الفور، هذا جزاء من يفعل الخير في هذا الزمن، تريدين استغفالي واللعب على اخي لتصبحي ذات مكانة؟! والله لن اسمح لكِ بذلك.
كانت تقول كلماتها وهي تمسك بذاعي ميرال تهزّها بعُنفٍ الى ان شعرت ميرال بأن ذراعيها ستحملان علامةً زرقاء من قوّتها، فليلى تمتلك قوة بدنية لا يمكن اغفالها وها هي ميرال ترتجُّ امامها كجُرذٍ صغير.
- توقّفي يا ليلى، لن اسمح لكِ بأن تتحدثي معها بهذه الطريقة.
في تلك الأثناء كانت فلك قد استيقظت من قيلولتها ليتناهى الى مسمعها اصواتًا عالية صادرة من غرفة ميرال وعندما دلفت اليها بقلق وجدت بحر يُمسكُ بكتفيها بتملُّك ويهتف بحدّة:
- سآخذها من هنا، لن اجعلها تتعرض لأي اذى منكِ.
نظرت حولها بتشوش وقد زالت علامات نومها تمامًا لتتفاجأ بوالدتها تقترب من بحر وتصرخ بوحشية:
- ستكون حينها قد هدمت آخر ما بيننا، لن تكون أخي يا بحرُ إن تزوجتها.
وقف كلاهما ينظرُ الى الآخر، اخوان ليس لهما في الدُنيا سوى بعضهما، يتشابهان بشدّة في كُلّ شيء ويتناطحان الآن كثورين هائجين، لم تكُن ليلى لتسمح لأخيها الوحيد بأن يبتعد عنها ولن تُجازف ابدًا به ولثقتها العميقة بحُبه لها نطقت تلك الكلمات، هي تعلمُ بأنها لن تهون عليه، ولا يمكنه استبدالها... لديه اخت وحيدة لن يخسرها.. الا انه صدمها عندما قال بوجه مُتصلّب بالرغم من الألم الكامن بنظراته:
- آسف يا اختي.
التفت خلفه الى تلك الصغيرة التي تختبئُ خلفه بوجه احمرٍ باكٍ، يعلمُ تماما ما تشعُر به ومتأكدٌ بأن طريقه معها سيكون محفوفًا بالشوك الّا انه يريد ذلك، يريدها بحياته بأي ثمن.
- هيا بنا، سنذهب الى بيتنا.
نظرت اليه من بين غمام الدمع فوجدته يطالعها بإبتسامةٍ صغيرةٍ واضاف وكأنه يؤكد على تساؤلها التي لم تُفصِح به:
- نعم الى بيتنا.
متى آخر مرّة كان لديها بيت؟! منذ طفولتها المشوشة التي يترآى بين ضبابها وجه ابيها الحنون، منذ وفاته وهي في غربة دائمة، ولكن الآن وهي تطالع وجه الحبيب ايقنت انها وجدت بيتها اخيرًا، فعيناه بيتها، وهذه النظرة ستُحفر بذاكرتها الى الأبد لتُسليّ غربة ايامها القادمة...
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
فصل جديد وسر آخر انكشف... ميرال قاتلة ولكن الأحداث ستتضح في الفصول القادمة.
فلك وعزيز لا زالا بين مد وجزر الى ان يقرر آدم قراره..
ليلى المقاتلة الشرسة ستحافظ على عائلتها باي ثمن..
وبحر يحصد عواقب قراره المتهور.
الكثير سيحدث بالفصول القادمة
وربما سيكون هنالك فصل بمنتصف الأسبوع على حسب التفاعل.
مع حبي ❤❤❤
فايا