الفصل الثاني ذكريات سعيدة مؤلمة

كانت الأم لا تعلم شيئاً عما يحدث مع ابنتها الوحيدة غير أنها تحولت من طفلة وديعة رقيقة القلب إلى فتاة عنيفة متوحشة، مراهقة تعشق العراك والعنف طول الوقت، وتشعر بالغضب المستمر.

أرسل المدير "ميرنا" إلى فصلها، ورغم الغضب الواضح الذي كان على هيئتها، ولكنه تمن أن تكون شخص مختلفاً تماماً عما ذكر داخل ملفها.

فتحت "ميرنا" باب الفصل ببطء؛ ووقفت على أعقابه تنظر إلى هذا المكان غير المألوف بحذر شديد.

وعندما سمحت لها المعلمة بالدخول، بدأت تدخل وتسير ببطء شديد، كان قلبها يرتعش رعباً من هؤلاء المراهقين الذين يحدقون، ولكن رغم ذلك كانت تظهر على وجهها القوة.

رفعت رئيسة الفصل "منى" يديها تسأل معلمتها:
- لماذا الطالبة الجديدة لم تعرف عن نفسها يا معلمتي!

تذكرت المعلمة أن "والدة ميرنا" أخبرت المدير أن يخبر المدرسة بأن ابنتها خجولة تعاني من رهاب اجتماعي كي يتجنبها الجميع وعدم الاختلاط بها حتى تختصر المشكلات المستقبلية".

قالت المعلمة بابتسامة هادئة:
- سوف أخبرك عنها بنفسي أنها زميلتكم الجديدة في الفصل، واسمها ميرنا خالد للأسف تعاني من رهاب اجتماعي، لذا يجب عليكم الاهتمام بها جيداً، وترك مسافة بينكما حتى لا تشعر بعدم الراحة.

- حسنا كما تريد معلمتي سوف نعتني بها جيداً، ونترك مسافة في التواصل مع ميرنا.

بعد انتهاء الفصل خرجت المعلمة؛ وبدأ الجميع التحديق في الطالبة الجديدة، يشعرون بالأسى تجاهها بسبب مرضها، ويحاولون فهم طبيعتها.

رغم كذبها على المدير وخداعها للجميع؛ عندما أخبرت "والدة ميرنا" الممثلة المشهورة "يسرا فؤاد" عن مرض ابنتها المزيف حتى تتجنب إثارة المشكلات المستقبلية.

ولكن استطعت "منى" بنظرة واحدة معرفة الشخصية الحقيقية الخفية التي تملكها "ميرنا"، وتخفيها هي ووالدتها عن الجميع.

كانت تلك الشخصية التي كانت واضحة مثل الشمس أمام نظر "منى" بإن هذه الفتاة في الحقيقة شخصية جامحة، وليس فتاة مريضة كما يقال عنها.

لأن كان مظهر "ميرنا" الخارجي وملابسها التي ترمز للتمرد واضحاً جداً إلى عيون "منى".

وكان السبب في ذلك أن "منى" هي الابنة الثالثة للقائد عسكري في الجيش اسمه "اللواء صادق مدكور".

هذا الضباط الذي كان يأخذ ابنته منذ نعومة أظفارها إلى العمل، وذلك ساعدها كثير هذا في تكوين شخصيتها الجريئة العنيدة والقوية الذكية.

لذا حاولت الاقترب من "ميرنا"، وخفضت وجهها تحدق إليها وهي جلسه على مقعدها تسألها باستهزاء:
- رهاب اجتماعي هل تمزحين؟

- ابتعدتِ.

- ميرنا أعلم جيداً الأشخاص الذين مثلك كيف هما شخصيتهم الحقيقية.

رفعت "ميرنا" نظرها إلى "منى" تخبرها:
- ابتعدي.
- وإن لم أبتعد؟

- لا أريد التسبب في مشكلة من أول يوم.

ضحكت "منى" بسخرية وقالت:
- لقد علمت ذلك أنتِ فتاة جامحة.

بعد ذلك ابتعدت "منى" عن وجه "ميرنا" التي كانت قريبة منها حتى تحدثها بصوت منخفضة لا يسمعه الأخرين.

بعد ذلك وجهت "منى" يدها إلى "ميرنا" تشير إليها بالسلام وقالت:
- منذ الآن أنتِ صديقة دربي.

ضحكت "منى" بصوت عالي، وكأنها تعلن للعالم أنها وجدت نصفها الآخر توأم روحها التي كانت تنتظرها منذ فترة.

نظرت إليها "ميرنا" باستغراب من موقفها الغريب، وبعد ذلك التفت ونظرت إلى اتجاه آخر، وأجابتها ببرود تام:
- لم أهتم بما تردين، ولكن لا تحاولي الاقتراب أو تتخطين حدودي.

كانت "ميرنا" تعتقد أن "منى" تمزح بهذه التصرفات الباردة لذا اقتربت منها قالت:
- لا تقلقي يا ميرنا سوف أجعلك تعشقني، وتطلبين أن تصيرين صديقتي في أقرب وقت.

كان لدى "منى" شخصية عنيدة وقوية؛ لإن والدها قام بإنشائها مثل المحاربين حتى تصير على خطه لعدم امتلاكه صبي يعتمد عليه ويفخر به.

رغم أن "منى" كانت لطيفة مع جميع أصدقائها داخل المدرسة، ولكنها حتى الآن لم تمتلك صديقة مقربة.

لأن "منى" كانت تبحث عن فتاة تشبها في الطبع، ويكون بينهما ترابط فكري، ونقاط مشتركة.

لذا عندما رأت "ميرنا" علمت على الفور أنها الصديقة التي تبحث عنها منذ زمن.

لان "ميرنا" هي الفتاة التي لا تبكي أو تشتكي، أو تلوم الحياة والمجتمع على مأساتها.

فتاة تثور عندما تغضب دون اهتمام إلى شخص آخر، فتاة لا تبكي عندما تتعرض للأذية أو مواقف صعبة.

فتاة تواجه آلمها ومشكلاتها بدون لؤم أحد بهدوء وعقل، فتاة ليست اعتمادية تريد من الجميع حمايتها.

فتاة لا تختبئ خلف والديها لنيل الحماية أو خلف الزوج والأولاد في المستقبل.

ذلك الأمر وتلك الفتاة التي كانت تبحث عنه "منى" من فترة طويلة، هذه الفتاة المثالية التي تريد أن تكون صديقة دربها ورفيقة عمرها حتى الموت.

أستمرت في مطاردتها كي تجعلها صديقتها المقربة، ولكن كانت "ميرنا" تشعر بالخوف من هذه الفتاة المجنونة العنيدة، وأرادت الابتعاد عنها.

هذه الفتاة التي تريد أن مصاحبتها بهذه الإصرار دون معرفتها جيداً.

خلال أثناء حصة الألعاب حاولت "منى" أن تمزح مع "ميرنا" كي تحاول كسب ثقتها، ولكنها فشلت في ذلك عندما تحدثت عن نقطة ضعفها وذكرت عمل والدتها.

وذلك عندما تحدث عن والدتها وقالت:
- ميرنا هل حقيقي والدتك هي الممثلة الشهيرة يسرا فؤاد؟

حدقت بها "ميرنا" بجدية تعلن أن لا تكمل حديثها، ولكن "منى" لم تفهم ودمرت هذا الوضع عندما قالت:
- والدتك راقصة هائلة أتمنى أن أتعلم منها الأنوثة.

غضبت "ميرنا" بشدة من "منى"، واقتربت منها رفعت يديها وصفعتها على توجه إليها ضربة قوية تسبب في نزيف أنفها.

هذا الوقت كان المدرس والطلاب والجميع حاضرين وقت الحادثة، وأصبحوا شهوداً على عنف "ميرنا" تجاه صديقتها "منى" دون فعلها شيء.

أخذ المدرس "ميرنا" إلى مكتب المدير لممارستها العنف ضد زميلتها، وأخذ الطلاب "منى" من الفصل إلى غرفة الممرضة كي يتم معالجتها.

بعد انتهاء "منى" من علاج نزيف أنفها، أسرعت إلى مكتب المدير الذي كان يعنف "ميرنا" بشدة على ممارستها العنف ضد صديقتها.

وأشار إلى طبعها الحاد، وتصرفاتها المتهورة التي كانت السبب في عدم استقرارها في المدارس الأخرى لفترة طويلة.

دخلت "منى" فجأة الغرفة وقالت:
- سيدي لا تعاقب ميرنا.

- لماذا؟

- لأني من أخطأت وبدات هذا العراك.

- ولكن لا يجب توجيه العنف بين الأصدقاء داخل المدرسة.

- سيدي ولكني حقاً من بدأ ذلك، ووجهت إليه ضربة قوية وألمها قبل أن تردها.

- إذن أنتم الاثنين معاقبين .

- لا أرجوك لا تستدعي والدي أنه سوف يقتلني إذا علم عن هذا الأمر.

- لا تقلقي فأني ليس مجنوناً حتى استدعى والدك، وأخبره عن ذلك الحادث المؤسف.

- إذن!

- سوف تعاقبون بنظافة المراحيض خلال فترة استراحة الطعام لمدة شهر.

- أرجوك سيدي أطلب شيئاً آخر؟ ليس المراحيض سوف أفقد ماء وجهي!

- هذا قراري النهائي ولم اتراجع به، ولكن إذا حدث هذا الأمر مرة أخرى سوف استدعى آباءكم في المرة القادمة.

- حسنا سيدي شكراً لك.

حدقت "منى" في "ميرنا" بحدة تخبرها بصوت منخفض:
- أعتذرِ إلى المدير وأشكره بسرعة؟

خفضت "ميرنا" نظرها إلى الأرض، وقالت بخضوع:
- شكراً لك سيدي، وأعتذر عن الإزعاج الذي سببته.

أجابها المدير بغضب:
- أتمنى عدم تقرير ذلك الأمر مرة أخرى لم أقبل بالعنف داخل مدرستي.

في الحقيقة سعد المدير من خضوع "ميرنا" المفاجئ الذي كان مختلفة عن الإشاعات والمعلومات التي كانت موجودة داخل ملفها.

خرج الاثنان من غرفة المدير يسرون بسعادة لهروبهم من العقاب بأعجوبة.

وكانوا داخل الطرقة يسيرون الاثنان من أجل الوصول إلى فصلهم حتى قطعت الصمت "منى" بضحك خبيثة تخبرها:
- لقد أنقذت حياتك لم تشكرني على ذلك!

- أنتِ من يجب عليها الاعتذار على ما حدث.

قطعت "منى" حديثها بالضحك، ووقفت دون حركة تسألها بجدية:
- ميرنا ما كان سبب هذه الضربة الظالمة؟

- أنتِ من تسبب في ذلك لنفسك.

- ميرنا هل عمل والدتك يشعرك بالإهانة؟

غضبت "ميرنا" وقالت بحدة:
- هذه آخر مرة تجلبِ سيرة والدتي في حديثك.

- هل تعلمي أن والدتك ممثلة عظيمة موهوبة وناجحة والجميع يريد أن يصبح مثلها أو يجلس ويتحدث معها أو يأخذ صورة فوتوغرافية مع هذه الممثلة التي تشعرين بالحرج منها.

- هذا الأمر لا يخصك، ومنذ الآن لا تحاولي الاقتراب مني مرة أخرى هل تفهمين؟

- لا يا ميرنا لم أستمع إليكِ أنتِ صديقتي منذ الآن برضاكِ أو غصب عنك.

- هل ستجبرني على ذلك؟

- نعم سوف افعل.

تركتها "منى" متسمرة في مكانها داخل منتصف الطرقة تستشيط غضباً من عنادها، وعادت إلى الفصل.

ثاني يوم بدأ العقاب، واجتمع الاثنان في مرحاض الفتيات التي كان متسخة بطريقة قذرة جعلتهما يرتدون الاستنجاء.

ولكن ظل الاثنان ينظفون معا بسعادة، ويمرحون ويضحكون من هذا الوضع المهين.

كانت الفتيات يضعون على الحائط جميع أنواع الكلمات المحرجة الساذجة على الحائط والنوافذ والأبواب.

ومنذ هذه اللحظة أصبح هاتان الفتاتين أقرب من قبل، وذلك جعلهم أفضل الأصدقاء المقربون فما بعد.

كانت هذه ذكريات "ميرنا" السعيدة مع صديقة عمرها ورفيقة دربها "منى" أيام المراهقة.

هذه الصداقة التي استمرت بينهما لأعوام طويلة جعلتهم يفعلون كل شيء معا بدايةً من الجامعة حتى التحاقهم بكلية الشرطة.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي