الفصل الرابع قضية قتل
فجأة بدأ رن جرس باب الشقة لأكثر من ساعتين، وكان ذلك يسبب الإزعاج إلى الجيران.
لذا تحركت "ميرنا" من مكانها غاضبة، وذهبت تفتح الباب وعند رؤيتها زميلها "أحمد" سألته بإحباط:
-ماذا تفعل؟
قال بصوت منخفض:
- هل أستطيع الدخول؟
- ماذا تفعل هنا؟ عود أينما أتيت.
بعد انهاء جملتها حاولت إغلاق الباب في وجه "أحمد"، ولكن دفع الباب بقدمه إلى الداخل، ومنع "ميرنا" من أغلقه وقال:
- أن لم تسمحي بدخولي سوف أتسبب لكِ بالضوضاء والإزعاج في هذه العمارة ما رأيك في هذا؟
كانت "ميرنا" تعلم أن "أحمد" متهور وعنيد، لذا أجبرت على إدخاله حتى لا يتسبب بالإزعاج والضوضاء للجيران، وسألته بعصبية:
- ماذا تريد؟
- أريد الاطمئنان عليكِ؟
- أني بخير عود الآن من حيث أتيت.
نظر "أحمد" من حوله يتفحص الشقة بعينيه، ويسألها بفضول واشمئزاز:
- هل هذا ما تقصدين به أنكِ بخير!
أجابته "ميرنا" بلامبالاة:
- هذا لا يخصك.
بعد ذلك تركته، وذهبت إلى المطبخ فتحت الثلاجة، وأخرجت زجاجة مياه، وابتلعت المياه، ووضعتها داخل الثلاجة مرة أخرى.
عادت إلى غرفة الضيوف، وجلست على الأريكة بهدوء؛ أقترب "أحمد" من الأريكة، وجلس بجوارها يسألها:
- لماذا تفعلين ذلك في نفسك!
- هذا لا يخصك؟ أخبرني الآن لما أتيت الآن لتبحث عني!
- أفعل ذلك من أجلك، وأجل صديقتك.
- هذا الأمر لا يخصك لا تجلب سيرتها في الحديث.
- إذن ماذا عن ابنة صديقتك الغالية؟
- ماذا تقصد بسؤالك هذا!
- هل ذهبتِ لمقابلتها من قبل؟
- لا لم أستطع فعل ذلك.
- لماذا!
- هل فقد الذاكرة، ونسيت ما حدث؟
- لم أفعل؛ ولكن ما حدث ليس ذنبك.
- أنه ذنبي، ولا أمتلك القدرة على مواجهة عائلتها أو طفلتها الآن.
- وان أن ما حدث لم يكن ذنبك يجب أن تعلمي هذا أن ما حدث كان قدرها الخاص.
- لقد كنت السبب في موتها يا فور.
تنهد "أحمد" بإحباط وقال:
- وماذا عن الطفلة المسكينة التي أصبحت في خطر محدق بسبب عمل والدتها؟
فزعت "ميرنا" من حديثه، وسحبته من ذراعه تسأله بقلق:
- ماذا تقصد بذلك؟ أخبرني بما يحدث!
- لم أخبرك بشيء أبداً.
- لماذا!
- أولاً، لأنك لا تستحقي المعرفة.
- لما لا أستحق؟
- لأنك هربتِ بعد الحادث ولم تهتمي بشئ.
- أنا لم أهرب، ولكني لم أستطع التحمل.
- ثانياً، لأنها أسرار العمل، لذا لا استطيع إخبارك.
- إذن لما جئت إلى هنا؟
- لأني شعرت بالخوف على هذه الطفلة المسكينة التي فقدت والدتها مبكراً.
- إذن أخبرني عما يحدث من أجل هذه الطفلة؟
- لقد أخبرتك إني لا أستطيع إخبارك بشيء، ولكن.
- ولكن ماذا؟
- تستطيعين معرفة كل شيء عندما تعودين إلى العمل.
- كيف ذلك، وقد تم طردي!
- لقد تحدثت مع القائد في أمر عودتك، وأخبرني أن عودتي بنفسك طوعاً تطلبين العودة إلى العمل بإخلاص سوف يفكر في هذا الأمر.
بعد الصمت والتفكير في الأمر للحظات نهضت "ميرنا" من الأريكة وقالت:
- حسنا يا فور أذهب الآن.
- إذن هل سوف تعودين!
- سوف أفكر في هذا الأمر.
- وان هذا الموضوع حقيقي، وليست خدعة الأمر في غاية الخطورة، وأيضاً لقد غامرة بالكثير من أجل عودتك إلى الفريق.
- أخبرتك أني سوف أفكر في الأمر؛ اذهب ولا تعود مرة أخرى.
- كما تريدين سوف أتركك تفكرين في هذا الموضوع، ولكني أعلم بداخلي أنك سوف تعودين مرة أخرى.
- لماذا أنت واثق؟
- لأني سوف أنتظرك بصبر.
كانت "ميرنا" تعلم عن شعور "أحمد" الرومانسي تجاهها؛ وتخيلت أنه يفعل كل هذا من أجل خروجها من قوقعة اليأس التي سجنت نفسها بها.
بلا تمنت بداخلها هذا؛ تمنت أن تكون الطفلة بخير وبعيدة عن المشاكل.
ولكن ما كان خفي كان أعظم، فإن الأمر لم يتوقف عند مقتل صديقتها الوحيدة ورفيقة عمرها.
وما كان ينتظرها في المستقبل كارثة سوف تجعلها تحارب المستحيل بكل قوتها وعزمها.
"لم تكن تعلم أن الأمر سوف ينال من طفلة صغيرة بريئة كان ذنبها الوحيدة أنها ابنة محاربة عظيمة".
كانت زيارة "أحمد عزمي" في منتصف الليل إلى "ميرنا" شيء غريب وجديد بالنسبة إليها، وذلك الأمر جعلها تشعر بعدم الارتياح.
بعدما ذهب "أحمد" الملقب باسم "فور" داخل المنظمة، جلست "ميرنا" على الأريكة تفكر، وتحدث نفسها:
"هل من الممكن أن تكون هذه المعلومات خادعة".
رغم عدم اقتناع "ميرنا" بحديث "أحمد" وهذه المعلومات الغريبة؛ ولكنها شعرت بالرعب والخوف على هذه الطفلة التي قامت والدتها بالتضحية بحياتها لأجل إنقاذها.
تلك الصديقة التي سميت ابنتها باسم "ميرنا" تميما إلى صديقتها المفضلة.
دخلت "ميرنا" غرفتها، وجلست أمام المرآة، وأخرجت مقصاً من أحد الأدراج، وبدأت في قص شعرها الذي تركته خلال العامين السابقين ينمو بدون اهتمام.
ثاني يوم ارتدت "ميرنا" ملابس العمل التمويهي "زي مضيفة طياران، وذهبت إلى مقر عملها السر الذي يقع تحت الأرض في أحد المطارات الكبرى المهجورة والمتوقفة عن العمل.
عند وصولها دخلت مكتب القائد، وبدأت في سؤاله:
- ما الذي حدث أثناء غيابي يا سيدي؟
أجابها القائد بدون اهتمام:
- هذا لا يخصك لقد تركتِ العمل، وتخليتِ عن رفاقك.
- أرجوك يا سيدي هذا الأمر يخص أسرة صديقتي المفضلة.
- لا أستطع إخبار شخص غريب مثل هذه المعلومات المهمة.
- سيدي أعلم جيداً أنك من أرسلت "أحمد" من أجل استرجاعي؟
شعر القائد بالحرج وقال:
- هذا صحيح، ولكن لم أخبر بشيء إلا.
- ولكن ماذا!
- عودي إلى العمل مرة أخرى.
- لا أستطيع فعل ذلك.
- لماذا!
- كل مكان هنا يذكرني بصديقتي.
- وهل أنتِ تردي نسيانها؟
- بالطبع لا، ولكن.
- هذا يكفي؛ لقد انتظرتك كثيراً احتراماً لصداقتكم الطويلة، ولكن الآن أن لم تعودي سوف أقبل استقالتك، ولم تستطيعين الدخول إلى المنظمة مرة أخرى حتى أن أردتِ ذلك.
- هل ما زالت لم تقبل استقالتِ؟
- نعم.
- لماذا سيدي!
- لأنك ومنى كنتم أفضل جنودي وبالفعل خسرت فرداً لم أخسر الأخر.
تسمرت "ميرنا" مكانها تحدق بالقائد وتفكر:
- إن رفضت الآن سوف أخسر كل المعلومات التي تخص ابنة منى سوف أوافق على شروطه الآن، وأن كان الوضع بسيطاً سوف أنسحب من هذا الفرق إلى الأبد، على كل حال لقد قبلت بهذه الوظيفة الخطيرة من أجل منى منذ البداية.
بعد استغراق فترة من التفكير قالت:
- حسنا يا سيدي تستطيع تمزق الاستقالة التي أمامك.
- هذا جيداً أذهبِ إلى مكتبك الآن، ولدينا اجتماع بعد ساعتين.
- حسناً سيدي.
تركت "ميرنا" المكتب وشعور الندم يغمرنها، وذهبت إلى مكتبها الذي كنت تشاركه مع صديقتها "منى" ولم تدخله منذ عامين.
جلست على مكتبها تتأمل المكان بحزن، تنظر إلى الأجواء وتتذكر كل مواقف وتحركات "منى" بكل مكان.
كان المكتب ما زال يحتفظ بكل ذكريات "منى" رغم عدم وجود ذرة غبار به، ولكن ما زالت كل أشيائهم في مكانها المعتادة منذ عامين.
فجأة طرق باب المكتب الزجاجي، ودخل "أحمد" قاطع ذكرياتها التي كانت غارقة بها وقال:
- كنت أعلم أنكِ سوف تعودين.
- لم أعد للأبد.
- لا أظن ذلك.
- فور لقد عودت أخبرني الآن بما يحدث؟
- سوف تعلمين كل شيء خلال الاجتماع.
- لماذا لا تريد إخباري بشيء!
- أنها تعليمات القائد أعتذر.
- كما تريد، والآن أخرج من مكتبِ.
- هل تطردني!
- نعم لا أريد رؤياك.
ضحك "أحمد" وقال بصوت مرتفع:
- منذ الآن سوف نتقابل كل يوم تعودي على ذلك، ألقاكِ خلال الاجتماع القادم.
كانت تصرفات "أحمد" غير عادته؛ وهذه التصرفات جعلتها تشعر بالحيرة.
جاء ميعاد الاجتماع، وحضر الأعضاء الخمسة الآخرين نظرت إلى "أحمد" وسألته:
- فور أين ثري؟ لماذا لم يحضر الاجتماع، ولم أره منذ مجيء؟
تغير وجه "أحمد" المبتسم فأجاب:
- لم يحضر ثري الاجتماع.
- لماذا؟
عندما لم يجابها "أحمد" ردت "ريهام" بصوت حزين:
- لقد قتل أمير.
كان وقع رنين هذه الكلمة على مسامع أذن "ميرنا" كما وقع صوت طلقات الرصاص؛ في البداية لم تستطع الاستيعاب والفهم، ولكن بعد النظر في وجه الجميع علمت أن هناك شيئاً خطير يحدث.
تملكها الفزع والصدمة وصمت للحظات؛ وبعد ذلك نظرت إلى وجه "أحمد" مرة أخرى تسأله:
- فور هل تمزح ريهام؟
- لا لقد تم قتل ثري.
- كيف هذا؟ ومتى حدث!
- حدث هذا منذ ست أشهر.
- لماذا لم يخبرني أحد عن هذا؟
- كيف سوف تعلمين، وأنتِ أغلقت على نفسك بعد حادث تو.
- من قتله؟
- سوف تعلمين كل شيء عند حضور القائد.
عند دخل القائد جلس على المقعد الرئيسي، وكانت "ميرنا" في حالة ذهول لم تستوعب ما حدث، توقف عقلها للحظات عن التفكير والاستيعاب من الصدمة حتى بدأ القائد التحدث.
نظر إلى " ميرنا" وقال:
- وان بالنظر إلى وجهك يخبرني أنك الآن تعلمين عن قضية اغتيال زميلك ثري؟
"ثري" هو لقب " أمير رأفت" في العمل.
حدقت به "ميرنا" تسألته بحزن وحيرة:
- سيدي ما الذي حدث خلال غيابي؟
- سوف أشرح كل شيء بالتفاصيل، ولكن في البداية أحب أن أعرف هل أنتِ معانا حتى نهاية هذا الأمر؟
- نعم سيدي سوف أذهب إلى نهاية هذا الأمر بدون قصير وإهمال.
- هذا جيد.
جلس القائد على كرسيه، وفتح المستندات التي بيديه، وبدأ في التحدث وقال:
- كل هذه الأحداث المؤسفة بدأ منذ أخـر مهمة إنقاذ رهائن من مافيا روسية، ولكن في البداية أريد أن تعلموا أني لم أشك في فريقي، ولكن كل الأدلة تشير بوجد خائن داخل الفريق، لذا سوف يتم تشغيل وضع الطوارئ على الجميع.
كان القائد يتفحص المستندات، ويتحدث عن كل التفاصيل، ولكن كانت "ميرنا" كل تركيزها في "أحمد" الذي فقد أعز صديق له مثل ما حدث معها، ولكن رغم ذلك يخفي الحزن والألم الذي بداخل صدره في العمل والمزاح.
ألتفت القائد تجاه "ميرنا" وقال:
- ميرنا أعلم خط سيرك خلال العامين لذا سوف أجعلك قائدة هذا الفريق مرة أخرى خلال هذه العملية.
- ما هي المهمة يا سيدي؟
- المهمة منقسمة إلى قسمين؛ الأولى فريقين يضع في مراقبة الزوج والطفلة، والأخر السفر إلى روسيا والبحث عن أدلة.
- سيدي ما المعلومات التي نمتلكها حالياً؟
- لا يوجد للأسف.
- كيف منظمة كبيرة مثل منظمتنا ليس لديها معلومات كفاية تخص هذا الوضع؟
- كان اغتيال "ثري" صدمة كبيرة، وعندما بحثنا خلف الموضوع اكتشفنا من وقت قريب أن ما حدث يخص المافيا الروسية التي حررنا منها الرهائن منذ آخر عملية.
- وهل قتل ثري الشيء الوحيد الذي حدث؟
- لا لقد تم قتل بعض من الرهائن الذين تم تحريرهم بعد قتل ثري.
- ولكن لماذا ثري الذي قتل، وليس شخص آخر؟
- لم نعلم بعد، لذلك أجبرتك على العودة حتى تصلين إلى الحقيقة.
- إذن سيدي أترك هذا الأمر لي سوف أحقق به، وأصل للحقيقة قريباً ولكن.
- ولكن ماذا!
- أن وجدت خائن ضم هذا الفريق سوف أقتله بنفسي.
- هذا لم يحدث أبداً يوجد قانون في الدولة.
- أرجوك اسمح لي بذلك سيدي؟
- أتركِ هذا الأمر حتى يحدث لأني أثق بالفريق، وأعلم جيداً أن فريقي مخلص.
خرج القائد من غرفة الاجتماعات، وتحركت "ميرنا" من كرسها، وذهبت إلى مقعد القائد جلست وقالت:
- أتمنى أن يكون القائد محقاً في عدم وجود خائن بيننا، لأني أن وجد خائن هنا ضمن فريقي سوف أرسله إلى الجحيم بنفسي.
غضبت "ريهام" من حديث قائدتها، وقالت:
- كيف لكِ يا وان أن تشكِ في فريقك!
- منذ موت منى لم أعد اهتمام بأحد أو شيء كل ما يهم الآن هو أن نوصل إلى الحقيقة، ونقتل كل من تسبب في آلام لنا جميعا يا سفن.
- ميرنا لأني أعلم بمدى الجرح الذي داخل قلبك لم ألومك على ذلك، ولكن الآن ماذا سنفعل!
- سوف أقسم الفريق إلى ثنائي، وأوزع المهام عند الانتهاء منها.
- حسناً.
- ليذهب الجميع الآن، وسوف نجتمع قريباً.
نهض الجميع ليخرج، ولكن قطعتهم "ميرنا" وقالت:
- فور انتظر لا تذهب.
خرج الجميع وانتظر "أحمد" مكانه ينتظر حتى يستمع لما تريد "ميرنا" قوله.
اقتربت "ميرنا" من "أحمد" تسأله بحزن وقلق:
- فور هل أنت بخير!
- نعم لماذا تسألين؟
- أعلم أن ثري كان صديقك المفضل منذ أيام الجامعة، وأنتم رفقاء مقربين.
- هذا لم يعد مهم الآن سوف أذهب، وأباشر العمل.
تحول "أحمد" إلى شخص غير طبيعي؛ لقد أصبح مستسلماً للواقع بطريقة غريبة ومخيفة.
جعلت "ميرنا" تشعر عليه بالخوف من الشخص الذي تحول إليه.
هذا الشخص الذي لم يتحدث عن شعوره أو يحاول الصراخ من أجل إخراج غضبه المكتوم بداخله.
لذا اتخذت "ميرنا" قرارها بعدم ابعاد هذا الشخص عن نظرها، ووضعه تحت المراقبة في فريقها نفسه حتى يصبحوا فريقاً ثنائياً للمهمة الجديدة كي لا يرتكب أخطاء في المستقبل تتسبب في مقتله.
لذا تحركت "ميرنا" من مكانها غاضبة، وذهبت تفتح الباب وعند رؤيتها زميلها "أحمد" سألته بإحباط:
-ماذا تفعل؟
قال بصوت منخفض:
- هل أستطيع الدخول؟
- ماذا تفعل هنا؟ عود أينما أتيت.
بعد انهاء جملتها حاولت إغلاق الباب في وجه "أحمد"، ولكن دفع الباب بقدمه إلى الداخل، ومنع "ميرنا" من أغلقه وقال:
- أن لم تسمحي بدخولي سوف أتسبب لكِ بالضوضاء والإزعاج في هذه العمارة ما رأيك في هذا؟
كانت "ميرنا" تعلم أن "أحمد" متهور وعنيد، لذا أجبرت على إدخاله حتى لا يتسبب بالإزعاج والضوضاء للجيران، وسألته بعصبية:
- ماذا تريد؟
- أريد الاطمئنان عليكِ؟
- أني بخير عود الآن من حيث أتيت.
نظر "أحمد" من حوله يتفحص الشقة بعينيه، ويسألها بفضول واشمئزاز:
- هل هذا ما تقصدين به أنكِ بخير!
أجابته "ميرنا" بلامبالاة:
- هذا لا يخصك.
بعد ذلك تركته، وذهبت إلى المطبخ فتحت الثلاجة، وأخرجت زجاجة مياه، وابتلعت المياه، ووضعتها داخل الثلاجة مرة أخرى.
عادت إلى غرفة الضيوف، وجلست على الأريكة بهدوء؛ أقترب "أحمد" من الأريكة، وجلس بجوارها يسألها:
- لماذا تفعلين ذلك في نفسك!
- هذا لا يخصك؟ أخبرني الآن لما أتيت الآن لتبحث عني!
- أفعل ذلك من أجلك، وأجل صديقتك.
- هذا الأمر لا يخصك لا تجلب سيرتها في الحديث.
- إذن ماذا عن ابنة صديقتك الغالية؟
- ماذا تقصد بسؤالك هذا!
- هل ذهبتِ لمقابلتها من قبل؟
- لا لم أستطع فعل ذلك.
- لماذا!
- هل فقد الذاكرة، ونسيت ما حدث؟
- لم أفعل؛ ولكن ما حدث ليس ذنبك.
- أنه ذنبي، ولا أمتلك القدرة على مواجهة عائلتها أو طفلتها الآن.
- وان أن ما حدث لم يكن ذنبك يجب أن تعلمي هذا أن ما حدث كان قدرها الخاص.
- لقد كنت السبب في موتها يا فور.
تنهد "أحمد" بإحباط وقال:
- وماذا عن الطفلة المسكينة التي أصبحت في خطر محدق بسبب عمل والدتها؟
فزعت "ميرنا" من حديثه، وسحبته من ذراعه تسأله بقلق:
- ماذا تقصد بذلك؟ أخبرني بما يحدث!
- لم أخبرك بشيء أبداً.
- لماذا!
- أولاً، لأنك لا تستحقي المعرفة.
- لما لا أستحق؟
- لأنك هربتِ بعد الحادث ولم تهتمي بشئ.
- أنا لم أهرب، ولكني لم أستطع التحمل.
- ثانياً، لأنها أسرار العمل، لذا لا استطيع إخبارك.
- إذن لما جئت إلى هنا؟
- لأني شعرت بالخوف على هذه الطفلة المسكينة التي فقدت والدتها مبكراً.
- إذن أخبرني عما يحدث من أجل هذه الطفلة؟
- لقد أخبرتك إني لا أستطيع إخبارك بشيء، ولكن.
- ولكن ماذا؟
- تستطيعين معرفة كل شيء عندما تعودين إلى العمل.
- كيف ذلك، وقد تم طردي!
- لقد تحدثت مع القائد في أمر عودتك، وأخبرني أن عودتي بنفسك طوعاً تطلبين العودة إلى العمل بإخلاص سوف يفكر في هذا الأمر.
بعد الصمت والتفكير في الأمر للحظات نهضت "ميرنا" من الأريكة وقالت:
- حسنا يا فور أذهب الآن.
- إذن هل سوف تعودين!
- سوف أفكر في هذا الأمر.
- وان هذا الموضوع حقيقي، وليست خدعة الأمر في غاية الخطورة، وأيضاً لقد غامرة بالكثير من أجل عودتك إلى الفريق.
- أخبرتك أني سوف أفكر في الأمر؛ اذهب ولا تعود مرة أخرى.
- كما تريدين سوف أتركك تفكرين في هذا الموضوع، ولكني أعلم بداخلي أنك سوف تعودين مرة أخرى.
- لماذا أنت واثق؟
- لأني سوف أنتظرك بصبر.
كانت "ميرنا" تعلم عن شعور "أحمد" الرومانسي تجاهها؛ وتخيلت أنه يفعل كل هذا من أجل خروجها من قوقعة اليأس التي سجنت نفسها بها.
بلا تمنت بداخلها هذا؛ تمنت أن تكون الطفلة بخير وبعيدة عن المشاكل.
ولكن ما كان خفي كان أعظم، فإن الأمر لم يتوقف عند مقتل صديقتها الوحيدة ورفيقة عمرها.
وما كان ينتظرها في المستقبل كارثة سوف تجعلها تحارب المستحيل بكل قوتها وعزمها.
"لم تكن تعلم أن الأمر سوف ينال من طفلة صغيرة بريئة كان ذنبها الوحيدة أنها ابنة محاربة عظيمة".
كانت زيارة "أحمد عزمي" في منتصف الليل إلى "ميرنا" شيء غريب وجديد بالنسبة إليها، وذلك الأمر جعلها تشعر بعدم الارتياح.
بعدما ذهب "أحمد" الملقب باسم "فور" داخل المنظمة، جلست "ميرنا" على الأريكة تفكر، وتحدث نفسها:
"هل من الممكن أن تكون هذه المعلومات خادعة".
رغم عدم اقتناع "ميرنا" بحديث "أحمد" وهذه المعلومات الغريبة؛ ولكنها شعرت بالرعب والخوف على هذه الطفلة التي قامت والدتها بالتضحية بحياتها لأجل إنقاذها.
تلك الصديقة التي سميت ابنتها باسم "ميرنا" تميما إلى صديقتها المفضلة.
دخلت "ميرنا" غرفتها، وجلست أمام المرآة، وأخرجت مقصاً من أحد الأدراج، وبدأت في قص شعرها الذي تركته خلال العامين السابقين ينمو بدون اهتمام.
ثاني يوم ارتدت "ميرنا" ملابس العمل التمويهي "زي مضيفة طياران، وذهبت إلى مقر عملها السر الذي يقع تحت الأرض في أحد المطارات الكبرى المهجورة والمتوقفة عن العمل.
عند وصولها دخلت مكتب القائد، وبدأت في سؤاله:
- ما الذي حدث أثناء غيابي يا سيدي؟
أجابها القائد بدون اهتمام:
- هذا لا يخصك لقد تركتِ العمل، وتخليتِ عن رفاقك.
- أرجوك يا سيدي هذا الأمر يخص أسرة صديقتي المفضلة.
- لا أستطع إخبار شخص غريب مثل هذه المعلومات المهمة.
- سيدي أعلم جيداً أنك من أرسلت "أحمد" من أجل استرجاعي؟
شعر القائد بالحرج وقال:
- هذا صحيح، ولكن لم أخبر بشيء إلا.
- ولكن ماذا!
- عودي إلى العمل مرة أخرى.
- لا أستطيع فعل ذلك.
- لماذا!
- كل مكان هنا يذكرني بصديقتي.
- وهل أنتِ تردي نسيانها؟
- بالطبع لا، ولكن.
- هذا يكفي؛ لقد انتظرتك كثيراً احتراماً لصداقتكم الطويلة، ولكن الآن أن لم تعودي سوف أقبل استقالتك، ولم تستطيعين الدخول إلى المنظمة مرة أخرى حتى أن أردتِ ذلك.
- هل ما زالت لم تقبل استقالتِ؟
- نعم.
- لماذا سيدي!
- لأنك ومنى كنتم أفضل جنودي وبالفعل خسرت فرداً لم أخسر الأخر.
تسمرت "ميرنا" مكانها تحدق بالقائد وتفكر:
- إن رفضت الآن سوف أخسر كل المعلومات التي تخص ابنة منى سوف أوافق على شروطه الآن، وأن كان الوضع بسيطاً سوف أنسحب من هذا الفرق إلى الأبد، على كل حال لقد قبلت بهذه الوظيفة الخطيرة من أجل منى منذ البداية.
بعد استغراق فترة من التفكير قالت:
- حسنا يا سيدي تستطيع تمزق الاستقالة التي أمامك.
- هذا جيداً أذهبِ إلى مكتبك الآن، ولدينا اجتماع بعد ساعتين.
- حسناً سيدي.
تركت "ميرنا" المكتب وشعور الندم يغمرنها، وذهبت إلى مكتبها الذي كنت تشاركه مع صديقتها "منى" ولم تدخله منذ عامين.
جلست على مكتبها تتأمل المكان بحزن، تنظر إلى الأجواء وتتذكر كل مواقف وتحركات "منى" بكل مكان.
كان المكتب ما زال يحتفظ بكل ذكريات "منى" رغم عدم وجود ذرة غبار به، ولكن ما زالت كل أشيائهم في مكانها المعتادة منذ عامين.
فجأة طرق باب المكتب الزجاجي، ودخل "أحمد" قاطع ذكرياتها التي كانت غارقة بها وقال:
- كنت أعلم أنكِ سوف تعودين.
- لم أعد للأبد.
- لا أظن ذلك.
- فور لقد عودت أخبرني الآن بما يحدث؟
- سوف تعلمين كل شيء خلال الاجتماع.
- لماذا لا تريد إخباري بشيء!
- أنها تعليمات القائد أعتذر.
- كما تريد، والآن أخرج من مكتبِ.
- هل تطردني!
- نعم لا أريد رؤياك.
ضحك "أحمد" وقال بصوت مرتفع:
- منذ الآن سوف نتقابل كل يوم تعودي على ذلك، ألقاكِ خلال الاجتماع القادم.
كانت تصرفات "أحمد" غير عادته؛ وهذه التصرفات جعلتها تشعر بالحيرة.
جاء ميعاد الاجتماع، وحضر الأعضاء الخمسة الآخرين نظرت إلى "أحمد" وسألته:
- فور أين ثري؟ لماذا لم يحضر الاجتماع، ولم أره منذ مجيء؟
تغير وجه "أحمد" المبتسم فأجاب:
- لم يحضر ثري الاجتماع.
- لماذا؟
عندما لم يجابها "أحمد" ردت "ريهام" بصوت حزين:
- لقد قتل أمير.
كان وقع رنين هذه الكلمة على مسامع أذن "ميرنا" كما وقع صوت طلقات الرصاص؛ في البداية لم تستطع الاستيعاب والفهم، ولكن بعد النظر في وجه الجميع علمت أن هناك شيئاً خطير يحدث.
تملكها الفزع والصدمة وصمت للحظات؛ وبعد ذلك نظرت إلى وجه "أحمد" مرة أخرى تسأله:
- فور هل تمزح ريهام؟
- لا لقد تم قتل ثري.
- كيف هذا؟ ومتى حدث!
- حدث هذا منذ ست أشهر.
- لماذا لم يخبرني أحد عن هذا؟
- كيف سوف تعلمين، وأنتِ أغلقت على نفسك بعد حادث تو.
- من قتله؟
- سوف تعلمين كل شيء عند حضور القائد.
عند دخل القائد جلس على المقعد الرئيسي، وكانت "ميرنا" في حالة ذهول لم تستوعب ما حدث، توقف عقلها للحظات عن التفكير والاستيعاب من الصدمة حتى بدأ القائد التحدث.
نظر إلى " ميرنا" وقال:
- وان بالنظر إلى وجهك يخبرني أنك الآن تعلمين عن قضية اغتيال زميلك ثري؟
"ثري" هو لقب " أمير رأفت" في العمل.
حدقت به "ميرنا" تسألته بحزن وحيرة:
- سيدي ما الذي حدث خلال غيابي؟
- سوف أشرح كل شيء بالتفاصيل، ولكن في البداية أحب أن أعرف هل أنتِ معانا حتى نهاية هذا الأمر؟
- نعم سيدي سوف أذهب إلى نهاية هذا الأمر بدون قصير وإهمال.
- هذا جيد.
جلس القائد على كرسيه، وفتح المستندات التي بيديه، وبدأ في التحدث وقال:
- كل هذه الأحداث المؤسفة بدأ منذ أخـر مهمة إنقاذ رهائن من مافيا روسية، ولكن في البداية أريد أن تعلموا أني لم أشك في فريقي، ولكن كل الأدلة تشير بوجد خائن داخل الفريق، لذا سوف يتم تشغيل وضع الطوارئ على الجميع.
كان القائد يتفحص المستندات، ويتحدث عن كل التفاصيل، ولكن كانت "ميرنا" كل تركيزها في "أحمد" الذي فقد أعز صديق له مثل ما حدث معها، ولكن رغم ذلك يخفي الحزن والألم الذي بداخل صدره في العمل والمزاح.
ألتفت القائد تجاه "ميرنا" وقال:
- ميرنا أعلم خط سيرك خلال العامين لذا سوف أجعلك قائدة هذا الفريق مرة أخرى خلال هذه العملية.
- ما هي المهمة يا سيدي؟
- المهمة منقسمة إلى قسمين؛ الأولى فريقين يضع في مراقبة الزوج والطفلة، والأخر السفر إلى روسيا والبحث عن أدلة.
- سيدي ما المعلومات التي نمتلكها حالياً؟
- لا يوجد للأسف.
- كيف منظمة كبيرة مثل منظمتنا ليس لديها معلومات كفاية تخص هذا الوضع؟
- كان اغتيال "ثري" صدمة كبيرة، وعندما بحثنا خلف الموضوع اكتشفنا من وقت قريب أن ما حدث يخص المافيا الروسية التي حررنا منها الرهائن منذ آخر عملية.
- وهل قتل ثري الشيء الوحيد الذي حدث؟
- لا لقد تم قتل بعض من الرهائن الذين تم تحريرهم بعد قتل ثري.
- ولكن لماذا ثري الذي قتل، وليس شخص آخر؟
- لم نعلم بعد، لذلك أجبرتك على العودة حتى تصلين إلى الحقيقة.
- إذن سيدي أترك هذا الأمر لي سوف أحقق به، وأصل للحقيقة قريباً ولكن.
- ولكن ماذا!
- أن وجدت خائن ضم هذا الفريق سوف أقتله بنفسي.
- هذا لم يحدث أبداً يوجد قانون في الدولة.
- أرجوك اسمح لي بذلك سيدي؟
- أتركِ هذا الأمر حتى يحدث لأني أثق بالفريق، وأعلم جيداً أن فريقي مخلص.
خرج القائد من غرفة الاجتماعات، وتحركت "ميرنا" من كرسها، وذهبت إلى مقعد القائد جلست وقالت:
- أتمنى أن يكون القائد محقاً في عدم وجود خائن بيننا، لأني أن وجد خائن هنا ضمن فريقي سوف أرسله إلى الجحيم بنفسي.
غضبت "ريهام" من حديث قائدتها، وقالت:
- كيف لكِ يا وان أن تشكِ في فريقك!
- منذ موت منى لم أعد اهتمام بأحد أو شيء كل ما يهم الآن هو أن نوصل إلى الحقيقة، ونقتل كل من تسبب في آلام لنا جميعا يا سفن.
- ميرنا لأني أعلم بمدى الجرح الذي داخل قلبك لم ألومك على ذلك، ولكن الآن ماذا سنفعل!
- سوف أقسم الفريق إلى ثنائي، وأوزع المهام عند الانتهاء منها.
- حسناً.
- ليذهب الجميع الآن، وسوف نجتمع قريباً.
نهض الجميع ليخرج، ولكن قطعتهم "ميرنا" وقالت:
- فور انتظر لا تذهب.
خرج الجميع وانتظر "أحمد" مكانه ينتظر حتى يستمع لما تريد "ميرنا" قوله.
اقتربت "ميرنا" من "أحمد" تسأله بحزن وقلق:
- فور هل أنت بخير!
- نعم لماذا تسألين؟
- أعلم أن ثري كان صديقك المفضل منذ أيام الجامعة، وأنتم رفقاء مقربين.
- هذا لم يعد مهم الآن سوف أذهب، وأباشر العمل.
تحول "أحمد" إلى شخص غير طبيعي؛ لقد أصبح مستسلماً للواقع بطريقة غريبة ومخيفة.
جعلت "ميرنا" تشعر عليه بالخوف من الشخص الذي تحول إليه.
هذا الشخص الذي لم يتحدث عن شعوره أو يحاول الصراخ من أجل إخراج غضبه المكتوم بداخله.
لذا اتخذت "ميرنا" قرارها بعدم ابعاد هذا الشخص عن نظرها، ووضعه تحت المراقبة في فريقها نفسه حتى يصبحوا فريقاً ثنائياً للمهمة الجديدة كي لا يرتكب أخطاء في المستقبل تتسبب في مقتله.