الفصل الخامس ألم في عذاب

هذه الطفلة الصغيرة البريئة، التي تبلغ من العمر سبعة أعوام، أصبحت حياتها معرضة للخطر بسبب عمل والدتها السري.

تلك المافيا التي تتربص في الخفاء إلى رجل الأعمال "أدهم الشرقاوي" زوج الشهيدة "منى" وابنتها الصغيرة "ميرنا".

تلك المافيا الدولية التي تعتبر من أكبر المافيات الإرهابية الموجودة في العالم، والتي تعرف بمدى خطورة هذه المافيا عالمياً.

حين بحثت في الأمر وجدت الضابط "ميرنا" أن والد الطفلة يقصر في تربيتها، وبعد موت زوجته المفاجئ أصبح فاقد للشغف بالحياة.

الذي أصبح لا يعلم شيء حتى الآن عن موت زوجته، لذا قام بوضع كل وقته، وتركيزه، ومجهوده داخل العمل حتى يقدر على نسيان ما حدث كي لا يفقد عقله.

"أدهم الشرقاوي" هو زوج الشهيدة "منى صادق مدكور"

رجل أعمال ناجح في مجال الاقتصاد الدولي، ومتفوق في أعمال الاستيراد والتصدير، استطاع تكوين ثروة كبيرة خلال سبعة أعوام بنجاح وشفافية.

ولكن بعد موت زوجته بدأت المافيا الروسية في تعقبه يراقبونه عن كثب، ولم يعرف عن السبب حتى الآن.

والآن الطفلة الصغيرة أصبحت عرضة للخطر، ولكن كان السبب الأساسي خلف ذلك، هو أخرج الثعابين من جحورها، وليست الطفلة المقصودة بحد ذاتها.

عندما علمت المخابرات بذلك قررت وضع عائلة الشهيدة "منى" تحت المراقبة المستمرة من أجل حمايتهم، والبحث عن السبب الحقيقي خلف تربص رجال المافيا لهذه العائلة.

بعد عودة "ميرنا" إلى العمل؛ تم التفويض إليها كل أعمال المنظمة التي تخص العملية:

أولاً لأنها قائدة الفريق الوحيدة منذ بداية تشكيل الفريق.

وثانياً هي الشخص الوحيد الذي يسعى بإخلاص حتى يتم إيقاع الخائن الذي يخفي نفسه جيداً داخل المنظمة.

كان أعضاء الفريق ثمانية أشخاص عندما انضموا إلى المنظمة، تم أطلاق عليهم ألقاب مزيفة، وكانت تلك الألقاب على حسب ترتيب درجات تفوقهم في جميع الاختبارات.

كان لقب "ميرنا" داخل المنظمة هو "وان"، ولقب “منى” هو " تو"، ولقب "أمير، ثري"؛ وأحمد، فور"؛ والأربعة الآخرين كان لقبهم على حسب ترتيب مجموع التخرج.

كان قتل الرفيق "أمير" الملقب باسم "ثري" سبب بدء شك القيادة في وجود خائن داخل المنظمة، ولكن بسبب تسرب المعلومات الشخصية الحقيقية تم الشك في كل أعضاء الفريق.

بعد انتهاء الاجتماع وخروج الجميع من أجل مباشرة أعمالهم؛ ذهبت "ميرنا" بعد انتهاء حديثها مع "أحمد” إلى مكتبها بكل المستندات التي وضعها قائدها تحت مسئوليتها حتى تقوم بفحصها جيداً.

لكن فوجئت "ميرنا" بوجود شيء غريب كارثية داخل الملفات التي تركتها القائد، لذا أغلقت الحاسوب اللوحي، ونهضت من مكتبها بغيظ وهي تشتعل غضباً.

وذهبت إلى مكتب "أحمد" تسأله بغضب عارم:

- فور لماذا لم تخبرني عن هذا من قبل؟!.

- عما تتحدثين؟!

- أتحدث عن سفرك إلى روسيا خلال السنة التي تمت بها المهمة الليلة السابقة ليوم ذهبنا؟

فزع "أحمد" وقال بذهول:

- ميرنا هل تشكين بي؟!

- فور هل لدي سبب يمنعني من الشك بك؟

- وان كيف تشكين في؟

حدقت به وقالت بسخرية:

- إني الآن أشك بالجميع من ضمنهم أنت والقائد، والشخص الوحيد الذي أثق به هو نفسي.

- ميرنا أنا ليس الخائن.

- إذن أثبت ذلك يا فور؟

- لقد تم التحقيق في هذا الأمر من قبل وأثبتت براءتي.

- نعم هذا حقيقي، ولكن هذا التحقيق ليس مذكور في الملفات لماذا ذلك؟

- بما إنك ليست واثقة أو تصدقين براءتي لم استطع فعل شيء لكِ.

- إذا لما لا تريد أخبري بالحقيقة؟

- ما الذي تريدين معرفته؟

- لماذا سافرت إلى هناك في هذا الوقت؟ ولماذا ليس مذكور في الأوراق من قبل المهمة!

استمر يحدق بها بحزن وخيبة أمل بسبب شكها به الذي يحاصر عينها وأجابها:

- لا أستطيع أخبارك لأنها مسألة شخصية.

- وأن أصرت على معرفة السبب الذي تخفيه؟

- للأسف لم استطيع أخبرك عنه الآن، لذا لا تحاولين التدقيق في هذا الأمر أكثر من ذلك.

- لا أستطيع إهمال هذا الأمر.

- وان، ثقي بأني سوف أخبرك عن حقيقة هذا الأمر في يوماً ما.

- لماذا لا تجرب الآن؟!

- سيكون في يوم أخر للحديث عن هذه الأمر، ولكني أخبرتك بالحقيقة عندما قلت أني ليس الخائن، وأيضاُ برئ من دماء منى وأمير.

تنهدت "ميرنا" بحزن ويأس من هذا الرجل العنيد، وأجبرت نفسها على تقبل الأمر حالياً حتى تجد سبب لتحقيق مع “أحمد”.

قامت بإقناع نفسها أنها لا تستطيع إجباره على الاعتراف بما لا يريد البوح به.

نهضت "ميرنا" من الكرسي المقابل لمكتب "أحمد" ونظرت إليه بحدة تخبره:

- أحمد بما أني لا أستطيع إخراج هذه المعلومات التي أريدها من فمك، سوف أتركك تفعل ما تريده مؤقتاً.

عندما وجد "ميرنا" استسلمت عن سؤاله شعر بالسعادة وسألها:

- هل هذا يعني أنك تثقين بي الآن؟

- لا لم أثق بك أبداً.

- لماذا؟

- لأني لا أريد تشتت أفكاري بك منذ بداية التحقيق.

- لماذا هل تعتقدين أني لا استحق ذلك؟

- لأني سوف أترك أمرك للنهاية.

- إذن مازالتِ لم تثقين بي!

- بالطبع لم أثق بك.

تركت "ميرنا" المكتب غاضبة وثائرة، وقبل خروجها من الباب أخبرته بصوت مرتفع:

- هذا المكتب كبير جداً عليك أجمع أشياءك المملة وانتقل إلى مكتبي من الغد.

- حسنا كما تريد القائدة.

"كان “أحمد” يعلم أن “ميرنا” أخبرته بتلك الجملة لأنها تشعر بالقلق من أجله، ولا تريده أن يدفن نفسه بين ذكريات الماضي مع صديقه المتوفي التي تملأ كل أركان المكان.

بعد فترة ذهب "أحمد" إلى القائد وقال:

- سيدي هل بإمكاني الدخول؟

- أدخل يا فور.

- سيدي لدي طلب.

- ما الأمر؟!

- أريد تغير المكتب.

- ماذا تقصد؟!

- أريد تغير مكتبي ومكتب ميرنا من هذا الطابق إلى أبعد مكان عن مكاتبنا الحالية؟

- أظن أفهم ما قصدك.

- إذن؟!

- هذا الأمر كان يجب أن أقوم به من قبل أعتذر على إهمالي.

- لم أقصد ذلك سيدي.

- غداً سوف أنقل مكاتبكم الحالية إلى مكتب أفضل.

- شكراً سيدي.

- ولكن يا فور لمحت القائدة تذهب إلى مكتبك، وهي في منتهى الغضب هل علمت عن موضوع سفرك؟!

- نعم سيدي علمت عن ذلك الأمر.

- هل أخبرته الحقيقة؟!

- لا سيدي لا استطيع ليس الآن.

- إذن هل غضبت منك بشدة؟!

- نعم سيدي، وأخبرتني أنها لم تعد تثق في منذ الآن.

- هذا جيد يجب عليها ذلك حتى تستطيع إمساك الخائن، لذا لا تغضب منها يا فور.

- أعلم يا سيدي، وليس غاضباً من القائدة، ولكني أشعر بثقل داخل صدري من كل الغضب المكتوم بداخله الذي لا أستطع إخراج للخارج.

- أعلم بما تشعر ولكن أنتظر قليلاً وسوف أسلمك الخائن، وسوف يعاقب بالإعدام.

- سوف أثق بك سيدي، وانتظر يوم القصاص من هذا الخائن.

- حسنا سوف يجهز غداَ كل ما تريد أذهب إلى عملك الآن.

- أمرك يا سيدي أعذرني.

ثاني يوم دخلت "ميرنا" مكتبها، ووجدته فارغ من الأجهزة والملفات، ولا يوجد به غير الفارغ؛ فزعت وأسرعت إلى القائد تسأله:

- سيدي ما الذي يحدث؟ هل تم طردي!

- لا لم يحدث ذلك! لماذا تسألين؟

- إذن أين ذهب مكتبي!

- لقد تم نقلك في الطابق الثاني.

- لماذا؟!

- لأن تم ترقيتك، ويجب تغير مكتبك هذا شيء طبيعي.

- لا أريد سيدي أعد أشيائي كما هي إلى أماكنهم فوراً؟!

- لن يحدث ذلك.

- لماذا؟!

- لأنها أوامر لا استطيع العصيان.


كان القائد من فعل ذلك بنفسه بدون أوامر من أحد، لأنه عندما تحدث "أحمد" عن هذا الأمر تذكر أن هذه المكاتب بها ذكريات تربطهم بماضيهم المؤلم.

وأيضاً فعل القائد ذلك لأنه أراد القائد من الاثنان "أحمد وميرنا" أن يتخطوا الماضي، ويبدأُ في ممارسة حياة جديدة خالية من الهموم والأحزان.

غضبت "ميرنا" بشدة من تصرفات القائد دون علمها أو إعطائها فرصة في توديع هذه الذكريات، ولكن في النهاية استسلمت للأمر، وذهبت إلى المكتب الجديد.

دخلت "ميرنا" المكتب وهي تثور غاضباً تبحث عن شيء تقوم بتدميره، ولكنها وجدت بالداخل مكتبين في مواجهة بعضهما، ويجلس على أحدهما "أحمد" يمارس عمله على جهازه اللوحي بهدوء.

كان هذا الوقت الذي علمت به أن "أحمد" الذي كان خلف هذا الأمر، فذهبت إليه تسأله:
- فور هل أنت السبب؟ أنت من فعل هذا!

أكمل "أحمد" عمله دون الالتفات والنظر إليها، وأخبرها بلامبالاة:

- لا أعلم عما تتحدثين؟ لم افهم ما قصدك!

- علمت الآن إنه أنت خلف هذا الآمر، هل تنتقم من أجل الشك بك؟

رفع وجهه ينظر إليها بإحباط يسألها:

- ماذا تقصدين؟

- هذا المكتب الذي ظهر فجأة من الفراغ؟!

- لا أعلم فأنا مثلك فجئت بهذا.

ضحكت "ميرنا" بسخرية، ورمقته بنظرة حادة ممتلئة بالغضب وقالت:

- هل تلعب معي؟ حسنا كما تريد، ولكن تذكر جيداً أنت من بدأ ذلك.

ذهبت "ميرنا" تجاه مكتبها الجديد الذي وجدته في أفضل ركن داخل المكتب، وجلست على كرسيها تحديق في "أحمد" بغضب، وبعد الانتهاء من ترتيب أشياءها قالت:

- فور لنجتمع الآن.

ترك "أحمد" عمله على جهازه اللوحي، وأمسك مدونة ملاحظاته الخاصة وقلم، ونهض من كرسيه يجاوبها:
- أنا جاهز.

كان داخل المكتب الجديد غرفة منفصلة خاصة للاجتماعات صغيرة الحجم.

داخل "أحمد" أولاً الغرفة، وبعد ذلك لحقت به “ميرنا”، وهي تحمل بيديها جهازها اللوحي الذي بداخل كل المستندات والملفات الخاصة بالمهمة.

جلست "ميرنا" على كرسي القيادة على رأس طاولة الاجتماعات، وبدأت في فتح الملفات التي تعمل عليها، وكان "أحمد" يجلس بجوارها.

بدأت “ميرنا” في التحدث وقالت:
- سوف نبدأ الآن بملف أدهم الشرقاوي.

- تمام.

- لماذا رغم كل هذه الملفات أشعر بوجود معلومات مفقودة.

- لماذا؟

- لا أعلم ولكني أظن أننا محتاجين فحص أكثر خلف هذا الرجل.

- ولكن هل قابلتي أدهم زوج منى من قبل؟

- لا لم أفعل.

- لماذا؟!

- لم يأتي الوقت المناسب لفعل ذلك.

- كيف ذلك؟ لقد كانت صديقتك المقربة لأكثر من عشر سنوات!

- بسبب العمل واختلاف مواعيدنا العكسية مع “تو” هل نسيت كن نشكل فريق واحد، كانت أجازتنا مختلفة معاكسة لبعضها، لذا لم يكن لدي وقت لرؤية عائلتها.

- وماذا عن طفلتها ميرنا؟!

- للأسف قابلتها مرات قليل، ولكنها كانت صغيرة جدا.

تنهد "أحمد" بإحباط وقال:

- إذن كيف سوف نقترب من هذه العائلة؟ وأنت شخص غريب بالنسبة إليهم لم يقابله من قبل!

- لا أعرف ولكني سأجد طريقة، ولكن أتذكر هناك مرة قابلت زوجها.

- متى؟.

- كان أثناء الزفاف.

- هل يعلم أنك صديقة زوجته؟!

- لا أظن ذلك، لأنها كانت بالصدفة أمام دورة المياه.

- وان سوف تتسببين في قتلي من تصرفك المهملة هذه.

- لا تقلق سوف أجد حل.

- ما هو؟!

- سوف يكون صعب الآن.

- سنكتفي الآن بالمراقبة عن بعد حتى نجد شيء مشبوه.

- إذن نراقب دون التدخل في حياتهم، ونقترب منهما بهدوء.

- أظن ذلك أيضاً.

- هل سوف تخبرهم عن عمل منى الحقيقي؟!

- هل يمكنني الامتناع عن الإجابة؟

- لماذا؟!

- لأني لا أعلم ما يجب علي فعله سوف أترك الأمر للقدر.

- حسناً هذا الأمر لا يهم الآن هناك ما هو أكثر أهمية.

- ما الذي يحدث؟

- أظن هناك تحركات مشبوهة بجوار الطفلة، وأشك في تحركات المربية.

- هل بحثت في خلفيتها؟

- نعم، ولكني لم أجد شيء مريب.

- إذن سوف أضع فريق يراقب الطفلة ليل نهار، وفريق آخر يراقب الوالد.

- هذا جيد، ولكن ماذا عنا؟ ماذا نفعل!

- سوف نسافر إلى روسيا.

- لماذا هذا السفر المفاجئ؟

- سوف تعلم لاحق، والآن أستعد للسفر.

صمت "أحمد" رغم وجهه الذي كان يظهر عليه تساؤلات كثيرة دون أن يتحدث، ولكن عندما رأته “ميرنا” بهذه الطريقة سألته بفضول:

- ما الأمر يا فور؟

- كيف سوف نترك فريق آخر يراقب الطفلة ووالدها ونسافر.
- وما الخطأ في ذلك؟

- لأني لم أعد أثق في أحد وأشعر بالخوف.

- لماذا؟

-لأنها من الممكن أن تكون عرضة للخطر؟!

- أعلم ما الذي أقوم به.

- لا أظن ذلك.

- هل تعلم سبب اختياري لأعضاء الفريق من أجل المراقبة للطفلة ووالده؟ لأن وجود الخائن سوف يكون أمان للطفلة.

- وماذا عن الطفلة سوف تكون حياتها في خطر !

- لا تقلق هذه الطريقة الوحيدة التي أقوم بحماية حياتها.

- وكيف ذلك؟!

- لأن الخائن أن كان بين أعضاء الفريق لم يتسبب بإيذاء للطفلة من أجل حماية نفسه، لذا سوف يفعل المستحيل من أجل حمايتهم الآن حتى لا يقع في الفخ ويكشف نفسه.

- هل تظن ذلك؟

- أنا متأكدة من ذلك.

- أذهب الآن جهز نفسك للسفر يا فور.

- أمرك سوف أذهب الآن، وتجهيز الأوراق اللازمة.

خرج "أحمد" من الغرفة كي يستعد ويجهز، ويسرع إجراءات السفر، ولكن قلة الاهتمام الذي أظهرتها "ميرنا" تجاه عائلة "منى" جعلته يشعر بالإحباط منها.

كانت"ميرنا" في نفس الوقت ترتعش خوف رغم إظهار قوتها، كانت مشاعرها الحقيقية تجاه الأمر متذبذبة.

وجعلها ذلك الإحساس تشعر بالخوف والقلق الدائم على هذه الطفلة المسكينة التي تركتها لمصيرها وقدرها.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي