الفصل الرابع رسالة مؤلمة

عندما يكتشف المرء أن السعادة والحب الذي كان يعيشهما ليست سوى سرآب، حينها تصبح الصدمة قوية للدرجة التي تجعل المرء لا يثق في أي شخص آخر.

شعر سليم أنه كالضال الذي يسير فوق رمال الصحراء الملتهبة، ليس معه ما يروي به ظمأه، فنظر أمامه ليجد عيون من المياه المتدفقة، وما إن أسرع نحوها حتى اكتشف أنها ليست سوى سراب.

جلس سليم فوق الربوة مصدومًا، تراوده التساؤلات العديدة:
—هل حقًا كل هذه المشاعر والأحاسيس التي شعرت، ليست سوى سرآب؟! هل كانت تلك الفتاة بارعة لهذه الدرجة في التلاعب بقلبي وبقلب أخي من بعدي؟!

شعر سليم أن رأسه كاد أن ينفجر فطأطأ رأسه لأسفل وأسندها بيده، فجأة شعر بيدٍ تربت على كتفه، إلتفت ليجدها روح وقد نظرت إليه وعيناها مليئتان بالحزن والأسى وحدثته:
—كنت أعلم إنني سوف أجدك هنا؛  لانه المكان الذي كان يجمعنا سويًا، وأصبح شاهدًا على ارقى مشاعر الحب والهيام بيننا.

نظر سليم إليها وعلق قائلًا:
—كانت بداخلي مشاعر طفولية ساذجة، جئت إلى هنا لألقي بها من فوق هذه الربوة.

انهمرت الدموع من عين روح وقالت:
—مشاعر ساذجة! أتصف أنقى وأطهر مشاعر بالساذجة؟!

ابتسم سليم وقال:
—لديك حق فيما تقولين، ليست مشاعر ساذجة، بل نزوة وجئت إلى هنا لأتوب وأتطهر منها.

أنهى سليم كلماته الجارحة وغادر المكان بينما ظلت روح فوق الربوة تبكي وتنعي قلبها.

(وبعد مرور شهر)
اجتمع سليم مع رجال أخيه بدر الذين قدموا له الولاء والطاعة، طلب منهم سليم أن يقوموا بإخباره بكل ما لديهم من معلومات، خاصة عن نادي العدوي الذي يعلم الجميع أنه هو من يقف خلف مقتل بدر الجوهري.

بعد انتهاء الاجتماع جلس سليم يفكر فيما ينوي فعله، وقف أمام إحدى الصور المعلقة على الجدار والتي تخص بدر الجوهري ثم علق:
—أخي، أعلم أن روحك لن تهدأ حتى أقتص من ذلك المجرم القاتل، أعدك إنه من اليوم لن يهنأ يومًا واحدًا.

تذكر سليم كيف كان أخيه يهتم به ويحبه فحدثه قائلًا:
—لقد أدمى موتك قلبي، وبرحيلك رحلت سعادتي، لا أعلم إن كانت عودتي مبكرة قليلًا، هل كان ليحدث ما حدث؟
أخي، هل تعتقد أنه كان بإمكاني أن أتعايش مع زوجة أخي التي يعشقها قلبي؟!

دلفت العمة وقد بدى عليها الضيق والغضب، نظرت إليه وقالت:
—سليم، أريد أن أعرف، هل أنت حقًا تجهل ما تفعله دون أن تدري ام إنك تتجاهل عن عمد؟!

سليم وقد بدى عليه التعجب سألها:
—عمتي، ماذا بكِ هل صدر مني ما يثير غضبك؟!

علقت العمة وقالت:
—فرحة.

نظر سليم إليها وحدثها:
—فرحة أختي! ماذا بها؟!

تحدثت العمة بنبرة قاسية يملؤها الغضب:
—سليم، منذ أن عدت إلى هذا المنزل، هل سألت خلالها عن فرحة ؟! وعن أحوالها بعد وفاة أخيها الذي لم يكن أخًا فقط، بل كان الأب والسند بالنسبى لها.

هل دلفت يومًا إلى غرفتها تتفقد أحوالها بعد وفاة أخيها؟ هل سألت يومًا لتعرف السبب وراء تخلفها عن القدوم لتناول الطعام معك؟!

شعر سليم بالخجل وقبض على يده من الضيق ثم قال:
—عمتي، أعلم إنني أخطأت، ولكنني أعلم أنكِ تهتمين بها كثيرًا.

نظرت العمة سميرة إليه وعلقت:
—بني، لم يعد لديك من الأخوة سوى فرحة، رجاءً اهتم بها وأشملها بعطفك وحنانك، لا تجعلها تشعر أنها بفقدها لبدر فقدت كل شيء لديها.

ابتسم سليم وقال:
—حسنًا عمتي، أعدك بأنني سوف أهتم بشئونها ولن اقصر معها مرة أخرى.

ربتت العمة على كتف سليم وقالت:
—بني، لن أعيش لكما كثيرًا، وأريد أن اطمأن على علاقتك بأختك، إذهب إليها ولا تخبرها إنني السبب في اهتمامك بها؛ دعها تشعر أن هذا الأهتمام نابع من داخلك.

ابتسم سليم وامسك بيد عمته، قام بتقبيلها ثم قال:
—عمتي، حفظك الله وبارك بعمرك، سوف أذهب لآن لرؤيتها.

اتجه سليم صوب غرفة فرحة، طرق باب الغرفة، ثم دلف إلى داخلها، ولكن لم يجدها وسمع صوتًا في المرحاض فعلم أنها داخل المرحاض، قام بوضع الحلوى التي تميز بها على فراشها، وبجوارها وضع روقة صغيرة كتب فيها: "اعتذر واشتقت اليكِ"

غادر سليم الغرفة، ولكن حدث ما لم يكن يتوقعه فقد حدث تبديل في الغرف وبناءً على طلب فرحة انتقلت إلى غرفة أخيها بدر وأخذت روح الغرفة الخاصة بفرحة.

أثناء مرور سليم من أمام غرفة أخيه بدر أستوقفه صوت بكاء، ظن لوهلة أنها روح امسك بالمقبض الخاص بالغرفة ولكنه تركه وإلتفت ليرحل إلى خارج المنزل.

فجأة استوقفه صوت فرحة وهي تبكي وتقول:
—أخي، لقد انقطعت صلتي بهذا العالم منذ أن رحلت عنه، لم يعد أحد يعبأ ويهتم بي.

انتابت فرحة حالة من الحزن الشديد والآسى على رحيل بدر، فتحدثت:
—أخي، أشعر بالبرد والصقيع يجتاح حياتي، لم يعد لدي رغبة في البقاء بهذه الحياة التي تخلو من وجودك، لم يعد من يناديني "بفرحتي" كما كنت تفعل أنت.

تلألأت الدموع في عين سليم وقام بالطرق على باب الغرفة، اسرعت فرحة بمحو دموعها وقال:
—تفضلي عمتي تستطيعين الدلوف.

دلف سليم إلى داخل الغرفة وما إن رأته فرحة حتى إلتفتت في غضب وحزن.

اسرع سليم بالوقف أمامها فاسرعت بالإلتفاف بوجهها بعيدًا عن وجهه، ابتسم وأمسك وجهها بيده برفق وحدثها:
—فرحة، لا يمكنك حرماني من النظر عبر عيونك التي تشعرني بالراحة والحنان.

أمسكت فرحة بيده وابعدتها عن وجهها وقالت:
—اخي، لم تعد عيناي تشعر الناظر إليها بالراحة والحنان، بل ما إن تنظر إليها فلن تجد سوى الدموع والحزن.

ربت سليم على يد فرحة وعلق قائلًا:
—حبيبتي أود أن أعتذر إليكِ؛ فلم أهتم بك وشغلتني أحزاني فزدت من أحزانك.

نظرت فرحة إلى أخيها وقالت:
—سليم، هل قامت عمتي بالتحدث إليك بشأني؟

ابتسم سليم وقال:
—هل معنى إنني اشتقت إليكِ وجئت لرؤيتك أن عمتي هي التي دفعتني لذلك؟!

شعرت فرحة بالإرتياح لحديث أخيها فقالت:
—أخي، لقد قمت بسؤالك لأنك لم تكن تعلم أن هذه الغرفة صارت لي، ومع ذلك جئت إليها؟! أخي لقد قمت باستبدال غرفتي بهذا الغرفة.

نظر سليم إلى فرحة ثم قام بوضع ذراعه حول رقبتها وقال:
—لقد ذهبت إلى غرفتك ولكن بعد أن دلفت إلى داخلها لم أجدك وسمعت صوت داخل المرحاض فظننت أنك بداخله ف....

وهنا تذكر سليم الحلوى والرسالة التي تركها بجوارها، شعر بدقات قلبه تتزايد وعلق قائلًا:
—فرحة، من بغرفتك؟

علقت فرحة وقالت:
—سليم، إنها روح زوجة أخي بدر.

ما إن سمع سليم أسم روح حتى وضع يده فوق رأسه، نظرت إليه فرحة وقالت:
—أخي، ما الأمر؟!

نظر سليم إلى فرحة وقال:
—فرحة، عندما دلفت إلى داخل الغرفة ظننتك داخل المرحاض، فتركت لكي بعض من الحلوى إلى جانب رسالة أخبرك فيها إنني أعتذر وأشتاق إليكِ.

ابتسمت فرحة وعلقت قائلة:
—لا داعي للقلق، سوف أذهب وأحضرها قبل أن تخرج روح من المرحاض.

أسرعت فرحة إلى غرفة روح، طرقت باب الغرفة ودلفت إلى داخل الغرفة، نظرت فإذا بالرسالة في يد روح  تقوم بقراءتها وقد علت الابتسامة وجهها وشعرت بأن الحياة عادت بسعادتها إليها.

أسرعت فرحة وقامت بنزع الورقة من يد روح.

نظرت روح إلى فرحة وقد بدى عليها التعجب فحدثتها فرحة وقالت:
—روح، هذه لي، لقد تركها لي أخي سليم ظنًا منه أن الغرفة تخصني.

أومأت روح برأسها وعلقت قائلة:
—لقد عرفت ذلك، بالطبع هي لكِ، فمن ذا الذي يحضري لي هذه الحلوى او يكتب لي هذه الكلمات الرقيقة.

غادرت فرحة غرفة روح بعد أن أخذت منها الرسالة والحلوى، وتركت لها الحزن والأسى.

جلست روح على فراشها تتذكر الحلوى التي كان يحضرها سليم وكم كانت سعادتها بها تمنت روح لو كانت هذه الكلمات الرقيقة لها هي دون غيرها.

عادت فرحة إلى أخيها سليم وقد علت الابتسامة وجهها وقالت:
—أخي، لقد أحضرت أشيائي.

ابتسم سليم وقال:
—هل عثرتي عليهم كما أخبرتك على السرير ؟

علقت فرحة وقالت:
—لا، بل كانوا بحوذة روح كانت ممسكة بالحلوى وهي تقرأ الرسالة  مبتسمة الثغر، عندما دلفت إلى غرفتها قم بإخبارها أن هذه الأشياء خاصة بي وأنك قد احضرتها إلي.

ربت سليم على رأس أخته وحدثها:
—فرحة، لا أريد للدموع أن تعرف طريقها إلى عينيكي، ولا أن تفارق الأبتسامة ثغرك.

أومأت فرحة برأسها وقالت:
—أخي، إن أردت ألا تفارق الابتسامة ثغري فلا تبتعد عني.

ضم سليم  أخته إلى صدره بحنان وقال:
—حبيبتي، اطمأني لن ابتعد عنكي وسأظل إلى جوارك، فلم يعد لي سواكي.

شعرت فرحة بالإرتياح والسعادة، فقد احست أن الله أرسل لها أخيها سليم ليعوضها فقد أخيها بدر.

وضع سليم قبلة حانية على جبين فرحة وقال:
—فرحة، سوف أغادر؛ فلدي الكثير من الأعمال التي علي أن أنجهزها.

نظرت فرحة وقد تلألأت الدموع في عينيها وقالت:
—أخي، هل ستترك قاتل أخي دون أن تثأر منه؟

ابتسم سليم وعلق:
—فرحة، أخيكي رجل ولن يترك قاتل بدر دون أن ينال عقابه، نحن لم نأخذ عزاء بدر بعد تذكري ذلك.

ابتسمت فرحة وعانقت سليم وقالا:
—أخي، إنني أحبك كثيرًا.

قبل سليم جبينها وقال:
—وأنا أيضًا أحبك أكثر من روحي.

غادر سليم منزل الجوهري، وما إن خرج من المنزل حتى أشار إلى رجاله واستقل الجميع السيارات.

استقل سليم سيارته وبجواره رعد اليد اليمني لأخيه بدر نصار الجوهري.
نظر سليم إلى رعد وحدثه:
—رعد، هل كل شيء كما تم التخطيط له؟

ابتسم رعد وقال:
—أجل سيدي لقد تم الإعداد لكل شيء.

ابتسم سليم وعلق قائلًا:
—حسنًا لنرى ما الذي سيحدث؟ اتمنى أن أنتهي من هذا الأمر بأسرع ما يمكن.

نظر رعد إليه وقال:
—سيدي، يسعدني أن يكون هذا العمل هو بداية العمل المشترك بيننا.

وصلت السيارات إلى الجبل نزل سليم من سيارته، إلتف حوله رجاله في مشهد مهيب، نظر سليم حوله فهذه هي المرة الأولى التي يتواجد فيها في قلب الجبل.

نظر إلى رعد وحدثه:
—رعد هل هذا هو المكان الذي تم الأتفاق عليه؟

أومأ رعد برأسه وعلق قائلًا:
—أجل سيدي إنه المكان الذي سيتم اللقاء فيه ولكننا جئنا قبل الموعد حتى نقوم بمعاينة المكان.

ابتسم سليم وصاح في رجاله قائلًا:
—اليوم لا بد أن يمر كما خططنا له لا أريد أي خطأ، والآن لا أريد أن أرى سيارة واحدة من هذه السيارات، أسرعوا وقوموا بإخفاءها، ولا تنسوا أرتداء الاقنعة.

أسرع الرجال بإخفاء السيارات، دنا رعد من سليم وحدثه:
—سيدي، بدأت الوفود تتوافد لا بد أن نسرع في الأختباء.

أومأ سليم برأسه وقال:
—حسنًا، قم بإعطاء أوامرك لرجالك لا يتحركوا دون إشارة مني.

إختبيء سليم وجميع رجاله في مكان يستطيعوا من خلاله رؤية كل ما يحدث.

وصل الكثير من الرجال قاموا بمراقبة المكان، بعد قليل وصلت سيارة تبعتها سيارة أخرى ونزل منها بعض الرجال، تم تبادل الكثير من الأسلحة بالمواد المخدرة.

أشار سليم إلى رجاله الذين ارتدوا الأقنعة كما أمرهم ، فجأة انقض سليم ورجاله وقاموا بإمطار الرجال بوابل من الرصاص.

بعد قليل أصبح  جميع الرجال الآخرين مصابين وقد تم جميع الأسلحة التي بحوزتهم ووضعها بعيدًا عنهم، فقد كانت أوامر سليم ألا يتم قتل أيًا منهم ولكن يتم إطلاق النار على أقدامهم؛ حتى لا يستطيعوا الفرار.

تطلع سليم إلى المصابين،قام بالترجل بين المصابين وقد ارتدى هو الآخر قناع الثعلب إلى أن وصل إلى أحد الرجال.

وقف سليم أمام الرجل المصاب، دنا منه ثم همس إليه بشيء فارتعد الرجل وقال:
—أرجوك لا تقتلني سوف أفعل كل ما تريده، خذ السلاح والبضاعة هي لك ولكن لا تقتلني.

ابتسم سليم واخرج سلاحه وقام باطلاق النار على رأس الرجل فارتده قتيلًا.
اسرع رعد وهمس إلى سليم قائلًا:
—سيدي، الشرطة في طريقها إلى هنا، لا بد أن نغادر المكان بسرعة

أشار سليم لرجاله بسرعة المغادرة، وأثناء مغادرته يتم إطلاق النار عليه فيسقط أرضًا.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي