الفصل الثامن مفاجأة غير متوقعة

بدأت التحضيرات لحفل زفاف ليث وروح رغمًا عنها؛ فقد قام ليث بسجن روح داخل إحدى الغرف وحدث والدتها قائلًا:
—لا تسمحي لها بمغادرة المنزل حتى يتم عقد القران.

كانت الأم سعيدة بهذه الزيجة التي تظن انها بذلك سوف أفواه الذين يتحدثون عن ابنتها ويقولون: "إنها فأل شؤم على من يتزوجها".

رحبت الأم بتجديد ليث لطلبه بالزواج من ابنتها روح على الرغم من محاولات روح المتكررة لإقناع والدتها بالعزوف عن هذه الفكرة؛ فهي لا تريد هذه الزيجة حتى لو اضطرت للبقاء بدون زواج بقية عمرها.

دلفت الأم إلى داخل الغرفة الخاصة بروح، فوجدت الطعام كما هو نظرت إلى ابنتها وحدثتها قائلة:
—روح، ألا زلتِ تصرين على عنادك؟

نظرت روح إلى والدتها وحدثتها قائلة:
—أمي، لست بطفلة صغيرة تفرضين عليها طعامًا لا تريده، انني حرة أقرر مصيري كيفما أريد، لا تستطيعي أن تفرضي علي الزواج من ذلك الشخص الذي ابغضه بشدة.

دنت الأم من ابنتها في محاولة منها لإمتصاص غضبها، ثم حدثتها قائلة:
—ابنتي، لن أعيش عمرًا طويلًا، انتي تعلمين إنني مريضة، أريد أن أطمئن عليكِ مع رجل يحميكي.

نظرت روح إلى والدتها وقد بدى عليها التعب من امتناعها عن الطعام وقالت:
—تريدين أن تطمئني علي، اطمئني لن اتناول طعامًا أو شرابًا حتى ينتهي بي الأجل، وحينها لن يكون قلبك قلق بشأني.

شعرت الأم بالضيق وعلقت قائلة:
—ما زلتي تصرين على عنادك، أن تموتي جوعًا خير لي من أن تصبحي علكة في فم أهل البلدة ويصفونك بالمرأة المشئومة.

يقف ليث بالخارج يستمع لحديث الأم مع ابنتها، علت الابتسامة وجهه وحدث نفسه قائلًا:
—يبدو أن الحيلة قد أتت بثمارها.

عودة للخلف.
جلس ليث يتحدث مع زوجته وداد ويقول:
—لا بد من أن اتزوج من روح ابنة عمي، ربما تستطيع أن تنجب لي الولد الذي عجزتي أنت عن انجابه.

شعرت وداد بالغضب وعلقت قائلة:
—عدم قدرتي على الإنجاب ليس من شأني إنها قدرة الله.
ربت ليث على كتف زوجته وحدثها قائلًا:
—أعتذر إليكِ حبيبتي، لم أكن اقصد ما تحدثت به، ولكنني أرغب في الزواج حتى انجب من يورثني.

شعرت الزوجة بالغيرة وعلقت قائلة:
—تستطيع أن تتزوج من أي فتاة أخرى، ولكنني أراك شديد الاصرار على الزواج بروح التي لا تبغي الزواج منك؟!

علت الابتسامة وجه ليث وعلق قائلًا:
—روح، ابنة عمي وليس لها من الأقارب سواي، عندما تنجب لي الولد سوف اطلقها ولكن بعد أن استولي على كل ما لديها من املاك، حينها لن تجد من يقف بجوارها.

أومأت وداد برأسها وعلقت قائلة:
—ليث، هل ستقوم بتطليقها بعد أن تنجب لك الولد؟!

ابتسم ليث وعانق زوجته، ثم قال:
—بالطبع سوف أفعل ذلك، وحينها ستكونين أنتِ أمه.

شعرت وداد بالسعادة وباتت تحلم بكونها أم لطفل تحمله وتربيه حتى لو لم يكن من رحمها، ثم علقت قائلة:
—ليث، لدي حيلة نستطيع أن نفعلها، حتى تجبر الأم ابنتها على الموافقة بالزواج منك.

نظر ليث إلى زوجته وقد بدى عليه التعجب وعلق قائلًا:
—وما هذه الحيلة؟!

ابتسمت وداد وقالت:
—سوف نشيع في البلدة أن روح فأل شؤم لمن يتزوج بها، وأن أي شخص يرتبط بها سوف يكون مصيره كمصير بدر نصار الجوهري.

رفع ليث حاجبيه لأعلى ثم علق قائلًا:
—وداد، هل تعتقدي أن هذه الحيلة ستجدي نفعًا؟!

ابتسمت وداد وبدهاء ومكر علقت قائلة:
—دع هذا الأمر علي وسوف ترى بنفسك النتيجة.

عودة للواقع.
تذكر ليث ما قالته زوجته وعلت الابتسامة وجهه وحدث نفسه قائلًا:
—حقًا الشيطان تلميذ المرأة.

غادر ليث منزل روح دون أن يشعر به أحد.

ما إن وصل نبأ الإستعدادات التي تتم  لعقد قران روح وليث إلى فرحة، حتى أسرعت بالاتصال على روح التي حدثتها قائلة:
—فرحة، أعلم أن اتصالك هذا بشأن ما وصلك من أنباء.

تحدثت فرحة وعلقت قائلة:
—روح، اخبريني ما الذي يحدث معك؟!

تلألأت الدموع في عين روح وعلقت قائلة:
—تحاول أمي اجباري على الزواج بابن عمي، ليس هذا فحسب بل تم حبسي داخل غرفتي لا يسمح لي بمغادرتها، حتى أبدي موافقتي على الزواج بابن عمي.

شعرت فرحة بالحزن وعلقت قائلة:
—روح، لا يمكنك ان تقومي بالموافقة على هذه الزيجة.
ابتسمت روح ابتسامة ساخرة ثم علقت قائلة:
—أخشى ألا أستطيع الصمود أكثر من ذلك، لقد قمت بالآضراب عن الطعام والشراب، لكنني لا أرى أن ذلك يمثل شيئًا عند أم لا يهمها سوى ما قيل وما سيقال.

شعرت فرحة بالأسف لما تعاني منه روح وحدثتها:
—روح، أعدك بأنني سوف أحاول ان أقدم لكِ يد العون بقدر استطاعتي.

ابتسمت روح وعلقت قائلة:
—لا تقحمي نفسك في مشاكلي، احيانا أحدث نفسي وأقول"جميع الرجال بعد سليم كبعضهم البعض، وليس هناك ما أخسره بزواجي من ليث فخسارتي الكبرى كانت سليم.

أنهت فرحة مكالمتها الهاتفية مع روح، جلست تفكر فيما عليها فعله حتى تنقذ روح من هذه الزيجة وحتى تجبر أخيها على الخروج من صمته والتحرك لإنقاذ حبه.

انتظرت فرحة حتى عاد أخيها من عمله، وبعد تناوله الغداء، جلست وتحدثت معه وقالت:
—أخي، روح قامت بالاضراب عن الطعام والشراب.

نظر سليم إلى أخته وقد بدى عليه التعجب وعلق:
—وما السبب وراء ما تدعيه من اضراب؟!

علقت فرحة وقالت:
—أخي، تمارس عليها والدتها ضغوطًا كبيرة لإجبارها على الموافقة على الزواج من ابن عمها.

أومأ سليم برأسه ولم ينطق بحرف واحد، نظرت إليه فرحة وحدثته قائلة:
—أخي، هل ستقف على حياد هكذا دون أن تمد لها يد العون؟!

قبض سليم على يده وحاول أن يتمالك نفسه ثم تحدث قائلًا:
—هذا الأمر ليس من شأني، دعيها تتصرف كما تريد، فلديها من الحيل ما يجعلها تصل إلى هدفها بسهولة ويسر.

شعرت فرحة بالغضب وتحدثت إلى أخيها قائلة:
—لم اكن اتخيل أنك تسيء الظن بها إلى هذه الدرجة.

ابتسم سليم وعلق قائلًا:
—حبيبتي، أنتِ من تحسنين الظن بمن لا يستحق.

لم تجد فرحة جدوى من حديثها مع أخيها سليم فحدثته قائلة:
—أخي، استأذنك بالذهاب إلى غرفتي، ولكن قبل أن أنصرف أحب أن أخبرك بموعد عقد قران روح الذي قامت والدتها بتحديده رغمًا عنها، إنه يوم الخميس القادم، أي بعد يومين.

غادرت فرحة وتركت لأخيها الحرية في أن يقرر ما الذي يريده.

جلس سليم شاردًا وبعد فترة تحدث قائلًا:
—ليس بإمكاني فعل شيء، روح، فلتجني ما قمتي بزراعته.

دلفت فرحة إلى غرفة العمة سميرة وقد بدى عليها الحزن، نظرت إليها عمتها وحدثتها قائلة:
—فرحة، ماذا بكِ يا حبيبتي، يبدو عليك الحزن؟

جلست فرحة تقص على عمتها ما يحدث مع روح فعلقت العمة قائلة:
—على الرغم من إنني لم أن أحب تلك الفتاة إلا إنني أشعر بتعاطف شديد معها، ما رأيك أن أذهب إلى والدتها وأتحدث معها  في هذا الشأن؟

نظرت فرحة إلى العمة سميرة وعلقت قائلة:
—عمتي، لا أرى أن هذا سوف يجدي نفعًا مع تلك المرأة.

داخل منزل رعد.

جلس رعد يتحدث مع حسان (إحدى رجاله المقربين) ويقول:
—حسان، هل ترى أن ما أشعر به من مشاعر تجاه فرحة يعد خيانة لسليم؟

نظر إليه حسان وقد بدى عليه التعجب وعلق قائلًا:
—رعد، أنت لم تفعل شيء حتى تقول هذه الكلمات، حبك لفرحة حب طاهر نقي، لم تفعل ما يجعلك تؤنب نفسك هكذا، أنت تود أن ترتبط بها أليس كذلك؟!

اومأ رعد برأسه وقد شعر بالإرتياح لحديث حسان، ثم علق قائلًا:
—أجل إنني أود أن أرتبط بها، وليس هذا من أجل ما تملكه فأنا كما تعلم لدي ما يكفي، وإنما أتشوق لليوم الذي أتحدث فيه مع سليم ويوافق على زواجي منها حينها لن تسعني الأرض من السعادة، ولكن بداخلي رهبة وخوف ان يرفض سليم طلبي بالزواج منها.

ربت حسان على كتفه رعد وحدثه قائلًا:
—رعد، كل شيء بمقادير، إن كانت هي قدرك فلن يستطيع أحد ان يفرق بينكما، أما إن كانت غير ذلك فمهما حاولت لن تكون لك، حينها ليس بوسعك سوى أن تقول: "لعله خير".

فوق الربوة يجلس سليم في واحدة من أجمل الأماكن في بلدته، هذه الربوة التي شهدت على أجمل الأيام التي قضاها سليم، أوقات الحب والهيام التي عاشها مع روح، كانت روح في عينه حين كالملاك، اما الآن فقد تبدلت المشاعر بداخله ولم يعد الملاك كما هو ملاك بعينه، بل تبدل إلى شيطان. تعرق وجهه بشدة فوضع يده في جيبه ليخرج منديلًا، فإذا بالمنديل الخاص بروح(هذا المنديل الذي كانت روح قد القت به إليه في ليلة ذهابه لأداء واجب الخدمة الوطنية).

نظر إلى المنديل الذي بدى عليه بعض آثار الدماء، تذكر سليم ما فعله هذا المنديل به، عندما تصادم القطار الذي كان يستقله بآخر قادم بالاتجاه المعاكس على نفس الخط.

تذكر سليم الذعر الذي حل بركاب القطار وكيف ألقى البعض بنفسه من القطار قبل لحظة التصادم، لقد كان سليم ضمن هذه المجموعة، أسرع بإلقاء نفسه من القطار وظل يتدحرج على الأرض حتى اصطدم بشجرة افقدته الوعي، في حين تصادم القطاران تصادمًا مروعًا.

تذكر سليم قبل أن يلقي بنفسه من القطار، لم يكن يفكر سوى بشيء واحد، ألا وهو روح.

وعندما استعاد وعيه فوجيء بنفسه في بيت رجل وجده غارقًا بدماؤه وكان عليه ان يوقف تدفق الدماء من رأسه، فإذا بالمنديل بيد سليم كان ممسكًا به بقوة رغم فقدانه الوعي.

امسك الرجل بالمنديل وقام بربط الجرح بقوة حتى يسيطر على الدماء المتدفق.

نظر سليم إلى المنديل وتحدث قائلًا:
—كنت سببًا في نجاتي وعلي ان أرد لصاحبتك هذا الجميل.

بعد مرور يومين.
تزين بيت الناجي استعدادًا لعقد قران روح وليث، من المقرر بعد ذلك أن يصطحب ليث زوجته الثانية روح إلى بيته.

الجميع أصبح على أهبة الأستعداد، عدا روح التي بدت في حالة لا يرثى لها.

دلفت إليها والدتها وحدثتها قائلة:
—رروح، الوفود بدأت في التوافد لقد اوشك عقد القرآن على الإنعقاد، كل ما أريده منكِ أن تقومي بإرتداء هذا الثوب والخروج إلى عريسك المنتظر.

نظرت روح إلى والدتها نظرة حادة مقتضبة وعلقت قائلة:
—لم أكن أعلم أنك بكل هذه القسوة يا أمي.

دنت الأم من ابنتها وقالت:
—كل ما يهمني ألا يسيء أحد إليكِ وأن أخرس جميع الأفواه التي تتحدث عنكِ بالسوء.

لم تجد روح أمامها سوى أن قامت بالإمساك بثوب الزفاف وإرتداءه

جاءت موعد عقد القران وما إن بدأ الشيخ في عقد القران حتى دلف سليم وفاجىء جميع الحضور وخاصة روح وفرحة أخته.

دلف وقد بدى عليه الغضب وصاح في الشيخ الذي يقوم بعقد القران قائلًا:
—أيها الشيخ، كيف تجرأ على عقد قران امرأة لم يمر على وفاة زوجها سوى ثلاثة أشهر.

وما إن سمع المأذون بذلك حتى نهض مفزوعًا وتحدث قائلًا:
—لقد اخبروني أن زوجها لم يدخل بها.

نظر سليم إلى روح وتحدث قائلًا:
—لقد اخبرني أخي وهو في الرمق الأخير أنه دخل بكِ، هل حدث ذلك أم لا؟

احمرت وجنتيي روح ونظرت نظرو غاضبة فأسرعت إليها فرحة وقامت بالضغط على يدها ففهمت روح أنها حيلة من سليم.

علت الابتسامة وجهها وعلقت قائلة:
—اجل لقد بني بي زوجي بدر رحمة الله عليه.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي