٦

وفجأة غضبَ مارك وضرب يده بحائط المركبة؛ ليصرخ من الألم، أما أنا فركضت وجلبت علبة الإسعافات الأولية المتوفرة في المركبة؛ لأعالج جرحه.

مارك بنزق:
_لا أحتاج مساعدتك.

_مارك ماذا بك اهدأ.

قمت بعلاجه رغماً عنه ثم تابعت تجهيز طعامهم، وبعدها بدأ الجميع الأكل بشراهة..

قال بيلي:
_امممم، ما أطيب هذه النباتات.

جون:
_ تخيلت أننا نجلس على مائدة الطعام ونتناول اللحم المشوي.

فسأل جاك:
_صحيح نسينا أمر كائنات هذا الكوكب، هل تصلح طعاماً لبطوننا؟.


ورغم كل شيء كنا سعداء بتلك النباتات لأنها ستكون مصدر غذائنا طبلة تواجدنا هناك.

صرخ جون:
_أي سعادة كارينا نحنا بخطر، وكأنها لعنة وأصابتنا.

_اهدأ، ليس لدينا خيار.

فانصرف جون وبيلي لمتابعة اصلاح المركبة ومارك جلس على جنب لايكلم أحد، أما أنا فخرجت مع جاك وجلسنا عند جذع تلك الشجرة المتعملقة ننظر إليها مستغربين.

جاك:
_سبحان الله، معجزة حقيقية.

_صحيح

نظر إلي بلطف ثم قال:
_أحبك يا كارينا.

_وانا أيضا أحبك جدا.

_هل ستكتب لنا النجاة؟لنكون معا.

_أشعر بهذا ولكن لا أدري متى.

لكنه تساخف وقال لي متثاقلا:
_تعالي نتزوج على سطح هذا الكوكب، ما رأيك.
وقهقه بقوة، فضربته بيدي على كتفه وقمت مبتعدةً عنه وصرت أضحك وأوبخه:
_أنتَ مجنون، وأنا مخطئةٌ؛ لأنني أحببتك،أنت أحمقٌ كبير.

قام إلي وأمسك بيدي وقبلها ثم قال:
_لن يكون هذا إلا على سطح الأرض وأمام جميع الناس، ليبارك أهلك وأهلي هذا الزواج.

تبسمت له:
_أجل حبيبي، عدني الآن أمام هذه الشجرة الغريبة أنك ستحميني وتدعمني طوال حياتنا.

_حياتنا؟؟

_أجل فنحن لا ندري ما مصيرنا على هذا الكوكب، لكن أعدك أنني أهديتك قلبي طول العمر.

_وأعدك أن لا نخطأ أبداً أبداً.

ضمني إلى كتفه ورحنا نستذكر الكثير في حياتنا السابقة.

جاك:
_هناك الكثير من التفاصيل المشتركة بيننا.

_أجل لذلك قدر لنا أن نجتمع هنا نحمل تفاصيلنا وذنوبنا معاً.

_ونعاقبَ سوياً.

ضحكت بصوتٍ عالٍ، والصوت وصل إلى مارك الذي رمقنا بغضب ودخل بسرعة ولم يمض على وقت خروجه إلا لحظات.

جاك:
_ما به مارك؟

شيء ما حدثني وشكوك ساورتني، لكنني رفضتها ثم أجبت:

_لا أعلم، ربما يشتاق لعالمه مثلنا.

رأيته ينظر إلي بطريقةٍ غريبة جداً لم أفهم سببها فتجاهلت الأمر ولم أخبر جاك.


وفي الداخل عندما دخلنا، كان جون يحدث مارك على حدى وكأنهما يتشاجران، من حركاتهما قلت لجاك:
_مابهما؟ وكأن جون يوبخ مارك.

فاقترب جاك منهما وسألهما:
_هل من خطب؟

مارك بنزق:
_ارحل أنت ولا تتدخل.

جاك:
_اهدا يا صاح ماذا بك علينا بالشجاعة.

جون بوقاحة:
_هل اخبره عن ما يدور في رأسك يا مارك

وفجأة اقترب مارك منه ولكمه على وجهه.
صرخت أنا:
_توقفا، با أغبياء هل ينقصنا؟
مارك رمق جون ثم جاك نظرة مخيفة وخرج يركض.

جاك:
_توقف مارك، لا تبتعد انتظر.

لكنه لم يرد.
أما جون فدخل يمسح الدم الذي لطخ شفتيه بسبب اللكمة.

وطلبت منه أن يهدأ ويسامح وينسى قائلةً:
_هل ينقصنا يا جون؟ نحن في ورطة كبيرة.

جاك:
_أجل علينا أن نكون يداً واحدة.

لم يرد جون وتوجه غاضباً إلى مكانه المخصص له، ولكنه التفت إلي وقال:
‏_أنت السبب يا كارينا.

‏_أنا!

‏_أرجوكي أريد أن أرتاح قليلاً؛ لأعاود تصليح أعطال المركبة.

سرحت بكلامه ولكن لم أفهم شيئاً أو ربما تجاهلت الأمر حتى لا أتعب.

جاك:
_ ماذا يقصد؟

_انسى إنه يهذي سأدخل المركبة لأحضر شيئاً للأكل.

_أجل حبيبتي أنا جائع جداً.

اجتمعنا على الطعام إلا مارك لم يعد بعد فقال جاك لجون:
_هل يعجبك هذا؟ أين هو الآن.

جون:
_لم أقصد، كلانا كان غاضباً.

قلت لجاك:
_أخشى عليه من تلك الكائنات المخيفة.

_سننهي طعامنا و وننتظر قليلاً وإن لم يعد سنخرج للبحث عنه.

انتظرنا فترة طويلة ولكنه لم يعد، فأصابنا القلق عليه وهنا قرر جاك أن يصطحب بيلي معه للبحث عنه.

بيلي:
_لا شكراً، أنا لا أستطيع إنقاذ نفسي حتى عندما سأرى تلك الكائنات الغريبة.

قلت لبيلي:
_أيها الأحمق لا تكن جباناً، مارك بحاجتنا.

فرد بطريقةٍ جبانة:
_اذهبي أنت.


وعندما وددت الرد منعني جاك بوضعه يده على فمي وقال بهدوء:

_هسسس، سيذهب جون معي هيا بنا، انتبه أنت لكارينا وإياكم أن تفتحوا لأي كائن مهما حدث، أتفهم يا بيلي.

_أجل حسناً.

لا أدري لم شعرت باختناق كبير فضممت جاك وقلت له:

_انتبهوا لأنفسكم رجاءً، نحنا نتظركم.

_لا تخافي حبيبتي.

ومضوا تاركين قلبي كالجمر على مصيرهم جميعاً، رحت أدعو وأدعو لهم، أما ذلك الأحمق الأناني بيلي فقد نام على سريره.

قلت لنفسي:
"يا لك من سافل كبير، كيف تنام هكذا."

ومضت ساعاتٌ على غيابهم، فقدت الأمل بعودتهم، خفت كثيراً.

"يا رب أرجوك، سامحنا وكنْ معنا، يارب أعدهم إلينا سالمين."

رحت أتخبط كالمجنونة قلقة عليهم وبعد قليل فاض غضبي ونفذ صبري، فصرخت على بيلي:

_انهض أيها الأحمق، ألا تخجل من نفسك.

_اخرسي كارينا ودعيني أنام.

_مضى على غيابهم ساعات كثيرة وأنت لا تهتم، أي أحمق أنت.

فنهض غاضباً وقال:

_ماذا أستطيع أن أفعل لهم، ربما ماتوا، أو أكلتهم تلك العناكب.

صرخت عليه وهاجمته ورحت أضربه وأضربه وأبكي:
_لا لا، أحمق، أنت أحمق لا تقل هذا.

وفجاة قال بوقاحة:
_أنا وأنت الآن ضائعين في هذا المكان وحدنا، تعالي نسعد بوقتنا.

ونظر إلي نظرة سافلة وحاول الاقتراب مني فصرخت:

_لا تفعل سأخبر جاك عند عودته.

_جاك والبقية لن يعودوا، تعالي إلي يا حلوتي، أشتاق أن..

وقبل أن يكمل وأنا أرتجف من الخوف قلت له:
_إياك أن تقترب مني، أيها الغبي واهدأ أرجوك.

_تعالي تعالي، طاوعيني، أنا أفضل من جاك بكثير.

شعرت بمأزقٍ كبيرٍ فلا مفر إما بيلي الغبي أو العناكب والكائنات الغريبة في هذا الوقت المتأخر.

قلت له بخوف وتوسل:
_إهدأ بيلي أنت تمزح ، أنا متأكدة من ذلك، ولن تفعلها.

_لا بالطبع ليس مزاحاً، أرغب بك والآن يا حلوة.

قال هذا وأنا أرتجف من الخوف ثم هجم علي وحاول أن ينال مني ورمى بي أرضاً وانا أصرخ:
_لا لا، أين أنت يا جاك ساعدني.

_هذه المرة جاك ليس هنا، وحتى لو عاد لن تتفوهي بأية كلمة، فهمت؟

_أ توسل لك، دعني وشأني، ألا ترى ما حلّ بنا على هذا الكوكب.

_لذلك سأفعلها ولن تهربي مني، سأنتقم من كل ما يحدث معنا.

وتابع هجومه وأنا أحاول الهرب منه بصعوبة وأستنجد وقد قام بتقطيع ملابسي ليأتي صوت جاك فجأة:

_حقير سافل، دعها وشأنها.

صرخت باحساسٍ من الفرج:

_جاك حبيبي لقد جئت أخيراً

فلكمه جاك على وجهه وبرّحه ضرباً.

وأنا رحت أتوسل للبقية وأبكي:

_أرجوكم امنعوهما.

حتى قام مارك وجون بمنعه وهو يقول بغضب:

_أيها السافل كيف تجرؤ؟ لقد وثقنا بك.

بيلي بخبث:
_لم اكن أقصد، لم أكن بوعيي.

_سافل وكاذب.

اضطررت للكذب على جاك وقلت:
_لا يا جاك، بيلي كان يتشاجر معي لأنني سقطت على الأرض وتألمت، ولكنني تمنعت عن الوقوف فغضب مني وكان يحاول مساعدتي.

فصمت جاك ونظر إليه بغضب وهو يرتجف وهنا قال بيلي بوقاحة:

_اجل لقد كنت أحاول مساعدتها يا جاك.

_اغرب عن وجهي.


مارك:
_اهدأ رجاءً، ألا يكفينا ما حصل معي.

فشهقت بخوفٍ وقلت:
_صحيح لماذا تأخرتم هكذا؟ وأين كان مارك؟

فراح يسرد لنا جون ما حصل معهم قائلاً:

_قمنا بالبحث عن مارك مطولاً ولم نجده فوراً، لقد خفنا أن نصرخ حتى لا يلحظنا أحد من تلك الكائنات.

‏فقلت له وانا أنظر بكره لبيلي:

‏_يا ليتها قتلتني تلك الحشرات ولم أكن هنا، أكمل يا مارك، أكمل هيا.

قال جون وكاد أن يبكي:

‏_عندما وجدناه كان مسطحاً على الأرض وعنكبوت عملاقة تلفه بشباكها، فخفنا كثيراً.

أكمل عنه الكلام جاك قائلاً:

_أجل كان مستسلماً تماماً، لقد اعتقدناه ميتاً، فأعطيت أوامري للبقية بالالتزام بالهدوء.

_ يا إلهي، ماذا حصل بعد ذلك؟

قال جون ساخراً:

حاولنا إبعاد الحشرة بكل الطرق لكنها لم تتركه.

مارك بخوف:
_كانت تنوي أكلي على العشاء.

ضحك الجميع و تابع مارك:
_لولا تلك الساعة في يد جاك.

جاك:
_أجل لقد أصدرت إشعاعاّ وقتلت ذلك الكائن.

حمدت الله على سلامتهم، وقلت:

_علينا أن نبني مكاناً يحمينا من تلك الحشرات.

مارك:
_أو أن نغير مكان تواجدنا هنا.

جون:
‏_يبدو ان الله وضع هذه الساعات بأيدينا لتنقذنا كوسيلةٍ وحيدة هنا.

‏جاك بتأييد:
‏_فعلا معك حق يا جون.

كان الجميع تعبا يشعر بالقلق والتوتر إلا بيلي السافل، رغم كل ما حصل عاد لينام ثانيةً.

جاك وهو ينظر إليه قال لي:
_هل آذاكٍ حبيبتي؟ أقسم أني سأقتله.

_لا، لا أنا بخير، لكنْ أرجوك لاتتركني ثانيةً، لا أستطيع العيش بدونك.

وهرعت له وضممته بخوف ممتزجٍ بالشوق،. ونمت ليلتها على قدميه وأنا أمسك به بقوة.

وأتذكر أن أخر كلمة سمعتها من فمه هو عبارة قالها لجون ومارك:

_لا أصدق بيلي، وسأتدبر أمره.

فصغطت يدي على يده ونمت.
ولكن وطوال الليل وأنا أتعرض للأحلام المزعجة.

جاك بحب:
_اهدأي حبيبتي، اهدأي.

تذكرت عندها أولئك الخطّاب الذين هزءت بهم، وشعرت أن الله عاقبني؛ لأتذكرهم وأندم.

وفي الصباح، استيقظت لأجد جاك يجلس خارجاً قرب الشجرة المتعملقة.

‏_صباح الخير جاك

‏_صباح النور، لم أستطع النوم فقمت وقطفت هذه الثمار بدلاً عنك.

شعرت بخوفه وحنانه علي فهدأت وراح يقول:
_أينما ذهبت سترافقيني كارينا.

وضعت رأسي على كتفه وأمسكت يده ولم أتفوه بأي كلمة.

وبعد إن استيقظ الجميع أكلنا وقررنا الذهاب جماعةً للبحث عن مكانٍ آمن.
جاك لمارك وجون:

_اجمعا الثمار وضعوها في الحقيبة وأنت كارينا إملأي الماء وتجهزوا للرحيل.

لاحظت أنه لم يكلم بيلي نهائياً وهذا ما أقلقني لأنني لاحظت السوء في عيني بيلي وهو ينزر إلى جاك

وانطلقنا نشق في المجهول ثانيةً.


مارك وهو يمشي بقربي:
_أسفٌ لما حصل البارحة، كان هذا. بسببي.

راقبت جاك وقد ابتعد عنا قليلاً:
_ماذا تقصد؟

شعرت بخجله عندما قال:
_أجل بسببي، عندما عرفت بأنك وجاك مرتبطان شعرت بالغيرة، لا أنكر هذا، وخرجت غاضباً تاركاً الفريق بسبب ضعفي.

بدهشة:
_لا أعرف ماذا سأقول لك.

_لاتقولي شيئاً فقط اقبلي اعتذاري، فأنا نادمٌ جداً، بعد ما تعرضت له من خطر فهمت أن الله يخبرني بأن القلوب لا تشترى بالتهور والغضب.
_الآن فهمت ما كلن يقصده جون عندما قال أنني السبب، امم.

_أرجوك انسي الموضوع، لقد تصالحت مع ذاتي.

_ربما لو أخبرتني لشرحت لك وما اوصلت نفسك إلى تلك المخاطرة، أتمنى لك كل خير.

_وانا كذلك كارينا أحبكم جميعاً، وآسف فعلاً.

_لاتهتم يا مارك.

_تبدوان جميلين معاً، عندما نعود إلى الأرض سأكون وكيلكما في عرسكما، اتفقنا.

رفعت له يدي وضربنا الكف بالكف:
_أجل موافقة وفرحة أيضاً.

التفت البقية إلينا فقال جون:
_ماذا هناك، أيها الفاشلان.

مارك:
‏_اخرس تباً لك.

‏تبسمت وقلت له:
‏_عندما تتحدث الملائكة فلتخرج الشياطين.

‏ ضحك جاك قائلاً:
_أجل أجل، تعالي يا ملاكي إلى قربي وابتعدي عن الشياطين.

شاركه مارك الضحك ثم قال:
_هذا كثيرٌ جداً يا جاك.

قلت لجاك:
_أنتم ملائكة قذف بها على سطح كوكب مخيف، فتفضلوا يا أحبة لنجد الحلول.

ضحك الجميع وتابعوا مسيرهم يتحادثون ويمرحون


قلت لنفسي المرتبكة:

"أيها الوغد بيلي، لازلت تنظر إلي تلك النظرات الساقطة، تبا لك، أقسم لو لاحظك جاك لقتلك، وضيع تافه."


تابع الجميع سيرهم حتى وصلنا إلى كهف، فدخلناه وهناك فوجئنا بما رأينا.

بيلي الذي تكلم أخيراً:
_لا إصدق ما أرى، شيءٌ لايصدقه خيال.
دهش الجميع وراحوا يراقبون بشيءٍ من الصدمة مخلوطة بالأمل ليتخللها الخوف والضياع.

جاك بحكمة:
_ليهدأ الجميع حتى نفسر ما نراه ونفهم، نحن مضطرون للمكوث هنا الآن سنرتاح قليلاً.

قال مارك:
_أجل هيا، فانا أشعر بالجوع فقد مشينا طويلاً وهلكنا.
قلت بالرد:
_خمس دقائق وأجهز لكم مائدة الطعام الشهية.

ضحك الجميع وقال جون:
_لاتنسي وضع اللحم المشوي والبطاطس المقلية مع بعض السلطة.

سخر الجميع من الحال ولكنهم جلسوا وتناولوا طعامهم وحمدوا الله باننا لانزال أحياء حتى الآن إلا بيلي كعادته

_أنا أريد العودة إلى بيتي أكاد أجن من هذه المهذلة، أي خطر اودتنا به كارينا تلك.

جاك:
_ارجو ان تصمت وتلتزم الصمت، فلن تنجو المرة القادمة مني، أتفهم.

بيلي بحقد:

_حسنا يا جاك المغرم، سوف نرى النهاية على يديك.

مارك:
_ارجوكم لنعش هذه اللحظة بتفاؤل دون مشاكل.


ذكرني حقد بيلي بنفسي وانا بين أهلي
"لقد توفر كل شيءٍ لي، لكنني كنت جاحدة وقاسية وغبية فأودتني تصرفاتي إلى جسد ليس لي واسم لاعلاقة لي به ومخاطرات عديدة تفوق الخيال، أي جحيم اوصلتني إليه صفاتي."

وقررت ان أنسيهم خوفهم من خلال سرد قصتي لهم كما اتفقنا.

قلت لهم:
_أنا الحالة الثانية التي ستحكي لكم عن حياتها السابقة.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي