كوكب بينوس

زهرة الليل`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2023-08-25ضع على الرف
  • 80.3K

    إكتمل التحديث (كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

١

كوكب بينوس:
الفصل الأول
كان ذلك في يوم الثلاثاء الواقع 2030/3/3، هذا التاريخ الذي حوّل حياتي ثلاثمئةً وستونَ درجةً وعلمني درساً لن أنساه ما حييت.

أتذكر تفاصيل ذلك اليوم والفترة التي أعقبته طويلاً بدقةٍ كبيرةٍ حتى الآن، ولا زلت أجالسُ حفيدي يومياً؛ لأقص عليه قصتي العجيبة تلك وكل ليلة دون إخباره أنّه قدرّ لي أنْ أكونَ أحدَ أبطال ِ تلكَ القصةِ الغريبة، علّه يفهم منها أن أخطاء الإنسان وذنوبه تلاحقه بكل الطرق.

كان ينظر إليّ حفيدي الصّغير ديريك دائماً؛ ليخبرني أنّ الشيبَ اعتلى رأسي بشكلٍ لا يوصف فأضحك كثيرً؛ لتتراكم الذكريات القاسية في ذاكرتي عن تلك الليلة التي كانت السبب في وجود ذلك الشيب الذي وصل لداخل نفسي حتى.

فأقول له وأنا أعلم بأنه لن يستجيب:

_اذهب إلى النوم يا ديريك حالاً.

_لن أفعل قبل أن تقصّي عليّ قصةَ ما قبلِ النوم.

_هل أقصُ عليك قصةَ الفارسِ النبيل والأميرة؟

_لا، لا، أريد قصة كوكب بينوس الممتلئة بالمغامرات والعبر يا جدتي.

وبالفعل رحت أسردها له وكأنها تحدث الآن.

قلت له وكأن كل شيءٍ حصل الآن:

_كان هذا منذ زمنٍ بعيدٍ جداً، عندما استيقظت سارة ابنة العشرين عاماً على أصواتٍ رهيبةٍ واهتزازاتٍ في كل أرجاء البيت.

قالت سارة لنفسها مرعوبة:

"ما هذا ما الذي يحدث يا إلهي؟"

تلك الأمور كانت تسمعها في الخارج مصدرةً جلبةً مرعبةً؛ لتكتشف بعد قليل أن ما كان هو عبارة عن هزة أرضية.

فقالت في نفسها ولازال التكبر يرافق تصرفاتها الغير مسؤولة:

" سأفتح التلفاز لأشاهد فيلمي المفضل فأنسى القلق والخوف الذين تملكا قلبي ، وأنا أعلم أن والديّ مسافران إلى لندن ولن يأتيا قبل أسبوع، وليس هناك حل إلا أن أحاول نسيان ما حدث بأي طريقة."

ثمّ قلت لديريك:

_هل تدرك ما معنى هزة أرضية يا حفيدي اللطيف؟

فهز برأسه معلناً الإيجاب، ولاحظت على ملامحه الإنجذاب للقصة فرحت أتابع له ما حدث مع سارة:

_لقد كان فيلمها المفضل هو كوكب بينوس، وبطلته هي (كارينا كوست)، التي تعشق مشاهدة أفلامها؛ لدرجة تسمى الهوس.

فسألني الصغير:

_وما معنى الهوس يا جدة؟

ضحكت وقلت له وأنا أمسح عيني من تحت نظارتي:

_أي التعلق الشديد يا صغيري ديريك.

فتظاهر بالفهم لشرحي، وتابعت السرد للقصة:

_لكن الاهتزاز قد عاد مجدداً، فخافت كثيراً ولم تكن تستطع اللجوء إلى الجيران؛ لأنها كانت تُعْرفُ بالتكبر والتعامل السيء معهم؛ لذلك فضلت أن تحاول النوم عن لجوئها لسؤالهم.

حيث قالت لنفسها:

"أموت ولا أتنازل عن سؤالهم."

وفجأة نامت؛ لتستيقظ هلعةً بعد فترة من النوم، لم تعرف كمّها على صوت ارتطام كبير ومخيف

فحدثت نفسها:

"يا إلهي هل عاد الزلزال ثانية، كم انا خائفة! أين أنتما يا والداي؟ يبدو أنني سأضطر لسؤال هؤلاء الجيران المزعجين رغما عني."

لكن الصدمة لم تتوقف على هذا بل كان ما حدث معها أكثر مما قد يتوقعه خيال.

فحدقّ هنا ديريك وقال لي بخوف:

_ماذا حدث مع سارة يا جدتي؟

نظرت إليه وقالت له بهدوء شديد:
_لقد استفاقت؛ لتجد نفسها في مكان أخر وداخل مركبةٍ فضائية ٍ حيث لا يوجد أحد، وجن جنونها وأصابها الفزع وأخذت تصرخ بشدة وتنادي أهلها والجيران قائلةً:

_النجدة، النجدة، ليساعدني أحدكم، أماه، أبي، النجدة، أيها الجيران، أنا أسفة سامحوني أرجوكم، ساعدوني رجاءً ولن أعيد الكرة في سوء المعاملة لكم.

_هاه وماذا أيضاً يا جدة؟

_وفجأةً وقع نظر سارة على معصم يدها؛ لتجد ساعة غريبة فيه تشبه ما تراه في مسلسل بين تنسن، حاولت نزعها لكنها لم تستطع، ملابسها كانت غريبةً بيضاءَ تشبه رواد الفضاء، كادت أن تجنّ، فالجو غريب هناك وهي وحيدة حيث لاإنسَ ولا جن.

وهنا شعرتُ بخوفِ ديريك فقلت له:

_هل نؤجل القصة إلى يومٍ أخر حبيبي؟

فقال لي بتجاهلٍ واضحٍ لخوفه:

_لا، لا، تابعي، أريد أن أعرف التتمة أرجوك يا جدة.

تابعت وأنا أشعر بالقشعريرة من تلك الذكريات:

_أجل حبيبي لقد وجدت المسكينة نفسها على ذلك الكوكب وحيدةً لا أحد معها، ظنتْ للحظةْ بأنها تحلم فتخبطت؛ لتستيقظَ لكنّ شيئاً لم يتغير، إنها فعلاً عالقةٌ هناك وحيدةً في مركبةٍ تملؤها الأزرار ولا تجيد التعامل معها.

قال الصغير:
_هذا مخيف جداً، وماذا حدث لها، هل ماتت؟

_لا، بقيت خائفة طيلة ذلك اليوم وسكنتْ بعض الشيء متهالكةُ القوى لكنها رضخت للأمر أخيراً وقالت في نفسها:

"أجل تذكرت إنها نفس المركبة التي كانت كارينا كوست تركبها في الفيلم، يا إلهي ما هذا الذي يحدث لي، ايُّ مصيبةٍ وقعت لي، هل هي عقوبة أم اختبار من الله لي؟"

..نظرت إلى حفيدي الذي بدأ يغفو وقلت له:

_ لم أعد أتذكر البقية يا بني يبدو أنني هرمت كثيراً على قص الحكايا.

فتبسّم وقال لي:
_لا، حاولي أن تتذكري أرجوك.

_أشعر بألم في رأسي يا بني؛ فسامح جدتك العجوز.

_هل تشتريها لي إذاً يا جدتي؟ فأقرأها بنفسي.

قبلته وقلت له:

_لا بد أن أجدها لك ذات يوم، فأشتريها لك، أعدك بذلك يا صغيري.

فنام سريعاً وتخلصت من كثرة أسئلته، لكنني لم أتخلص من الذكريات التي تدفقت بشدة على عقلي، حاولت إبعادها لكنها لم تذهب، كان جسدي يقشعر بشدة كلما تذكرتها.

تخبطت بي الذكريات وعادت عشوائياً، حيث تذكرت تصرفاتي السيئة مع والدتي عندما كانت تطلب مني شيئاً فأسخر منها وأتعامل معها بسوء، تذكرت أسلوبي الفظ مع أبي والجيران والأقارب، كم كنت أسخر من الناس وأضحك عليهم.

في أحد المرات جاء شابٌ لخطبتي، فدخلت وأنا أضحك دون توقف وأسخر من أنفه المدبب وشكله المضحك.

قال لي أبوه يومها بغضب:
_يبدو أن قلة الحياء والتربية سمةٌ فيكِ، لتعلمي إذاً أنه يدرس علم الفلك وسيجد من هي أهم منك.

فضحكتُ كثيراً جداً وقلت:

_أوه يا إلهي لن أحظى بشهر عسل فوق القمر.

فالتفت إلى والدي المرتبك وقال له كلاماً تذكرته فعلا:

_ستأتي لابنتك أيامٌ لن تنساها ولكنها ستكون قد تأخرت كثيراً، لتنجو من هذا المرض، عافاها الله وشفاها لكم.

حاول أبي أن يعتذر منه لكنه انصرف مع ابنه غاضباً، فانهال أبي وأمي علي بالشتم لكنني تابعت الضحك ودخلت غرفتي لأتابع أفلامي التي أحبها.

نظرت إلى السماء يوم تدفقت تلك الذكريات وقلت لنفسي:

"أجل لقد كنت أنا، تلك الفتاة التي تعرضت لأسوأ اختبار في العالم؛ لتتعلم الدرس الأكبر."

ففي تلك الليلة المرعبة نمت من شدة الخوف، والظلام كان كثيفاً على ذلك الكوكب، فحدثت نفسي:

"انا أخاف الظلام كثيراً، علي أن أجد حلاً لأنير المكان فكيف لي هذا وأنا وحيدةٌ هنا عالقةٌ على هذا الكوكب الغريب."

تذكرت تفاصيل الفيلم وقلت لنفسي:

"كانت كارينا كوست تتعامل مع الأزرار فلا بد أن هناك زراً ما سيضيء هذا المكان البائس."

ورحت أضغط هنا وهناك ولا شيء يحصل حتى فقدت الأمل وصرت أبكي وأبكي وبينما أنا كذلك، ضغطت خطأً ذلك الزر الذي أضاء المركبة، ففرحت كثيراً.

"حمداً لله، علي الآن أن أكتشف وسيلةً للاستمرار ريثما أجد حلاً يعيدني إلى بيتي في الأرض، أشعر بالجوع ولابد ان هناك شيء في هذه المركبة لآكله."

تذكرت أمي، وأحسست برغبة كبيرة لتناول طعامها اللذيذ.

"آه يا أمي، كم كنت أقسو عليك وكم تحملني قلبك الحنون!"

هنا شعرت بأني استفقت من خوفي واستجمعت قواي فلا مفر عندي، إما اليأس والموت هنا أو التأقلم حتى أجد حلاً مفيداً يرجعني إلى واقعي.

نزلت من المركبة في صباح اليوم التالي ورحت أبحث عن أي شيءٍ يساعدني، لكنني خفت وتراجعت فوراً فالمكان غريب،د جداً، لكن ما جعلني أرتاح هو ان التنفس ممكن على هذا الكوكب فلا حاجة لوضع اي أجهزة تنفس، وبينما أنا أبحث وجدت معلبات خاصة برواد الفضاء قمت بالتهام بعضها.

حدثت نفسي بقرف شديد:
"طعمها غريبٌ ومقزز، ولكن علي التأقلم مع هذه الحياة الجديدة حتى أستمر."
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي