٩

لقد كان مارك في الخارج متمددا على الأرض ودمائه تملأ جسده، كان نبضهضعيفاً جداً.
_يا للهول! ما هذا بحق السماء؟
قال جون وهو في قمة الرعب..

كدت أنا أجن ، حدثت نفسي:
" هل سنموت الواحد تلو الأخر في هذا الكوكب البائس."

سمعت صوت مارك الذي كان يلفظ اخر أنفاسه وهو يقول:

_ لقد قتلت تلك الحشرات، انظر يا جاك لقد فعلتها.

راح يبكي جاك ويهز برأسه، لكن مارك استمر وقال:

_هناك أمرٌ يجب أن أعترف به بعد قبل أن أغادركم.

قلت له:

_ستكون بخير يا مارك، لن تتخلى عني أبداً، أتذكر لقد وعدتني أن تكون الوكيل في عرسنا أنا وجاك، عليك أن تفِ بالوعد.

تبسم وهو يشهق بصعوبه وأمسك يدي ووضعها على يد جاك ثموقال:
_عداني أن تتزوجا على سطح الأرض، وأن تتذكرا وكيلكما مارك، وأيضاً سيكون اسم طفلكما مارك والاخر بيلي، عداني.

كانت دموعنا تسبق لساننا وهززنا وله برأسينا..

تابع كلام:
_لا تقاطعوني رجاءً، أنا قتلت نفسي منتحراً، حتى أكون أخر قتلاي.
جون:
_تباً، لهذه الحال التي وصلنا لها

استمر مارك بالسرد:
_أنا من قال بيلي وليس العنكبوت.


فصاح جون:
_ألم أخبركِ يا كارينا، وضعه لم يكن مريحاً، آه وبالفعل لقد قام بيلي بالاشارة إليه قبل موته، تذكرت، أجل لقد بيلي المسكين يخبرنا بذلك ولكننا لم نفهم.

صدمنا كلامه فسالته:
_لماذا فعلت هذا؟

_لقد تخاصمنا بعد خروجكم من الكهف في ذلك اليوم وحدث التالي..

يومها قال بيلي:
_الزم الصمت يامارك، وابتعد عني.
_لا تخاطبني بهذه اللهجة المهينة قد تندم.
_عليك اللعنة.
وهجمنا على بعض نتعارك كراً وفراً حتى مزقنا ملابس بعض وجرحته وجرحني.

(هنا تذكرنا أمر الملابس المقطعة التي وجدناها بالكهف بعد وفاة بيلي.)

وقال أيضاً:
_هددني بيلي بأنه سيخبر جاك بمشاعري تجاه كارينا، فجن جنوني وشعرت أنه كزوجة أبي، يريد بي الشر فقتلته بضربه بأداة صغيرة من قطع المركبة الفضائية التي تركها الرجل، ولم أصحو على نفسي إلا بعد ان شوهت جسده، لأقنعكم أن العنكبوت هو من فعل هذا.

فقال له جون:
_تباً لك، هل كان ينقصنا؟ ألا يكفينا ما نحن فيه؟

نطق جاك بحزن وصدمة:
_اصمت يا جون، الآن أصبحت أدرك سبب ضياعنا في هذا الكوكب الغريب.

قلت لهما:
_وكأن الله جمعنا جميعا ليعاقبنا على صفاتنا السافلة، تباً لغرورنا وتكبرنا.
جاك:
_لا، لا، إن وجودنا هنا كان لنصلح ما فات لكننا لم نتعلم الدرس بعد.

وهنا شهق مارك الشهقة الأخيرة وفارق الحياة.

صرت أصرخ كالمجنونة وكذلك جون، وجاك المسكين حاول أن يهدأنا.

صرت أقذف الكلام:
_لا لا لن نموت هنا جميعاً يا جاك، أريد أن أعيش، أريد أن أعود إلى أمي؛ لأخبرها كم أحبها وكذلك أبي.

سقطت على الأرض وجلس جون قربي منهاراً يقول:
_ وانا كذلك اشتقت لعائلتي، أقسم أنني سأتغير ولن أفعل تلك الأخطاء ثانيةً، أقسم يا إلهي.

جاك جلس قربنا وصار يبكي هو الأخر وضمنا إلى صدره وقال:
_سننجو، أعدكم سنفعلها، هيا لنوارِ جسد مارك التراب، هيا.

وتحركنا من أماكننا متاقلين لانملك أية قوة أو أمل، وبعد أن تم دفن مارك، بقينا في المركبة كالتائهين لعدة ساعات.

لكن جاك اخبرنا:
_علينا الرحيل من هنا غداً صباحاً على وجه السرعة.

قال له جون:

_لا هنا ولا بالكهف، علينا إيجاد مكان أخر نسكن فيه؛ لأن الذكريات المخيفة تملؤ المكانين.

_معك حق، لكن علينا أن نأخذ حاجاتنا التي ستلزمنا من المكانين.

قال جاك مطمئناً جون.

قمت ووضعت بعض الثمار أمامهم ليأكلوها فيقتاتون منها ما يسند جوعهم، فبكى جون وقال:

_مسكينٌ يا بيلي، كم كان يحبها تلك الثمار.

_أجل ومارك كان يحب النوع الأخر منها، فليرحمهم الله ويمنحهم حياةً أفضل في عالم السماء.
..قلت له بالرد.
جاك:
_عليكم بالصبر والشجاعة، غداً سأجرب المركبة وأرى ما يستجد في أمرها.

فرفعت يداي إلى السماء وقلت له:
_ربي لطفك وعفوك.
جون جاك: آمين.

وفعلاً في اليوم التالي جمعنا ما يلزمنا وحاول جاك بالمركبة لكنها لم تتحرك أبداً.

ووقفنا قبل أن نغادر وودعنا رفاة مارك، وتابعنا كعادتنا لا نعرف ما ينتظرنا على هذا الكوكب.

ولما وصلنا الكهف آمنين وقفنا أيضاً أمام رفاة بيلي وكأنه الآن قد مات، كنا نشعر بحزنٍ شديد عليه وعلى مارك.

وفجأةً جلس جاك قرب الرفاة وقال بانهيار لم أعهده فيه من قبل:

_لقد اعترف مارك بفعلته، أرجوك سامحه يا بيلي، أرجوك.

وصار يبكي بحرقة جعلنا نرافقه بكاءه حتى قام فجأة، وقال بحزم:

_هيا بنا نبحث عن شيءٍ ينقذنا.

جون :
_هيا.

وبدأنا البحث هنا وهناك حتى وجدنا أوراقاً قديمة في الكهف من أقصاه الداخلي.

قلت لهما:
‏_انظرا، ما هذه يا جاك؟

‏ فأمسكها جون وحدق بها ثم قال:
‏_ إن الخط ليس واضحاً والغبار يغطيها.

فأمسكها جاك و عاود النظر إليها بتدقيق وقال:

_اللهجة أجنبية ، يبدو أن الرجل كان روسياً.

جون:
_وما العمل؟ هل تدرك اني لا أفقه هذه اللهجة أبداً.

وأيدته أنا قائلة:
_ولا أنا، هل تفعل يا جاك؟

فقال جاك:
_هل أنتم حمقى؟ أنسيتم أني جاك.؟


ضحكنا وبدا يفسر مايقرأ:
_أنا الرائد البرت اندريه، موجود على هذا الكوكب من تاريخ١١/٦/٢٠١٠، سقطت مركبتي ولم استطع النجاة على هذا الكوكب المخيف، حاولت عدة مرات، لكن عبثاً، إلى أن جاء اليوم الذي وجدت طريقةً للنجاة لكن المرض أرهقني وقد يغافلني الموت قبل رحيلي، فليدعو لي قارئ كلماتي بالرحمة، وإن وجد رسالتي فليعلم أن طريقة النجاة مخبأة في كهف أخر في الجهة الغربية من هنا.
وقد عشت أصعب اللحظات وحيداً، أعاني من غرابة وخطورة الكائنات هنا، ووجدت أن هذا المكان أبعدها عن تلك الكائنات.

٣/٧/٢٠٢٩حرر من قبلي.

وبكل فرح، فاجأتنا كلمات ذاك الشخص وفعلاً استمدينا قوةً جديدة وأملاً جديدا بالخروح من هنا

جاك:
_فقط علينا البحث عن ذلك الكهف؛ لنعثر على تلك الورقة.

عَرُضَت ايتسامتي وقلت بتفاؤل:

_كان ما كتبه أجمل شيءٍ أسعدنا على هذا الكوكب منذ وصولنا هنا، وحتى الآن وبعد كل معاناتنا.

جون بفرح:
_أجل، بعد ما حدث مع بيلي ومارك كنت قد شعرت بفقدان الأمل تماماً، وقررت أن أنتظر طريقة موتي هنا، أما الآن فقد تفاءلت حقاً.

لذلك أعطى جاك اوامره كونه القائد بيننا:
_ حسناً، هذا جيد ويكفينا ثرثرة جاء وقت البحث والوصول إلى الحلول.

وودعنا الكهف وانطلقنا يملؤنا الإحساس بأن الحلول قادمة.

وأخذنا نغني طيلة الطريق فرحين ولكن الحذر لم يتركنا لحظة، وبتنا نتنقل من كهفٍ إلى أخر.

جاك:
_سنستمر بالبحث بحذر حتى نجد ذلك الكهف.

جون:
_اللعنة لقد تعبت مفاصلي.

قلت له:
_تعالوا نبيت اليوم في هذا الكهف وبعدها نعود لمتابعة البحث.

جاك:
_فكرةٌ جيدة حبيبتي
تبسمت وقمت أرتب أمور المكان وحاولت أن أفعل شيئا للأكل مستخدمةً ما توفر لدينا وحولنا.

يومها أمضينا يومنا بالبحث واللعب وما فاجأنا أكثر أنه يوجد قربنا نهرٌ على هذا الكوكب، فقررنا أن ننزل النهر؛ لنسبح ونمضي بعض الوقت.

جون:
_ياه كم كنت سباحاً ماهراً، وكم كنت أهوى السباحة.

جاك:
_فعلا كنت أقضي مع العائلة ألطف وقت، كم اشتقت لهذه النفاصيل بينهم.

أما أنا فلم أستطع إخبارهم كم كنت نزقة حتى في هذه التفاصيل.د وكم كنت أخاف المياه.

"آهٍ مني كم ضيعت أيامي الجميلة بغباء، لن أخبر أحداً عن هذا، سيسخر مني جون."

ولكن بعد كل هذه السعادة التي استمرت لمدة ساعات ذكرنا القدر بأنه لا ال يلاحقنا فصرخ جون فجأة متألماً.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي