١٠

١٠

ورغم كل هذه الأفكار إلا أننا استمتعنا بوقتنا جداً ونسينا أمر الخطر، حتى جاك كان يسبح بكل استمتاع.


ومضى الوقت وقررنا الخروج من تلك المياه والمتابعة بحثاً عن الكهف إلا أن المخاطر أوقفتنا ثانيةً فصرخ جون الذي لم يخرج فوراً:
_النجدة، النجدة.

التفتنا نحوه، وكان عالقاً بشيء يسحبه إلى أسفل.

أصابنا الذهول والجمود، وهو يستنجد وينادينا:

_جاااك، جاااك، كارينا لا لا، لا أريد أن أموت.

هرع جاك مرتبكاً إليه وقفز ثانيةً بالماء فرحت أناديه:

_جاك كن حذراً، أرجوك ساعده، انتبه له والنفسك.

ورحت أتوسل لله:
"أرجوك يا إلهي احفظهم، سامحنا وسامحهم، لا نريد أن نموت هنا على هذا الكوكب البائس، أرجووك."

شاهدت جاك وهو يحاول سحبه بقوة لكنه لم ينجح، فتركه وغطس تحت الماء ومضى على غطسه عدة دقائق، لكنه لم يخرح.
هنا فحاة اختفى جاك ثم اختفى جون، ما أصابني بالانهيار.
صرت انادي عليهم كالمجنونة:
_ جاك حبيبي لا تتركني وحدي، جون تعال لا تمت، يا الله يالله انقذهم.

فقدت الأمل تماما وجلست على الأرض وبدات أفقد السيطرة على نفسي، إيماني، كرهت كل شيء.

رفعت نظري إلى الاعلى وصرت أتكلم دون وعي:
_لماذا، ألست الله، ألست القادر العظيم، لما تخليت عنا هكذا.
ورحت أصرخ واصرخ حتى نفذت طاقاتي وسقطت لا انا مغمي علي ولا انا بخير، أنيني كان يملأ المكان.


واستيقظت لأجد نفسي في كهف غريب، لم أعرف من وضعني به، لكنني ظننت للحظة أنهما عادا وجاء بي إلى هنا فقلت لنفسي:

" ما داما بخير سأقوم لأرى أين هما وماذا سيفعلان."

خرجت؛ لأجدني في مكان جميلٍ جداً كأنه الجنة، ناديت على جون وجاك لكن أحداً لم يجب.

"يا إلهي إن لم يكونا هما فمن أوصلني إلى هنا."

وبقيت في هذا المكان وحيدةً أنتظر قدري يائسة من كل شيء.

وبينما أنا وحيدةً سمعت بعد مضي وقت طويل صوتاً في الخارج وناديت عليه:

_من هناك، هل عدت جاك، حون هل هذا انت؟

لكنني فوجئت بفتاةٍ غريبة الشكل تشبه تلك الكائنات التي احتجزت رفاقي في بداية وصولنا إلى هنا.

حدقت النظر بها وارتجفت عظامي وقلت:

"أيتها البائسة يا أنا، لقد وقعت في ورطة جديدة وهذه المرة لوحدك، آه يا جاك أين أنت يا حبيبي أحتاجك جداً."

اقتربت مني الفتاة ونظرت إلي وتفحصتني بيديها الغريبتين فأغمضت عيني خوفاً لأنها كانت تتفحصني كفأر التجارب.

سألتها:
_من أنت؟ وماذا تريدين مني؟

كلمتني بلكنة غريبة لم أفهمها ولكنني شعرت بأنها تفهم لغتي، والغريب أنها انتبهت لوجود الساعة في يدي وأشارت إليها وتمتمت بكلمات تحاول أن تسألني بها عن تلك الساعة.

_ماذا تريدين، ارحلي من هنا.

تبسمت وأشعرتني بأنها تحاول أن تطمئنني، وتقدمت مني وامسكت جهازاً غريباً ووضَعَته على رأسي.

وفجاة صرت أفهم لغتها حيث قالت لي:

_لا تخافي مني، أنا صديقة وأريد مساعدتك، وجدتك فاقدة للوعي قرب النهر وأتيت بك إلى هنا.

_كيف حدث هذا، أقصد كيف صرت أفهم لغتك.

_من الجهاز الذي ثبته على رأسك.

_آها.

_هل رأيت رفاقي؟

صمتت وتبسمت ثم قالت:

_ما معنى رفاق؟ أنا لم أرى سواكِ.

_الأصدقاء، الصحبة، كان معي صديقان، ماذا حلّ بهما، تعرضا لحادثٍ في النهر.

_لا أفهمك، المهم تعالي معي.

خفت وقلت لها:
_إلى أين، ماذا هناك؟


_سأصحبك معي، لأريك شيئا.

وفعلاً اصطحبتني إلى مقرها الغريب كشكلها، لكنه لفتني بتنظيمه.

كان كثير الأزرار والأجهزة، غرفه كثيرة فقاطعت مراقبتي للمكان وسألتني:

_تعالي، كما أعلم أنتم البشر تتناولون الطعام، أليس كذلك يا..؟

صمتت قليلا ثم قالت لي:
_ ما اسمك بماذا ينادونك؟

تذكرت اسمي الحقيقي (سارة) اشتقت إليه كثيراً لكنني أجبتها:

_كارينا، اسمي كارينا.

نظرت إلي وقالت لي بشكلٍ أدهشني:
_أهلا بك يا سارة.

نظرت إليها وقلت لها بتوتر واستغراب:
_ماذا؟ كيف؟أقصد كيف عرفت اسمي؟

التفت للخلف وقالت:
_لا تسالي أية أسئلة لا أستطيع الإجابة عنها.

فرحت وقلت في نفسي:
" رغم كل القلق الذي يتملكني تجاهها وبسبب اختفاء أصدقائي إلا أنني سعيدة لأن هناك من ناداني باسمي الحقيقي بعد كل هذه المدة."

وقبل أن تغادر الكهف طلبت منها:

_هلا ساعدتني في العثور على أصدقائي.
_لاتستعجلي، هيا تعالي معي.

أخذتني إلى الكهف مجدداً وطلبت مني الالتزام فيه، وعدم لفت الانتباه وقالت محذرةً:

_إياك والخروج من هنا لأنني لا أضمن ردود أفعال البقية من جنسي.

_لماذا؟
_أنت بالنسبة لهم شيء غريب سيعرضوه للاختبارات التي يقومون بها، فلا تخالفي أوامري إن أردت النجاة

شعرت بالقلق اكثر وازداد خوفي وانفعالي فصرت أصرخ وأهدد:

_أريد أصدقائي ، هيا أخبري أبناء جنسك اولئك أن يعيدوهم، لابد أنهم هم من فعلها

لكنها كانت تراقب تصرفاتي وتقوم بتسجيل ما تشاهده من ردود أفعال على جهاز وضعت في يدها فصرت أشاجرها:

_أنت، ماذا تفعلين؟ لماذا تسجلين كل ما أقول وأفعل، ماذا تريدين مني؟

فرفعت يدها وضغطت على زر في جهازها أصدر شعاعاً، أصابني بالنعاس، فسقطت أرضاً.

ولم أستيقظ حتى اليوم التالي عندما قامت هي بلكمي على رجلي.

_هل أنت مجنونة؟ لم فعلت هذا؟

_اصمتي وتعالي معي من دون أسئلة.

_إلى أين أخبريني أرجوكٍ.

_لا تكثري من الكلام، أكره الثرثرة، أتا أريد ان أساعدك.

_حقاً.

_أجل، كلميني عن البشر.

ضحكت وقلت لها:
_ماذا؟ البشر!

_أجل البشر، من هم كيف يفكرون،
كيف يتصرفون، حدثيني عنهم.

_حسناً سأحدثك عنهم بشرط أن تحدثيني عنكم أنتم.

_اتفقنا، انظري لقد وصلنا

وجدت نفسي وأنا مجرد تابعة لها، أقف أمام مكان أكثر غرابة، ولم اكن أشعر بنفسي إلا وأنا أقوم بتنفيذ أوامرها تلقائياً بدون أي مقاومة.

عشت معها حوالي الشهرين تقريباً، تعلمت منها الكثير عن طباعهم وعادات حياتهم، وعلمتني كيفية التعامل مع المركبة الفضائية وطرق إصلاحها، حدثتها عن البشر وصفاتهم وعاداتهم في كل المجالات.

قالت لي ذات مرة:
_كنت أرقبكم من خلال أجهزة المسح و التنصت التي أستخدمها في اكتشاف الفضاء الخارجي.

_حقاً، وما ذا وجدتِ واكتشفت؟

_اكتسفت عنكم الكثير، تكثرون الطعام وكم كنت أرى تجمعات لديكم حول أنثى وذكر منكم وتتصرفون بغرابة.

_غرابة! ماذا تقصدين؟

_تتحركون بحركات عشوائية، ترى لماذا؟ كنت أقول عنكم مجانين يا أهل الأرض.

فكرت بما قالت فتذكرت أمر الاعراس وهنا ضحكت كثيراً فسألتني:

_ما سبب الضحك؟

_لا لا، لقد فهمت عما تسألين.

وشرحت لها عن معنى العرس وطقوس الناس فيه، وبينت لها أن تلك الحركات تسمى رقصاً شعبياً للتعبير عن الفرحة.

_كم أنتم حمقى أيها البشر، نحن ليس لدينا

أعراس في كوكب بينوس.

_ماذا؟ اسمه كوكب بينوس!

_ ألم تعرفي بهذا؟

_لم يخطر لي أن أسأل عن هذا الموضوع أبداً.

وقلت في نفسي:
"
_إذن كوكب بينوس هو هذا الكوكب الخطر الذي عرض حياتنا للخطر، لكنه كوكبٌ يختلف عن بقية الكواكب الأخرى بطبيعته وطبيعة سكانه يبعد عن أرضكم حوالي مليون كم تقريباً.

_لكن لماذا لم أسمع عنه أبداً من قبل، سمعت عن كواكب النظام الشمسي كلها اما بينوس فلا، غريبٌ جداً.

_كوكبنا مطور جداً لدرجة لا يمكن لأي كائن خارجه أن يراه أو يكتشفه، ومن يأتيه غالباً يضيع فيه وينتهي فيه؛ لكثرة أخطاره واستحالة الخروج منه.

_يا إلهي! ولماذا؟

_لأنه مطور بنظام مغناطيسي يحيط به يمنع المركبات وغيرها، أن تستطيع الصعود منه.

_آها، الآن فهمت سبب عدم تحرك مركبتنا رغم كل محاولاتنا لإصلاحها.

_نعم.

_لقد فقدنا صديقين هنا وأريد أن أطمئن عن الاثنين الباقيين.

_أنت متطفلةٌ جداً يا سارة، نحن نعرف عنك وعنهم كل شيء.

_هل تقصدين أنك تعرفين كل ما حل بنا.

_اصمتي الآن وستفهمين كل شيء لاحقاً.

_ماذا وراء كل هذا الغموض يا ترى؟

دعوت الله في نفسي:

"يارب كن مع جاك وجون واحفظهما لي، وخلصنا من هذه الورطة.

وهنا نادت علي فجأة تلك الفتاة الغريبة الغامضة التي أصبحت أشك أنها وقومها وراء كل شيء حصل معنا.
فكرت:

"علي أن أتصرف بحكمة وأقلب الطاولة عليها وأتظاهر بما ليس مني حتى أصل إلى رفاقي من خلالها."

قلت لها:
_صحيح لم أسألك هل تسمون أنفسكم بأسماء، هل لديكم عادات كالزواج والتعلم وغيرها حدثيني عنك.

_ أجل طبعاً لدينا أسماء ونتزاوج، نتعلم، أما أنا فاسمي ساراسا، وأنا بالنسبة لك أعتبر قرينتك على هذا الكوكب.

_ماذا؟ قرينة؟ ماذا تعنين بهذه الكلمة؟

ضحكت وقالت:

_لكلٍ منكم قرين لدينا هنا واسمه تقريبا على شاكلة اسمكم.

_الآن فهمت لماذا عرفتِ اسمي.

_أجل يا شاطر، فهمتني.

_وماذا عن البقية؟

_لديهم أقرانٌ، أيضاً، ولأنهم لم يحسنوا التصرف غضب أقرانهم منهم وأذوهم كما رأيت.

جاكوس لجاك، ماركو لمارك، بيليانو لبيلي، وجونيو لجون.

_يا إلهي ماذا أسمع، و ماذا عن جون وجاك؟

_لم أعلم بمصيرهم بعد لأن قرينيهما غامضين ويرفضان التحدث إلي بهذا الأمر، أفهمتِ الآن؟


شعرت بأن العرق تصبب داخلي بعد أن تذكرت أحاديث البشر عن الأقران، فأنا ورفاقي دخلنا كوكبا ملبوساً بالجن على ما يبدو، ورغم كل الرعب قلت لنفسي:

_لا مفر علي الخوض في عالمهم؛ لأنقذ أصدقائي.

واقشعر بدني عندما أمسكتني وأدخلتني إلى غرفة مليئة بالكائنات الغريبة وقالت لي:

_انظري هؤلاء هم كائناتي الأليفة، وأنت الآن منهم.

وتبسمت وأقفلت الباب علي وخرجت.
_هيي، أنت أين ذهبت لاتتركيني هنا، أنا خائفة جداً.

لكنها لم ترد، فجلست في زاوية بعيدة خائفةً أراقب تلك الكائنان الغريبة التي راحت تحملق بي بطريقةٍ غريبةٍ جداً، وبعضها يصرخ علي ويحاول أن يكلمني ولأنني كنت أضع ذلك الجهاز، كنت أفهم ما يقولونه أما هم فلا.

سمعت أحدهم وهو كائن بثلاثة أرجل يكلم أخر بقربه له نفس الشكل لكن بعينٍ واحدة ويقول:

_ إنها ضحيةٌ جديدة من ضحايا ساراسا السيئة.

فرد الأخر:
_ربما ستفعل بها مثلما فعلت بنا، تلك الظالمة.
حملقت برعبٍ بهما وصرت أسألهم:
_ماذا سيحل بي؟ انطقا، أرجوكما، ماذا سيكون مصيري، وهل تعرفان شيئاً عن جاك وجون، تكلما لطفاً.

لكنهما بقيا يتكلمان دون انقطاع فهما لم يفهما لغوي.

صرت أضرب على الباب:
_افتحي أرجوكٍ، ساراسا ساعديني لا أريد أن أبقى هنا.

وبعد فترة من الصراخ وبقائي بين تلك الكائنات استسلمت ونمت من شدة التعب.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي