١٢

١٢

ليلتها كان الامر قاسياً علي جداً ولم أكن أعرف نهايةً للخوف، فتذكرت أحاديث العرّافة التي كنت وصديقتي نتردد عليها من باب التسلية ويومها قالت لي:

_هناك قرين من الجن يراقبك ويحد من حركتك وحياتك، فاقرأي كثيراً من الأدعية.
لكنني سخرت منها ولم أصدقها.

وبناء عليه في صباح اليوم التالي قررت أن أكون قوية وأن أتعامل مع الأمر بشجاعة وذكاء.

وقلت لنفسي:

"لابد أن ساراسا تلك ستكون سبباً لأحد أمرين إما موتنا جميعاً، أونجاتنا، لذلك يجب أن لا أستسلم أبداً فإن ظنت أنها ذكية سأكون أذكى منها."

سألني جاك:
_كيف حالك اليوم؟

_ممتازة، وأفكر أن نبدأ باصلاح المركبة مجددا وبأقصى سرعة.

نظرني جاك باستغراب وكأنه يقول:
_هل أنت كارينا البارحة؟

فشتت انتباهه وناديت على جون:
_هيا استيقظ أيها الكسول، شمسك عالية.

وانطلقت؛ لتحضير شيء ما نأكله ونظرات جاك تراقبني.

شعرت بها معي، خفت كثيراً، لكنني رحت أقرأ الأدعية وكنت أشعر بأني أقوى منها.

قال جاك بعد إنهاء طعامه:
_سأتحقق من أمر المركبة.

_لا تحاول، هذا الكوكب محاط بطاقة مغناطيسية كبيرة تعطل نظام هذه المركبة.

جون باستغراب:
_أوو، وكيف توصلت إلى هذه المعلومة؟

فقلت له بثقة:
_ لا تستهزء بي يا جون، المعلومة دقيقة جداً.

قال جاك بلهجة متوسطة بين السخرية والجدية:

_إذاً لا بد من تعطيل هذه الطاقة بأية طريقة؛ لنستطيع الانطلاق مجدداً.

قلت له وهو يتفقد نظام المركبة وأجهزتها:
_كيف وجدتها؟

_إنها ممتازة، ولم يعد هناك عطل فيها إلا أمر المغنطة.

جون:
_لا بد من وجود حلٍ لهذا.

جاك:
_سنجده، لا تقلق.

أنهينا عملنا وجلسنا نتناول أطراف الحديث، فتذكرت أمر الاتفاق وقلت لجون:

_هاتِ أخبرنا بما كان من قصتك، فأنت الوحيد الذي لم يفعل.

قال متهرباً:
_اخرسي كارينا.

فضحكت وقلت:
_أقسم بأنك لن تفلت، فنحن نشعر بالضجر وعليك أن تسرد، يا بطل.

جاك وهو يستهزء:
_أجل يا بطل كلنا التزمنا ولم يبق سواك، أم أنك خائف؟

شعر بالاهانة فقال:
_كلا لست كذلك، سأسرد وأمري لله.

لكن لا أريد لأحد أن يحاول التطاول علي رجاءً.

أنا وجاك معاً:
_امممممم.

جون وقد بدا عليه التوتر:
_كان هذا منذ زمنٍ بعيد، عندما توفي والداي في حادث سيارة، وبقينا أربعة أطفال تخلى عنا أقاربنا ووضعنا كل في ميتم وشتتنا، وما عدت أعرف عنهم شيء.

سألته باستغراب:
_ولمَ تخلى عنك أقاربك؟

_سؤالٌ غبي.

ضحك جاك وقال:
_صح، سؤالك غبي، الإجابة معروفة.

_تباً لكما، هيا أكمل.

جون:
_نقمت على الأقارب وعلى اليتم فقد افترقت عن أخوتي بسببه، عوملت بسوء في الميتم لأنني كنت شقياً، فقسى قلبي على البشر.

جاك:
_لم صمت، أكمل.

جون وعينيه تمتلأن بالدمع مما أوجع قلوبنا:

_كان ذنبي أنني يتيم، لكنه لم يستسلم للبؤس فكنت اغني وألعب وأتشاقى مما قلب علي كادر الميتم أنذاك، تعرضت لظلم كبير، ولكن وبعد أن كبرت وبلغت ١٨ عشر عاماً، انتهت مدة إقامتي في الميتم وكنت قد حصلت على شهادة الثانوية العامة بمجموعٍ ممتازٍ.

أعقبت عليه:
_جميل جداً.

تابع:
_درست علم الفلك على حساب الميتم، رغم انفصالي عنه تماماً.

جاك:
_هناك التقيت بك، أتذكر؟

_أجل لقد كانت أياماً جميلة، لا تنسى.

قاطعتهم:
_هل أنتما من نفس العمر.

جون:
_لا هو أكبر مني بسنتين.

_اممم.

تابع جون:
عندما نظمت وضعي وأنهيت دراستي، تزوجت سيدةً جميلةً جداً لكنها ماتت بعد زواجنا بعدة سنوات، وكان لديها طفلين من زوجها الثاني.

جاك:
_ولم تزوجت بمتزوجة.

_ربما أحببتها، كانت لطيفةً جداً.

_هل رأيتهم بعدها.

_لا أبدا، تمنعت عنهنا.

سكت قليلاً، ثم تابع:
‏_لقد عاملتها بسوء،كنت دائما أشعرها بالدونية، من خلال استهجاني لتصرفاتها، رفضت أطفالها ووضعتهم في ميتم، أهملت في علاجها بعد أن مرضت بالسرطان، كم أنبتها؛ لأنها مرضت في وقت ضيقي المادي.

غضبت منه وزجرته:
_أنت قاسٍ جداً، كنتَ أقسى من اليتم.
ألم تخجل من نفسك.

فرد لي بخزن:
_أعلم أنني أخطأت معها ومع أولادها وخاصةً عندما رزقت بطفل منها، فصرت أعاملها بقسوة كما عاملت ابني بطيب وحرمتها من أولادها لزمنٍ طويل.

أتذكر في مرة طلبت مني أن أجلب لها أولادها؛ لتراهم قبل موتها.

قاطعتُه بغضب:

_لكنك لم تفعل.

طأطأ رأسه قليلاً ثم قال:

_أجل، وليس هذا فحسب بل ظلمت أبناءها عندما أخذت مال أمهم لي وحرمتهم رزق أمهم.

_كم كنت قاسياً، أسمع أنهم يقولون أن أكلي رزق اليتامى مغضوب عليهم.

فرد بوقاحة:
_حقاً، ظننت نفسي الآن في الجنة يا محترمة، هل تجدين عقوبة أكثر مما نحن فيه.

جاك:
_معك حق، ولكن هل أنت نادم الآن يا جون؟

جون:
_جداً، أقسم لو كتب لنا النجاة؛ لأعدت لهم كل ما سلبت وسأعوضهم وأخوهم كل ما فقدوه من حنان.

جاك:
_أقل ما يمكنك فعله صديقي.

دمعت عيناه ثانيةً:

_وإن لم أنجو سأكتب وصيتي وتتصرف أنت وتقوم عني بتعويضهم مادياً، عدني يا جاك، عدني.

_أعدك جون، لكننا سننجو معاً.

_شعور داخلي لا يخبرني بذلك يا جاك.
قلت له بحزن:
_لا تقل هذا أرجوك.

ثم صمتنا جميعاً، وكأن قصة جون ذكرتنا بهمومنا وذنوبنا والعقوبة القاسية التي نتعرض لها منذ أشهر عدة.

وفجأة قال جون:
_علينا أن لا نضيع الوقت، ونذهب بحثاً عن ذاك الكهف الذي ذكره الرجل الهيكل في تلك الورقة قربه.

رد جاك موافقا:
_تمام هيا بنا.

فحدثتهم عن ذلك الكهف الذي كان أشبه بالجنة عندما فقدتهم، لكن ردود أفعالهم كانت مريبة جداً.

"ما بهم لماذا ينظرون إلي هكذا"

جاك:
_يبدو أنك عدت للتعب النفسي.

كرهته وقلت:
_ولمَ تقول هذا؟

صعقني عندما قال:

_لأنك لم تغادري هنا نهائياً.

وأيده جون:
_هذا صحيح.

غضبت وشعرت بالتوتر:
_أنتم تكذبون، وتخفون عني أمراً أنا متأكدة.

لكن جاك عاود إهانتي وقال:
_لا أنت تتوهمين، ربما حلمت بهذا.

فلت بنزق:
_ربما، هيا بنا الآن.

انصرفنا للبحث عن الكهف وأنا لا أصدق أنني لم أتعرض لتلك التجربة.


حزنت لأن جاك كان يكذب علي..

وقلت قي نفسي:
"هناك سرٌ لابد أن أكتشفه."

وفجأة وقع نظري على قطعة ثياب تخص جاك فتأكد لي كذبهما، لكنني قررت السكوت حتى أفهم الأمر.

بعد مضي وقت طويل وصلنا لنفس الكهف الذي حدثتهم عنه، فدخلنا إليه وتأكدت بأنهم يكذبون.

فرمقتهم بنظرة شك والتفت إلى الجهة الثانية، ولاحظت بأنهم يتهامسون.

ثم وقفت أنتظرهم قرب باب الكهف وبعد قليل اقتربت منهم وقلت لجاك:
_ما تبحثون عنه أنا أعرف أين هو.

فحملقا بي باستغراب وقلت لهم:
_أجل، أجل، أنا خبأتها.

وتقدمت ورفعت الحجر المسطحة الموجودة هناك ثم قلت لهم:

_هاهي، هل تستطيعان تكذيبي بعد هذا كله.

تلعثما وتراجعا وتهامسا، فصرخت بهم:
_أنا لا أفهم ، لكنني سأنتظر التوضيح منكما، اقرأا الورقة واعرفا طريقة للعودة.

خرجت من الكهف ودموعي تسبقني:
_لم يا جاك ، لماذا تفعل بي هذا، ألست حبيبتك.

أحسست بخنقة وتمنيت لو أعود إلى حضن أمي وأبي.

وبينما أنا منهارة همست لي ساراسا:
_مسكينة يا عزيزتي، لن يتعاونوا معك، فكري بما هو صالحٌ لك معي، فربما تنتهي تلك المخاطر التي تعيشيها معهم.

_سئمتك، ارحلي ساراسا البغيضة أكرهك وأكرههم.

وهنا قمت بقراءة الأدعية فرحلت كالوهم تماما.

وجاء جاك وضمني من الخلف وقال لي:
_سيأتي اليوم المناسب، لتعرفي كل شيء واعلمي أن ما يحدث لانقاذ حياتنا جميعاً.

فالتفت إليه وضممته وصرت اقول:

_انت تعلم أني خائفة وتخليت عني وكذبت أيضاً.

وصل جون وقال بلهفة:
_صدقيه لا يريد إلا حمايتك، أقسم.

هز جاك رأسه وقال مؤكداً:
ستكتشفين الحقيقة عاجلا ، وتعلمين مدى عشقي لك، سامحيني.

_حقا ياجاك، أرجوكما، انا لا أستطيع الاستمرار دونكما.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي