الفصل الرابع والعشرون الفأر في المصيدة

مر حتى الآن ستة أشهر منذ اختفاء "ريهام"؛ وكان القائد يحث "ميرنا" على إيجاد طريقة أخرى من أجل إحضار المجرم الإرهابي الدولي "شنكوف" إلى مصر.

ولكن كان "شنكوف" مختفياً تماماً من الأجواء، ولم يظهر في الصورة أو يحاول التواصل معها منذ حادث الرهائن.

وحين اقتربت "ميرنا" من فقدان الأمل، وجدت "أحمد" يهاتفها أثناء تواجدها في العمل مع "أدهم" حتى يخبرها:
- وان لقد دخل الفأر المصيدة.

كانت "ميرنا" تعلم جيداً ما كان يقصد من هذه الجملة، وبسبب هذا الخبر المفرح ظهرت سعادة الانتصار على وجهها.

حينها لاحظ "أدهم" تغيير في ملامح "ميرنا" بسبب الإتصال المفاجئ سألها بفضول:
- ميرنا ما الأمر لما أنتِ سعيدة هل حدث شيء جيد!

- لا شيء، ولكن هل استطيع الذهاب الآن؟

- لماذا!

- لدي أشياء أكثر أهمية.

- ولكن مازال الاجتماع جاري الآن؟

- لقد فهمت ما تريد التحدث عنه، وسوف البي كل مطالبك بعد الانتهاء والعودة.

- إذن أذهبِ وأفعلِ ما تريدين.

جمعت "ميرنا" أشيائها التي وضعتها داخل مكتبها، وأخذت حقيبتها وهاتفها وخرجت من الشركة، اتجهت على الفور إلى مقر المنظمة، وعند وصلها أخذها "أحمد" الذي كان ينتظرها بفارغ الصبر أمام باب مكتبها إلى غرفة الاجتماعات.

وجدت القائد ينتظر حضورها أيضاً، وعند رؤيتها أخبرها بسعادة:
- لقد نجحت خطتك يا وان.

كانت "ميرنا" في منتهى السعادة لاقترابها في القضاء على المجرم الروسي الخطير الذي تسبب في القضاء على أغلبية فريقها.


ولكن عندما أصبح عدد فريقها أقل من المعتاد ذلك الأمر وضعهم في مأزق أمام المسؤولين، لذا تم انضمام "سمير عدوي" مدير الاتصالات في المنظمة إلى الفريق حتى يساعدهم في انهاء العمل.

عندما دخلت "ميرنا" غرفة الاجتماعات، ووجدت "سمير" يجلس داخل الغرف من أجل أن يحضر هذا الاجتماع شعرت بعدم الارتياح، وسألت القائد:
- سيدي ماذا يفعل سمير هنا؟

- منذ الآن سمير سيصبح جزء من الفريق وسوف يساعدنا في العمل.

- ولكن سيدي أظن أن هذا خطأ؟

- وان انتبهي إلى عملك وأتركِ عمل الآخرين.

- كما تريد سيدي.

كانت "ميرنا" تشعر بالتوتر بوجود شخص من الخارج ضمن الفريق، ولكنها كانت تعلم أن الفريق يحتاج إلى موارد بشرية جديدة لأن ينقصه أفراد من أجل إتمام المهمة بإنجاز، ورغم ذلك كان بداخلها يشعر بالارتياب الشديد.

جلست "ميرنا" بجوار القائد، وجلس أمامها "أحمد" وبجواره "فاروق وهيثم"، وكان سمير يجلس في الاتجاه الآخر المقرب من جهاز بحث الفيديوهات، وبدأ القائد في التحدث وقال:
- الآن سوف يشرح لكم سمير التفاصيل.

بعد ذلك التفت إلى "سمير"، وأشار إليه حتى يبدأ في الشرح.

فتح "سمير" الملف على جهازه اللوحي، وأرسل الملف إلى الشاشة التي أمام الجميع.

وبدأ في الشرح وقال:
- هذه صورة زعيم المافيا الروسي "شنكوف بتروس" تم رصدها خلال منتصف الليل بالأمس في مطار القاهرة الدولي، دخل إلى مطار القاهرة تحت اسم مستعار، ومنذ ذلك الحين نضعه تحت المراقبة القصوى.

سأله "هيثم" بفضول:
- كيف علمت أنه زعيم المافيا رغم عدم وجود بيانات له داخل المنظمة؟

- القائدة وان أرسلت إلى المنظمة صورة تخص هذا الرجل، ومنذ ذلك الحين ونحن نبحث عن معلومات تخصه في كل بلدان العالم.

التفت "هيثم إلى "ميرنا" يسألها:
- كيف استطعت الحصول على صورة هذا الرجل؟
- أخذتها خلسة.

- القائدة دائماً مختلفة في تحقيق إنجاز الأمور.

- هذا ليس هام الآن.

التفت "ميرنا" إلى "سمير" وقالت:
- سمير أريد أن أعرف كيف دخل هذا الرجل إلى مصر؟

- تحت اسم المستعار؟

التفت بعد ذلك إلى القائد وقالت:
- سيدي لنقبض على هذا المجرم، ونقوم بمحاكمته.
- لا نستطيع فعل ذلك.

- لماذا!

- لأن رغم معرفة حقيقة شخصية لم نستطع لمسه.

- لما؟

- لأن أوراق هوية الشخصية حقيقية، ولديه الجنسية الأمريكية.

- هل لا يوجد إثبات على أنه المجرم الإرهابي، للأسف لا يوجد شيء نفعله.

نظرت إلى القائد قائلة:
- هل أصلح شاهدة إثبات على شخصيته الحقيقية؟

- للأسف لا، لذا أصبح الطريق أمامنا طويل، ولكن هناك طريقة.

- ما هي يا سيدي!

- القبض عليه متلبس بالجرم.

- ولكن يا سيدي هذه المغامرة كبيرة وخطرة، وأيضاً وجوده داخل مصر دون القبض عليه سوف يعرض الجميع للخطر.

- وان هذا الأمر منذ الآن ضمن يديك؟

- كيف هذا يا سيدي؟

- وان نعلم جيداً لماذا هذا الرجل جاء إلى مصر.

- إذن!

- في البداية أريد منك الذهاب إلى هذا الرجل وسأله عن سفن.

- وإن كانت سفن معه؟ ماذا أفعل!

- ايجاد طريقة لإنقاذها.

- وان كان العكس؟

- أريدك أن تقومي باغتياله.

فزع "سمير" وسأله:
- سيدي وماذا عن ريهام؟

تفاجئ القائد عندما ذكر "سمير" اسم "ريهام" الحقيقي ولا يلقبها باسمها الحركي سفن، ولكن لم يظهر ذلك وأستمر في التحدث وأجابه:
- إذا لم تكن معه فهذا يعني أنها ميتة الآن.

- هل تظن ذلك سيدي؟

- لنتخطى موضوع ريهام الآن، والتوقف عن البحث عنها حتى يضعها القدر في طريقنا.

تنهدت "ميرنا" وقالت:
- أؤيدك في ذلك سيدي، يجب أن نوفر كل قوتنا وطاقتنا في الإمساك بهذا المجرم.

أجابه "أحمد" بإحباط:
- سيدي أظن ذلك أيضاً.

غضب "هيثم" وسأل القائد:
- ولكن سيدي هذا ليس عدلاً، فإن سفن جزء من فريقنا، وقد فارقنا الكثير كيف نستسلم بسهولة؟

غضب القائد وأجابه:
- فايف هل تعلم كم خسرنا من الموارد في سبيل البحث عن شخص اختفى بدون أمل؟

- ولكن سيدي.

- هذا الأمر منتهي نهائياً.

كان أمر إيقاف البحث عن "ريهام" مجرد خدعة تم وضعها بين القائد مع "ميرنا" حتى يتم اصطياد الخائن.

انتهاء الاجتماع وخرجت "ميرنا" من المنظمة وعادت إلى منزل "أدهم" جمعت أشيائها حتى تعود إلى منزلها، لأنها تظن أن وجودها بجوار "أدهم" والطفلة من الممكن أن يعرضهم إلى الخطر بوجود "شنكوف" داخل الصورة.

أثناء هذا الوقت ذهبت الطفلة إلى غرفة "ميرنا"، وعندما وجدتها تجمع حقيبتها فزعت، وذهبت مسرعة إلى والدها تخبره:
- أبي هل طردت ميرنا مرة أخرى؟ لماذا أنت سيء هكذا.

صدم "أدهم" من الأخبار التي جلبتها ابنته، وأسرع إلى غرفة "ميرنا"، وعندما وجدتها تجمع أشيائها سحب من أمامها حقيبة السفر، أوقعها على الأرض.

عندما أعادت الحقيبة مرة أخرى، وبدأ يصيح بها يسألها:
- ما الأمر؟ ما الذي يحدث معكِ يا ميرنا!

- سأعود إلى المنزل.

- لماذا!

- لأني أريد هذا.

- وماذا عن العمل؟

- سوف أحضر كل يوم في مواعيدي ولم أتأخر.

- ميرنا هل نسيتِ أنت من ترجاني حتى أعيدك إلى المنزل.

- أعلم هذا.

- إذن لماذا تريدين المغادرة؟ ماذا فعلت حتى أغضبك هكذا!

- لا شيء أريد فقط العودة إلى منزلي.

- لماذا؟

- لقد اشتقت للمنزل.

- ميرنا لا تفعلي هذا.

- أعتذر منك يجب أن أذهب حالاً.

صدم "أدهم" من تصرفاتها المفاجئة، لأنها في البداية من أرادت البقاء في المنزل، أما الآن تريد الرحيل وهذا الأمر جعله يفقد صوابه.

أعتقد "أدهم" أنها تفعل هذا بسبب المشاعر التي تنمو بينهما، أعتقد أنها تشعر بالخوف وتحاول الهروب، وحتى يقنعها بالاعتدال عن قرارها أخبرها:
- أن خرجتي من المنزل الآن لم تذهبين إلى العمل في الشركة؟

كان "أدهم" يعتقد أنه بهذه الطريقة سوف يقيدها ويمنعها من الذهاب، ويجعلها تتراجع عن قرارها بالرحيل، ولكن هذا الأمر كان فرصة جيداً بالنسبة إليها حتى تبتعد عن هذا المكان.

أرادت "ميرنا" الهروب من هذا المنزل في أقرب لأنها تعلم أن "شنكوف" أول شيء سوف يفعله عند وصوله إلى القاهرة البحث عنها، ولكنها شعرت بالخوف والقلق من وضع "أدهم" وابنته في الخطر بسبب تعلقها به.

لذا جمعت حقيبتها حتى تخرج من منزلهم وتعود إلى منزلها، ولكن رفض "أدهم" ذهابها وانتهى الأمر بالعراك بينهم حتى تستطع الخروج من هذا المنزل؛ عادت "ميرنا" إلى منزلها يتملكها شعور الحزن والإحباط.

وبعد مرور ساعتين طرق جرس بابها؛ ذهبت حتى تفتح الباب، وعندها وجدت "أدهم" يقف أمامها بعيون تتلألأ من الدموع.

صدمت "ميرنا" من مجيئه المفاجئ وسألته:
- أنت ماذا تفعل هنا!

- هل استطيع الدخول؟

توترت وسمحت بالدخول، وعند دخوله تسامر "أدهم" مكانه في منتصف الصالة يتأملها بصدمة، شعرت "ميرنا" بالحرج الشديد من شقتها المهملة كثيرة الغبار، ولم تعلم إلى أين تأخذه حتى يجلس وكل الأماكن كانت قذرة.

ضحكت بسذاجة من الإحراج وقالت:
- لم أجد الوقت من قبل للمجيء حتى أنظف الشقة.

أجابها بسخرية:
- هل تظنين أنه السبب الحقيقي؟

عندما نظر "أدهم" إلى الشقة علم أنها شخص كسول ولا تحب الأعمال المنزلية.

التفت إليها وسألها:
- أين أجلس؟

- أختار المكان الذي يعجبك لا يوجد اختلاف.

كان "أدهم" يرتدي ملابس كاجوال جاكت جلد أسود، وبنطلون جينز أسود، وحذاء ذات رقبة قصيرة أسود اللون، نظر إلى ملابسه يلوم نفسه بسبب أرتدي هذه الملابس الغامقة.

ولكنه لم يهتم وأقترب من الأريكة وجلس، وجلست "ميرنا" بجواره، وبدأ "أدهم" في سؤالها:
- ميرنا هل يمكنك إخباري بصراحة عن حقيقة خروج فجأة من المنزل؟

كانت "ميرنا" تشعر بالخوف على حياة "أدهم" لذا لم تخبره شيئاً عن "شنكوف".

عندا لم تجبه سألها:
- هل فعلتِ ذلك لأنك أصبحتِ تملكين مشاعر تجاهي؟

فزعت "ميرنا" من سؤاله المفاجئ وقالت:
- عما تتحدث هذا غير صحيح.

منذ البداية كانت "ميرنا" اتخذت قرارها بإعطاء حياتها ومستقبلها إلى عائلة صديقتها "منى" تعويضاً عن حياتها التي ضحت بها في سبيل إنقاذه، ولكن عندما تحدث "أدهم" بهذه الطريقة، شعرت بالتوتر والخوف لأنها تعلم أنه ليست الوقت المناسب لفعل هذا الأمر.

لأن وجود "شنكوف" قريباً منها سوف يضع كل المقربين منها في الخطر، ولكن كانت "ميرنا" بالفعل وقع في حب "أدهم" زوج صديقتها، وكان ضميرها يأنبها بشدة بسبب ذلك الأمر طول الوقت.

نهضت "ميرنا" فزعاً تخبره:
- أدهم كيف تسألني هذا السؤال الغريبة، وأنت تعلم جيداً كيف كانت علاقتي مع زوجتك.

- هل حقاً تعتقدين أنه سؤال غريب؟

- نعم أظن ذلك.

- وماذا ستفعلين أن أخبرتك أني أشعر بمشاعر رومانسية تجاهك؟

- أدهم لا تفعل ذلك.

- لماذا؟

- أنه ليس الوقت المناسب لهذا الحديث.

- ومتى يكون الوقت المناسب؟

- عندما أكون مستعدة نفسياً حتى استطيع مصارحتك بكل شيء حدث.

- لم أعد أهتم لمعرفة ما حدث في الماضي.

- وماذا عن موت منى!

- ماذا تعنين؟

- هل لا تريد معرفة كيف ماتت؟

- هل سوف تخبرني بالحقيقة؟

- نعم ولكن ليس الآن .

- إذن متى سوف تخبرني بكل ما تقومين بإخفائه؟

- قريباً لا تقلق، ولكن الآن من فضلك أترجاك أن تتركني وشأني، ولا تتدخل في حياتي.

شعر "أدهم" بوجود سر تحاول "ميرنا" إخفائه، وأن كل محاولة بإقناعه سوف تفشل.

نهض "أدهم" حتى يهم بالرحيل وقال:
- بما أنك اتخذتِ قرار إذن سوف أذهب.

وذهب تجاه الباب دون أن ينظر تجاها حتى سمع صوتها الرقيق "ميرنا" تخبره:
- أدهم أعتني هذه الأيام بنفسك جيداً.

- لا تقلقي سوف أفعل.

أثناء ذهابه شعر بأنها تودعه ولم يراها مرة أخرى لذا التفت وسألها:
- ميرنا هل ستأتي إلى العمل غداً.

- هل نسيت لقد قمت بطردي؟

حدق "أدهم" بوجهها عندها شعر أنها تتألم بشدة بسبب حديثه المؤلم التي وجه إليها في منزله، لذا اقترب من "ميرنا"، وسحبها إلى حضنه وأخبرها:
- منذ متى تهتمين بما يقوله هذا الرجل العنيد؟

- هل اعترفت أخيراً أنك عنيد؟

عندها توقف "أدهم" عن الكلام، وظل يضغط على جسدها بقوة داخل حضنه يتأمل اللحظة الاشتياق للنهاية.

شعرت "ميرنا" بالحرج الشديد، ولكنها لم تستطع إجبار نفسها والابتعاد عن حضنه، وتوقف عن الحديث الطفولي، وظلت للحظات صمته داخل حضن "أدهم" الدافئ.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي