١٥

بقينا على هذه الحالة من الصدمة لساعات طويلة.

جون:
_أليس من المحتمل أن يكون كوكباً أخر؟

أجابه جاك:
_لا إنه نفس المكان انظر إلى تلك النجوم الواضحة في عز الظهر، هذه الحالة غريبة ونادرة ولم نسمع بها قبلاً في أي كوكب من كواكب النظام الشمسي.
_صحيح لقد شاهدنا هذه الظاهرة في كوكب بينوس.

سألته بكل يأس:

_ألربما هو كوكب أخر غريب مثله.

_لا أعتقد، ولكن أتمنى ذلك.

جلسنا نندب حظنا في المصيبة التي لم تنتهي بعد.

جون الذي زاد وضعه سوءاً:

_هل ستعود تلك الكائنات مرة أخرى؟ وتلك الأحداث المخيفة، لم يعد يستطيع عقلي التحمل أكثر.

ربتت على كتفه وقلت:

_فلندعو أن يرحمنا الله.

حل الليل ونحن داخل المركبة والأرق قد أهلكنا حتى غفوت أنا وجاك، لكن جون يومها لم ينم وكان مضطرباً فوق العادة.

وفجأة أيقظنا على صراخه وهو يردد كلمات اليأس:

_لم أعد أريد الحياة يجب أن أموت.

_يا إلهي جاك، انتبه جون يحاول الانتحار، امنعه.

قال جاك وقد وصل حد اليأس:
_تباً لجاك وتباً لهذا الذي يجري، لقد سئمت كل شيء، سئمتك يا جون وسئمت هذا الكوكب الخطر.

وهجم جاك على جون وقام بلكمه وهو يحاول ربط عنقه بشريط كهربائي محاولا الانتحار، حتى سقط أرضاً.

حاولتُ منعه لكنه كان أقوى مني:

_اتركه يا جاك، دعه وشأنه، هل جننت؟ تباً لكل ما يحدث.

_لا تتدخلي، سأعلمه درساً لن ينساه،
هل كان ينقصنا غباؤه.

...جون على الأرض، وجاك متهور وغاضب، وأنا منهارة فليس هناك حلٌ اطلاقاً، ولم يعد حتى جاك يسيطر على تصرفاته.

جون:
_كنت مقتنعٌ تماماً أن ما يحدث لنا هو فرصةٌ من الله؛ لنصحح أخطائنا، لكن بعد اليوم لن أفعل إلا ما يحلو لي وسأبقى كما كنت.

جاك:
_امض إذن في خطيئتك يا هذا، أنا بعد اليوم لن أتحمل مسؤوليتك.

شعرت أن جاك قد فقد الأمل تماماً، وجون قرر إنهاء نفسه فحاولت هديهم:

_لا تقولوا هذا أرجوكم، الصبر ثم الصبر ومن بعدها الفرج.

جون:
_بربك كارينا يكفي وابتعدي عني.

جاك:
_أنا سأخرج ولا تلحقوا بي إطلاقاً.

قلت في نفسي:

" لن امنعه؛ لإن ما يحصل أمر طبيعي، سأتركهم على راحتهم الآن."

ومضيت أبحث عن أي شيءٍ يؤكل، فوجدت نفسي أسير وأسير حتى أصبحت في مكانٍ يشبه الغابة.

شعرت بأن أحداً ما يتبعني، مرةً يراقب ومرةً يختبئ، فخفت كثيراً وتوقعت أنه مأزقٌ جديد، فتوقفت والتفت ورائي لأجد كائناً لطيفاً جداً شكله يشبه تلك الكائنات في فيلم كارينا كوست.

حيث قال لي:
_أنا جائع، أضعت الطريق إلى البيت، ساعديني، أنا خائف من العودة لوحدي.

وقفز في حضني وراح يدغدغني وأنا جد مذهولة بما أرى.

_تعال معي، أنا أبحث عن بعض الطعام لرفاقي سأعرفك عليهم وسنأكل معاً، فهز لي برأسه موافقاً.

ولكن جاك فاجأني بعد عودتي بتغيير غريب في تصرفاته.

جاك:
_من أين أتيت بهذا الكائن الغريب.

جون بسخرية وغضب:
_مصيبةٌ جديدة، وستوقعنا بها.

كرهت اللوم في عينيهما وقلت:
_سامحكما الله.

فأمرني جاك:

_اطرديه، لسنا مضطرين لأي مصيبة جديدة، هيا كارينا.

وسردت لهما كيف وجدته لكنني لم ألحظ ارتياحاً في عينيه، وهنا كان ينظر الكائن بصمت وهو يأكل طعامه ثم ركض هارباً.

وجرت محاورةٌ حمقاء بيننا عن هذا الكائن فاختلفنا واقتتلنا.

قلت لجاك بحسرة:
_يبدو أن الأمر أصبح عادة.

جاك بكل أنانية:
_أنتِ ورطي جاك ثم قولي عنها عادة.

_ما بك جاك منذ فترة قصيرة ألبستني خاتم الارتباط، ماالذي استجد معك بما يخصنا.

_هل تريدين الشجار كارينا، إن كان هذا الأمر يزعجك، فأنا أعفيكِ من هذا الرباط.

صدمني أمر السوء الذي عاد إلى جاك وجون الذي كان ثملاً تماما وكأنه تجرع قارورةً من النبيذ.

فقلت لهم:

_حسناً حسناً، سأوصله بيته.

لاحظت أن الشجار والخلاف قد كثر بيننا وكل هذا نتيجةَ فقْدِنا للأمل وكان لابد من حل.

وفي تلك الليلة وبينما الجميع نائمون كالسكارى، هاجمتنا تلك الكائنات وخطفت جون الذي علا صراخه من الخوف

_النجدة، النجدة لا أريد الموت أرجوكم، جاااك، كارينا، أسف سامحوني.

قفز جاك خلفهم لكن أحدهم قد هدد قائلاً:

_إن لم تتنحَ جانباً، سنقتله فورا.

_ماذا تريدون منه؟

_سنعلمه الادب، فقد تطاول على صغيرنا التائه.

حاولت ان أتفاهم معهم لكنهم رفضوا، وأخذوه وهو يستنجد خائفاً.

_لقد تغيرت جداً يا جاك.

_اتركي جاك رجاءً، لقد تعب من كل شيء.

_كنت أستمد القوة منك يوماً، كم أنا حزينة.

_وانا ممن سأستمدها، هل أنا حجر؟

_لكننا نحتاجك.

أدار ظهره لي وأحسست ان لهفة جاك قد اختفت وردود أفعاله أصبحت باردةً جداً، وبصعوبةٍ بالغة أقنعته بأمر لحاقنا بهم.

وهناك وجدنا مجتمعاً كاملا منهم يعيشون كما كنا على الأرض.

ركض ذلك الكائن إلي ومعه أمه

الأم بلطف:
_شكراً لتفهمك أيتها الغريبة.

_لا تقولي هذا لا شكر على واجب.

_سنكافئ صنيعك.

تبسمت وشكرتهم راجية ان أستغل الامر اصالح جون.

لكنها احتجزت جاك وفاجأتني بطريقة المكافأة.

_جهزي نفسك للعرس، سنجعلك فرداً منا.

_ماذا؟!

وسحبوني بسرعة واجلسوني وأنا أصرخ:

_رجاءً، دعوني أشرح لكم.

لكنهم كانوا قد قرروا عدم سماع صوتي كما أصبح يفعل جاك تماما.

"آه يا جاك أين أنت الآن، أحتاجك كثيراً إلى أين اقتادوك."

إحداهن وضعت لي الطرحة البيضاء وأخرى زينت إكليل الورد ووضعته على رأسي.

والتهاليل والأهازيج الغريبة تصدر عن الجميع حتى وصل العريس وهنا كانت المصيبة، كان شكله مرعباً جداً ويبدو عليه الكبر في السن.

صرت أصرخ وأنادي:

_النجدة، النجدة جاك.

فقالت الأم بغضب:

_اخرسي، هل ترفضين مكافأتنا.

_أرجوك لا أريد الزواج إطلاقاً أنا فقط أريد العودة إلى الأرض.

فعلا صوت تلك الام بغضب شديد:

_ماذا، ماذا تقولين، أنت من سكان الأرض، ياللهول.

_ماذا هناك سيدتي؟

_لقد جئت بقدميكِ أيتها البشرية.

صرت أكلم نفسي بخوف:

"يا ربي، ماذا هناك؟ لِمَ يتهامسون هكذا؟

كانت الأم قد نزعت عني الطرحة وأخَذت العريس على جهة وقامت تكلمه عل جنب، وظهرت عليه ملامح الغضب، واتجه معها نحوي وقال:

_أنت رهينةٌ لدينا، فأنا لا أتزوج بأمثالكم أيها البشر المزعجون.

_لماذا ماذا فعلت لكم، أنا لم أؤذكم.

_صديقك آذانا.

_وأنا ما ذنبي.

_كلكم سيأتون ومجرمون.

_أمي أين أنت؟ كم أحتاجك حبيبتي.

واقتادتني الذاكرة لأيامي معها ومع أبي.

وعدت إلى الواقع، وقد تعرضت للأسر عندهم كما أن جون وجاك ليس هنا.

لقد قاموا بوضعي في زنزانة في قبو سفلي معتم وهذا ما ضيّق عليّ أكثر.

أغلقوا علي باب ذلك السجن، ولم يكن هناك إلا سجان يقف عند ذلك الباب.

صرت أبكي وأندب حظي، مرةً أنادي جاك ومرةً أنادي جون، ومراتٍ أنادي أمي وأبي.

انهارت أعصابي من العتمة الشديدة في القبو.

_يا رب هوّن علي عتمة هذا المكان، أنت تعلم مدى خوفي من العتمة.
واحم أصدقائي

نمت بعد طول وقت؛ لأستيقظ صباحاً على صوت تلك الأم وهي تخاطبني واقفةً عند الباب تفتحه وتدخل علي كانها العميد في كلية الشرطة.

_ألا زلت نائمة أيتها البشرية السيئة، ورمت علي بكوب ماء.

شهقت وقلت برعب:

_ابتعدي عني، من أنت؟ لم أفعل ما يؤذيكم، ماذا تريدين مني؟

_اخرسي، انتقامنا من أبناء جلدتكم سيبدأ بكم وبرفاقك يا حلوة.

_لماذا؟ فقط أفهميني، ما الذي حدث؛ لتكوني ناقمةً علينا هكذا؟

_لا يهم، اصمتي، وتجهزي العقاب في أي وقت أحدده.

ثم بصقت علي بحقد وخرجت من السجن تتمتم بكلمات لم أفهم منها شيئاً.

نظرت إلى أعلى وناديت ربي:

_يا رب ما هذا الذنب الكبير الذي يستحق كل هذا؟ اغفرلي ولأصدقاءي ما فات من ذنوبنا.

وقفت عند الباب أقنع السجان:

_أرجوك أخرجني من هنا لم أفعل شيئاً.

لكنه لم يرد وبقي صامتاً واقفاً كعمود كهرباء في الأرض.

ناديته:
_هيي ، أنا أكلمك، رد علي.
ولم يعط أي إحابة.

عدت حزينةً منهارةً، أنتظر نهايتي في ركن من أركان ذلك السجن.

مضى عليّ أيامٌ لم أستطعْ عدّها، وبدأ جسدي يضعف ويهزل؛ بسبب قلة الطعام والماء، ولم أكن أرى أحداً إلا تلك الأم التي كانت تأتي؛ لتوبخني ثم ترحل دون أي توضيح.

وترعبني بقولها:
_تناولي طعامك لأنك شتكونين طعاماً لوحوشنا.

_تباً لك، أنت لست طبيعية.

كنت أحدث نفسي كالمجنونة ومرات عدة كنت احلم بأمي وأبي والجيران.

_امي، هل جئت، أنا أشتاقك جداً، ألم يعد أبي بعد من العمل.

لأصحو من هذياني عودة إلى الحقيقة.

فتضطرب نفسي ثانيةً، مرةً أتذكر جاك وألومه وأعنفه ومرةً أشتاقه كثيراً.

أحياناً كان كيف بيلي ومارك يزورني فأكلمهم ويكلماني
_تعالي إلى السماء هناك خيث لا ظلم ولا قسوة.

_خذوني معكم.

وأعود لاخوف من الموت..
كان حالي سيئاً جداً.

حتى جاء يوم وسمعت صوت نقر على حائط السجن، فاقتربت من مكان النقر، ووضعت أذني عليه.

_فعلاً إنه صوت نقر، ترى من هذا.

صار صوت النقر هذا مؤنساً لي حتى تجرأت ونقرت أنا.

وشيئاً فشيئاً فهمت أن ذلك السجين يريد أن نتساعد في الهرب.

وبينما أنا أنظر في ذلك السجن وأرجائه وجدت قضيباً مرمياً على جنب وقررت حفر نفقٍ في ذلك الحائط.

واستمر ذلك، يؤنسني النقر على الحائط فينسبني خوفي من العتمة، وحفرٌ على الحائط في زاويةٍ غيرِ مكشوفةٍ حتى لا يكشفَ أمري من الحارس.

وأخيراً فعلتها وفتحت نفقاً يصل إلى الزنزانة الاخر حيث ذلك السجين.

يومها كانت فرحتي كبيرة وقلت لنفسي:

"وأخيراً سأرى وجه أحدٍ وأكلمه، لقد طال وجودي هنا وكدت أنسى معنى الكلمات.

وهنا كانت المفاجأة عندما رأيت وجه ذلك السجين.

لم يكن سجيناً واحداً بل اثنين، لم أكن أتوقع أن السجن سيحتوي على هذين السجينين، هما من سأراهما هنا.

شكرت الله وحمدت فضله، فقد عاد لي الأمل منذ اللحظة.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي