الفصل السابع والعشرون الحياة السرية

كان كل شيء مخطط له منذ البداية حتى هذه اللحظة، والذي كان يعتقد أنه صدفة كان قدر مخطط له بعناية فائقة من قوة أكبر.

منذ البداية كان هذا الحب الكبير كان مجرد نكتة وكذبة كبيرة خدع به الجميع.

حياة "أدهم الشرقاوي" لم تكن مجرد حياة عادية بلا كانت مأساة كل ما تراه الآن كان مجرد غطاء يخفي خلفه حياة عظيمة ممتلئة بالتضحية والفناء.

"أدهم الشرقاوي" هو ابن ضابط حربي تخصص الهندسة الميكانيكية، يعمل في الطيران الحربي.

هذا الرجل "رؤوف حنفي الشرقاوي" الذي كان ضابط مخلص ومجتهد، والذي سافر إلى اليابان حتى يعمل جاسوسا لدى المخابرات العسكرية المصرية منذ عام 1990.

حدث ذلك عندما وصل إلى القيادات الامنية بوجود تسريب عن إشاعات بشأن وجود مشروع تصنيع قنابل نووية في دولة اليابان.

حينها تم إرسال أكفأ ضابط مهندس طيران لديهم حتى يذهب إلى اليابان من أجل التجسس، والتأكد من صحة حقيقة هذه الإشاعة.

كان المسئول عن هذه المهمة هو اللواء "صادق مدكور" والد الشهيدة "منى"، وكانت الخطة هي جعل الضابط "رؤوف" مدان داخل الدولة، و الهروب وطلب اللجوء السياسي في اليابان حتى يستطيع التحرك بحرية والعمل داخل دولتهم.

قبل السفر في آخر اجتماع مع والد "أدهم" سأل اللواء "صادق" يطلب منه رجاء أخير:
- سيدي لدي رجاء من سيادتكم.

- ما الأمر يا رؤوف

- سيدي أرجو منك الاعتناء بطفلي وزوجتي جيداً وأتمنى ألا يعانوا أثناء غيابي؟

- لا تقلق يا رؤوف سوف أعتني بابنك جيداً، وأجعله يدرس في أفضل جامعة، وسوف أزوجه من طفلتي الثالثة المولودة حديثاً.

- هذا جيد جداً لم أقلق منذ الآن على مستقبله.

- لا تقلق أثناء وجودي لأني سوف أعتني بهما طول حياتي حتى بعد مماتي.

كان منذ البداية قدر "منى" هو الزواج والارتباط من "أدهم"، ولكن هذا القدر كان قصيراً جداً.

رغم وعد اللواء "صادق مدكور" بالاعتناء بعائلته، وحمايته داخل اليابان فشل في تنفيذ هذا الوعد.

لأنه عندما تم كشف غطاء الضابط بعد مرور خمس أشهر من وصوله إلى اليابان تم القبض عليه وسجنه في أصعب وأقوى سجن لم يتم اختراقه منذ إنشائه.

بعد وصول هذا الخبر إلى اللواء "صادق" عن هذا الأمر حاول كثير في البداية مع كبار القادة داخل البلد، والسلطات خارج البلد من أجل تحرير الضابط "رؤوف" ولكن فشل في ذلك، وأمره المسؤولين بالاستسلام عن هذا الضابط.

حينها لم يستطع "صادق" فعل شيء أو حتى معارضة الأوامر العليا، لذا استسلم للأمر، وصار يهتم بعائلة الضابط "رؤوف" كالمعتاد في الخفاء.

ولكن بعد مرور خمسة أعوام حين بلغ "أدهم" العاشرة من العمر تم خطفه وترحيله سراً إلى اليابان.

أثناء هذا الوقت كان اللواء "صادق" تم إصابته بطلق ناري أثناء تأدية واجبه، ودخل في غيبوبة بعد خروجه من غرفة العمليات لمدة سبعة أشهر، وعندما أفاق كان الطفل "أدهم" أختفى من البلاد، ولم يعلم شيء عن مكان وجوده.

بعدما استرجاع "صادق" صحته بحث عن الطفل في كل مكان داخل مصر وخارجها لمدة ثمانية أعوام، ولكنه لم يصل إلى شيء حتى تواصل مع شخص من معارف والده في اليابان.

عن طريق الصدفة علم أن الطفل تم وضعه في منشأة عسكرية باليابان أكتشف اللواء أن الطفل تم خطف ووضعه في تلك المنشأة حتى يتم تهديد والده به، حتى يساعدهم في تصنيع القنابل الممنوعة دولية.

حينها ذهب اللواء إلى القائد الأعلى، وأخبره عن هذا الأمر، ولكن كانت الصدمة عندما أجابه القائد:
- لا تتحدث عن هذا الأمر.

- كيف يا سيدي" لقد أخبرتك ما يحدث مع رؤوف وابنه!

- أعلم عما تتحدث هل تعتقد أن رجال الدولة نائمين، ولا نعلم ماذا يحدث مع أبناءها في الخارج؟

عندما علم أن القائد يعلم كل شيء عن الضابط "رؤوف" وابنه ولم يفعل شيئاً غضب بشدة وسأله:
- كيف يا سيدي لم يتم إنقاذ الطفل حتى الآن؟

- هذا الأمر أكبر مما تتوقع لذا توقف عن التحدث به.

- سيدي بالنسبة إلى رؤوف ذهب إلى المهمة، وهو يعلم مخاطرها، ولكن بالنسبة للطفل لم أضحي به أبداً.

- ماذا تقصد!

- سيدي أريد الإذن للذهاب وإنقاذ الطفل؟

- هذا لم يحدث أبداً.

- لماذا سيدي؟!

- أولا أنها في منشأة ذات درجة كبيرة من الحماية وعلى أعلى مستوى، ومن رابع المستحيل اختراقها، ثانياً لأن هذا الطفل عاش نصف عمره هناك يعني أصبح انتمائه مشكوك به.

- سيدي أرجوك لا تفعل ذلك.

- لقد أخبرتك من قبل هذا الأمر منتهى وممنوع التحدث به.

عندما وجد اللواء "صادق" القائد مصمم على نسيان الأمر، وعدم إنقاذ الطفل خلع الكاب العسكري، وأخرج رسالة أستقالته من جاكت البدلة العسكرية، ووضعها على المكتب أمام القائد.

رفع يديه على جبينه يؤدي تحية السلام لأخر مرة، وبعد ذلك وضع الكاب على الاستقالة، ولكن قبل الذهاب أخبره القائد:
- صادق أنت تعلم جيداً أن هذه الرسالة مرفوضة؟ لماذا تفعل ذلك!

- سيدي هذه الرسالة مجرد ورقة احتياطية.

- لماذا!

- لأني لا أريد التسبب لك بالمشاكل عندما أفشل في إنقاذ الطفل.

- صادق هل فقدت عقلك؟!

- لا يا سيدي سوف أفعل ما يخبرني به ضميري لذا تخلى عني عندما يحدث شيء سيئ.

- لم أفهم لماذا تعرض نفسك للخطر من أجل هذا الطفل!

- لأنه زوج ابنتي أن لم انقذه سوف تصبح ابنتي عانس ولم تتزوج أبداً.

- ماذا تقول هل فقدت عقلك؟!

- لم تفهم يا سيدي، ولكني سوف أذهب وأجلب الطفل إلى المنزل.

- هذا الأمر خطير جداً، ومن الممكن أن تموت ولا تستطيع حتى رؤيته أو الاقتراب منه.

- أعلم ذلك، ولكن لا تقلق سيدي أن حدث شيء وقتلت سوف أموت سعيداً.

عندما لم يجد أمل في إقناعه في العدول عن قراره أخبره:
- صادق هذه المهمة صعبة عليك بمفردك تستطع أخذ فريق النسور معك.

عندما سمح القائد له بأخذ أقوى فريق إنقاذ في القوات الحربية شعر اللواء "صادق" بالسعادة ورحل وهو ممتن له.

ذهب اللواء إلى القاعدة العسكرية، وطلب فريق النسور من أجل حضور اجتماع ضروري.

بدأ في شرح المهمة:
- مرحبا بفريق النسور العظيم.

كانت غرفة الاجتماع تشبه فصل المدرسة، وبداخله مقاعد طلاب، وكان العشرة جنود واقفين ينتظرون حتى يؤدي التحية العسكرية إلى اللواء "صادق" كالمعتاد.

بعد انتهاء تحية أشار إليهم اللواء، يأمرهم بالجلوس وقال:
- لدى مهمة صعبة لكم وهي مهمة اختياريه.

تحدث قائدهم قائلاً:
- ما هي سيدي؟

- أنها مهمة خارجية وغير رسمية.

- أنت تعلم يا سيدي نحن أفراد لا يهاب شيء.

- أعلم جيداً أنكم فريق من أبطال، والمحاربين الأقوياء، ولكن الأمر يخص منشأة الكوبرا باليابان.

عندما بدأ اللواء في شرح المهمة صمت الجميع واستمع باهتمام حتى انتهى اللواء من الشرح.

بدأ يسألهم:
- والآن بعد معرفة تفاصيل المهمة وسببها هل سوف تنضمون إلي هذه المهمة الصعبة، أما لديكم رأي أخر؟

كان الضباط الشباب يعلمون مدى خطورة هذه المهمة، وعند موتهم لم يكافئون، أو يتم تكريهم وذلك أمر صعب على الضباط الشرفاء.

رغم صعوبة المهمة وافق الجميع دون استثناء لأنهم ضباط شرفاء كان هذا ردهم:
- سيدي سوف ننضم جميعاً معك في هذه المهمة.

- رغم علمكم أنه مهمة غير رسمية ولا معترف به؟!

- سيدي لقد أصبحنا ضباط من أجل الدولة والشعب.
- هل هذا قرارك النهائي؟!

- سيدي إذا ذهبنا إلى هذه المهمة سوف تكون وسام شرف على صدرنا لقد خلقنا من أجل الذهاب في هذه المهمة.

كانت المهمة رغم صعوبة كانت مهمة مشوقة يتمنون النجاح بها حتى يثبتون إلى أنفسهم والقائدة أنهم الفرسان الأقوى في العالم، ولم يستطع أحد الوقوف أمامها.

كانت هذه المهمة واجب، وفرصة لتغذية روح الغرور لديهم، لذا نظر اللواء "صادق" لهم بفخر وقال:
- أتمنى أن نعود جميعا أحياء بخير وبدون خسائر.

أجابه قائد الفريق:
- لا تقلق سيدي سوف نعود جميع معا بكل نجاح والشرف والفخر.

- أدعو لذلك، إذن أيها الأبطال لنتقابل غداً الثانية صباحاً في الركن الخامس أمام الطائرة العسكرية.

- أمرك سيدي.

ترك اللواء الغرفة والمعسكر، وذهب يودع عائلة، ودخل إلى غرفة ابنته الثالثة التي كان في مرحلة الإعدادية حتى يخبرها:
- منى سوف أسافر غداً، وعندما أعود سوف أجلب لكِ هدية عظيمة.

- حقاً يا والدي؟!

- نعم كوني على استعداد.

- إذن لا تتأخر سوف انتظرك.

- حسناً يا حلوتي.

حضن الوالد ابنته يودعها، ويتمنى بالا يكون هذا الحضن الأخير.

ثاني يوم تجمع الجميع أمام الركن الخامس الساعة الثانية صباحاً، وصعدوا معا إلى الطائرة الحربية.

داخل الطائرة تم تبديل ملابسهم، وارتداء زي العمل العسكرية، وكل ضابط جلس يتأكد من أسلحته ومعداته التي سوف يأخذها إلى المهمة.

عندما وصلت الطائرة إلى المنطقة المطلوبة أستعد الضباط بالمظلات حتى يقفز الجميع من الطائرة، وكانت منطقة القفز خارج اليابان بسبب عدم أستطعت الطائرة الدخول إلى الدولة بدون تصريح حكومي ودولي.

كان المكان الذي قفزوا به يبتعد عن منشأة كوبرا اليابانية بمسافة تبلغ مئتين كيلومتر مربع، ولكن كان اللواء مجهز كل شيء، وكان ينتظره عربة كبيرة مصفحة أخذتهم من طريقة مهجور إلى نقطة قريبة جداُ من المنشأة.

تم مراقبة المكان لمدة سبعة ساعة حتى أظلمت السماء، حينها تم الاختراق وتبادل إطلاق النار، ورغم صعوبة المهمة، ولكن نجحت القوات في إنقاذ الفتى.

كان السبب في ذلك إن هذه اليوم كان يوجد عدد قلل من الجنود، وكان السبب هو نزاع دولي بين أمريكا واليابان في هذا اليوم.

تم إنقاذ "أدهم" بنجاح، والعودة به إلى الوطن بدون خسائر، ولكن المشكلة الحقيقية بدأت بعد عودة إلى وطنه.

أستقبل القائد الاعلى اللواء "صادق" بالعساكر حتى يتم القبض على "أدهم" عندها فزع اللواء، وسأل قائدة:
- لماذا تفعل هذا؟

- أنها أوامر عليا.

- سيدي هذا الفتى لقد عاني الكثير لماذا يتم تعذيبه حتى في وطنه؟!

- يجب التأكيد من وطنية هذا الشاب.

- سيدي أنه شاب صغير لا يعرف شيء.

- هذا الفتى عاش ضمن الأعداء لمدة ثمان أعوام كيف لك أن تكون واثق أنه مخلص لوطنه؟

- سيدي يكفي أن تنظر إلى عينيه سوف ترى كم هو برئ وجميل.

- لا تقلق لم نؤذيه سوف نتأكد من ميوله ونعيده إلى منزله بعد ذلك.

كان اللواء "صادق" يعلم أن القائد الأعلى عندما يأخذ "أدهم" لم يعيده أبداً إلى الحياة الطبيعية، ولكن لم يستطع فعل شيء، وظل تأمل بتغير قرار القائد الأعلى مع الإصرار والسعي سوف يترك سراحه.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي