٢٢

٢٢
خرجت من عندها وانا منزعجة ولم اكن أفهم تصرفاتها لكنني خفت على طفلي كثيراً وعندما عدت إلى البيت وجدت جاك ينتظرني وهو منزعجٌ جداً

_ما بك جاك؟ ما الذي يشغل بالك؟

_للاسف كارينا تقرر سفري عن طريق صاحب العمل إلى مدينة مجاورة وإن لم ألتزم سيطردني.

فقد قال لي:
_لا أريد طبولا في عملي، إنه باب رزق وعطفت عليك ووظفتك عندي حتى تعمل وتسترزق، أفهمت؟

_سافر جاك.

_لا أنسيتي تلك الكائنات المخيفة، كيف سأذهب وأعرضك للخطر؟

_لا تخشَ علي، ولكن هل ستبقى هناك طويلاً؟

__على حسب زعمه يومان.

_بسيطة، لن أفتح الباب لأحد إلا لجارتنا إن اضطر الأمر.

وأخذني الكلام، ونسيت أن أخبره عن ولدها، كما أقنعته بالسفر والعودة سالماً وسريعا.

جاك في يوم السفر كان قلقاً جداً:
_انتبهي لنفسك وللطفل.
_حسناً حبيبي وانت أيضاً، لا تتأخر عليّ.

وسافر جاك وبقيت وحدي فأقفلت الباب علي وصار ونيسي طفلي إحدثه كما لو كان معي حقاً.

_طفلي حبيبي، أنا أنتظر خروجك بفارغ الصبر.
يومها وانا أمسدُّ على بطني تحرك بشقاوة، ففهمت أنه بستوعب ما أقول.


قمت وصرت أمرر الوقت باكتشاف زوايا البيت.
وجدت خط هاتف والحرارة موجودة فيه، خطر لي أن أرن على أمي، وقلت لنفسي:
‏"هل يعقل أن ترد أمي، هل ستعرفني، هل ستصدقني؟"

وفعلا أمسكت السماعة ورحت أتخيل ودموعي تنهمر شوقاً إلى عائلتي، وقلت بأني سأخبرها كم تغيرت وكم اشتقت لها، وأنها ستصبح جدة.

ولكن القدر منعني:
_الخط غير صالح للاستخدام أعد المحاولة ثانيةً.

كان خيالاً جميلاً ولطيفاً، وتمنيته حقيقة، و بعد ذلك تمالكت نفسي وتابعت استكشاف البيت؛ لأجد سرداباً دخلته وإذا به مكانٌ سريٌ للإختباء.

فرحت به ودخلت إليه أستكشف..

_واو يا إلهي إنه بيت كامل لا ينقصه شيء، حتى أنه يوجد براد ومروحة.. هذا بديع جداً، تعال يا جاك لترَ ماذا وجدت.

ومن باب التسلية رحت أبحث وأبحث في ذلك المخبأ وفعلاً بعد قليل وجدت مستندات قديمة تعود لعهد الخديوي اسماعيل في معاهدات له مع الدولة العثمانية.

وفجأة وجدت صوراً تشبه أمي و جدتي.
_أيعقل أن أمي وهي صغيرة كانت تسكن هنا؟ لا أصدق هذا ربما محض صدفة.

وتابعت البحث بعد أن صنعت لنفسي كأساً دافئاً من الشاي كنت قد وجدته في الأسفل، ورحت أشربه وأتجول هناك حتى اكتشفت وثيقة ميلاد صدمتني، تعود لاسم أبي.

_يا إلهي إنّ أبي كان طفل تبني لعائلته، أنا لم أكن أعرف هذا.

وتابعت وتابعت فالفضول أصر علي أن أستمر فاكتشفت بين الوثائق الموجودة امورا كثيرة

_يا إلهي وكان أبواي سكنا هذا المكان يوما، فهذا صك زواج باسمهما.

وتابعت البحث؛ لأكتشف أكثر..

فصدمت:
_أبي كان متزوجاً بثانية، أنا لم أسمع بهذا الأمر من قبل، ترى هل كانت تعلم أمي بهذا، أم أنّ أبي كان يخدعها طيلة تلك الأيام، سحقاً.

ثم تركت المكان وصعدت إلى أعلى وأنا أفكر وأفكر:

_هل يعقل أن هذا خيال أيضاً، أم أنها حقيقةٌ وقد حدثت يوماً في نفس المكان، لتجمعني الصدفة كي أعرف تلك الخفايا.

صمتت قليلاً وقلت في نفسي:
"رغم كل شيء، ورغم ما اكتشفت لكنني شعرت بالحنين لهذا المكان ففيه روائح عطرة من أبي وامي."

ومضى اليوم وأنا لوحدي وأطبق الظلام فاتصلت بي تلك الجارة وقالت لي:

_أعتذر عما حدث البارحة، هل أستطيع تصحيح الخطأ فتأتين إلينا الآن.

_لقد تأخر الوقت.

_لا لم يتأخر زوجي ليس هنا وزوجك كذلك، تعالي هيا.

ضعفت وقلت لها:
_حسناً موافقة، جهزي القهوة أنا قادمة حالاً.

وبعد ربع ساعة ذهبت إليها وكانت قد جهزت القهوة، وادعت بأنها شخصٌ طيبٌ جداً، لكن ابنها كان يخيفني جداً بنظراته تلك، لكني حاولت أن أتجاهلها.

سألتني:
_هل سيطول غياب زوجك عنك، أليس لديك أقارب تذهبين إليهم.

_لا، زوحي وأنا فقط.

تناولنا أطراف الحديث، لكني لم أكن أستطيع قول الحقيقة لها وبعد حوالي الساعة من تواجدي معهم هممت بالخروج.

فاستأذنتها:
_لقد أصابني النعاس، سأذهب وأراكِ لاحقاً.

ولكنها طلبت مني الانتظار للحظة لترى ابنها ومن حسن حظي اني سمعتها تحدثه وتقول له:

_جهز نفسك، إنها وحيدة.

صعقني الأمر فركضت بسرعة إلى البيت وانا أرتجف من الخوف فسقط مني المفتاح عدة مرات حتى فتح ولم أعلم كيف أغلقته ودخلت غرفتي مرتعبةً.

_ماذا يريدون مني ومن هؤلاء ولماذا كانت تحدثه عني.

وما هي إلا لحظات حتى سمعت قرعاً على الباب وصوتها ينادي:

_كارينا افتحي الباب، هيا، افتحيه أحتاجك بأمر مهم، افتحي.

سمعتها تقول له:
_إنها في الداخل عليك بها، أعطني مالي ودعني أرحل، لقد مثلت دور الام بشكلٍ جيد يا سيدي.

_انتظري، كيف سأدخل والباب موصد.

_هناك عدة نوافذ في المنزل لا أدري، تصرّف، ألست أنت البارون، أنا ذاهبة.

سمعت صوتها صرخت متألمةً:
_دعني، دع شعري.
قال لها:
_ستساعديني في البحث عنها، وإلا قتلتك أيضاً.

راحت مفاصلي تصطك وتصطك ولم أعد أعلم ما أفعل، فأنا وطفلي بخطرٍ شديد.

وفجأة، تذكرت السرداب فجمعت أغراضي المهمة والخاصة بالولادة وبعض الطعام والشراب، وتقصدت فتح النافذة؛ ليظنوا بأني هربت منها بعد أن جدلت الشراشف ببعضها وإسقطتها.
_سأنزل فوراً ولن أخرج حتى يأتي جاك غداً.

ونزلت فعلاً والخوف ينتابني وقلبي ينتفض، ولكنني حاولت ان أهدأ ورحت أمسد بطني الذي ظهر كثيراً فقد وصل الحمل لشهره السابع.

وبدأت أكلم طفلي:
_حبببي ستكون بخير، أنا معك.

شعرت به يلكمني وكأنه يخبرني:
_لا تخافي ماما، أنا هنا وبابا لن يتأخر.
وفعلاً بدأت أسمع أصوات تخريبٍ في المنزل، وكأنهم يبحثون عني.

_كارينا، اخرجي، لن تفلتي مني، لم آت هنا؛ لتهربي، دم جنينك أحتاجه، هيا اخرجي، دمه سيشفي إعاقتي، هيا كارينااا.

جن جنوني، وضعت يدي على فمي كي لا يسمعا صوتَ بكائي وارتجافي
ورحت أدعو في داخلي:

" يا رب احمِ طفلي، رغم أنه طفلُ الخطيئة، لكني أحبه كثيراً، وأعدك لن أكرر الخطايا ثانيةً، أنقذني وأنقذ طفلي منهم يا اللّه."

التزمت مكاني حتى لا يسمعوا صوتي، وسمعته يقول لها:

_تبا لقد هربت من النافذة، هيا بنا نلحق بها.

وسمعت صوت الباب يفتح ويغلق، لكني لم أكن مطمئنة وخشيت عودتهم، فقررت البقاء في الأسفل حتى عودة جاك.

كانت فترةً عصيبة قضيتها بالخوف والوحدة، ومرت أيام ولم أسمع أي صوت وجاك لم يعد وقلبي بدأ ينتفض خوفاً عليه.

"يا إلهي أين أنت يا جاك، أرجوك لا تفعل هذا بي، لا تدعني أبقى من دونك."

وكنت كلما سمعت ضوضاءً، أعتقد أن جاك قد عاد، لكنه لا يأتي.

ضقت ذرعاً وقررت الصعود إلى الأعلى علني أجد شيئاً يرشدني إلى جاك.

بحثت في كل مكان، ولا شيء يؤدي إليه إطلاقاً.

قلت لنفسي:
"هل يعقل أن ينتهي بي المطاف في هذا المكان، إذن علي الرحيل لأحمي طفلي منهم، وسأكتب رسالةً لجاك أخبره بها وجهتي."

وحزمت أمتعتي وملابس طفلتي وبعض الماء وغادرت المنزل بحذر.

صرت أسأل المارة؛
_لو سمحت سيدي/تي، هل رأيتم رجلاًفي الخامسة والثلاثين من عمره ....الخ)
لكن الناس قالوا:
_لا, لم نره.
ليلتها ركبت على شجرة ونمت عليها خوفاً من المخاطر ورغم الأصوات المرعبة كصوت البوم ونقيق الضفادع والذئاب وغيرها،

وعندما انبلج الصباح تابعت المسير ولا أعرف المصير.

مشيت ومشيت ورحت أتعب من السير حتى وصلت إلى كوخ مهجور يجلس فيه أشخاص غريبون.
ژ
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي