٢٣

حملق أولئك بي و التفوا حولي جديدفنشفَت أخر قطرة دم في جبيني من الخوف.

"يا إلهي تلّطف بي وبطفلي."

نظرت بي إحداهن وأدارت رأسها يمنةً ويساراً، وقامت الأخرى بلمس بطني بإصبعها، وأنا أغمضت عيناي من شدة الرعب.
وفجاة قالت الأولى للثانية:
_إنها بشرية تحمل طفلاً، هلا ساعدتها يا أختي.

هنا عاد الدم لعروقي وفتحت عيناي، تبسمت وقلت:
_مرحباً، أنا كارينا، وأحتاج المساعدة.

نظرتا ببعضهما وقالتا:
_لا تخافي أيتها البشرية، أنت بحمايتنا الآن.

ارتاح قلبي وهدأت نفسي، وساقا بي إلى مكان شبيه المنزل لا هو كذلك ولا هو قصر،
فاستغربن شكله، طرازه، ولكن قلت في نفسي:
_من يسمعني يقول أنني تعودت القصور في حياتي على كوكب بينوس، لايهم المهم أنه مكان آمن بعيدٌ عن الخطر.

قالت الاولى :
_تفضلي هذه غرفتك حتى تلدين طفلك.

الثانية مؤيدة كلامها:
_نعم، بعد ولادتك سيكون لك غرفة خاصة بالمولود.
تبسمت وشكرتهما، وقررت أن أضع طفلي هنا حتى ألاقي جاك.

"آه جاك، أين أنت الآن"

ومنذ وصولي إلى هذا المكان كانت تلك الكائنتين نظمتا وقتي ومشيي وطعامي، واهتمامهما كان كبيراً جداً بي.

مرت الأيام بسرعة وحملي قد آن قطافه، وألام المخاض بدأت تظهر لي، وحاجتي لامي وجاك كانت كبيرة.

وفي تلك الليلة التي بدأ فيها الألم يشتد والفتاتين الغريبتين تستعدان لولادتي، ورغم كل استغرابي من أفعالهما لكن لم يكن لدي حل.

كنت أمشي جيئةً وذهاباً، حتى وقع على مسمعي شجارُ البنتين فاقتربت قليلاً؛ لأطمئن عليهما.

كانت الاولىوتقول لأختها :
_الولد سيكون معي انا.

فردت الثانية بغضب:
_بل معي.
وتصاعد الخلاف بينهما، وعلا صوتهما وفهمت أن كل هذا الاهتمام ليس لطفا منهم، فاشتد ألمي وخوفي، وعندها تسللت بسرعة إلى غرفتي وأوهمتهما أن الألم قد رحل وأنها ليست حالة ولادة.

وعندما أمنتا لي، تسللت وهما منشغلتين وسرقت حاجياتي وتركت المكان ليلاً.

وبينما أنا في الطريق، تعرض لي مصاص دماء فرحت أركض وأركض، والدماء بدأت تسيل مني والولادة بدأت والخطر عظيمٌ حولي، فمصاص الدماءِ يحبُّ رائحة الدماء.

لكنني قررت إنقاذ الطفل حتى لو خسرتُ حياتي، فراوغته وارتديت عقد الثوم الذي صنعه لي جاك، فخاف وابتعد عني.

فمصاصي الدماء كان قد قرأ عنهم جاك في الكتاب الذي قرأه عند السيدة جاكلين رحمها الله، يخافون عقد الثوم.

وكنت قد صنعت واحداً صغيراً لطفلي.

وهكذا تابعت الركض والركض والمغص يزداد مترافقاً بالنزف وفجأةً سمعت صوتاً، فعضضت على شفتي كي لا أصرخ من شدة الألم.

وفي نفسي:

"يا إلهي إنه صوت ذلك المعاق، جاء لأخذ طفلي، كلا وألف كلا لن أسمح لهم بأخذه"

التففت بسرعة واختبأت خلف صخرة ورحت أتضرع ألام المخاض وأخشى من أن يأتوا؛ لأخذ طفلي.

كان يقول المعاق:
_علينا أن نجدها قبل البقية فالطفل من حقي أنا.

وبينما أنا أفكر في مصيبتي وقع ناظري على معصم يدي..

_أجل الساعة، نسيتها، إنها لاتزال معي في يدي ترى هل لا زالت تعمل بعد تركنا ذلك الكوكب.

ولمجرد تفكيري بها وبطفلي وحمايته أعطت شعاعاً قوياً، فظننت أن أمرنا قد كشف، فصرخت من أعماقي؛ لأن ألامي بدأت تزداد ولم أعد أحتمل ذلك الألم.

(أاااخ أاااخ يا أمي أااخ يا جاك).
هذه كانت أخر جملة نطقتها قبل أن يخرج مولودي من جوفي، ويبدو انني سهوت للحظات ، لكنني عاودت وانتفضت؛ لأرى أن الساعة قد أعطت حجاباً شعاعياً أحاطني والمولود من كل الاتجاهات خلف تلك الصخرة.

نظرت إلى المولود، لقد كان بنتاً جميلةً جداً وكانت الدماء تلوث جسدها الصغير وهي تبكي.

قلت:
_لا يحب أن تبقى الطفلة معلقة بالحبل السري، وعلي قطعه، تلفت هنا وهناك فلم أجد إلا قطعةً من الصخر مجتزأة على جنب فأخذتها، ورحت أضربها على الحبل السري حتى قطعته.

حاولت تقليد ما كنت أراه في الأفلام،
وأمسكت حقيبتي وعقمت جسم الطفلة بالمعقم، الذي حملته فيها وألبستها ولففتها لإحميها من البرد.

"لا أصدق مدى قوة الأم، أنا اليوم شهدتها، آهٍ يا أمي كم أشتاقك، لقد عرفت قيمتك اللحظة فسامحيني اقد تأخرت كثيراً"

عقمت نفسي وغيرت ملابسي وحملت طفلتي، وقربت فمها الصغير من ثديي، فبدأت تمتصه؛ لتجد لها طعاماً.

لقد كان الألم في إرضاعها ليس سهلاً، ونمت بعدها مطولاً من شدة التعب وأنا أضعها في حضني وأضمها بخوف من الخطر المحدق بنا.

والغريب أنني عندما صحوت، لم أجد ذلك الحاجز الذي صنعته الساعة، ووجدت نفسي قد وضعت أنا وطفلتي على سريرٍ في غرفة.

تعجبت كثيراً ورحت أنظر حولي وأقول:
_يا إلهي أين أنا، ما هذا المكان وترى من وضعنا هنا، هل نحن بمآمن هنا.

صرخت طفلتي من الجوع لذلك وضعت فمها على ثديي ورأيتها وهي تمتصه بشراهة، فشعرت بعاطفة قوية تجاهها،، أنه احساس الأمومة..
رحت اكلمها وكأنها تفهمني
"حبيبتي، ماذا سأسميكِ؟ يا قلبي وروحي."

صرت أفكر في ٱاسم لها وبينما أنا أناغيها دخلت سيدة جميلة جداً لكنها ليست إنسية كما يبدو من شكلها نصفها بشر من الأعلى ومن الأسفل لها شكل قدمي الحصان.

فوجئت بها وضممت طفلتي ورجوتها:
_أرجوكِ لاتؤذي طفلتي.

_لا تخافي يا صبية، أنتما في حمايتي.

قالت لي:
_ما رأيك باسم(إينجل).

_اسم جميلٌ جداً.
_مستغربةٌ وجودك هنا أليس كذلك.
_لن أنكر، أجل.
_لقد وجدك زوجي في حالٍ يرثى لها فقام بجلبك إلى هنا أنت والطفلة، لا تخافي أنت الآن بأمان بيننا.
_شكرا لك ولزوجك، لقد أنقذتم حياتي وأنقذتم ابنتي.

_الخدم يحضرون الطعام لك، لقد فقدت دماً كثيراً وعليك الانتباه لغذائك، فطفلتك تحتاج الحليب من صدرك، خذي راحتك البيت كله تحت أمرك.

_شكراً لك ولكن..

_لكن ماذا؟ تفضلي

_أنا أسفة لوقاحتي، لكنني تعرضت لمخاطر عديدة وكلما وثقت بأحد أكتشف أنه يخدعني ويريد بي وبمولودي شراً.

_أفهمك، لا تقلقي، ثقي بي يا كارينا
ليست كل الكائنات شريرة.

_هل أكون وقحة أيضاً؟

_تريدين السؤال عن الشكل الثنائي لنا.

_أسفة ولكن هذا كان سؤالي.
_يسمونها لعنة بينوس..

بتفاجئ:
_كوكب بينوس!
_أجل لعنة بينوس، ذلك الكوكب الذي عاش اجدادنا فيه كبشر لكنهم تعرضوا لهجوم القرين وتحولوا بسبب لعنتهم إلى انصاف بشر وأنصاف أحصنة.

"لم أصدق ما أسمع، هناك من عانى مثلي من ذلك الكوكب الخطر"

تركتني السيدة وشغلني كلامها، وليلتها تأخرت بالنوم لكنني في اليوم التالي استيقظت على صراخ اينجل وكأنها تتألم بشدة.

ناديت على المرأة فوراً:
_أرجوك، يا خالة طفلتي ما بها.
حملتها وراحت تهدهد لها لكن الطفلة كانت تبكي بخوف.

_هل نظفتها، أطعمتها.

_لم أترك شيئاً، إلا وفعلته لها.

نظرت تلك المرأة الحصان إلى بنتي وبي بطريقةٍ أقلقتني وقالت:
_إنها خائفة.
_خائفة!
_إنهم هنا يا عزيزتي.
_هم، من هم؟ وما علاقتهم بطفلتي؟
_لا تقلقي سنتدبر أمرهم.
_من هم؟ أرجوك يا خالة هل ابنتي بخطر.
_أنت تعرفينهم، أنا واثقة هم لا يؤذون إحداً غير مرتبط بهم مسبقاًً،
اصدقيني القول يا عزيزتي، هل كنت هناك، وكيف حصل هذا وما هي قصتك معهم.
_هلا تكلمت معي بوضوحٍ أكثر، ابنتي هل تعاني شيئاً، هل هي بخطر اصدقيني رجاءً، وعم تتحدثين
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي