٢٤

قلت لها:
_ اينجل تبكي كثيراً، ما بها أرجوكِ، ساعديني.

ضممت طفلتي إلى صدري، هدهدتها بلطف،غنيت لها بهدوء ، وضعتها على صدري؛ لترضع.

_حبيبتي إينجل، ماما هنا، هيا يا غاليتي هيا.


ولكنها لم تسكت وبقيت تبكي دون توقف فنظرت إلى المرأة الحصان، ورجوتها:

_ارجوك ما بها ابنتي ساعديني

_لا تخافي عليها.

_وكيف لا أفعل وأنت تخفين عني.

_للأسف القرناء قادمون والانتقام هدفهم لأنك هربت منهم.

_يا إلهي، احمنا واحم ابنتي يا الله، أين أنت يا جاك، كم أحتاجك، لِمَ لمْ تأتي بعد.

تأتأت خوفاً ثم بدأت أتحرك عشوائياً وأنا أحمل بنتي فطلبت من تلك المرأة:

_ساعديني أرجوك سيدتي، أنا ليس لي أحد فقدت كل أصدقائي وزوجي لم يعد بعدْ.

تبسمت ابتسامة لم أعهدها من قبل:
_لا، عليكِ حبيبتي.

ثم طلبت مني الدخول والطفلة إلى غرفة حددتها لي، وطلبت أيضاً أن أتحلى بالهدوء وأعتني بطفلتي وغذاءها.

قلت في نفسي:

",هذه المرأة لطيفة جداً ولكن لم كل هذا الارتباك في داخلي، لماذا أنا خائفة لهذه الدرجة مع كل ما قدمته لي منذ وصولي إلى بيتها."


وضعت طفلتي على السرير ورحت اتنقل بكل اتجاه. ثم طلبت من الخادمة البقاء معها وخرجت.

وتسللت دون علم أحد؛ لأفهم ما يحدث وكانت المفاجأة الكبرى عندما رأيت من خلف الباب تلك المرأة تجلس قرب الفتى المعاق الذي لاحقني قبل ولادتي وتحدثه.

الفتى:
_أمي تاخرت علي بالرد، هل عجزت عن اخذ الفتاة منها.

_إهدأ أنا أحاول كسب ثقتها، فلا تخرب كل شيء.

_سأنتظرك فقط يومين وبعدها يينفذ صبري.

تلوت حوله كانها تطلب عطفه ورضاه.

كنت أسمع ما يقولان وانا بقمة الرعب وفقد الثقة.

"ألهذه الدرجة فُقِدَت الثقة بالناس، يريدون أخذ طفلتي مني لتعالج بدمها الغض ابنها، والأسوأ هي أمه وتصنعت أنها أنقذتني."

ركضت بسرعة إلى الغرفة ووجدت الخادمة تهدهد لها، فخطفتها من حضنها ورحت أقبل راسها ووجنتيها، وأنا لا أعلم ماذا سأفعل.

طلبت من الخادمة التي كانت تحدق بي:
_انصرفي رجاءً.

ثم أغلقت الباب وأوصدته من الداخل ورحت أفكر بما سأفعل..

"كيف سأنجو وابنتي من خطر جديد يداهمنا ، آه يا جاك، أين أنت؟"

في هذه اللحظة أحسست أن الساعة تعطي إشارات سهمية غريبة لم أفهمها أبداً.

قلت لنفسي:
"ما بها هذه الساعة الغريبة، وكأنها تشير لشيءٍ ما ولكنني لا أفهم،"

ولاحظت أنها كلما ذكرت إسم جاك تضيء بنفس الطريقة، ولكنني لم أفهم قصد الساعة يومها.

وقررت أن أنتظر الليل حتى يخيم وأهرب منهم فأنقذ طفلتي.

وبعد ربع ساعة جاءت المراة وطرقت الباب فتظاهرت بعد فتح الباب بأني طبيعية حتى لا تكشف أمري.

_أهلا سيدتي تفضلي.
_كيف حال الطفلة، هل هدأت؟
_أجل شكراً لاهتمامك، وهاهي نائمةٌ الآن.

نظرتُ إلى الطفلة وإذا بها تتحرك وتريدُ الاستيقاظ وفجأةً صرخت وكأنّ شيئاً لسعها.
_يا ربي، عادت للبكاء ثانيةً.

فعاودت الهدهدة ولكنها لم تنم وتأكدت من كل احتياجاتها، لاشيء يزعجها.
قالت المرأة الحصان:
_هدأي طفلتك وأرضعيها ثم الحقي بي لتناول الطعام.

ثم انصرفت..
وما أثار انتباهي وقلقي أن الطفلة سكتت بعد خروجها، فراقبت الأمر عدة مرات وفهمت أن اينجل تبكي فقط عند دخولها، وهذا يعني أن الطفلة تشعر بالخطر والطاقة الشريرة التي تملكها تلك الممسوخة.

وبدل أن ألحق بها لملمت حقيبتي وأغراض الطفلة وبعض الماء دون انتباههم وخبأتها لحين الهروب ليلاً.

وعند المساء بدأت أسألها قاصدةً:
_ألم تتزوجي سيدتي، أليس لديك أبناء؟

فتظاهرت بالحزن وقالت:
_نعم لقد مات زوجي قهراً بعد أن أصابتنا تلك اللعنة، ولدي ابن مثلنا لكنه ولد معاق لم يصح لي أن أعرفكما على بعض ولكنه ليس برجلي حصان مثلنا.

سألتُ يومها العرافة فقالت پ
بأن الحل هو..

وهنا صمتت السيدة وغيرت الحديث.
فتظاهرت بالنعاس الشديد وضرورة العودة إلى الطفلة.

_تصبحين على خير سيدتي.

_وأنت من أهله حبيبتي، انتظري، ماذا سأقول لك، جهزي نفسك غداً سنخرج مع الطفلة في نزهة، لا بد أنها ملت جو المنزل وتحتاج لهواءٍ طبيعيٍّ.

شعرت بكذبها وقلت:
_حسناً.

وانصرفت بسرعة وبعد ان أمنت نوم الجميع، وضعت عقد الثوم لي وللطفلة وتسللت للخارح ورحت أركض وأركض.

وهناك رأيت مصاصي دماء، وحاولوا الاقتراب لكن العقد منعهم عنا.

ومشيت ومشيت ولم أتوقف حتى وصلت إلى شجرة تسلقتها وطفلتي مربوطةٌ إلى حجري، وأمضيت الليل أدعو بأن لا تبكي الطفلة وتعرضنا لوحوش الليل.

_أقسم أن وحوش الليل أهدأ وأفضل من الانس.

وفي مطلع الصباح في بدايات انبلاج الضوء، تابعت المسير وأنا أدرك أنهم سيحاولون البحث عني.

توجهت بسرعة وغيرت اتجاه مسيري لأضيعهم.

حتى وجدت عجوزاً تجلس أمام كونها، ورغم خوفي منها اضطررت للجوء لها فقد أصابني الجوع، ونفذ مائي وطفلتي هلكت.
_عمت سعادة يا خالة.
نظرت إلي بتلك العينين اللتين تجعد الحلد حولهما ثم ردت:
_يبدو عليك الإ والتعب يا ابنتي.
_هلا سقيتني ماء يا جدة.
_بل تدخلين وتأكلين أيضاً.

لاحظت العجوز اني كنت مرهقة جداً.
ووجهتني لسرير قش لأنام عليه مع طفلتي

وعنما استيقظت، لاحظت أنها تعبق بأوراق وأدخنة فسألتها:
_ماذا تفعلين يا جدة؟

_أنا أرى في وجهك ضياعاً وتوه.
_آه يا جدة، حياتي كلها هروب منذ قرابة السنتين.

_العودة إلى عالم مخيف ستكون الحل، ففيه هناك بقي شيء لك تستخدمه قرينتك، لتؤذيك.

نظرت لها وقلت بخوف:
_أيّةُعودة وكيف، لم أعرف كيف تركت ذلك المكان المخيف، حتى أعود إليه.

_لا يوجد خيار أمامك، تجلبين ما تركت لتعود المياه إلى مجاريها وحيٱ.
_فليعنِ الله على ما هو قادم بعد.

ثم تذكرت طفلتي وسألتها:
_ومصير طفلتي، هل ستنجو؟ لا أستطيع العيش بدونها
فقالت تلك العجوز يومها جملة لا أنساها أبداً:
طفل الخيال والأوهام لاوجود له.
_ماذا؟ لم افهم.
نظرت إليها نظرة المستغبية وقلت:
حسناً حسناً، انا ذاهبة.

فهمست لي قبل رحيلي مع الطفلة:
_احذري، الاشارات حولك في كل مكان، ولكنك تتغابين في فهمها.

تصرفت بنزق وودعتها:

_طيب أنا راحلة شكراً لكِ وإلى اللقاء.
ضحكت العجوز وقالت:

_لتحغظك الملائكة.

فكرت بما قالته واستبعدت كل المخاوف التي زرعتها تلك السيدة في رأسي.

ومشيت دون النظر إليها أضم طفلتي على صدري وكلي خوف من القادم.

سرت دون وجهة وفجاة تذكرت جاك فنظرت إلى وجه اينجل ودمعت عيناي وقلت لها:
_حبيبتي، أبوك كان شجاعاً، لا أدري أين هو ، وهل هو بخيرٌ؟ ثقي انه سيحبك ويعتني بك كما اعتنى بأمك.


وكالعادة كلما جاء ذكر جاك على لساني تشع تلك الساعة وتشير بأسهم باتجاه ما.

_ما بها تلك الساعة؟ هل تريد ان تخبرني بشيء، سأتبع تلك الأسهم وأردد اسم جاك لأرى ماذا هناك.

توجهت باتجاه السهم لدرجة أنه صار يضيء بشدة عندما وقغت قرب محطة قطار قديمة.

فدخلتها وتبعت الاشارات حتى لاحظت وجود رجلٍ وامرأة في مقطورة من القطار، فاختبأت لأراقب وأعرف ماذا يفعلون،
"يا إلهي إنها هي تلك المرأة وابنها ماذا كانا يفعلان هنا."

اختبات حتى رحلا وابتعدا فدخلت وراءها؛ لأجد شخصا يئن مغطى.
اقتربت أكثر وأكثر، فزادت الساعة إشعاعاً، ولاحظت شعاعاً يصدر من تحت الغطاء يشبه ضوء ساعتي.

ضممت طفلتي وقلت له:
‏_جاك، هل هذا أنت؟ ورفعت الغطاء عنه لأجده قد جلس. نظر إلي وإذا به
... ‏يتبع
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي