٢٩

الفصل الأخير:
فقدنا الأمل، يبدو أن الله لن يسامحنا أبداً، ولن يمدنا بفرصةٍ أخرى.

جاك:
_لا تفقدي الأمل، واهدأي حبيبتي.

_أي أمل هذا يا جاك، أقسم أنني اشعر بأنني لا أزال في كوكب بينوس، فالمخاطر تلاقينا أينما توجهنا.

_ما دمنا معاً، حتى لو نمنا على الأرصفة لن نهتم، ثقي بي.

_سأحبك حتى مماتي يا جاك.

وبينما كنا نسير ونسير جائعين، حائرين، سمعنا أصوات سيارات الشرطة قريبة منا فرحنا نركض مبتعدين في حقلٍ قريب خشية أن يمسكوا بنا.

ولكننا فوجئنا بأشخاصَ مسلحين يبدو أنهم هاربين من الشرطة..

جاك:
_يا ربي، الشرطة لم تكن قادمة من أجلنا.

_لقد ورطنا نفسينا مع فارين من الشرطة.

اقتربوا منا وهم يوجهون السلاح علينا
رجل منهم:
_من انتم وماذا تفعلون هنا؟

جاك وهو يحاول التظاهر بعدم الخوف:
_عابري سبيل يا سيدي، هل تسمحون لنا ان نعبر.

نظر الرجل إليه وإلي وأنا أرتجف من الخوف ثم اقترب من رفيقه الذي كان قريباً وتهامسا معاً.

ثم نزل الاخر عن دراجته النارية وقال لي:
هات الطفلة.
_لا لا أرجوك، ابنتي لا ذنب لها.

ضحك الرجلان ساخرين وقال الاول:

_ذنب من إذاً أيتها الشجاعة.

_ذنبي أنا ياىسيدي.

صاح جاك:
_بل ذنبي انا، دعهما وشأنهما يا سيدي أرجوك.

قال الرجل بسخرية:
_أوووه، إنه الحب يا صاح، انظر كيف يدافعان عن بعضهما طيلة الوقت.
ضحك الأخر بسخرية.

قلت لهما:
_أتوسل إليكما ابنتي لا ذنب لها إنها طفلة صغيرة.

لكن أحدهم هجم علي وأخذ الطفلة بالقوة ولف ذراعي إلى الخلف وقيد حركتي، فصرت أصرخ:

_أرجوك، لا، لا اينجل ، اتركوها.

حاولت التخلص منه لكنه كان قوياً أما الثاني فضرب جاك على رأسه وهو يحاول تخليص طفلتنا منه، فسقط أرضاً.

وقام أحدهم بتربيطي إلى جذع شجرة وضربني على رأسي فأغمي علي.

وبين المستيقظة والصاحية, رأيتهم يسلمون جاك والطفلة.

_ماذا تفعل ساراسا هنا، هل أنا أهذي.

لكنها همست لي في أذني:
_لا أنت لا تهذين أبداً، لكنني وعدتك بأن يكون زوجك وابنتك ملكاً لي، وأنت كالحمقاء في كل مرة تثقين بي، أنسيتِ أني قرينتك.

سمعتها وغبت عن الوعي ثانيةً؛ لأستيقظ وأجد نفسي وحيدة، الشرطة من جهة والعصابة التي خطفت زوجي وابنتي، وتلك القرينة السافلة.

جن جنوني ، أصبحت في حالة هيستيرية، ناديت:
أعيدوا إلي طفلتي وزوحي، يا الله، يا الله، ابنتي ياربي، اينجل، جاااك.
حلستُ على الأرض اركل برجلي واقفةواجلس ، كانت حالة الإحباط قد وصلت إلى ذروتها.

شعرت فجأة أن ريحاً جنونيةًقد هبت وتطايرت الأوراق وشعرت بطاقة غريبة، تسحبني إلى إتجاه معاكس لإتجاهِ البقية.

حاولت المقاومة لمدة طويلة ولكنني اكتشفت أنني أسحبُ باتجاهِ فتحة الزمن التي فُتحتْ فجأة تم بدأت تشع.

"ترى هل سنصل للخلاص؟ أم أننا سننتهي في مكان كسابقيه"

ناديت:
جاك، جاك.، إينجل حبببتي، هيا ندخلها ونهرب من هنا.

لكنني نظرت خلفي فإذا بجاك واينجل قد اختفيا عن ناظري.
طار الصواب
ناديت، صرخت ، توسلت ، أحسست بأن القدر أوصلني للخيار الأقسى في العالم، فإما النجاة او البقاء مع أحبتي.

تلك الفتحة شغّلت شريط ذكرياتي، تذكرت سوء معاملتي للأهل.. الجيران والخاطبين وكل الموافف.

وتذكرت كوكب بينوس بكل تفاصيله، وفجأةً زلزلت الأرض وارتطم رأسي بشيء لا أتذكر ما هو، و فقدت الوعي بسببه وأنا أبتعد عن حبيبي وابنتي بلا إرادة.

ولكن ماذا يحدث، ماذا الذي أسمعه؟ ما هذه الأصوات، إنني أسمع صوت أمي وأبي وكأننا في مشفى.

الممرضة:
_بسرعة، إنها تستعيد وعيها.

شهقت أمي بفرح :
_حمداً لله، الف شكرٍ لك يا الله، ألف شكر

جاء الطبيب وراح يكلمني:
‏_سارة، سارة ، هل تسمعين ما أقول.
كنت أحاول فتح عيني بصعوبة بالغة،

"لقد ناداني بسارة، هل يعقل ما أسمع، لابد أنني أحلم"

وصحوت لأرى والدتي والفرحة تملأ قلبها وقلب أبي.

أبي:
_لقد عادت، يا عزيزتي.

أمي:
_الحمدلله، حبيبتي سارة لقد عدت لنا، لا أصدق يا أبا سارة.

بح صوت أبي كعادته:
_أجل، قدر الله وما شاء فعل.
"آهٍ يا أبي كم اشتقتُ لتلك البحة"

ناديت عليها بصعوبة فقد كنت أشعر بثقلٍ في لساني.

_أمي، أمي, أين إ ينجل ، أريد ابنتي وجاك أين هما؟

_من؟ أعيدي، عمن تسألين يا حبيبة قلب أمك؟.

قال أبي:
_أيها الطبيب، إنها تهذي.

الطبيب بتفاؤل:
_احمد الله يا سيدي، ابنتك فاقدة للوعي منذ حوالي الشهر، والارتطام الذي تعرضت له لم يكن أمراً سهلاً عليها أبداً، إذن أمرٌ طبيعيٌّ ما يحدث لها، ربما تأذت ذاكرتها، وعندما تستيقظ تماما سوف نعرف.

_كنت قد فقدت الأمل في عودتها لنا أيها الطبيب.

_ماذا يقولون؟ ارتطام ماذا؟
وهنا فتحت عيناي تماماً ورحت أنظر في تفاصيل المكان.
"يا إلهي! منذ قليل كنت مع جاك والطفلة والبقية كيف وصلت إلى هنا.'

سعلت وعندما هدأ السعال قلت لأمي:
_اشتقت لك كثيراً.

وضعت أمي يدها على فمها وصارت تضحك وتبكي.

_لا، أرجوكٍ لا تبكي، أشتاق لبسمتك الغالية.

_يا عيوني أنتِ.

أمسكت بيديها وقلت لها:
_أين إينحل وجاك؟ ألم تجدوهما؟

_حبيبتي! من هؤلاء؟

فكرت في نفسي وقلت:
"لن أخبرها الآن من يكونان، حتى لا تقومَ بردود أفعالٍ غير مناسبة، سأنتظر قليلاً."

فأجبتها:
_لقد كانا معي.

_آه أجل تقصدين السيد جلبرت وابنته كيسي، أجل كانا معك هنا في نفس الغرفة، لكنهما تحسنا وانتقلا إلى جناحِ الأقلِ تضرراً.

قلت بفرح:
"إذن هما بخير، الحمدلله"

كان الطبيب مستغرباً جداً تطور حالتي السريع فقد أخبرني عن حالتي:

_لقد كنت تحت الأنقاض بسبب الزلزال، ويبدو أنك تعرضت لضربةٍ قويةٍ على الرأس أدخلتكِ في غيبوبةٍ طويلةٍ دامت لشهر تقريباً.

_شهرٍ واحد!

_أجل، لم تسألين؟ هل هناك شيء؟

قلت له":
_لا شيءَ أبداً.
وسرحت فيما حدث ويقال، وبعد أن أعطاني ما يلزم من أدوية وشرح للممرضة دقة التعامل مع وضعي، رحل الطبيب فسألت أبي:
_هل لا زلت غاضباً مني يا أبي؟

_حبيبتي، أعلم انه طيش بنات، لست غاضباً، وجودك الآن بيننا أهم من كل شيء.
رأيت الدمع في عينيه، فأوجعني قلبي

_أرجوك أبي سامحني وكذلك أنت يا أمي، أعتذر عن كل ما بدر مني تجاهكما، لقد فهمت الدرس.

أبي:
_ابنتي الغالية.

أمي بحنان ودموعها على خدها:
_لم أحمل لك ضغينةً في فلبي يوماً، أتعلمين ؟ لقد شعرت أن العالم ناقصٌ بدون سارة حبيبتي.

_أحبكما جداً.

_ ونحن أيضاً

_هلا أحضرت لي مرآة من فضلك يا أمي.

همست أمي لأبي:
"انظر إلى سارة وكأنها شخص أخر، ألم تر كمَّ اللطف في حديثها.

_قدرٌ مكتوب يا امرأة.

غابت أمي للحظات وعادت والمرآة معها وبينما هي تحدثني وتقول:

_سأمشط شعرك حبيبة قلبي ما رأيك.

وهنا نظرت إلى المرآة فصدمني شكلي.
شهقت شهقة كبيرة وتمتمت:

"يا السماء لقد عاد لي وجه سارة الحقيقي، حمداً للّه لقد عدت إلى عالمي الواقعي أخيراً.

ابتسامتي عرضت وقلت لنفسي:
"كارينا لقد أحببت شخصيتها وشكلها، لكني أربد أن أعود سارة."
لاحظت أمي بأني لم أترك المرآة إطلاقاً وكل خمس دقائق أنظر إليها أتفحص شكلي.

فتهمس لأبي بصوت لا أسمعه أبدا، لقد كانت تستغرب طبيعة تصرفي الجديدة.

وبعد تحسني تماماّ نقلت إلى غرفةٍ أخرى وكان هناك رجل وطفلة قرب بعضهما على أسرة.

لم ألحظ وجههما لأني كنت مرهقةً تماماً عندما ساعدوني لأصل تلك الغرفة
_أمي، أنا أشعر بالجوع.
_حالاً سأسأل الطبيب وأجلب لك الطعام.
رافقها أبي وبقيت في الغرفة لا أنفك أنظر في المرأة وفجأة سمعت صوتاً يقول:
_حمداً لله على سلامتك أيتها الشابة الجميلة.
نظرت إلى مصدر الصوت وشهقت مصدومةً:
_جاك! حمدا لله أنك بخير حبببي.
_يبدو انك مخطئة أنستي، أنا جيلبر وهذه ابنتي، للاسف نحن من نجا من عائلتنا.

صدمني كلامه، فهو يشبه جاك بدرج كبيرة.

جن جنوني:
_لا بد أنك نسيت، هل نسيت يا جاك كوكب بينوس وما جرى عليه.
_عفواً كوكب ماذا؟
_ألا تذكر كارينا.
_لا لا أفهم شيئاً مما تقولين.

قلت لنفسي:
" غريب جداً، هل يعقل انه فاقد للذاكرة، ربما نسيني، او ربما عودة شكلي الحقيقي."

_عموما ألف حمد وشكر بأنك عدت لأهلك.

وفجأة صرخت الطفلة باكيةً فقام إليها وراح يداعبها، ووجهها إلي وقال لها:
_انظري هناك شابة، جميلة معنا حبيبتي ملاكي.
كانت هي ، إنها إينجل، فقمت إليها سريعاً، وحملتها وضممتها وقبلتها بشوق.

قال الرجل:
_أشكر لطفك سيدتي، هاتها عنك.

نظرت إليه وقلت له:
_تذكر جاك، إنها أنا كارينا، وهذه إينجل، ابنتي.

كان ينظر إلي وكأنه لايعرفني إطلاقا، مدهوشاً بنا أتكلم.

_هل انت متزوجة يا سيدتي.

فكار صوابي، فتعبت واضطرب مزاجي لتدخل أمي في هذه اللحظة، وتجدتي في حالة توترٍ شديدة، فتركت الطعام من يدها واستدعت الطبيب ليرى ما جرى لي.

الطبيب:
_هل أزعجها أحد؟

شرح له جيلبرت ما حدث بينه وبينها من كلام.

_أمر هذه الذاكرة غريب، للمرة الأولى في حياتي تمر علي هذه الحالة، مريض يتذكر كل شيء، ولكنه يتخيل أشياء في خياله هو فقط،

امي:
_أرجوك يا دكتور، ساعدها لتعود إلى الواقع.

_سأكلف طبيباً نفسياً ليساعد في العلاج.

صرت أصرخ وأناديهم :

_لست مجنونة، انا بخير لكنكم لاتفهمون ما حصل معي.

نظرت إلى الرجل المدعو جيلبرت وكلمته بغضب:

_أنت تعلم أنني لست كاذبة ولا مجنونة، ولكن لا أعلم لمَ تصمت، أنسيتَ وعودك لي.

حملق الرجل بعينيه على أنه لم يفهم شيئاً وقال:
_اهدأي اهدأي، كما تريدين.

_اخرس يا جاك اخرس، هل نسيت بيلي، مارك، وجون، هل نسيت كم عانينا من تلك الكائنات الغريبة على كوكب بينوس.

بما أن جيلبر هذا راح ينكر بأنه جاك وان الطفلة ليست إينجل صرت اصرخ وأصرخ بهيستيرية، فحقنني الطبيب بحقنة مهدأة نمت على أثرها.

وعلق قائلاً:
_يبدو أنها تعاني من انفصام إثر الضربة التي هزت دماغها، لكن مايريح هو انها تتذكر واقعها تماما، وهذا سيساعد في الشفاء.

وعندما استيقظت كان جيلبر قد رحل مع الطفل.

سألت أمي:
_أين ذهبا؟ هل غضب مني، أقسم أني لا أكذب يا أمي.

فمسدت أمي على رأسي وقبلتني بحنان وقالت:
_أنا أصدقك، فقط اهدأي حتى تتعافين ولنا كلام أخر.

_أمي، أرجوكِ لا تجعليه يبتعد عني ويأخذ مني ابنتي إينجل، إنها ملاكي، ولا أستطيع العيش بدونها.

أشارت لي بوضعها اصبعها على عينها
وأحسست أنها تصدقني.

غابت عني حوالي الساعة وعادت برفقة الطفلة، ولاحظت علي كم أحبها، وأهتم لأمرها.

همست لأبي:
_أقسم أني أصدقها، من يدري إلى أي عالم أخذتها تلك الغيبوبة.

_العلم عند الله.

بعد هذا بدأ يتردد جيلبر مع الطفلة وعدت إلى بيتنا الذي اشتقت إليه كثيراً.

قالت لي امي:
_كل الجيران لاحظوا تغيراً في تعاملك معهم وسعدوا بك جداً.

ليلة سماعي لهذا الكلام وانا في سريري هيئ لي بساراسا تقف على النافذة وتقول لي:
_لقد غيبت ذاكرته تماما لأنه لم يرضَ بي حبببة وبقي يعشقك بجنون.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي