الثاني

ركعت بطلتنا الفاتنة على ساق واحدة إلى خادمتها لتوقفها وهي تنظر إليها رافضة أن تركع إلى شخص مثل هذا الملك الحقير .

بينما كانت خادمتها تبكي بقوة وهي تطلب منها أن تسمع إلى ما يطلبه منها ولدها وتنفذه ،حاولت أن تعترض ولكنها أمسكت يديها تمنعها من قول كلمة واحدة، فلم يكن أمامها سوى أن تخضع لها .

تلك المراة المنكسرة أمامها الآن هي الشخص الوحيد الذي يعطيها أملا في الحياة، لطالما كانت تلك المرأة التي تقف خلفها وتساندها، أما بالنسبة للجميع فليذهبو للجحيم إذا أرادوا هي لا تهتم بهم .

هي لم ترى أي شيء في هذا القصر سوى الألم، والمعاناة تقسم أنها في يوم من الأيام سوف تحرق هذا القصر بمن فيه.

" خذيها وأبعديها عن وجهي ،مجرد رؤيتها تجعلني أشعر بالغثيان ورغبة ملحة في تقيء مافي معدتي إجعليها تفهم أن هذا واجبها وعليها ان تنفذه سواء اعجبها الأمر أو لا "

أرادت أن تشتمه وترد له الإهانة بواحدة أكبر ، ولكن خادمتها ضغطت على يدها أمسكها لتسحبها ورائها ،وكل ما تريده هو أن تتخلص من هذا الموقف في أسرع وقت.

بقي المساعد ليام يتبعها بعينيه وهو يقف إلى جوار سيده، قبل أن ينحني له بإحترام وهو يقول:

" أرجو منك يا سيدي أن تنتبهي للتصرفاتك معها وتهدء وأنت تكلمها، إنه مجرد أسبوع فقط ،وسوف يتم تزويجها إلى ملك إدوارد وتتخلص من كل هذا التوتر ،انت تعلم جيدا يا سيدي أن هذا الزواج مهم جدا لنا حتى نقف في وجه سيد الوحش."

شد يده بغضب شديد وجلس على كرسي العرش، لينظر أمامه بتركيز بينما يهز قدمه بتوتر.

لقد إجتمعت الأمور عليه وأصبحت كلها معقدة، لا يمكن أبدا أن يحلها دفعة واحدة ،الحل الوحيد الذي أمامه وهو أن تتزوج تلك العاهرة أحد الملوك الأقوياء لكي تدعمه وإلا فإن مملكته سوف تذهب في مهب الريح.


أكمل ليام حديثه بهدوء :


سيد الوحوش يجهز جيشه حتى يضرب ملكتنا ضربة قاضية ،لذلك علينا أن يجمع أكبر قدر من الحلفاء لنواجه هذا الخطر، وإلا فإنه سنخسر كل شيء بلحظة واحدة وينتهي أمر مملكتنا جلالتك، الملك ادوارد عرض علينا المساعدة ونحن يجب أن نقنع الأميرة بمطتلبه.


قابل ادوارد تلك اللعينة سيليا في إحدى الحفلات التي أقامها قبل أشهر قليلة.

أكمل ليام كلامه بهدوءه المعتاد:

وبما أنه ملك قوي ويمتلك عدة أقاليم لم نستطع أن يفوت هذه الفرصة ونرفض عرضه ،ولكن الأميرة ترفض أن تتزوج به، لأنه يبلغ من العمر خمسين سنة، قالت إنها تفضل أن تتزوج فلاحا أو جنديا على أن تتزوج رجلا في عمر جدها، علينا أن نكون هادئين ونلعب على عاطفتها كي تقبل،

دخلت سيليا إلى غرفتها وهي تنظر إلى خادمتها بنظرات مشتعلة، بينما كانت الأخرى تنظر إلى الأرض بصمت وهي غير قادرة على رفع رأسها ومواجهة سيدتها.

" لماذا فعلت ذلك لما ركعت له وصرتي تطلبين منه الرحمة، ألم أقول لك ألا تتدخلي في الأمر؟".

قالتها سيليا بغضب شديد وهي تشتعل من داخل بغيض،بينما كانت الأخرى لا تزال تبكي بصمت، فهي لا تستطيع أن تراها تموت دون أن تفعل شيئا لإنقاذها:

" أرجوك سامحيني يا إبنتي لم أستطيع رؤيتك تموتين بهذه السهولة، تعن أنني أحبك ومستحيل أن أقبل بموتك".

إستدارت سيليا لتعطيها بظهرها وهي تقول بغل:

" لماذا لا تفهمين أنني أريد الموت؟! أنا أريد الموت حقا ولكنني أجبن من أن أقدم عليه بنفسي ، لذلك أنا أفعل كل هذا، أنا أتمرد حتى يقتلني هو بيده ويخلصني من هذه الحياة البائسة ".

انهت كلامها بصراخ بينما هي تضرب الطاولة التي أمامها بكلتا يديها ،لتسقط كل ما فوقها على الأرض وينكسر إلى أشلاء كحالها تماما.

كانت الخادمة تنظر إليها بحزن شديد، هذه الفتاة تحملت أكثر من اللازم، لم تعش يوما واحدا جميلا، كان الجميع يتنمر عليها طيلة الوقت. بالإضافة إلى ذلك كانت تعامل معاملة الخدم، لم يتحسن حالها منذ أن جائت إلى هذا القصر اللعين ،لم ترتدي ثياب الفاخرة إلا مؤخرا عندما طلب الملك ادوارد الزواج بها.

كان دائما يتم تقديمها في الحفلات والأفراح على أنها الإبنة الغير شرعية، ودخل القصر كان أخوتها دائما يتنمرون عليها بأنها صاحبة الدم الملعون.

ويعتبرونها مجرد خادمة لهم ،لدرجة أن أخوها الأكبر كان يريد أن يغتصبها فقط ،حتى يعيد نفس الماساة التي حدثت من قبل ولكن الخادم ليان انقذها في آخر لحظة اتصدقون.

" أرجوك على الأقل إقبلي ففي مملكة اليكسيس سوف يكون لديك فرصة بأن تصبخي ملكة، وأن تستعيدي مكانتك وتنتقمي من كل من اذاك".

تحدثت تلك الخادمة وهي تحاول أن تعطيها أملا ،بينما هي نظرت إليها بإستنكار شديد لتقول بسخط:

" هل تمزحين معي دادا؟! أرجوك قولي إنك تمزحين معي؟ يستحيل أن أتزوج ذلك الشخص؟ ليس لأنه عجوز أو لأنني لا أريده ، بل لأنني لا أريد أن أكون تحت إمرت ذلك الرجل الذي يدعوا نفسه والدي "

صرخت بجنون شديد وهي تضرب كل ما تصل إليه يدها مرة أخرى ،لقد.دمرت كل ما حولها.

في هذه لحظة عرفت المربية أنه لا أمل لديها ،صحيح أنها قد انقذتها اليوم ولكنها متاكدة أنها سوف تقدم على فعل مجنون مرة أخرى ،لذلك الحل الوحيد هو أن تهربها من هذا المكان.

" ليشهد الرب أنني فعلت كل شيء لأجل إنقاذك صغيرتي ، ولكن بما أنك عنيدة كصخر هكذا تفضلي"

قالتها تلك المسكينة وهي تخرج إليها حقيبة جلد صغيرة لي السفر مملوءة بكل ما تحتاج ، توسعت عيني سيليا ونظرت إليها بصدمة لا تفهم شيئا مما يجري الآن لتقول بتشويش :

" ما هذا ،ما الذي تحاولين فعله الأن يا دادا ؟"

انهت كلامها بصوت متوتر وهي تتراجع للخلف، هي ليست جبانة حتى تهرب يجب أن تبقى هنا وتواجه والدها، عليه أن يعرف أنها ليست اداة مثل ما يعتقد، إنها بشر من لحم ودم ولها الحق أن تقرر.

" أهربي إلى آخر بقاع الأرض، أهربي إلى مملكة الضلام ، هنالك سوف تجيدين ما تبحثين عنه".

قالتها تلك الخادمة وليس على وجهها أي تعبير:

"هه".

قالت سيليا ببلاهة شديدة، وهي تنظر إلى مربيتها التي تحولت في نظرها إلى شخص غريب لا تعرفه أبدا، بين ما كانت اخرى تنظر إليها بحزم، هزت سيليا رأسها بنفي وهي تقول بخوف :

" لا أستطيع أن أفعل هذا، سوف يقتلونك إذا ما هربت".

قالت وهي تعود عده خطوات للخلف رافضة للفكرة من الأساس ، بينما إبتسمت المربية إبتسامة حزينة، وهي تقترب منها وتضع يدها الحنونة على وجهها تمررها بحب شديد.

الله وحده يعلم أنها أحبت هذه الفتاة أكثر من حبها لأي شخص في هذا العالم، أكثر من حبها حتى لنفسها حتى.

" أن الموت في سبيل حمايتك هو شرف عظيم بالنسبة لي، إفعلي ما قلته لك أهربي إلى آخر بقاع الأرض، وهنالك سوف تجدين ما تبحثين عنه"

" ما الذي تقصدينه بهذا الكلام" .


.صرخت سيليا  بإستنكار شديد، وهي لا تفهم كلمة واحدة مما يدور في عقل من تقف أمامها الأن ،في هذه لحظة كل شيء أصبح غامضا بالنسبة إليها.

" خذي الحقيبة وأخرجي من هذا المكان سوف تفهمين كل شيء عما قريب".

تحدثت تلك الخادمة العجوز بثقة وهي تقبل رأسها قبل أن تمسح جرحها بالمعقمات وتغير ملابسها الملطخة بالدماء وضعت عباءة سوداء على ظهرها، وسحبها من يدها نحو ممر سري لم تكن تعلم بوجوده حتى.

كانت تنظر إليها بصدمة وهي غير قادرة على إستيعاب أي شيء، لقد كان كل شيء يمر أمامها بسرعة، قبل قليل كانت تقف أمام والدها، وفجأة وجدت نفسها تهرب منه بمساعدة خادمتها الوفية .

أخيرا وقفت في الإسطبل الملكي لأحصنة، وجعلتها الخادمة تمتطي حصانا كانت قد جهزته لها من قبل.

وقبل ان تفتح فمها لتسئلها ،كانت تلك الخادمة تمسك يدها وهي تقول بغموض:

" عزيزتي تذكري أن حتى أشرس الوحوش في العالم بإمكانها أن تروض على يد المرأة وتصبح كلابا مطيعة لها، إستخدمي دهاءك ودلالك وفطرتك وقلتلي من أجل ما هو لك ".

ودون أن تسمح لها بأن تفهم كلمة واحدة، كانت تضرب الحصان من الخلف ليتحرك وينطلق بسرعة كبيرة نحو المجهول، بينما هي بقيت تقف في الإسطبل وهي تضم يديها إلى صدرها وعينيها تنهمر بالدموع.

بينما تغادر سيليا القصر والمملكة ،وتترك كل شيء من خلفها ،رفعت تلك الخامة رأسها إلى سماء وهي تقول :

" كل شيء بيدك الآن أيها الرب، لقد فعلت كل ما في وسعي ونفدت وعدي وكمال لك وحدك".

إبتسمت بهدوء وهي تسمع الضجة والضوضاء الكبيرة التي تحدث في القصر، إلتفت ببطء شديد وهي تشعر برجال يركضون نحوها، إبتسمت إبتسامة واسعة ثم تبخرت أمامهم كالسراب، كما لو أنها لم يكن لها وجود من الأصل.

بقي الجميع يقف في مكانه وهم ينظرون إلى بعضهم بصدمة شديدة،قبل أن يضرب ذلك المدعوا ليان قدمه في الأرض بغضب شديد وهو يقول بصراخ:

"تبا، العجوز اللعينة كانت تابعة له منذ البداية هل رأيت سحرها؟".

" ماذا سوف نفعل الان؟".

قالها مساعد الملك ذلك المدعو ليام وهو يقف إلى جوار صديقه وتوأمه ينظر إليه بهدوء:

" بطبيعة الحال سوف نلحق بها ونعيدها إلى القصر قبل أن تصل إليه، إذا وصلت إليه سوف ينتهي أمرنا بلا شك "

" لا داعي لمثل هذا القلق، فحتى تصل إلى ذلك اللعين عليها أولا أن تمر بغابة الموت ، وتجتازت سيد الوحوش وبطبيعة الحال هي لن تتمكن أبدا من فعل ذلك، لذلك لا داعي إلى كل هذا الخوف لقد إنتهى الأمر يمكنكم إعتبارها في عداد الأموات".

قالها الملك وهو يظهر فجأة من خلفهم، لينظر خادميه الأمينان إليه، لم يتجرأ أحد منهم على أن يقول كلمة واحدة وكل أملهم أن يكون ما قاله الملك صحيح، وأن لا تصل إلى عدوهم الأول واللدود، وإلا فإن كل شيء سوف ينتهي وتكون مملكة ثيرانوس مملكة ضائعة بين طيات الزمان والمكان، سينساها الكل ويموت جميع أهلها.



أما بالنسبة لبطلتنا فقد كانت تمتطي صهوة ذلك الجواد الأصيل، الذي يركض بها وهي لا تعرف حتى إلى أين يتجه؟.

فقد كان يركض بها إلى ما لا نهاية، وكل هدفها الأول هو أن تبتعد عن تلك المملكة الظالمة ووالدها القاسي.

تذكرت خادمتها الأمينة لتمتلئ عيونها الفيروزية الجميلة بالدموع، لقد كانت تلك المرأة الوحيدة التي تقلق لشانها وتعتبرها إنسانا .

أما الجميع كان يعتبرها مجرد لعنة وقد سلطت عليهم، بطبيعة الحال لعنة لو أنها لم تكن، لما تجرأت والدتها على أن ترتكب مثل ذلك الأمر الشنيع مع أخيها .

تتمنى لو أنها إرتكبته مع أي شخص في هذا العالم، ولكن ليس مع أخيها، إمتلأت عينيها مرة أخرى بالدموع وزادت من سرعة حصانها حتى تبتعد عن ذلك المكان القذر وترحل مرة واحدة وإلى الأبد.




يتبع...
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي