الرابع

الليلة هنالك شيء مختلف عن المعتاد، كان الظلام أكثر من مجرد ظلام، ليل عادي كان يموج بشيء يجعل الأفق تنير بقدوم شيء كان الجميع في إنتظاره بين طيات هذة الليل الحالك وسواده المعتم.

كانت لا تزال شفتيها المغربة ملتصقة بخاصته، بينما هو كان قد إستسلم لها وأغمض عينيه مبادلا إياها قبلتها البريئة، كانت أجمل قبلة تذوقها في كل حياته البائسة.

بطبيعة الحال هو ليس قديسا حتى لا يستطيع أن يلمس إمرأة، بل هو متمرس للغاية،ولكن لهذه الفتاة الجميلة هالة غريبة وما زاد الأمور سوء، هو تلك الهالة الضخمة وتلك القوة الكبيرة التي كانت تسيطر على جسده.

مما جعله على العكس من باقي الرجال، كان كل شيء لديه مضاعفا قوته التي تفوق قوة الجبال، ذكاءه وحدته حتى غضبه الذي لم يكن يستطيع أن يتحكم به، وبطبيعه الحال رغبته و غريزته الحيوانية كل شيء كان مضاعفا به.

فتح عينيه مرة واحدة وهو يشعر بشيء غريب يحدث معه، بالإضافة إلى تلك الهالة التي أصبحت تحيط بهم،هناك شيء يحدث معه، قطع هذه الأجواء التي كانت بينهما إبتعادها المفاجئ عنه، كانت تنظر إليه بعيون خملة.

يقسم أنه يريد أن يأخذها الآن وفي هذه اللحظة وليذهب كل شئء للجحيم، لا يعرف ما هذه الأفكار المنحرفة التي تداعب ذهنه فجاة، ولكنه لا يعرف كيف يتكلم في نفسه امامها؟.
يشعر كما لو أنه قادم من عالم آخر غير هذا العالم، وكل ما يريده هو تلك الفتاة التي تقف أمامه الآن.

أمالت براسها للجانب لتنظر إليه وهي ترفع أحد حاجبيها بسخرية، فجأة إستيقظ من تشويش الذي أصابه بجوارها وفي حضرتها، ليقول بينما هو يعتدل بجلسته:

" لماذا تنظرين إلي بهذه الطريقة الغريبة أيها السيد الغريب؟" لا يذهب عقلك بعيدا يا هذا أنا لم اقبلك لأجل ما يدور في ذهنك بلةفعلت ذلك لسبب سوف تعرف بعد قليل ".

قالت كلامها وهي تحمل حقيبتها الجلدية وتعيد قلنسوتها على رأسها حتى تخفي ملامحها، بينما هو رفع أحد حاجبيه وهو لا يصدق وقاحة هذه الفتاة التي تقف أمامه،ليبتسم بتهكم:.

" حقا وما أدراك بالذي يدور بذهني يا أنسة صاحبة الشفاه المغربة؟!".

قالها بسخرية وهو ينظر إليها بإبتسامة مستمتعة، بينما هي كانت تجمع أشياءها قبل أن تستدير لتغادر المكان وهي تقول:

" قراءة وجوه الناس امثلك ليس بالشيء الصعب علي ، من الأفضل لك أن تغادر المكان بسرعة، من حاول أن يقتلك لا يزال يلاحقك أكيد وعندما يجدك لن يتركك إلى عندما يتأكد من موتك"

انهت كلامها وهي تغادر المكان، تاركتا إياه يجلس في مكانه، ينظر إليها بإبتسامة مستمتعة حقا ليتمتم بينما يميل رأسه للجانب:

الحقيقة أيتها الصغيرة أن من يلاحقوني، هو من عليه أن يهرب الأن".



لا يعرف ما الذي حدث بعد تلك القبلة، ولكن ما يعرفه أن الإصابة التي كانت على وشك أن تقتله، قد إختفت تماما من جسده، بالإضافة إلى ذلك يشعر كما لو أن قوته قد إزدادت أضعافا على ما كانت عليه.

" إلى أين الهرب أيتها الصغيرة؟ لقد أثرتي إنتباه سيد الوحوش ومن المستحيل أن يتركك تذهبين في سلام قبل أن اعرف من أنت ولما لديك هذه الهبة الغريبة".

تمتم لنفسه وهو يقف ليحرك رقبته، يمينا ويسارا في حركه قتالية، رسم إبتسامة هادئة وباردة على شفتيه الرجولية وهو يقول:

" ماذا تنتظر؟ هل تتوقع أنني سوف أمنحك فرصة اخرى لتهجم علي غدرا كما حدث من قبل ؟"

كان المكان الذي يقف به فارغا لا يوجد من حوله أي شيء، ومع ذلك بقي يحافظ على إبتسامته منتظرا حركة خصمه، الذي يراقبه بتوتر وجسم مرتجف، ليبتسم بفضاضة قائلا بتحدي :

" هذا لا يجوز أبدا، الأسف عشيرة المياه لم تجد تدريب افرادها قبيلتها، فهم أصبحو جبناء يختبؤن في وقت المواجهة ،ويتحينون الفرصة من أجل غدر خصمهم".

بمجرد أن نطق تلك الكلمة رفع يده الموشومة وأمسك رقبة ذلك الشخص الذي كان يهاجمه من الخلف، ضغط على رقبته حتى إختفت ميزت الإختفاء الذاتية التي كان يحمي بها جسده.
نظر إليه سيد الوحوش، نظرة باردة وهو يقول بسخرية:

" إياك أن تظن أنني لم أعرف بوجودك من قبل ، لقد كنت عطوفا جدا ومنحتك فرصة للتراجع وتهرب إلى قبيلتك ولكنك لم تستغلها".

" تبا لك أيها الوحش، هل تظن أنني أخاف من الموت على يدي جرد مثلك، الجميع يعرف حقيقتك لست سوى منبوذ مكروه من طرف رعايا مملكته، لن تستطيع أن تغير هذه الحقيقة على الإطلاق، أنت وحش في نظرهم ولن يتغير هذا ولو عشت الف سنة ".

قالها ذلك الفارس، وهو يحاول أن يعافر حتى يأخذ لنفسه ذرة واحدة من الأكسجين.

بينما إختفت ملامح ذلك الشخص، الذي كان يقف أمامها قبل أن يبتسم إبتسامة وحشية يكسر بها على أنيابه، وهو يضغط على رقبته كاسر إياها كالقشة تماما، ثم يرميه على الأرض بلا مبالات إلى جوار بركة مياه هناك، قائلا بجمود للذي كان خلفه :

" أعده إلى عشيرته وأخبرهم أنهم تجاوزو حدودهم بتطاول علي،وأعلمهم أنهم جلبوا الهلاء على عشيرتهم كلها، اخبرهم من هو سيد الوحوش الحقيقي الذي تجرأو على أن يتحدوه".

وفجأة كانت تلك المياه تتحرك لوحدها مغادرة المكان، بينما بقي هو يقف في مكانه يراقب المكان الذي إختفت منه تلك الفتاة الغريبة، وهو يرسم إبتسامة ساخرة على وجهه وهو يقول:

" تعرف ما عليك أن تفعل أيها سراب ، أليس كذلك؟! ".

ثم غادر المكان كما لو أنه لم يتعرض إلى محاولة إغتيال قبل لحظات قليلة.



عند سيليا لقد كانت تمشي في الأزقة المظلمة تبثاقل، وهي تمسك بطنها وتظعط عليها بقوة شديدة بسبب الألم الذي تشعر به، لعنت تحت انفاسها وهي تتفحص الجرح الذي كان ظاهر على جانبها الأيسر، لتتمتم تحت انفاسها والألم يجتاح جسدها على موجات:

" تبا له ولضميري الغبي الذي لا يجد فرصة ليصحو إلا عند الخطر، لم أكن أعلم أن إصابته خطيرة إلى هذه الدرجة، وإلا ما كنت قد إستعملت قوتي معه وجعلته يشفى".

تنهدت بتعب شديد وهي تجلس مسندة ظهرها إلى الحائط الذي كان خلفها في شارع خال من البشر.

أغمضت عينيها وهي تحاول أن تتمالك نفسها بينما العرق يتصبب بقوة من جبينها لتقول بينما تتفحص بطنها:

" تبا أنا أشعر بالألم شديد في كافة أنحاء جسدي، من الواضح أن ذلك الرجل قد تعرض إلى محاولة إغتيال، فالجروح التي في جسده كانت عميقة جدا وخطيرة في نفس الوقت، لا أعرف ما الذي كانت أفكر به عندما ذهبت لإنقاده؟.


أغمضت عينيها بتعب شديد وقد بدأ العرق يتجمع عند جبينها، إبتسمت إبتسامة حزينة وهي تهمس لنفسها:

" هل سوف أموت هنا وحيدة ومنبوذة؟" تبا لقد هربت من الموت في قصر والدي لم يخطر في بالي أني سوف أموت في بداية الطريق لحريتي ،على كل حال أنا أفضل أن أموت هنا في شارع مهجور مملوء بالحشرات والفئران، على أن أموت في قصر والدي وأنا أتزوج ذلك الملك العحوز".


" إنك تلفضين أنفاسك الأخيرة، هذا مؤسف حقا لم أكن أتوقع هذا" .

تحدث ذلك الرجل العجوز وهو يجلس إلى جوارها بهيئته المه‍ترئة، ادخل يده في حقيبته المرقعة وأخرج منها قارورة صغيرة الحجم، قبل أن يفتح قنينة ليسكبها في فمه ويتناول مشروبها دفعة واحدة.

نظرت إليه بطرف عينها، ثم عادت لتنظر إلى الحائط أمامها منتظرة ساعتها حتى تغادر هذه الحياة اللعينة، التي لم تمنحها أي ذرة سعادة واحدة طوال حياتها، تحدثت الى نفسها وهي تكابد الدموع والألم لتقول:


منذ أن جئت إلى هذا العالم وأنا تتعرض إلى التنمر من طرف الجميع، أعلم أن العلاقة التي كانت بين والدي ووالدتي محرمة، ولكن ما ذنبي أنا في ذلك، وما يزاد وضعي سوء هو شعريىالغريب ذاك الذي أملكه".



لقد كان شعر سيليا ممزوجا بألوان كانت مكروهة بين البشر، لقد كان البشر يعيشون في هذا العالم كعبيد لوحوش العالم لآخر، ربما هذا هو الذي جعلها تخفي حقيقة أنها تمتلك قوة مثلها مثل باقي الوحوش من ذاك العالم.

" لا داعي لهذه النظرة، أنت لن تموتي الآن، لذلك كوفي عن جلد نفسك ".





يتبع ....
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي