الفصل الثالث اللقاء الأول

وبينما كان الجميع في حالة من النعاس سمعوا صوت صقر وهو يضحك:

-انظروا يا رفاق لقد وصلنا أخيرًا، يا إلهي لا أعلم كيف تستطيعوا النوم وأنا لم تغفل عينيّ من فرط الحماس.

فتح موسى عينيه وهو يتابع الجزيرة من أمامه اتسعت عينيه في ذهول:

-ما هذا إنها مذهلة حقا.

فتح سليم عينيه ومن ثم ضحك وهو يشعر بالراحة الشديدة، علم أن رحلتهم لن تضييع هباء، لقد كانت بداية الجزيرة أكثر من مذهلة، الورود الحمراء تنتشر بكثرة فوق العشب، رائحة التفاح راقت لهم كثيرا، هبط موسى عليها في هذا الوقت وهو يأخذ نفس عميق.

حرك رأسه بعدم استيعاب وهو يشعر أنه للمرة الأولى يستطيع أن يتنفس بتلك الراحة، وضع سليم يده فوق كتف ابنه قائلا:

-أظن أنك وجدت المكان المناسب لتصفي ذهنك وتبدأ في كتابة روايتك أيها المبدع.

ابتسم موسى وقد شعر بالكثير من الأمتنان تجاه والده وطريقته الودودة معه، تغيرت ملامحه واختفت ابتسامته عندما سمع صوت علي وهو ينبههم:

-انظروا يا رفاق إنها فتاة خلف شجرة التفاح على اليمين.

اقتربوا منها وقد كانت تشعر بالكثير من الخوف، ظهر هذا واضحًا على عينيها الملونة بلون العسل، يخيل لكل شخص يقع عينيه عليها أنها تضيء، بينما شعرها من اللون الأسود وقد كانت تمتلك هيئة مختلفة، حرك علي رأسه بعدم استيعاب وهو يقترب منها:

-انظروا كم هي جميلة، لا يمكنني أن أصدق أن هناك شخص بكل هذا الجمال.

اوشكت على الركض بعيدًا لكن أسرع علي بسحبها وهو يقربها منه:

-ماذا بكِ؟ إلى أين تريدي الهرب؟

كانت تحاول التحرر منه وهي تضرب صدره، دفع موسى علي بضيق شديد:

-توقف عن اخافتها يا علي، الفتاة لا تشعر بالأمان، اهدأي نحن لا نريد إيذائكِ، نحن اتينا في زيارة ليس إلا.

ابتلعت ما بحلقها وهي تنظر تجاه علي ولم ترتاح لنظرات عينيه المسلطة عليها:

-ماذا تريدوا؟

ضحك سامح من جديد، قائلًا بمراوغة:

-ما هذا هل تتحدثين؟ ظننتكِ لا تجيدي الحديث في البداية.

اجابها موسى وهو يتجاهل حديث عمه ولم يشعر بالرضا لحديث كلًا من سامح وعلي:

-نحن اتينا من أجل موسم التفاح، نريد أن نشاهد أشجار التفاح، لا داعي للقلق.

نظرت له الفتاة بشك وهي تتحقق من وجوههم، حركت رأسها بضيق شديد:

-لماذا يريد المرء شيء كهذا؟!

اقترب علي قائلًا:

-وهل هذه مشكلة بالنسبة لكم؟

نظرت له ومن ثم نظرت تجاه موسى:

-لقد اقاموا أحد الغرباء من قبل حريق هنا تسبب في محو الكثير من أشجار التفاح، لقد تسبب هذا في أزمة ولم يكفي المحصول احتياجات العالم من التفاح.

لم يصدق موسى أن هذا المكان يعتمد عليه العالم اعتماد شبه كلي، يتساءل كم تبلغ مساحته! حاول جعلها تطمئن وهو يخبرها بهدوء:

-لا يوجد داعي للقلق، نحن هنا من أجل المشاهدة واكتشاف هذه الجزيرة، لن نتسبب في الخراب هنا، نحن لا نريد مضايقتكم، إذا سمحتِ يمكنكِ أن تصطحبينا في رحلة هنا بدلًا من الضياع وتضييع الوقت.

اومأت له ولكنها سألت بحيرة وهي تنظر إليهم:

-ألا يوجد معكم أي فتاة؟ هل اتيتم بمفردكم إلى هنا يا ترى؟

أومأ موسى لها لتشير لهم:

-حسنًا، يمكنكم أن تتبعوني، سوف أوصلكم للملكة حتى تعطيكم الإذن بالبقاء، يجب عليها أن ترى منكم ما يرضيها لبقاءكم.

ابتسم علي وهو يهمس إلى موسى بثقة:

-أظن أن الأمر سوف يكون سهل للغاية، الملكة فتاة ومن السهل السيطرة عليها، بالأخص إن كانت شابة في مقتبل العمر، لن يكون الأمر صعب أبدًا.

رمقه موسى بضيق شديد وهو يحرك رأسه بخيبة أمل:

-لن تتغير، لكنني لن أسامحك إن تسببت في طردنا من هنا بعد كل هذا العناء للوصول.

همس سليم إلى سامح:

-حاول أن تسيطر على ابنك، لا يمكننا أن نعوض هذه الرحلة والفتاة لم ترتاح له أبدًا.

سحب سامح علي وهو يشير له بأن يصمت، زفر علي بضيق وسار بجوار والده، وصلوا إلى كوخ غريب الهيئة لكنه جميل جدًا، صنع من الأخشاب وتجمعت حوله أشجار التفاح كما لو أنها تزينه، طرقت الفتاة على الباب وهي تنظر تجاههم، اتاها صوت أنثوي قائلًا:

-تفضلي.

اشارت لهم الفتاة بالبقاء مكانهم ودلفت تجاه الكوخ لتتحدث مع الملكة، سمعوا صوتها وهي تقوم باستأذانها:

-هناك بعض الغرباء يرغبون في استكشاف جزيرة الزهور، يقولون أنهم اتوا إلى هنا من أجل موسم التفاح و..

قاطعتها الملكة وهي تخبرها بحزم:

-لا نريد المزيد من المشاكل هنا، دعيهم يدخلوا يا نرجس لنرى ماذا يريدوا.

خرجت نرجس وعلى وجهها تعلو إبتسامة وهي تشير لهم بالدخول:

-تفضلوا بالدخول.

سبقهم علي وما إن دخل حتى اتسعت عينيه بذهول، لا يصدق أن هذه هي الملكة ولكن لا يوجد غيرها بهذا المكان! كانت ترتدي فستان بسيط وهي تقوم بمسك سلة لتعلقها على زراعها وحول خصرها قامت بربط مريلة بيضاء اللون.

شعرها أحمر اللون وقد جعلته ينسدل على ظهرها لتقوم بعمل كعكة من خصلات صغيرة من أعلاه، عينيها بنية اللون وعلى وجهها ينتشر النمش، نظرت لهم وقد كانت نظراتها حادة غير مرحبة:

-اخبرتني نرجس عن رحلتكم، لكنني لم أفهم بشكل كامل ما المطلوب؟

حرك علي رأسه بنفي وتقدم ليقف أمامها مباشرة:

-نحن لا نريد طلب شيء، كل ما نريده أن تكتمل رحلتنا وحسب، اتينا لمشاهدة أشجار التفاح، نحن نحب استكشاف كل ما هو جديد.

سألته الملكة وقد بدت أنها تسخر منه:

-وهل للمرة الأولى تشاهد التفاح؟ لا أفهم ما الذي يدور في عقولكم لكنني لن أسمح لكم بألحاق الضرر بالأشجار أو بهذه الجزيرة.

حرك سليم رأسه بنفي وقبل أن يتحدث إليها في محاولة منه لجعلها تطمئن كان علي أسرع بالتحدث إليها وهو يحرك رأسه بنفي:

-لا يوجد داعي للقلق يا.. صحيح لم أعرف ما أسمكِ؟

نظرت تجاهه وهي تلاحظ نظراته لها وكيف كانت خبيثة ماكرة، بدت ثابتة وقد شعرت بالتحدي وهي تخبره:

-الملكة مارجريت وأظن أنه من الأدب عندما تتحدث إلى امرأة لا تنظر لها بتلك الطريقة ودع عينيك بالأسفل فما بالك بالملكة مارجريت؟

ابتلع علي ما بحلقه وهو لا يعلم هل تتعمد أن توتره؟ منع موسى إبتسامته وقد أعجب بطريقتها مع علي، على كل حال هو لا يحب طريقته المراوغة ولا يحب تفكيره السيء، خرجت الملكة مارجريت من الكوخ وتبعوها، وقفت وهي تلتفت لهم:

-عرفوني بأسمائكم.

أشار علي على نفسه وهو يقترب للوقوف بجوارها ويبدأ بتعريف الجميع:

-أنا علي وهذا أبي سامح، بينما هذا عمي سليم وصديقه صقر.

لاحظت موسى الذي يقف بالخلف يشاهد كل شيء بهدوء، تحدثت إليه بحيرة:

-ومن تكون أنت؟

اجابها سليم في هذا الوقت وهو ينظر إلى موسى وقد شعر بالفخر الشديد:

-هذا ابني أنا موسى.

اومأت مارجريت ومن ثم تابعت السير وعلي يتابع سيره بجوارها، لم يتوقف عن التحدث معها بينما هي لم تكن تجيبه، كانت تشعر تجاهه بالضيق ولا تعلم هل هو عفوي أم يتعمد التغزل بها وهو يستمر في مدحها:

-لقد مررنا بالكثير من الفتيات هنا، يبدو متشابهين إلى حد كبير على عكسكِ أنتِ، تبدين الأكثر جمالًا.

نظرت له وقد لاحظ أن ملامحها الجادة لم تتغير، تعجب من أن مدحه لها لم يجعلها تنتبه له بل تطالعه بنفاذ صبر:

-سيد علي أنا حقًا أشعر بالحيرة هل أنت معتاد على التحدث بكثرة؟ لا أعلم ربما عالمك مختلف عن عالمي لكنني أشعر أن رأسي يؤلمني!

جاهد موسى لكبت ضحكاته عندما لاحظ احتراق وجه علي من الغضب، هو لم يعتاد على الرفض والشيء الذي فعلته مارجريت لا يدل على الرفض فقط بل دل على احراجها الشديد له.

تراجع حتى يسير بجوار موسى بينما استغل الآخر الفرصة:

-ما الأمر يا علي لماذا وجهك أحمر اللون هكذا؟ لا أصدق هل قامت الفتاة باحراجك إلى هذا الحد؟

رمقه علي بالكثير من الغضب وهو يشعر بالضيق الشديد:

-لا تدع بالًا لهذا الشيء يا موسى، الكثير من الفتيات يتجاهلون المرء في البداية ولكنهم يميلوا فيما بعد، أنا واثق أنها سوف تميل.

حرك موسى رأسه بعدم اقتناع وهو يعلم أن هذه الفتاة مختلفة ولن يستطيع علي التأثير عليها كما اعتاد دائمًا، بدت له ذات شخصية قوية، فريدة من نوعها عندما رأها في اللحظات الأولى، ربما لهذا السبب هي الملكة!

كانوا يمروا بالكثير من أشجار التفاح التي تحاط بها أشكال وأنواع مختلفة من الزهور، كانت رائحة التفاح تروق لهم كثيرًا، هم سامح بقطف إحدى الثمار لتوقفه مارجريت على الفور:

-لا تفعل هذا.

توقف سامح وهو ينظر لها بحيرة:

-ما الأمر؟ هل من الممنوع قطف التفاح في موسم التفاح يا ترى؟

كانت جملته مليئة بالسخرية ومن ثم قام بقطف إحدى التفاحات، تعجب موسى من هدوءها وقد شعر بأن هناك شيء غريب، ابتسم سامح وعينيه مثبتة عليها في تحدي وقام بقضمها، هم بالأكل مجددًا لكنه شعر بألم شديد في المعدة لم يستطيع تحمله، سقطت التفاحة من يده وصرخ متألمًا:

-ما الذي يحدث؟ بطني تؤلمني لا أستطيع التحمل!

اقترب منه سليم وهو يقوم بإمسك زراعه بقلق وقد سألها:

-ما الذي حدث له هل هذا بسبب تناوله للتفاح؟ إنها مجرد تفاحة.

اكملت له مارجريت الحديث ومازالت ثابتة في مكانها:

-مسممة.

اتسعت أعين الجميع بينما هي تابعت غير مكترثة:

-اخبرتك وقولت لك لا تفعل، لكنك لم تستمع لي، في النهاية هذه رغبتك أيها الرجل العنيد.
-----
كانت هدى في طريقها للذهاب إلى المنزل بعد أن انتهى يومها في الجامعة، اعترض طريقها هذا الفتى التي تبغضه ولا تعلم لماذا يصر على التحدث معها رغم رفضها الشديد له؟!

لاحظ نظراتها التي تكاد تطلق شرار ليصيبه، حرك رأسه بعدم استيعاب وهو يسخر منها:

-لا أصدق كيف يكون لشخص مثلكِ أن يكون لديه الكثير من نظراتك الحادة تلك يا هدى؟

تحدثت هدى إليه وهي تجاهد ليكون صوتها أكثر هدوء:

-لا أعلم ما الذي تريده ولا يخصني هذا أبدًا يا أستاذ علاء ابتعد حتى أرحل لقد تأخرت عن الذهاب.

رفع علاء حاجبه الأيمن وهو يحرك رأسه بنفي:

-خرجنا من المحاضرة للتو عن أي تأخير تتحدثين؟

انفعلت هدى وقد نفذ صبرها:

-حسنا هناك المزيد من الوقت ولا أرغب في التحدث معك هل من الممكن أن تبتعد عن طريقي؟

ضحك علاء لتتعجب، شعرت بالكثير من الغضب وهي تراه يسخر منها ليس إلا، همت بالرحيل ليقبض على زراعها ويقوم بسحبها، اصطدمت بصدره وقد اتسعت عينيها بصدمة وعدم استيعاب، قامت بدفعه بقوة صارخة في وجهه:

-كيف تتجرأ وتقترب مني بتلك الطريقة؟ هل فقدت عقلك لتتجرأ وتقوم بلمسي؟

اقترب منها علاء من جديد:

-اخفضي صوتكِ يا فتاة، لا نريد أن نقع في مشكلة بسبب عنادكِ الشديد هذا.

دفعته بقوة أكبر وقد اجتمعت الدموع بعينيها وهي ترى يده تقترب وتحاول لمسها، قاطعهم في هذا الوقت دخول شاب لم ينتظر ومن ثم قام بلكم علاء بقوة جعلته يسقط أرضًا.

وضعت هدى يدها على فمها بصدمة، بينما الآخر انهال على علاء باللكمات المتتالية، أسرع علاء وقام بدفعه بقوة والهرب قبل أن يأتي الأمن إلى هنا ووقتها سوف يكون المخطأ.

اقترب الشاب من هدى وهو يحرك يده بألم ويسألها بقلق:

-هل أنت على مايرام يا فتاة؟ هل اصابك هذا الحقير بأي أذى؟

حركت هدى رأسها بنفي وهي تقوم بإزالة دموعها، أخرج في هذا الوقت منديل وهو يقوم بتقديمه لها:

-تفضلي خذي هذا لتمسحي دموعك، لقد انتهيت من محاضراتي ويمكنني أن أقوم بتوصيلكي على الفور.

حركت هدى رأسها بنفي وهي تبتعد عنه:

-شكرًا لك أنا على مايرام ويمكنني أن أذهب بمفردي دون أي مساعدة.

اسرعت بالذهاب بينما هو تابعها حتى اختفت عن عينيه تماما، حرك رأسه بعدم استيعاب:

-لا يمكنني أن أصدق أنها ذهبت بتلك الطريقة حتى أنها لم تلتفت وتشكرني؟

سار حتى وصل إلى سيارته ومن ثم ذهب إلى منزله، ما إن فتح الباب حتى وجد أمامه علاء الذي يكاد أن يقتله من الغضب:

-ما بالك أنت يا مازن؟ طلبت مساعدتي لتلفت انتباهها، لكن ألا ترى أنك بالغت في ضربي كثيرًا؟ أنا أتألم حقا ألا ترى الجروح التي لحقت بي بسببك؟

زفر مازن بضيق شديد وهو يذهب تجاه الأريكة ليجلس فوقها مستندًا بظهره عليها:

-ليته أتى بفائدة يا علاء، في النهاية لم توافق أن أوصلها ولم تفكر في شكري، لا أعلم بماذا تفكر، لكنني أعلم جيدًا إنها فتاة غريبة الأطوار.

ضحك علاء وهو يحرك رأسه بخبث:

-ألم أخبرك أنها ليست فتاة سهلة؟ هي حتى لم تدخل في أي علاقة مع أي شاب، لا يمكنك أن تسيطر على عقلها بتلك السهولة يا مازن، تحتاج للكثير من الوقت حتى تثق بك.

أومأ مازن له ولكنه ابتسم بتحدي:

-لنرى إلى متى سوف تصمد، هذه الفتاة لن تنسى ما فعلته، عندما نتقابل في المرة القادمة سوف تتذكرني جيدا، لن تنسى هذا الوجه مهما حدث.

وصلت هدى في هذا الوقت الى المنزل، كان كل من يراها يعلم أنها ليست على مايرام، كانت على وشك البكاء، لكنها ذهبت الى الغرفة التي تشاركها مع حبيبة أختها قبل أن تراها والدتها، ما إن وقعت أعين حبيبة عليها حتى اقتربت منها بقلق:

-هدى ما الأمر هل أنتِ على مايرام؟

اومأت لها هدى دون كلمة، ابتلعت ما بحلقها لتتحدث إليها بعد دقيقتين من الصمت المرهق:

-أريد بعض الماء يا حبيبة، أشعر ببعض الضيق ولا داعي لتخبري أمي وتجعلي الموضوع يكبر أكثر إذا سمحت.

اومأت لها شقيقتها ومن ثم ذهبت لتأتي لها بالماء، تساقطت دموع هدى وهي لا تعلم كيف سوف تذهب إلى الجامعة وترى علاء من جديد؟ لقد كانت تحاول طوال الوقت أن تبتعد عن المشاكل، لكن بطريقة ما اصابتها مشكلة ولا تعلم كيف تتعامل معها؟
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي