موسم التفاح

ندى محسن`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2023-10-31ضع على الرف
  • 81.1K

    جارِ التحديث(كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل الأول يريد السفر

تخطت الساعة التاسعة مساءً، بدى الظلام شديد وقد اصبحت شوارع الأسكندرية فارغة، لقد كان الأمر طبيعي للغاية في هذا الشتاء العاصف، لكن يبقى هذا الرجل جالسًا أمام محطة انتظار الحافلات ينتظر أن تمر حافلته المنتظرة وهو يتابع قطرات المياه المتساقطة بتتابع.

كان يعشق كثيرًا هذه الأجواء، ارتفع رنين هاتفه، ليجيب ما إن رأى أن والدته هي المتصل وقبل أن يجيبها اخترق صوتها أذنه بانفعال واضح:

-أين أنت يا موسى؟ لماذا لم تأتي حتى الآن اخبرني؟

تعجب من إهتمام والدته وهو لم يتأخر، حاول توضيح الأمر لها قائلًا:

-لم أتأخر يا أمي، خرجت من العمل منذ ساعتين وفي انتظار الحافلة التي ستوصلني للمنزل، هل حدث شيء؟

اجابته بانفعال وقد بدت غاضبة أكثر من اللازم:

-أجل تعالى بسرعة ولا تتأخر.

اغلقت من بعدها بينما هو علم أن السبب في انفعالها والده لا محال، يتعجب أنه بعد كل هذه السنوات لم يتفق معها في شيء، مؤكد اخبرها برغبته في السفر ولم توافق، لقد قال أن عليه الذهاب في رحلة بينما موسى ابنه اخبره مسبقًا أن والدته لن تحب الأمر.

وصلت الحافلة وقام بفرد المظلة ليستطيع أن يعبر الشارع لإتجاهها دون أن يبتل، وصل أخيرًا إلى شقته مع عائلته في أحد المناطق الهادئة بالعجمي، هم بطرق الباب ليستمع إلى حديث والده الغاضب:

-تحدثكِ معي بتلك الطريقة لن يغير شيء، سوف أسافر وسوف ترين يا عايدة.

ردت عليه عايدة بغضب مضاعف:

-لن تفعل يا سليم إلى متى سوف تبقى هذا الشخص عديم المسؤولية لقد اصبحت رجل كبير وابنك الكبير الآن أصبح رجل تخطى الأربعة وعشرون عامًا.

تحدث سليم بضيق شديد:

-ما مشكلة السن لا أفهم؟

طرق موسى الباب وهو يتمنى أن يتوقفوا عن الشجار ليستطيع أن ينام بعد يوم عمل شاق، فتح له شقيقه حازم الذي يقاربه في الطول وقد كان في الأثنان والعشرون من عمره، يمتلك أعين من لون العسل على عكس شقيقه الذي كانت عينيه بنية اللون، سأله فور دخوله وهو يمد له المظلة:

-هل مازال النقاش حاد بينهم؟

اجابه حازم وهو يومئ:

-مع الأسف الكثير من الأشياء تتغير عدا والديك يا موسى لا يتوقفوا عن الشجار أبدًا، لقد شعرت بالصداع حيال هذا الأمر ولا فائدة بالتحدث إليهم.

اقتربت عايدة من موسى وهي تومئ:

-من الجيد أنك أتيت يا موسى، من المؤكد أن والدك أخبرك بما يريد أن يفعله، على كل حال أنت تشبهه ولا يوجد لديك ما يمنع من هذا أليس كذلك؟

ابتلع موسى ما بحلقه وهو يشعر بالكثير من الصداع قد خيم على رأسه، تحدث بهدوء وهو يحاول أن يرى ما المشكلة التي تعاني معها والدته:

-لماذا ترفضين ذهابه مع صديقه يا أمي ما المانع في هذا؟ أبي تخطى الاربعة وأربعون عامًا لا أظن أنه سيكون في ورطة.

عقدت عايدة زراعها أمام صدرها وتحدثت بانفعال واضح:

-سوف يذهب مع أخيه سامح وهذا الشخص لا أثق به، يكفي ما تحكيه زوجته هاجر عنه، هو يستمر في مغازلة السيدات ولديه الكثير من العلاقات، اخبرني يا سليم هل تريد أن تكون مثله يا ترى؟

تدخلت ابنتهم الثالثة هدى ذات العشرون عامًا:

-يا أبي أمي تشعر بالغيرة عليك، عليك أن تتفهم هذا، هي لا تود أن تخنقك ولكن دون إرادة منها هي تحاول أن تجعلك بالقرب منها دائمًا.

تثائبت ابنتهم الرابعة "حبيبة" ذات السابعة عشر عامًا:

-عليكِ أن تثقي به أكثر يا أمي، هذا هو الحل الوحيد، على أبي أن يحظى بجزء أكبر من ثقتكِ.

نظرت لها عايدة وهي ترغب في ضربها، لا تعلم ما الذي عليها أن تفعله، كان سليم يتابعها بهدوء، أوشك موسى على الدلوف إلى غرفته لكن اوقفه صوت سليم الذي يشعر بالضيق من انفعال زوجته الزائد:

-حسنًا يا عايدة، لم يعد بمقدوري فعل شيء وقد وعدتهم أنني سوف أرافقهم رحلتهم بعد الغد، لكن يمكنني أخذ موسى معي لقد انتهى من دراسته على كل حال ولم يعد لديه ما يتعلمه.

عقد موسى حاجبيه والتفت ليجد الرضا يرتسم على وجه عايدة، هي تعلم انه سوف يخجل من التعامل بحماقة أمام موسى حتى لو كان برفقة شقيقه الأصغر سامح، حرك موسى رأسه بعدم رضا:

-لا يمكنني هذا يا أبي، ماذا عن العمل؟ صحيح أنني لا أطيقه ولكن لا يمكنني التغيب عنه وخسارة المال!

حرك سليم رأسه بضيق وهو يرفع كتفه بعدم رضا:

-هذا هو الحل الأنسب، أظن أن والدتك لن تقلق عندما نكون معًا، بالأخص أن لا وجود للشبكات هناك ولا يمكنك اصطحاب أي شيء حديث، فقط ستستمتع بالطبيعة.

عقد موسى حاجبيه بتعجب وهو يشعر بالكثير من الحيرة:

-لا أفهم إلى أين تريد الذهاب بالضبط؟

اجابه سليم وقد ظهر الحماس على وجهه ولمعت عينيه ليعلموا أنه لن يلغي هذه الرحلة مهما حدث:

-سوف نذهب لاستكشاف جزيرة الأزهار سوف يكون موسم حصاد التفاح بعد غد وقد سمعت الكثير عنها مما يجعلني أتشوق لرؤيتها.

حرك موسى رأسه بحيرة وهو لم يسمع بها من قبل، يعلم أن والده شغوف بكل شيء جديد ولكنه لم يتوقع أن يصل الأمر إلى هنا وأن يذهب إلى مكان لم يزوره من قبل حتى إن وقعوا في مشكلة لن يتمكنوا من طلب المساعدة بسبب عدم وجود الشبكة! استطاع سليم أن يحصل على انتباه موسى:

-يمكنك أن تقتبس من تلك الجزيرة روايتك الخاصة يا موسى، أنا أعلم أنك تكره عملك وأنك تحلم باليوم الذي ستتمكن به من نشر كتابك، أظن أنها فرصة مذهلة لك.

نظر موسى له وقد جعله والده أن يشعر بالفضول، على كل حال الكتابة عن جزيرة مختلفة ليست مألوفة ستكون فكرة رائعة، سأل والده وقد كانت هذه بمثابة إشارة على موافقته:

-كم يوم سنبقى في هذه الجزيرة.

نظر سليم إلى عايدة وقد شعر بالتردد من التحدث وهو لا يعلم ماذا سيكون رد فعلها:

-في الحقيقة لم يتم التحديد بعد ولكن هذا يعتمد على الجزيرة وصلاحيتها للعيش بها أم لا، أظن أن عشر أيام جيدين.

أومئ موسى وهو يفكر في الأيام الآتية وكيف ستكون عليه، تمنى لو يجد شيء يبدل حياته المملة رأس على عقب، تحدثت عايدة بغيظ قد تملكها:

-عيد ميلاد موسى بعد خمس أيام لم يحدث ويبتعد عني في أي سنة تريد أن تبعده عني الآن يا سليم؟

أخذ سليم نفس عميق وهو يحاول أن يتجنب الشجار معها مرة أخرى، تحدث وهو ينظر إلى عينيها الفيروزية والضيق قد سيطر على صوته:

-هذا ما لدي يا عايدة، لا يمكنني التفكير في حل آخر لكِ صدقيني، لقد سأمت من التفكير في حل لأرضيكِ وفي النهاية أنتِ لا ترضي! هذه مرتي الأولى ماذا بكِ؟!

عقبت على حديثه باصرار:

-والأخيرة يا سليم، أنا لن أسمح لك بالابتعاد مرة أخرى ولولا مدرسة حبيبة وجامعة كلًا من هدى وحازم لكنت أتيت معك دون تردد.

ابتسم سليم وهو يهمس بصوت منخفض لم يستطيع أحد سماعه:

-من الجيد أنكِ لن تأتي يا عايدة أريد أن أكون حرًا لمرة واحدة في حياتي.

تحدثت عايدة بغيظ وهي لا تعلم ما الذي يقوله وقد ارتسمت ابتسامته الخبيثة فوق شفتيه:

-اخبرني ماذا تقول يا سليم، أرفع صوتك لأتمكن من سماعك.

اجابها سليم بضيق شديد:

-أتحدث مع نفسي ولا أظن أن هذا سوف يتسبب لكِ في مشكلة، لم يعد بيدي فعل شيء آخر لأرضيكِ يا عايدة على كل حال.

نظرت له بلوم بينما هو دلف إلى غرفته ليجلس بها بعيدًا عنها، اقترب موسى من عايدة ليقوم بضمها:

-لا يوجد داعي للقلق يا أمي سوف أذهب معه، تعلمين أبي يحبكِ ولكنه أيضًا يحب أن يكون حرًا دون قيود، لا تحزني.

ابتسمت وهي تراه يحاول أن يهون عليها، لقد كان يشبه والده كثيرًا، لكن موسى أكثر حنانًا منه، لا يمكنه أن يرى أحد من حوله في حالة من الحزن ولا يفعل شيء، انتهى من محاولته في مواساتها ومن ثم أتجه إلى غرفته ليبدل ثيابه أخيرًا، سمع طرقات على الباب ليتساءل من بالخارج وأتاه صوت شقيقته:

-أنا حبيبة يا موسى، لقد احضرت لك الطعام كما قالت أمي، أخرج لتتناوله قبل أن يبرد.

اجابها موسى بود وهدوء:

-حسنًا يا حبيبة، شكرًا لكِ.

خرج من بعدها ووجد حازم يقترب ليشاركه وجبته، حرك موسى رأسه بفقدان أمل:

-لا توجد فائدة بك يا حازم، سوف يبقى الطعام هو نقطعة ضعفك إلى الأبد.

ابتسم حازم رافعًا كتفيه باستمتاع:

-ماذا أفعل يا أخي في هذا؟ لقد تبدو الحياة كما لو أنها مطلية باللون الوردي عندما أتناول الطعام.

حرك موسى رأسه باستسلام وهو يقترب ليبدأ في تناول الدجاج والأرز مع الفاصولياء المطبوخة، سمع صوت أخيه يسأله بحماس:

-ما أخبار عملك؟ هل كل شيء على مايرام يا ترى؟!

أومئ موسى له وقد بدى مستاءً حيال هذا:

-كل شيء على مايرام، أنا أعمل بجد، لكنني لست على مايرام، الوقوف في محل للملابس هذا الأمر لا يناسبني، أنا أريد أن أفعل شيء آخر أكثر أهمية من هذا.

حرك حازم رأسه بعدم استيعاب وهو يسأله بحيرة:

-كيف لا يناسبك؟ هذا عمل رائع وهذا ليس مجرد محل للملابس أنت تعمل في مول من أجمل الأشياء داخل الأسكندرية و..

قاطعه موسى وهو يحافظ على هدوئه وقد بدى غير راضيًا:

-أعلم أن هذا العمل من الممكن أن يكون حُلم لأُناس آخرون لكنه لا يشبني بأي شكل، أنا أحلم أن أصبح كاتب من أعظم الكُتاب في عصرنا الحالي، من الصعب الوصول إلى هذا الهدف وعقلي مشوش بتلك الطريقة بين ما أريده وبما عليّ فعله.

ابتسم حازم وهو يغمز له في محاولة منه لتبديل حالة شقيقه من الضيق إلى المزاح:

-أظن أن رحلة أبي سوف تكون رائعة، يمكنك أن تكتب بها الكثير من الأشياء، أحرص على حمل دفتر مناسب وأقلامك الرائعة.

ابتسم موسى وهو يومئ له وقد شعر بالكثير من التحمل:

-سوف أفعل، ألا تحب المجيئ؟

حرك حازم رأسه بنفي وهو يبتسم:

-سوف أبقى هنا بجوار أمي وأخوتي، تعلم أنني لا أحب المغامرة كثيرًا، يصيبني الأمر بالتوتر ولم أعتاد بعد.

أومئ موسى له ولم يتحدث بالمزيد من الكلمات، قرر أنه سوف يستغل رحلته في تغيير الكثير من الأفكار التي تعصف داخل عقله، ربما لم يضع بالًا عندما اخبره والده عن هذه الرحلة وكم هي رائعة، حتى أنه لم يسأل حينها والده أين سوف يذهب، لكن بعد معرفته باسمها سوف يقوم بالبحث عنها ويتمنى أن يجد المعلومات الكافية.

فور دخوله إلى الغرفة أمسك بهاتفه وبدأ في كتابة اسم جزيرة الأزهار في قائمة البحث، ظهرت الجزيرة في مصدر واحد من الأخبار وكان عن طريق أحد المغامرين، بدأ في القراءة بصوت مسموع وهو يرى كيف وصفعها هذا المغامر ليجعل الحماس يدب إلى قلبه، قاطعه صوت طرقات على الباب ليأذن بالدخول.

دلفت والدته إلى الغرفة واقتربت لتجلس أمامه:

-لقد تحدثت مع والدك واخبرته أنني لا يوجد لدي مشكلة في سفره، لكن في الحقيقة أنا أرغب في شيء منك.

تعجب موسى ولكنه أومئ لها لتفاجأه بطلبها رغم ترددها:

-أريد منك أن تراقبه وتخبرني بكل شيء سوف يفعله يا موسى.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي