٦

لم يستطع رون التحمل أكثر دون أنفاس فعاد مرة أخرى للسطح وعاد ليلهث، رفع شعره الذي غطى عينيه ومسح وجهه ثم قال لهيلين:

_لقد وجدت الياقوت.

ابتسمت قائلة:

_وأين هو؟

ابتسم بسذاجة وهو يقول:

_لم أستطع استخراجه، أريد شيئاً صلباً قوياً.

أمسكت هيلين بصخرة من الأرض وقالت:

_أيمكنك استخدام تلك؟

_أظنها تفي بالغرض.

رمتها له في النهر ليلتقطها ويعود للغوص بها مرة أخرى للأعماق، وصل نحو الأحجار التي لفتت انتباهه وبدأ يضرب على الصخر محاولاً إخراجه وبدأ يتفتت الصخر ويظهر الياقوت بشكل أكبر.

تفتت كل الصخر الموجود حوله ليظهر حجم الياقوت الذي كان كبيراً جداً عكس توقعاته، بل وكان ثقيلاً عليه ف صعبت مهمة حمله.

ولكن عزيمته كانت أكبر فقد قام بالجزء الأصعب في المهمة وانتهى منه، فتحمل الصعب ورفعه بكفيه وهو يحاول السباحة للأعلى.

وصل للسطح بصعوبة قألقى بالحجر على اليابس ووقف أرضاً لتشهق هيلين من الدهشة، فهي لم ترى ياقوتاً بهذا الحجم من قبل فقالت مسرعة:

_عليك أن تخفيه في حقيبتك على الفور؛ كي لا يسرق منك.

هز رأسه متفهماً وجلس قرب النهر حتى يجف، كي لا يخرج مبللاً من الغابة.

اقتربت منه هيلين وجلست معه ليسألها ما الخطوة التالية فأجابت:

_عليك تكسير ذلك الياقوت لقطع صغيرة فلا يمكنك الشراء به وهو بهذا الشكل.

ثم قالت ممازحة:

_أتوقع أن هذا الحجر سيكفيك لعامين دون الحاجة للبحث عن غيره.

شرد رون وتخيل أن عليه أن يعتمد على نفسه بعد الآن وتذكر ما كان يمر به ورسالة والده التي باتت واضحة في عقله.

نهض رون فجأة وقال:

_هيا بنا.

تعجبت هيلين من رده وسألته:

_إلى أين؟

_إلى الكوخ حالياً، سأبحث عن طريقة لأكسر ذلك الحجر، ثم بعد ذلك سأبحث عن منزل لي.

_لماذا؟ألا يعجبك كوخي؟

_ليس الأمر كذلك، ولكنني لن أود أن أستيقظ لأجد نفسي مع أولئك الأقزام كل يوم.

قالت هيلين بابتسامة:

_اوه هل قابلت تشارلي واصدقاءه اللطفاء؟

_أتقصدين المتوحشين؟ أو ربما تقصدين آكلي لحوم البشر ولكن لطفاء؟ لا أظن هذا على الإطلاق.

ضحكت هيلين وقالت:

_إنهم يحبونني وانا أحبهم، هم لطفاء بالنسبة لي.

سارا خارج الغابة وبدأ كل منهما يسير ببطء حتى قطع رون الصمت وقال: الآن أنا أتذكر ما حدث بالتفصيل،أقصد كل شيء عدا حلقة واحدة مفقودة، ولكنني أشعر أنني مستعد أن أشاركك كل شيء.

ابتسمت هيلين واعتلت السعادة ملامحها بعد أن شعرت أن صديقها غريب الأطوار أصبح يثق فيها وسيشاركها تفاصيل حياته دون خوف، أومأت له موافقة وبدأ يروي لها وهما يسيران عائدان للكوخ.


ودعته هيلين بعد أن وصلا للكوخ وقالت له:

_آسفة لما حدث معك، لا أعرف حقاً ما الذي علي فعله او ما الذي علي قوله ولكنني واثقة من أنك ستتأقلم مع الأمر.

سكتت لوهلة ثم تابعت:

_سأتركك الآن وحدك فعلي العودة للمنزل، وبالمناسبة أشكرك على ثقتك في، أعدك أنني لن أخيبها.

عبس وجه رون فهو يشعر بالملل وحده، كما أن المسؤولية تصبح أضعاف أضعافها.

_هل أنت مجبرة على الذهاب؟

_نعم بالتأكيد.

تنهد رون بضيق وسأل بأمل أن لا تتأخر عليه قائلاً:

_حسناً، إذا هل سأراكِ غداً؟

_سأحاول.

_اتفقنا.

تركته ودخل هو للكوخ وبدأ يفتش في الأدراج باحثاً عن شي يكسر به الياقوت ولم يجد، ولكن لمحت عيناه رسم على ورقة يشبه الوشم الذي رآه على عنقها من قبل.

ظل يحدق به لدقائق ولكنه أعاده في النهاية لمكانه وعاد يبحث عما يريد.

وجد مطرقة في خزانة فأخذها وخرج بها من الكوخ وبيده الأخرى الياقوت الذي رماه أرضاً لعله ينكسر.

حدث شق صغير به فأمسكه مجدداً وألقاه مرة أخرى ليزداد الشق إتساعاً حتى انفلق وانشق الى نصفين.

أخذ النصف الأول وأعاده للكوخ وترك النصف الثاني على الأرض وبدأ يضربه بالمطرقة التي ساعدته على كسره لقطع صغيرة.

انتهى رون وانتهت معه طاقته،فقد تعب كثيراً ومر بأحداث لم يتخيل يوماً أن يمر بها، أخفى الحجر الكبير في خزانة، ووضع القطع الصغيرة في حقيبته وأغلقها.

أوصد الباب واستلقى على السرير وأغمض عينيه متذكراً أحداث اليوم حتى غط في نوم عميق.

في غرفة ألما حيث كانت مستلقاة على السرير بدأت تفكر في الأحداث التي حلت عليها اليومين الماضيين، وبدأت تتذكر شجار والدها ولقاءها مع الحاكم وهو ما لم تكن تتوقع أن يحدث أبداً.

نهضت من فراشها بلا طاقة فقط من أجل أن تشرب بعض الماء، سارت ببطء وفعلت ما أرادت ثم توجهت نحو الشرفة التى بغرفتها وبدأت نسمات الهواء تداعب شعرها البنفسجي ودموعها تسقط من وجنتيها للأرض.

أفادها نسيم الليل العليل وحسن من نفسيتها، خرجت من الشرفة وأوصدت بابها وذهبت للفراش واستلقت عليه ولكن عندما لمحت شيئا يلمع فوق المكتب، تبدو كعيون سوداء

استفاقت مما كانت فيه وتحركت ببطء مجدداً من على الفراش، أشعلت الانوار وتوجهت بنظرها نحو المكتب مجدداً لتصرخ صرخة أفزعت كل سكان المنزل.

جلست على الأرض مستندة على الباب ودموع الخوف والحزن تجمعت في عينيها وبدأت تتساقط على وجنتيها.

هرع كل من والديها وأخوها لغرفتها فبلغت القلوب الحناجر ودب الذعر في أوصالهم جميعاً، فتجمد الدم في عروق والدها وانعقد لسان والدتها وحبست أنفاس أخوها آلن أما عن وجهها أصفر لونه.

تجمد كل منهم في مكانه ولم يبدي أحدهم أي فعل تجاه ما رأوا.
كان الجميع يحدق بها، تلك الجنية ذات الملابس السوداء بشعة المنظر، اقتربت الأم منها واتخذت خطوتها الأولى بتردد لتزداد ضربات قلبها ويزداد معها دقات قلوب بقية العائلة المسكينة.

رفعت يديها نحوها وامسكت بها محاولةً إهلاكها وقتلها ولكن الجنية جرحتها في يدها مدافعة عن نفسها، لتصرخ الأم بألم.

اقترب منها الأب هالعاً لتلحق به ألما والدموع تملأ وجه ألما التي انتفخ منخارها من البكاء وتلونت عيونها بلون الدماء.

لمسا كل منهما ذراع الأم التي أفلتت اللوريانا من يدها، ظلت اللوريانا تحدق بهم بغضب في نفس الوقت الذي كانت تحرك جناحيها الشفافين بسرعة ليصدر منهما صوت طنين جعل نفوس الحاضرين تتوتر.

بدأ آلن يتحرك ببطء متسللاً نحو عائلته اقترب منهم حتى وصل الي الجنية ورفع كفيه ذوي البرطمان الذي كان يمسكه بيمناه، أما عن كفه الأيسر فقد أمسك به غطاءه.

حبسها في لحظة فكانت مفاجأة لها ولجميع أفراد عائلته أيضاً، اغلق غطاء البرطمان بإحكام فصارت اللوريانا تتحرك فيه محاولةً الفرار ولكنها لم تفلح في ذلك.

سحبت الأم قطعة قماش ولفتها حول البرطمان عدة مرات ثم أخذته وخبأته في إحدى غرف المنزل وعادت لغرفتها، جلست على السرير وضمت ركبتيها نحو صدرها وصارت تهتز أماماً وخلفاً وشهقاتها تزداد.

كان الحال مماثل عند بقية العائلة فالجميع يحاول امتصاص الصدمة واستيعابها.


استيقظ رون من نومه فمط جسده ببطء مع صوت أصدره بكسل، نهض وبحث عن الماء الذي وضعه في القارورة من قبل وبالفعل وجده، شرب القليل منه وغسل وجهه به.

شعر بطاقته تتجدد كما شعر بالتفاؤل والراحة، سكب شهيقاً عميقاً من أنفه ثم زفره من فمه بهدوء.

اخذ بعض من الياقوت الذي كسره أمس في حقيبته وترك بقيته في الخزانة حرصاً عليه من السرقة، خرج متجهاً نحو نهر القهوة مع قارورة وجدها في كوخ هيلين فاستعارها.

وصل رون للنهر فبدأ يرتوي منه ثم بدأ بتجميع بعض من مشروب القهوة في القارورة التي فور انتهاءه من ملأها أغلقها بإحكام ووضعها في الحقيبة مع قارورة الماء الشافي.

اتجه نحو شجرة حلوى البن والتي لم تفشل قط في إبهاره، فبالرغم من إعتياده على أن أشجار البن تكون خضراء ولكنها هنا تبدو محمصة بل وحلوة الطعم عكس القهوة المرة التي اعتادها.

بدأ يتسلقها لجمع الحبوب، خدشت يداه فقطرت القليل من الدماء ولكنه استمر في التسلق حتى جلس على غصن متين.

اقتطف الكثير من حبات البن الحلو ووضعه في قطعة قماش أحكم إغلاقها ووضعها في الحقيبة أيضاً.

اتجه لخارج الغابة والتي لم تفشل في إبهاره أيضاً بجمالها، حفظها كما لو كان قد سكنها لأعوام رغم مرور بضعة أيام فقط منذ خروجه من البيت.

خرج منها وقد سادت في باله فكرة إستكشاف المدينة، فعليه فهم طبيعة المكان والسكان وكيفية تعاملهم مع بعضهم البعض وطعامهم وشرابهم، كما أنه ود البحث عن سكن ليعيش فيه.

رغم حبه للغابة إلا أنها تعتبر بعيدة عن مركز المدينة وهذا سيصعب عليه العيش وسيجبره على بذل ضعف المجهود الذي سيبذله إن سكن في المدينة.

بدأ يتجول في أنحاء المدينة، بدءاً من المرور على ماثيو والذي سلم عليه وجلسا معاً قليلاً ليتبادلا أطراف الحديث، دعا رون في نفسه كثيراً ألا يكشف نفسه بإجابة غبية على إحدى أسئلة ماثيو.

مر الوقت على خير وطلب منه بعض الثمار فأنتقاها له ماثيو، أخرج رون بعض الياقوت من حقيبته ليسبقه ماثيو الذي فتح فمه مدهوشاً وقال:

_الياقوت!

عقد رون حاجبيه وصمت لوهلة لعدم قدرته على الرد فهو لم يجد الرد المناسب، ولكن ماثيو قال:

_أخفه حالاً ولا تخبر أحداً عنه كي لا تتعرض للسرقة.

_لا تقلق، لدي الكثير منه.

كان ماثيو قد أصيب بالدهشة مما رأآه؛ فالياقوت نادر ولا يجده إلا القليل وقد اعتاد الأغلب التعامل بزهور الديفيليا فهي الأكثر انتشاراً.

كما تعجب أيضاً من عدم خوف رون من السرقة بل وإخراجه الياقوت أمام الجميع فظن أن وراءه هدف وخطة سرية او ما شابه.

أعطى رون ل ماثيو ياقوتتين فخبأهم ماثيو سريعاً، ودعا بعضهما ثم تابع رون السير بعد أن خبأ الثمار في حقيبته.

سار رون قليلاً ليلتقط أنفه رائحة زكية طيبة، لم يستطع إمتلاك نفسه وبات يقترب منها أكثر وأكثر، كانت الرائحة الساخنة سبباً ليشعر بالجوع.

رأى رون قطعة تبدو كالحلوى شُكلت كنجوم، دُهن بعضها بالشوكولاتة وبعضها بالعسل

اقترب من البائع وسأل عن سعرها فقرر الدفع بالديفيليا بدلاً من الياقوت حرصاً على ألا يسرق بعد أن فكر بروية في كلام ماثيو.

دفع خمسة وعشرون زهرة مقابل قطعتين من الحلوى الساخنة، بدت له كطعم العجين الحلو، استلذ بطعمها وفضل ذات الشوكولاتة عن ذات العسل.

تحرك رون بشرود، ثم نظر يمينه ببطء وهو يتأمل الناس من حوله، ولكن قاطع تأمله حقيبته التي سُحبت منه عنوة فأنقطع ذراعها الأيمن.

سقطت بعض قطع الياقوت أرضاً بينما رون لم يستطع التفوه بأي شئ وكأن لسانه قد انعقد أثر الصدمة.

صرخ رون بعد أن استفاق وبدأ عقله بإستيعاب ما حدث قائلاً:

_لص، هناك لص!

بدأ رون يركض محاولاً اللحاق باللص بينما لم يحرك أحد من سكان المدينة ساكناً.

لم يفهم كيف لم يتلقى المساعدة من أي أحد ولاقى التجاهل من الجميع، لم يستطع اللحاق باللص فتوقف وظل يصرخ من بين الجميع بعد أن جمع الياقوت من الأرض قائلاً:

_لقد سرق هذا اللص الحقيبة التي تحتوي على ياقوتي، لماذا لم يقدم أحد على مساعدتي!

بدأت الدموع تتجمع في عيونه وجلس أرضاً يبكي حتى وجد كفين يمسكانه من ذراعيه ويرفعانه من الأرض، رفع رأسه ونظر اليهما بعيون لامعة.

بدأ يتأملهما، فرأى رجلين قويا البدن يرتديان ملابس غير التي اعتاد رؤيتها؛ ولكنها كانت تبدو رسمية أيضاً.

توقعهما حراس ولم يخب ظنه ففرح ظناً منه أنهما هنا لفعل ما لم يقدم أحد من أهل المدينة على فعله ومساعدته على استعادة حقيبته ولكنه لم يلقى أي رد فعل يدل على هذا، بل كانت ملامحهما حادةً باردةً.

نظر اليهما وهو يضم حاجبيه عندما بدأ كل منهم يسحبه فقال بنبرة قلقة:

_إلى أين تأخذانني؟
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي