ألورا

Nadine`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2023-10-28ضع على الرف
  • 80.1K

    جارِ التحديث(كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

1

ألم لازم رأس ذلك الشاب ذو الشعر البني فور أن فتح عينيه، رفع جسده المستلقي على الأرض ببطء بعد أن أستند بيديه على الأرض لتساعده على الوقوف أرضاً ليجد يديه تلمسان أرضاً عشبية ذات ملمس خشن، كانت الرؤية ضبابية من حوله فلم يدرك ماهية المكان الذي كان فيه او ما أودى به إلى هذا المكان.

وقف على قدميه ليشعر بدوار كاد يسقطه أرضاً ولكن لحسن الحظ كانت أول ما وقعت يديه عليه شجرة، لم يكن يراها فعلياً ولكنه أدرك هذا من ملمسها المميز، وضع كفه الأيمن على جبهته متأوهاً من ألم بدنه، ليصدر صوت يتسائل بفضول:

_هل أنت بخير؟، أيها الغريب.

اتسعت حدقتا عينيه لينظر حوله ملتفتاً بتوتر تارة إلى اليمين وتارة إلى اليسار، حاول رؤية صاحبة الصوت الأنثوي الذي حدثه ولكن لا أثر لها.

فقد كان المكان مليء بالضباب بالفعل، في البداية ظن أن الدوار كان السبب الرئيسي لرؤيته المشوشة ولكن يبدو أن تفكيره قد خيب ظنه فقد مرت دقائق بالفعل واختفى الدوار الذي قد أصابه ولكن الرؤية لا تزال مشوشة، قطعت الفتاة حبل أفكاره عندما قهقت ثم نطقت مجدداً:

_ألا تراني! أنا فوق الشجرة.

أثار فضوله سؤال خطر على باله في لحظة، وقد كان كل ما يشغله هو معرفة كيف تستطيع رؤيته ولا يستطيع هو رؤيتها، أهي من الجن أو ما شابه!

أغلقت هي كتابها ليصدر صوتاً عاليا وقفزت من فوق الشجرة فشعر هو بقدميها اللتان أصدرتا صوتاً على الأرض ثم شعر بأنفاسها بقربه لتبدأ هي بتأمل ملامحه.

اقتربت بيديها نحو رأسه وأمسكت خصلات شعره بين أناملها، لفت انتباهها شعره البني ليشعر هو بيدها وقد أدرك لحظتها أنها ليست من الجن بالتأكيد، قالت هي بتساؤل:

_لماذا انت مختلف عنا ولا تشبهنا؟ ملامحك وشعرك لا يشبهاننا إطلاقا!

ثم تابعت بنبرة مستفسرة إمتزجت بالتردد والتعجب:

_هل تراني؟

حرك رأسه يميناً ويساراً نافياً لتبتعد هي بخوف مفاجيء تاركةً مسافة ليست بالقليلة ثم قالت وهي تحدق به بحدقتين متسعتين:

_ألست من الشمال!

لم يرد هو عليها وحينها أدركت أن ما خطر على بالها في الوهلة الأولى كان صحيحاً، وهذا الشاب قد يكون خطراً حل عليها.

قالت هي بنبرة اعترمها الغضب:

_كيف تسللت إلى هنا! اعترف وإلا سأرسلك لقصر الحاكم.

_أنا حقاً لا أعرف ما الذي يحدث هنا ولا حتى أين أنا، من أنتِ ولم تستطيعين رؤيتي وأنا لا أقدر على رؤيتك، آخر ما أتذكره أنني كنت على مكتبي أقرأ آخر رسالة تركها لي والدي وقد أصابتني الصدمة.

_وما كان مضمون الرسالة؟

_وما شأنك أنت، هل أنا مجبر على أن أجيبك!

نطقت هي بعد تفكير لم يدم إلا لعدة ثوان بنبرة شبه غاضبة:

_أتدري؟ لم أعد أهتم بمضمونها ولكن لن أتركك حتى أعرف من أي مدينة أنت وكيف وصلت الى هنا فكلنا نعلم أن الأنتقال بين المدن محرم!

نطق بغضب لم يستطع كبته وقال:

_أي مدن يا فتاة، عن ماذا تتحدثين !

ردت هي بتعجب وقالت:

_مدن ألورا أيها الغريب.

_صدقيني أنا لم أبتعد عن المنزل بالتأكيد، أظنه في هذا المكان أو في آخر قريب من هنا.

قهقهت باستهزاء ثم قالت:

_أتتحدث بجدية! أنا أعرف كل شبر في هذه الغابة.

لم تستطع التحكم في فضولها مرة أخرى فسألت مجددا بعيون تترقب الإجابة:

_ما اسمك؟

تنهد ورد قائلاً:

_اسمي رون.

ضم يديه على صدره بعد أن رد منتظرا منها أن تعرفه عن نفسها أيضاً ولكنها لم تنطق فسألها هو:

_وأنت؟

_لست مجبرة على أن أجيبك.

قهقه هو مجدداً لتقول هي وقد سيطر الغضب عليها:

_على ماذا تضحك يا رون؟

رد رون مقهقهاً:

_هل تظنين أنك بهذا الشكل تنتقمين مني؟

حاول أن يهدئ من قهقهته قليلا وتابع:

_هيا لا تطيلي الأمر، كل ما سألتك عنه هو اسمك.

_اسمي هو هيلين.

_اسمك رائع بالفعل.

ابتسمت هي ثم سألت بنظرات جانبية متوترة:

_هل يجب علي أن أثق بك؟ هل حقاً لم تأتِ من الجنوب أو غيرها من المدن؟

_صدقيني، أنا لا أعلم أي شيء ولا حتى سبب وجودي هنا، ولكن أتمنى أن يتضح كل شيء مع الوقت.

ثم بدأ رون يسير متحسساً المكان من حوله، لتوقفه هيلين متسائلةً:

_إلى أين!

_لا أعرف إلى أين علي الذهاب ولكن بالتأكيد لن أبقى في مكاني، علي أن أعرف سبب وجودي هنا أو ربما علي أن أبحث عن منزلي.

قالت بابتسامة مع ضحكة صغيرة لم تدم:

_الجميع سيراك ولن ترى أحداً، حتى أخبرني كيف ستسير؟

ثم تابعت بعد أن عادت لتدقق في ملامحه:

_وفوق كل ذلك، أنت لا تشبهنا البتة، إن رآك أحد سيظنك من إحدى المدن المجاورة وسيسلمك فوراً للحاكم.

_ اذاً ماذا سأفعل؟

_فقط إتبعني

قالتها وقد بدأت تتحرك ليسألها بفضول:

_إلى أين؟

ردت بلا مبالاة:

_سأخبرك لاحقاً.

بدأ يسير متتبعاً لصوت خطواتها ونبرة صوتها وفي داخله قد دارت عدة أسئلة وبدأت تتكرر في ذهنه، لم يعد رأسه يتحمل المزيد من الأفكار التي راودته فقد كان الفضول يثيره لمعرفة إجابات كل الاسئلة في عقله حتى أن فضوله كاد يأكله.

_سأجيبك عن كل ما يدور في ذهنك، يمكنك سؤالي ما شئت وسأرد قدر معرفتي.

قاطعت أفكاره مجدداً ليقول مازحاً

_أتجيدين قراءة الأفكار أم ماذا؟

_هذا ما يحدث بالفعل.

قالتها بنبرة جادة ليتوقف هو في مكانه لعدة ثوانٍ محاولاً إستيعاب ما قالته فقد بدا له أنها لا تمزح بل تتحدث بجدية ، توقفت هي أيضاً ثم التفتت له قائلةً:

_هيا رون، سأشرح لك كل شيء في طريقنا.

_حسناً ولكن عديني ألا تستمعي لأفكاري مرة أخرى دون إذني.

عاود هو الرد بعد أن بدأ يحاول تنظيم أنفاسه محاولاً تهدئة توتره، أومأت موافقة وعاد كل منهما للسير مجدداً

_إذا أخبريني كيف ترون في هذا الضباب؟

_نحن حتى لا نشعر بوجوده، ربما اعتدنا او ربما
هي ميزة في عيوننا لنتأقلم مع البيئة ولكن الرؤية في الضباب هي ما يميز أهل الشمال، ولكن ما يثير اهتمامي حقا هو شيء آخر.

_وما هو؟

_ما دمت لست من الجنوب، فكيف لا ترى مثلنا؟

_أظن أن لدي تفسير لربما يكون منطقياً إلى حد ما ولكنني لا أستطيع أن أخبرك عنه الآن.

_لماذا؟

_لا أعلم، فقط لا أشعر أنني مستعد الآن.

_حسناً، إذاً كما تشاء، تعلم أنني يمكنني أن أعرف السبب إن أردت، ولكنني أود أن أترك لك مساحة من الخصوصية، فقط عندما تشعر أنك مستعد أروي لي على الفور.

هز رون رأسه وتابع:

_كم أود أن أراك، على الأقل لأدرك مدى الأختلاف الذي تتحدثين عنه.

_أعدك سأحقق لك أمنيتك ولكن على الأقل فلتتحلى بالصبر ولو قليلاً.

توقفت هيلين لوهلة ليتوقف رون وراءها ثم قالت بمرح:

_لقد وصلنا!

_أتسائل الى أين قد وصلنا!

تجاهلت سؤاله ثم قالت:

_انتبه للدرج الذي أمامك، إصعده بهدوء.

بدأ رون بالفعل يرفع قدميه واحدة تلو الأخرى حتى وصل لنهايته فأخفض رأسه فور ما قالت له "أخفض رأسك فأنت طويل بالنسبة للمدخل"

وبالفعل دخل وجلس أرضاً ثم قالت:

_انتظرني هنا ولا تتحرك من مكانك أبداً.

ثم قالت بنبرة مهددة:

إن رآك أحد سيرسلك فورا لقصر الحاكم وهناك ستنال عقاباً دون جريمة!

تأفف رون ثم طاوعها قائلاً:

_حسناً

اختفى أثرها من حوله بعد أن أغلقت الباب دون أي مقدمات ليتعجب هو.

ولكنه يحاول التأقلم وحسب فهدأ نفسه وظل منتظراً ضاماً يديه حول ركبتيه اللتان قد ضمهما نحو صدره محاولاً ألا يفكر في الوقت كي يمر سريعاً، ومع ذلك بدأ الضباب يهدأ قليلاً من حوله وبدأت الرؤية تتضح.

في مكان آخر وصلت المدعوة هيلين لإحدى الدكاكين ودار حوار بينها وبين إحدى السيدات التي سلمتها زي من أزياء المدينة الرسمية، توجهت لمكان آخر خالٍ من الناس وأخذت بعض الأشياء في حقيبة وردية خرجت مسرعة وتوجهت للمكان الذي خبأت فيه رون، هي تساعده رغم كونه غريب الأطوار ولا يشبههم ولكنها تعلم إستحالة إنتقال شخص من مدينة لأخرى بتلك السهولة، كما أنها التمست الصدق في حديثه، ولكن رغم ذلك عليها أن تحذر منه، لذا قررت أن تبقيه بقربها حتى تدرك سبب وجوده في الشمال وكيف وصل.

عادت لتسير في نفس الغابة التي تقابلا فيها وبدأت تتأمل جمالها، رغم بهوت لون الأشجار الأخضر إلا أنها كانت تشبه عجوز لطيفة، كما أنها تعلم أن تلك الأشجار العجوز ستختفي فجأة فور بدء الموسم القادم.

ففي الشمال يوجد موسمان أولهما معتدل ومليء بالأشجار اليافعة الجميلة ذات الأغصان الصفراء الناعمة وأوراق الشجر ذات اللون الأزرق والذي يتحول في منتصف الموسم للونها الأخضر، أما عن نهاية الموسم فيتحول لأخضر باهت يبدو كمن يقاوم للحياة والعيش أما عن ملمسها فيعود للخشونة مرة أخرى.

أما عن الموسم الثاني ففيه تختفي الأشجار دون سابق إنذار وتملأ الموسم الأمطار والرياح لتظهر الأشجار مجددا فجأة بنفس حجمها الطبيعي فور انتهاءه.

وخطر على بالها أنها لن تستطيع العودة للقراءة فوق الأغصان في ذلك الجو الهاديء كما اعتادت عند إختفاء الأشجار فأثر هذا عليها وأصابها بالحزن.

تأملت تلك البتلات الباهتة الملتصقة بالأشجار وقد بدأت تتساقط أرضاً لتملأ الأرض باللون الأحمر، أكملت مسيرتها وهي تمسك بالحقيبة خوفاً عليها من الضياع او ما شابه فقررت أن تسرع في مشيها كي لا تتأخر على رون.

بدأ ذلك البيت الخشبي يظهر من بعيد، أغمضت عينيها وبدأت تتذكر لحظاتها الاولى في ذلك البيت، قد كان ملجأها الوحيد وملاذها الآمن فقد عرفته منذ طفولتها وها هي الان قد وثقت في شخص غريب الأطوار وأمنته على ملجأها، على بيتها العزيز، تنهدت وعادت للسير مجدداً نحو البيت الخشبي آملة أن يكون  صادقاً فيما قاله.

اقتربت منه بخطوات سريعة واتجهت نحوه وبالفعل بدأت تصعد الدرج بخطوات رقيقة ثم دفعت الباب الخشبي الضعيف ليصدر صريراً أدركه رون، ونظر مسرعاً باتجاه مصدر الصوت ولكن الضباب بدأ يملأ المكان مجدداً، ليقول بتعب:

_أخيراً وصلت! لقد كدت أموت مللاً.

_أتتذمر بدلاً من أن تشكرني!

_حسناً، أتفق معك علي أن أشكرك، فغيرك كان من الممكن أن يرسلني لقصر الحاكم ومن يعلم ماذا سوف يحدث لي هناك.

_لا داعي للشكر كنت فقط أمزح معك.

جلست أمامه وبدأت تخرج ما أخذته من الحقيبة، كان أول ما أخرجته هو شعر مستعار باللون البرتقالي أخبرته عنه فقال باستهزاء:

_أستجعلينني أرتدي شعر مستعار!

_ نعم هذا ما يتطلبه الوضع.

_اذا اشرحي لي الوضع وإلا لن أرتديه!

ردت ببرود:

_إن أردت فلا ترتديه بالطبع لن أجبرك ولكنني سأخلي نفسي من مسؤولية ما سوف يحدث لك في الخارج.

رأت الخوف في عينيه لتقول مطمئنة إياه:

_رون، عليك فعل ما أخبرك أن تفعله، عليك أن تثق بي فأنا خيارك الوحيد بل وأملك الوحيد لتعود إلى بيتك.

بدأ رون بفرك يديه بتوتر ثم قال بانعدام حيلة:

_أخبريني ماذا تحوي الحقيبة ايضاً

ابتسمت هيلين وصفقت لمرة بيدها ثم أخرجت الزي والذي وصفته لرون فعرفه على الفور بعد أن تذكر صورة لوالده على الرف بينما كان يرتديه.

قالت هيلين محاولة تحميس رون:

_وأخيراً..

سكتت لعدة ثوان وفي نفس الوقت نظرت بطرف عينيها نحوه ثم أخرجت صندوقاً صغيراً، وفتحته ثم قالت:

_هذه عيون اصطناعية ستجعلك تكتسب الميزة التي تجعلنا نتأقلم مع الوضع.

بدأت هيلين بمساعدته في وضعها، وبالفعل وضعاها بنجاح فوق عينيه وبدت الرؤية مشوشة لثوان إلا أنها بدأت تتضح شيئاً فشيئاً ليوجه نظره نحو هيلين التي ساعدته ليحقق ما يريد ويشبع فضوله برؤيته لها.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي