السابع
لقد كانت تنظر أليه وعلى وجهها علامة الدهشة والصدمة معا، بما أنها قريبة من المملكة الحمراء مملكة كوركاس، فإن المخلوقات العجيبة كانت موجودة لديهم وبكثرة، ليس مثل مملكتها فقد كانت مثل هذا الطائر المتكلم شيء نادر لديهم، لذلك رؤيتها لطائر يتحدث ويسهر منها من فوق هو شيء غريب جدا بالنسبة إليها.
" أسفة حقا ولكن إنها المرة الأولى التي أرى بها شخصا مثلك أو مخلوقا أو أين كنت بتحديد، فأنا لا أعرف بتحديد من أنت وما يعني طائر الفينكس "
قالت جملتها تلك بتعب وهي تعود حتى تستلقي على الخشبة وتنظر إلى السماء، إقترب ذلك الطائر منها وهو ينظر إلى وجهها قائلا:
" هل سوف تبقين هكذا، هل سوف تستسلمين للموت بسهولة ؟"
نظرت سيليا إليه بطرف عينها الفريدة، وهي تقول بسخرية لاذعة:
" ليست كل المخلوقات تمتلك أجنحة تستطيع أن تحلق بها مثلك يا ذكي، أخبرني كيف أخرج من هنا وأنا سوف أقاتل حتى أنجوا بحياتي "
تراجع الطائر بضع خطوات إلى الخلف، ونظر إليها بهدوء شديد قبل أن يحلق في كبد السماء، تاركا إياها تعوم وسط ذلك البحر لوحدها.
ابتسامة مريرة جدا شقت وجهها الفاتن، وحقيقة القول أنها شعرت بالأسى على نفسها تمتمت :
" على الأقل كان هنالك شيء أو شخص ما يتحدث إلي ويبادلوني الكلمات، أما الآن فأنا وحدي مجددا وسط هذا المحيط الشاسع أنتظر موتي ".
مر وقت لا بأس به ،حتى شعرت أنها على وشك أن تنام مرة أخرى من شدة التعب ،ولكنها تفاجئت بالطائر يعود إليها مرة أخرى، وهو يحمل شيء ما بين مخالبه، رمى لها بقطعة خبز وهو يقول بتعجرف :
" خذي هذا كل ما إستطعت أن احمله لك، كليه وإلا سوف يغمى عليك من الجوع ".
تحركت بصعوبة كبيرة لتجلس على تلك الخشبة، وتحاول أن تتوازن كي لا تسقط مجددا، لتنظر إلى ما ألقى إليها، لقد شعرت بالإمتنان.
حملت تلك القطعة بين يديها تتفحصها قبل أن ان تنظر إليه مرة اخرى، وهي تكاد أن يغمى عليها حرفيا من شده التعب، تحدثت بصوت مبحوح لتقول:
تبا إنها المرة الأولى التي يعطف علي شخص آخر غير مربيتي، والعجيب في الأمر أنك طائر، لقد بدأت أخذ شفقة من الحيوانات الآن، بينما البشر كنت ولا أزال منبوذة بينهم."
هزت رأسها له ولم يكن بمقدورها أن تقول كلمة شكر واحدة، كما لو أن الكلمات قد هربت من داخل جوفها، لذلك كان الصمت والبكاء بهدوء وهي تأكل رغيف الخبز ذاك هو خيارها الأفضل في هذه الحالة.
نظر إليها الطائر مدة طويلة وهو يراقبها بحذر وصمت، قبل أن يهز رأسه ويقول بهدوء شديد:
" كلي الخبز كله كي يقوى جسدك، لقد تحدثت مع صديقي الحوت الازرق، وسوف يأتي بعد قليل حتى يأخذك إلى أقرب ميناء"
نظرت إليه قبل أن تبتسم بغباء، وهي تميل برأسها للجانب، إنها المرة الأولى التي يحدث معها شيئا غريبا كهذا لتقول :
" حقا حوت أزرق وطائر في نفس الوقت، إلى أي مد يمكن أن يكون العالم غريبا يا ترى؟"
دائما ما كانت تتمنى أن تخرج من ذلك العالم الذي كانت تعيش فيه حتى تكتشف العالم ومخلوقاته الغريبة.
خاصة وأن عالم المجاور لعالمها كان يزخر بمخلوقات عجيبه ونادرة في نفس الوقت ،لكنها في حياتها لم تصادف أين منهم بسبب حبس والدها لها طوال الوقت.
وفعلا بمجرد أن إنتهت من من طعامها حتى تفاجئت بأن الخشبة التي كانت تجلس عليها، قد إرتفعت في السماء وأسفلها كان يسبح حوت أرزق ضخم للغاية.
توسعت عينيها برعب حقيقي لتتشبث بالخشبة وهي تظر إلى الطائر الذي كان ينظر إليها بإبتسامة جانبية كما لو أنه كان يخبرها بزهو وفخر، لقد اخبرتك.
" هيا بنا يا بوسايدون خذنا إلى اقرب ميناء، فهذه البشرية على وشك أن تنفق هنا وحدها "
تحدث ذلك الطائر الاحمر وهو يقف على ظهر الحوت، بينما كانت سيليا تنظر إلى ما يجري بابتسامة غير مصدقة الوضع الذي هي فيه.
والأول مرة في حياتها تجرب هذا الشعور، لم تكن تتخيل أبدا أنها في يوم من الأيام سوف تلتقي بمخلوقات عجيبة، إنها شاكرة حقا أن مربيتها هربتها من ذلك اللعين.
أغمضت عينيها وفتحت يدها كما لو أنها كانت تحلق في السماء ،وما زاد من الوضع جمالا هو كونها كانت تستطيع أن تشعر بالرياح تداعب حضلات شعرها المميزة وتصتدم نسماته العليلة مع وجهها الجميل.
كانت طائر يقف على مقربة منها وهو ينظر إليها بإبتسامة، قبل أن ينظر أمامه وهو يهمس لنفسه:
" هي فتاة بريئة أكثر من اللازم، لن تتحمل عالمنا ولا قسوته،سوف تسحق وتدمر هي بيننا"
في مكان أخر، كان ذلك الشخص المدعو بكايوس، يجلس على كرسيه وهو يضع مجموعة من الكتب أمامه ينظر إليها بتركيز شديد للغاية، وهو يحرك بؤبؤ عينيه المتوسع على صفحاتها بسرعة كبيرة.
لقد كان شخصا مميزا جدا كان يمتلك ذاكرة قوية جدا، الشيء الذي يجعله قادرا على أن يطبع كل شيء يقراه أو يراه في عقله، وهذا ما جعله يصبح اميرا منطقة سوكورا ووزيرا للملك في نفس الوقت.
إقتحم المكان الذي كان يعم بالهدوء والسكينة، فتاة بشعر أحمر ناري ترتدي ملابس تشبه الكيمون الصيني وترفع رأسها بغرور وكبرياء وهي تقول :
" أين هو ملكي يا كاسيوس؟"
قالتها دون أن تمنحه أي فرصة حتى في أن يستوعب وقوفها أمامه.
نظر إليها مدة طويلة بصمت، قبل أن يحرك عينيه من الأسفل ثم الأعلى يقيم ملابسها تلك، ليتحدث نفسه بسخرية:
" لا أصدق أن هذه الغبية تؤمن حقا أنها في يوم من الأيام يمكن أن يحبها سيدي ويتزوجها، فهي سبق لها وتخلت عن رفيقها من أجل أن تكون قريبة منه، ولكن بطبيعة الحال الملك لا يهتم بها ولا لأي شيء يخصها فهي مجرد جارية مثلها مثل الباقية" .
تنحنح ليقول بصوت مرتفع:
" بطبيعة الحال سيدي لديه عمل، وليس لديه الوقت حتى يهتم بالأطفال في الوقت الراهن".
تحدث كاسيوس بلا مبالات، وهو يعود ليركز على الكتاب الذي أمامه.
توسعت عينيها بصدمة شديدة، ونظرت إليه بغضب أشد لتقول بينما تشير على نفسها :
" ما الذي تعنيه بكلامك أيها الغبي ، هل تقصد أنني طفلة ؟"
نظر إليها وهو يحرك رقبته في كل إتجاه كي يزيح عنه تشنج، بينما يبتسم إبتسامة ساخرة ليجيب بتهكم :
" لا، بطبيعة الحال لست طفلة، فحتى الأطفال يستطيعون أن يتحكموا في تصرفاتهم ولكن أنت..".
ضحك بسخرية دون أن يكمل تعليقه، لتضيق عينيها ونظرت إليه بغضب وسخط، قبل أن ترفع يدها وتوجهها نحوه بعدما خرجت منها طاقو حمراء إلتفت حوله، لتنظر إليه بشماته وهي تقول:
" بما أنني طفلة، يا سيد كاسيوس سوف أريك ما هي تصرفات الأطفال ،أنت معاقب سوف تجلس على وضعية الكلب هكذا حتى المساء".
قالت وهي تتحرك إلى الخارج لتتبعها وصيفاتها، بينما هو بقي مكبل بقوتها على تلك الحال.
كان يلعنها ويشتمها وهو يصرخ:
" تبا لك جويا أقسم لك أنه يستحيل أن تكوني في يوم من الأيام الملكة المنتظرة لهذه البلاد".
لم تأبه أبدا لكلامه ،رفعت رأسها بغرور لأنها تعرف جيدا انه لا يوجد فتاة في هذا العالم سوف تقبل أن تكون بالقرب من سيد الوحوش غيرها هي تحدثت بغرور لتقول:
.
" يستحيل على ملك الوحوش أن يحصل على رفيقة له، لأنه شخص ملعون وأنا سبق لها ورفضت رفيقي الضعيف لكي أكون معه ولن أسمح الأحد أن يخرب عليا خططي ".
إبتسمت إبتسامة جانبية ساخرة وهي تنهي كلامها ،لتتركه هناك مكبلا وهي تتحرك لتبحث عن الملك مرة أخرى.
كان يجلس على شجرة عالية وهو ينظر إلى المكان من حوله بعيون صقرية، دقائق قليلة مرت قبل أن يرتفع ليطير في السماء وتنفجر تلك الشجرة التي كان يقف عليها من تحته،لتتفتت إلى أشلاء.
رسم إبتسامة جانبية وهو ينظر إلى الإتجاه التي جاء منه السهم، وبدون تردد أخرج جناحيه السوداء من ظهره ثم حركهم في ذلك الإتجاه مدمر نصف أشجار تلك الغابة.
ظهر الشخص الذي كان يهاجمه وهو يرفع رمحه في وجهه حتى يسدد الإصابة قاتلة نحوه ،كان رمح يتجه نحوه ونصله الذهبي يلمع تحت أشعة الشمس ، ولكنه توقف في لحظة الأخيرة قبل أن يصل إليه ليتحول إلى فتات.
نظر الصياد إلى ذلك الشخص الذي كان لا يزال يحلق في السماء فوقه، وهو يرسم إبتسامة جانبية كما لو أنه يخبره أنه يستطيع أن يهزمه مهما حاول أن يقف في وجهه.
تنهد الآخر وهو يبعد قوسه، وينظر إلى ذلك اللعين الذي لا يستطيع أن يهزمه مهما حاول.
" سوف اهزمك يوما ما كن أكيد من ذلك يا أريوس، أنا سوف أهزمك وأصبح أفضل قناص في المملكة كلها وسوف تقلدوني بوسام الشرف بيدك هاتين"
تحدث وهو ينظر إلى صديقه الذي نزل أخيرا إلى الارض بثقة، ليعطيه إبتسامة هادئة وينظر أمامه.
بقي ذلك الصياد ينظر إليه متفحصا إياه بدقة كبيرة ،لقد كان هذا شخصا الذي يقف أمامه الأن مختلفا تماما عن الجميع.
نادرا ما تجد أحدا يصادق أو يقترب من شخص من الكوركاس ،فقد تم إحتقار هذه السلالة عبر العصور ،الأن عرقهم كان مختلطا مع الوحوش .
كان يعتبر دمهم دم وحشي ملعون وصاحبه شخص ملعون ،طبيعتهم غير إنسانية أقرب ما يكون إلى الحيوانية.
معروفون أيضا بإندفاعهم وغريزتهم القوية ،ولكن كان هنالك شيء واحد مميز بهم ولطالما حسد عليه الناس العاديين رجال كوركوس.
قدراتهم الغريبة وطولهم الفاره ،وضخامة اجسادهم ،بالإضافة إلى وسامتهم الغير عادية رغم طابعهم البربري العنيف ،إلى أن لا احد يستطيع أن بنكر جمالهم رغم لعنتهم التي تقتل أي شخص يقترب منهم.
كان أريوس ينحذر من هذه السلالة ،يمتلك جسدا قويا مملوءا بالعضلات، ويعود السبب في كونه قويا بهذه الطريقة، انه عاش طفولته بالكامل في وسط الغابة، مما جعله يمتلك قوة بدنية ومناعة لم تكن موجودة في عصره على الإطلاق.
بالإضافة إلى لون بشرته البرونزية ووشومه التي كانت منتشرة على ضهره وذراعيه تختم قوته، وشعره الأسود وعيونه التي أخذت من اللون الزيتوني الممتزج باللون الاحمر، وأخيرا ذلك القناع الذي كان يضعه على نصف وجهه العلوي يخفي به عيونه الملعونة.
لم يكن يستطيع أن يبعد ذلك القناع أبدا عن وجهه،الان القناع كان يختم ويكبح قوة عيونه الرهيبة، كانت فقط تفعل إن أزل القناع عن وجهه.
تحرك ذلك الصياد ليقترب منه، وهو ينحني بالإحترام لملكه وصديقه ويقول:
" هل إستطعت أن تجد تلك الفتاة، التي كسرت الخاتم على ظهرك؟"
نظر إليه هذا الأخير نظرة جانبية باردة، قبل أن يستلقي على العشب الأخضر وهو ينظر إلى السماء بشرود شديد وهو يقول:
" لقد حاولت ذلك حتى لقد أرسلت غور الغبي للبحث عنها، ولكنه بدون فأئدة حتى أنه هو نفسه لم يعد منذ ذلك اليوم ولم يتواصل معي ".
شخر الآخر بسخرية ليقول:
" تشه إياك أن تخبرني أنك خسرت طائرك الفينكس النادر ، ومنقذتك في نفس الوقت"
نظر إليه بسخرية بينما وهو يقترب منه،رفع الآخر حاجبه ونظر اليه ببرود شديد ،جعل الآخر يخاف ويرفع يده في السماء وهو يقول:
" حسنا حسنا، لا تغضب هكذا لقد كنت أمزح معك فقط يا صديقي، ولكنني حقا أستغرب هذا الأمر كيف يعقل أن يحدث ذلك ويكسر أحد أختامك بسبب قبلة من فتاة غريبة ؟؟"
" ولما أنت مستغرب إلى هذه الدرجة، هل تراني وحشا أكل الأطفال ام ماذا ؟! ؟"
قالها بغضب شديد وهو ينهض حتى يغادر من جوار صديقه الأحمق ذاك.
لماذا الجميع مندهش أن فتاة غربية قبلته بإرادتها؟
لقد استطاع كايوس أن يعرف أسرارا بشأن خواتم اللعنة الموشومة على ظهره ،فلا أحد قادر على أن يكسرها إلا شخص بقدرات هائل..
شد على يده بغضب شديد لا يريد أن يفكر في الأمر حتى، لا يريد أن يطرح أمرا كهذا إلى الوجود ،بحق خالق السماء لقد تعذب لسنوات طويلة دون أن يعرف السبب حتى، لا يريد أن يكون مصيره كالذين حملوا اللعنة من قبله.
صحيح أنه غير الكثير من الأمور في حياته، ولكنه لا يريد ان يعود إلى تلك الحياة المظلمة التي عاشها من قبل، لا يريد من شخص آخر أن يعيش نفس اللعنة التي عاشها دون ذنب.
وقف الرجل الذي كان يجلس إلى جواره، ونظر إليهبأاسف شديد وهو يقول:
" أنا حقا آسف لم أكن أقصد ما قلته قبل قليل ، كل ما في الأمر أنني تحدثت دون أن انتبه، أنت تعرف طبعي "
اكمل وهو يحك مؤخرة رأسه بحرج، نظر إليه أريوس بهدوء قبل أن يتنهد ويقول :
" لا داعي لأن تقول لي شيء، أنا أعرف أنك لم تكن تقصد ذلك ".
نظر كلاهما نحو البحيرة القريبة:
" ولكن حقا أين هو غور؟".
" لا اعلم كل ما أخبرني به، أنها قد ركبت في سفينة المتجهة إلى كوركانس، وبعدها انقطعت الأخبار عنها "
ضيق الآخر حاجبيه مدة طويلة، قبل أن ينظر إلى صديقه الملك بتوتر وهو يقول:
" لقد سمعت مؤخرا من أحد رجال في الحانة، أنه قبل يومين قد غرقت سفينة قبل أن تصل إلى الميناء في عرض البحر، بسبب عاصفة رعدية قوية أيعقل أنها قد تأذت"
عقد الآخر حاجبيه ليقول :
" لا اعتقد ذلك إذا كانت قد اصيبت كنت سأشعر بذلك، لا تنسى أنها مرتبطة بي الأن بسبب القبلة
فقد فعلت خالتي داخل جسدها "
تحدث وهو يتحرك ليغادر المكان، بينما الصياد يراقبه بصمت، وهو يتمنى أن يكون كلامه صحيح.
يتبع...
" أسفة حقا ولكن إنها المرة الأولى التي أرى بها شخصا مثلك أو مخلوقا أو أين كنت بتحديد، فأنا لا أعرف بتحديد من أنت وما يعني طائر الفينكس "
قالت جملتها تلك بتعب وهي تعود حتى تستلقي على الخشبة وتنظر إلى السماء، إقترب ذلك الطائر منها وهو ينظر إلى وجهها قائلا:
" هل سوف تبقين هكذا، هل سوف تستسلمين للموت بسهولة ؟"
نظرت سيليا إليه بطرف عينها الفريدة، وهي تقول بسخرية لاذعة:
" ليست كل المخلوقات تمتلك أجنحة تستطيع أن تحلق بها مثلك يا ذكي، أخبرني كيف أخرج من هنا وأنا سوف أقاتل حتى أنجوا بحياتي "
تراجع الطائر بضع خطوات إلى الخلف، ونظر إليها بهدوء شديد قبل أن يحلق في كبد السماء، تاركا إياها تعوم وسط ذلك البحر لوحدها.
ابتسامة مريرة جدا شقت وجهها الفاتن، وحقيقة القول أنها شعرت بالأسى على نفسها تمتمت :
" على الأقل كان هنالك شيء أو شخص ما يتحدث إلي ويبادلوني الكلمات، أما الآن فأنا وحدي مجددا وسط هذا المحيط الشاسع أنتظر موتي ".
مر وقت لا بأس به ،حتى شعرت أنها على وشك أن تنام مرة أخرى من شدة التعب ،ولكنها تفاجئت بالطائر يعود إليها مرة أخرى، وهو يحمل شيء ما بين مخالبه، رمى لها بقطعة خبز وهو يقول بتعجرف :
" خذي هذا كل ما إستطعت أن احمله لك، كليه وإلا سوف يغمى عليك من الجوع ".
تحركت بصعوبة كبيرة لتجلس على تلك الخشبة، وتحاول أن تتوازن كي لا تسقط مجددا، لتنظر إلى ما ألقى إليها، لقد شعرت بالإمتنان.
حملت تلك القطعة بين يديها تتفحصها قبل أن ان تنظر إليه مرة اخرى، وهي تكاد أن يغمى عليها حرفيا من شده التعب، تحدثت بصوت مبحوح لتقول:
تبا إنها المرة الأولى التي يعطف علي شخص آخر غير مربيتي، والعجيب في الأمر أنك طائر، لقد بدأت أخذ شفقة من الحيوانات الآن، بينما البشر كنت ولا أزال منبوذة بينهم."
هزت رأسها له ولم يكن بمقدورها أن تقول كلمة شكر واحدة، كما لو أن الكلمات قد هربت من داخل جوفها، لذلك كان الصمت والبكاء بهدوء وهي تأكل رغيف الخبز ذاك هو خيارها الأفضل في هذه الحالة.
نظر إليها الطائر مدة طويلة وهو يراقبها بحذر وصمت، قبل أن يهز رأسه ويقول بهدوء شديد:
" كلي الخبز كله كي يقوى جسدك، لقد تحدثت مع صديقي الحوت الازرق، وسوف يأتي بعد قليل حتى يأخذك إلى أقرب ميناء"
نظرت إليه قبل أن تبتسم بغباء، وهي تميل برأسها للجانب، إنها المرة الأولى التي يحدث معها شيئا غريبا كهذا لتقول :
" حقا حوت أزرق وطائر في نفس الوقت، إلى أي مد يمكن أن يكون العالم غريبا يا ترى؟"
دائما ما كانت تتمنى أن تخرج من ذلك العالم الذي كانت تعيش فيه حتى تكتشف العالم ومخلوقاته الغريبة.
خاصة وأن عالم المجاور لعالمها كان يزخر بمخلوقات عجيبه ونادرة في نفس الوقت ،لكنها في حياتها لم تصادف أين منهم بسبب حبس والدها لها طوال الوقت.
وفعلا بمجرد أن إنتهت من من طعامها حتى تفاجئت بأن الخشبة التي كانت تجلس عليها، قد إرتفعت في السماء وأسفلها كان يسبح حوت أرزق ضخم للغاية.
توسعت عينيها برعب حقيقي لتتشبث بالخشبة وهي تظر إلى الطائر الذي كان ينظر إليها بإبتسامة جانبية كما لو أنه كان يخبرها بزهو وفخر، لقد اخبرتك.
" هيا بنا يا بوسايدون خذنا إلى اقرب ميناء، فهذه البشرية على وشك أن تنفق هنا وحدها "
تحدث ذلك الطائر الاحمر وهو يقف على ظهر الحوت، بينما كانت سيليا تنظر إلى ما يجري بابتسامة غير مصدقة الوضع الذي هي فيه.
والأول مرة في حياتها تجرب هذا الشعور، لم تكن تتخيل أبدا أنها في يوم من الأيام سوف تلتقي بمخلوقات عجيبة، إنها شاكرة حقا أن مربيتها هربتها من ذلك اللعين.
أغمضت عينيها وفتحت يدها كما لو أنها كانت تحلق في السماء ،وما زاد من الوضع جمالا هو كونها كانت تستطيع أن تشعر بالرياح تداعب حضلات شعرها المميزة وتصتدم نسماته العليلة مع وجهها الجميل.
كانت طائر يقف على مقربة منها وهو ينظر إليها بإبتسامة، قبل أن ينظر أمامه وهو يهمس لنفسه:
" هي فتاة بريئة أكثر من اللازم، لن تتحمل عالمنا ولا قسوته،سوف تسحق وتدمر هي بيننا"
في مكان أخر، كان ذلك الشخص المدعو بكايوس، يجلس على كرسيه وهو يضع مجموعة من الكتب أمامه ينظر إليها بتركيز شديد للغاية، وهو يحرك بؤبؤ عينيه المتوسع على صفحاتها بسرعة كبيرة.
لقد كان شخصا مميزا جدا كان يمتلك ذاكرة قوية جدا، الشيء الذي يجعله قادرا على أن يطبع كل شيء يقراه أو يراه في عقله، وهذا ما جعله يصبح اميرا منطقة سوكورا ووزيرا للملك في نفس الوقت.
إقتحم المكان الذي كان يعم بالهدوء والسكينة، فتاة بشعر أحمر ناري ترتدي ملابس تشبه الكيمون الصيني وترفع رأسها بغرور وكبرياء وهي تقول :
" أين هو ملكي يا كاسيوس؟"
قالتها دون أن تمنحه أي فرصة حتى في أن يستوعب وقوفها أمامه.
نظر إليها مدة طويلة بصمت، قبل أن يحرك عينيه من الأسفل ثم الأعلى يقيم ملابسها تلك، ليتحدث نفسه بسخرية:
" لا أصدق أن هذه الغبية تؤمن حقا أنها في يوم من الأيام يمكن أن يحبها سيدي ويتزوجها، فهي سبق لها وتخلت عن رفيقها من أجل أن تكون قريبة منه، ولكن بطبيعة الحال الملك لا يهتم بها ولا لأي شيء يخصها فهي مجرد جارية مثلها مثل الباقية" .
تنحنح ليقول بصوت مرتفع:
" بطبيعة الحال سيدي لديه عمل، وليس لديه الوقت حتى يهتم بالأطفال في الوقت الراهن".
تحدث كاسيوس بلا مبالات، وهو يعود ليركز على الكتاب الذي أمامه.
توسعت عينيها بصدمة شديدة، ونظرت إليه بغضب أشد لتقول بينما تشير على نفسها :
" ما الذي تعنيه بكلامك أيها الغبي ، هل تقصد أنني طفلة ؟"
نظر إليها وهو يحرك رقبته في كل إتجاه كي يزيح عنه تشنج، بينما يبتسم إبتسامة ساخرة ليجيب بتهكم :
" لا، بطبيعة الحال لست طفلة، فحتى الأطفال يستطيعون أن يتحكموا في تصرفاتهم ولكن أنت..".
ضحك بسخرية دون أن يكمل تعليقه، لتضيق عينيها ونظرت إليه بغضب وسخط، قبل أن ترفع يدها وتوجهها نحوه بعدما خرجت منها طاقو حمراء إلتفت حوله، لتنظر إليه بشماته وهي تقول:
" بما أنني طفلة، يا سيد كاسيوس سوف أريك ما هي تصرفات الأطفال ،أنت معاقب سوف تجلس على وضعية الكلب هكذا حتى المساء".
قالت وهي تتحرك إلى الخارج لتتبعها وصيفاتها، بينما هو بقي مكبل بقوتها على تلك الحال.
كان يلعنها ويشتمها وهو يصرخ:
" تبا لك جويا أقسم لك أنه يستحيل أن تكوني في يوم من الأيام الملكة المنتظرة لهذه البلاد".
لم تأبه أبدا لكلامه ،رفعت رأسها بغرور لأنها تعرف جيدا انه لا يوجد فتاة في هذا العالم سوف تقبل أن تكون بالقرب من سيد الوحوش غيرها هي تحدثت بغرور لتقول:
.
" يستحيل على ملك الوحوش أن يحصل على رفيقة له، لأنه شخص ملعون وأنا سبق لها ورفضت رفيقي الضعيف لكي أكون معه ولن أسمح الأحد أن يخرب عليا خططي ".
إبتسمت إبتسامة جانبية ساخرة وهي تنهي كلامها ،لتتركه هناك مكبلا وهي تتحرك لتبحث عن الملك مرة أخرى.
كان يجلس على شجرة عالية وهو ينظر إلى المكان من حوله بعيون صقرية، دقائق قليلة مرت قبل أن يرتفع ليطير في السماء وتنفجر تلك الشجرة التي كان يقف عليها من تحته،لتتفتت إلى أشلاء.
رسم إبتسامة جانبية وهو ينظر إلى الإتجاه التي جاء منه السهم، وبدون تردد أخرج جناحيه السوداء من ظهره ثم حركهم في ذلك الإتجاه مدمر نصف أشجار تلك الغابة.
ظهر الشخص الذي كان يهاجمه وهو يرفع رمحه في وجهه حتى يسدد الإصابة قاتلة نحوه ،كان رمح يتجه نحوه ونصله الذهبي يلمع تحت أشعة الشمس ، ولكنه توقف في لحظة الأخيرة قبل أن يصل إليه ليتحول إلى فتات.
نظر الصياد إلى ذلك الشخص الذي كان لا يزال يحلق في السماء فوقه، وهو يرسم إبتسامة جانبية كما لو أنه يخبره أنه يستطيع أن يهزمه مهما حاول أن يقف في وجهه.
تنهد الآخر وهو يبعد قوسه، وينظر إلى ذلك اللعين الذي لا يستطيع أن يهزمه مهما حاول.
" سوف اهزمك يوما ما كن أكيد من ذلك يا أريوس، أنا سوف أهزمك وأصبح أفضل قناص في المملكة كلها وسوف تقلدوني بوسام الشرف بيدك هاتين"
تحدث وهو ينظر إلى صديقه الذي نزل أخيرا إلى الارض بثقة، ليعطيه إبتسامة هادئة وينظر أمامه.
بقي ذلك الصياد ينظر إليه متفحصا إياه بدقة كبيرة ،لقد كان هذا شخصا الذي يقف أمامه الأن مختلفا تماما عن الجميع.
نادرا ما تجد أحدا يصادق أو يقترب من شخص من الكوركاس ،فقد تم إحتقار هذه السلالة عبر العصور ،الأن عرقهم كان مختلطا مع الوحوش .
كان يعتبر دمهم دم وحشي ملعون وصاحبه شخص ملعون ،طبيعتهم غير إنسانية أقرب ما يكون إلى الحيوانية.
معروفون أيضا بإندفاعهم وغريزتهم القوية ،ولكن كان هنالك شيء واحد مميز بهم ولطالما حسد عليه الناس العاديين رجال كوركوس.
قدراتهم الغريبة وطولهم الفاره ،وضخامة اجسادهم ،بالإضافة إلى وسامتهم الغير عادية رغم طابعهم البربري العنيف ،إلى أن لا احد يستطيع أن بنكر جمالهم رغم لعنتهم التي تقتل أي شخص يقترب منهم.
كان أريوس ينحذر من هذه السلالة ،يمتلك جسدا قويا مملوءا بالعضلات، ويعود السبب في كونه قويا بهذه الطريقة، انه عاش طفولته بالكامل في وسط الغابة، مما جعله يمتلك قوة بدنية ومناعة لم تكن موجودة في عصره على الإطلاق.
بالإضافة إلى لون بشرته البرونزية ووشومه التي كانت منتشرة على ضهره وذراعيه تختم قوته، وشعره الأسود وعيونه التي أخذت من اللون الزيتوني الممتزج باللون الاحمر، وأخيرا ذلك القناع الذي كان يضعه على نصف وجهه العلوي يخفي به عيونه الملعونة.
لم يكن يستطيع أن يبعد ذلك القناع أبدا عن وجهه،الان القناع كان يختم ويكبح قوة عيونه الرهيبة، كانت فقط تفعل إن أزل القناع عن وجهه.
تحرك ذلك الصياد ليقترب منه، وهو ينحني بالإحترام لملكه وصديقه ويقول:
" هل إستطعت أن تجد تلك الفتاة، التي كسرت الخاتم على ظهرك؟"
نظر إليه هذا الأخير نظرة جانبية باردة، قبل أن يستلقي على العشب الأخضر وهو ينظر إلى السماء بشرود شديد وهو يقول:
" لقد حاولت ذلك حتى لقد أرسلت غور الغبي للبحث عنها، ولكنه بدون فأئدة حتى أنه هو نفسه لم يعد منذ ذلك اليوم ولم يتواصل معي ".
شخر الآخر بسخرية ليقول:
" تشه إياك أن تخبرني أنك خسرت طائرك الفينكس النادر ، ومنقذتك في نفس الوقت"
نظر إليه بسخرية بينما وهو يقترب منه،رفع الآخر حاجبه ونظر اليه ببرود شديد ،جعل الآخر يخاف ويرفع يده في السماء وهو يقول:
" حسنا حسنا، لا تغضب هكذا لقد كنت أمزح معك فقط يا صديقي، ولكنني حقا أستغرب هذا الأمر كيف يعقل أن يحدث ذلك ويكسر أحد أختامك بسبب قبلة من فتاة غريبة ؟؟"
" ولما أنت مستغرب إلى هذه الدرجة، هل تراني وحشا أكل الأطفال ام ماذا ؟! ؟"
قالها بغضب شديد وهو ينهض حتى يغادر من جوار صديقه الأحمق ذاك.
لماذا الجميع مندهش أن فتاة غربية قبلته بإرادتها؟
لقد استطاع كايوس أن يعرف أسرارا بشأن خواتم اللعنة الموشومة على ظهره ،فلا أحد قادر على أن يكسرها إلا شخص بقدرات هائل..
شد على يده بغضب شديد لا يريد أن يفكر في الأمر حتى، لا يريد أن يطرح أمرا كهذا إلى الوجود ،بحق خالق السماء لقد تعذب لسنوات طويلة دون أن يعرف السبب حتى، لا يريد أن يكون مصيره كالذين حملوا اللعنة من قبله.
صحيح أنه غير الكثير من الأمور في حياته، ولكنه لا يريد ان يعود إلى تلك الحياة المظلمة التي عاشها من قبل، لا يريد من شخص آخر أن يعيش نفس اللعنة التي عاشها دون ذنب.
وقف الرجل الذي كان يجلس إلى جواره، ونظر إليهبأاسف شديد وهو يقول:
" أنا حقا آسف لم أكن أقصد ما قلته قبل قليل ، كل ما في الأمر أنني تحدثت دون أن انتبه، أنت تعرف طبعي "
اكمل وهو يحك مؤخرة رأسه بحرج، نظر إليه أريوس بهدوء قبل أن يتنهد ويقول :
" لا داعي لأن تقول لي شيء، أنا أعرف أنك لم تكن تقصد ذلك ".
نظر كلاهما نحو البحيرة القريبة:
" ولكن حقا أين هو غور؟".
" لا اعلم كل ما أخبرني به، أنها قد ركبت في سفينة المتجهة إلى كوركانس، وبعدها انقطعت الأخبار عنها "
ضيق الآخر حاجبيه مدة طويلة، قبل أن ينظر إلى صديقه الملك بتوتر وهو يقول:
" لقد سمعت مؤخرا من أحد رجال في الحانة، أنه قبل يومين قد غرقت سفينة قبل أن تصل إلى الميناء في عرض البحر، بسبب عاصفة رعدية قوية أيعقل أنها قد تأذت"
عقد الآخر حاجبيه ليقول :
" لا اعتقد ذلك إذا كانت قد اصيبت كنت سأشعر بذلك، لا تنسى أنها مرتبطة بي الأن بسبب القبلة
فقد فعلت خالتي داخل جسدها "
تحدث وهو يتحرك ليغادر المكان، بينما الصياد يراقبه بصمت، وهو يتمنى أن يكون كلامه صحيح.
يتبع...