الثامن
غروب الشمس وقفت يويان على ظهر ذلك الحوت الضخم، وهي تفرد كلتا يديها على جانبيها أمام ذلك نسيم ذلك البحر الهادئ، كانت أجوائه لطيفة للغاية ،تشعر بأنك في صفاء بعيد عن الهموم.
كانت تنظر حولها وهي ترى المنظر الجميل والبحر والشمس يتهامسان، وقوارب الصيد الصغيرة ،وجدت سيليا بعد مدة أنها قد وصلت إلى شواطئ مملكة كوركانس.
توسعت إبتسامتها كثيرا وشعرت أنها أخيرا قد إستطاعت أن تنجو من موت محقق مرة أخرى، إلتفت إلى ذلك الطائر الذي كان لا يزال يقف إلى جوارها،ونظرت إليه بالإمتنان وإبتسامة واسعة قبل أن تقول بسعاده شديدة:
" شكرا جزيلا لك أيها المخلوق العجيب، بفضلك إستطعت أن ان أنجو من الموت اليوم"
قاطع صوتها الحماسي صوت إعتراض قوي كان مصدره ذالك الحوت الأزرق الذي كانت تمتطي ظهره،وكأنه سمع ما قالت وغار وشعر بالإستياء من كلامها، كان يرفض أن توجه الشكر إلى الطائر لوحده.
توسعت إبتسامتها لتضحك بقوة شديدة قبل أن تنحني وتطبع قبلة على ظهره، وهي تقول بينما تلمسه بلطف :
" بطبيعة الحال لك الفضل الأكبر أيها الحوت الجميل في هذا ،فانا لم أكن أستطيع الخروج من البحر لولا وجودك أيها الصديق"
صوت هدير قوي صدر منه مرة أخرى، ورش ماءا من فتحة ضهره كما لو أنه كان سعيدا بما أخبرته به،
نظر اليها الطائر بإشمئزاز شديد، وكان رافضا لهذه الفكره باكملها، كما لو أنه كان غاضبا أو مجبرا على المساعدة التي قدمها لها ،فلو كان الأمر عائدا له لما ساعدها،ولكن هو لا يستطيع أن يعصي أوامر سيده .
طلبت سيليا من الحوت أن يسبح بعيدا عن الشاطئ حتى لا يعرض نفسه إلى خطر، أو أن يتم أيره من طرف صيادة.
ما إن نزلت من فوقه حتى أكملت طريقها الى الشاطئ سباحة، قبل ان ترتمي على رماله بإرهاق شديد وهي تتنفس بصعوبة.
كان الطائر لا يزال يقف عند راسها، كما لو أنه الحارس الشخصي لديها.
نضرت حولها إلى غروب شمس وهي تبتسم بتعب،فقد كان المنظر الذي أمامها رائع يسحر عيون كثيرا من البشر .
أمواج البحر تتلألأ تحت أشعة الشمس الحارقة، ويبدأ البحر في إظهار جماله في كل الأوقات.
ضلت تتأمل الشفق الأحمر وهو يحتضن التل،كان غروب شمس اليوم يعد سلينا بفجر جديد...
ومن شده التعب والاارهاق الذي نالها طوال هذه المدة، لم تشعر بنفسها إلا وهي تغض عينيها وتغط في نوم عميق.
في هذه الأثناء كان ملك الوحوش اريوس يجلس في قلعته على كرس عرشه، ينظر في أمور شعبه المتراكمة ط، لقد تركهم وغاب عنهم لأكثر من خمسة أيام، وهذا ما جعل أعماله تتراكم كثيرا.
كان يجلس في الديوان كما هي عادته ،على جانبه الأيسر كان هنالك وزرائه ومستشاريه، أما على الجانب الايمن فقد كانت تجلس نخبة نساء القصر، وقد تم إخفاؤهن عن باقي الرجال بواسطة حجاب من الدانتيل الشفاف إحتراما لخصوصيتهم.
دخل ثلاثة من الرجال ينظرون أمامهم بثقة، قبل أن ينحنوا للملك بإحترام شديد، ويقفوا بالاستقامة بعدما إذن لهم اريوس بذلك.
إقترب الحاجب الحاص، والذي كان من واجباته أن يقول مشاكل الشعب ،لينحني ويستقيم مجددا وهو يقول:
" مولاي الملك، الرجل الذي في الأمام هو تاجر كبير ومعروف جدا في مملكتنا، والشخص الذي وراءه هو أحد أعوانه، وهو متهم الآن وماثل أمامكم الأن بتهمة أنه قد سرق مبلغ سبعة ألف عملة فضية من سيده "
نظرا أريوس إلى الرجل الذي كان ينظر إلى الارض بخجل شديد، والحزن واضحا على معالم وجهه، وضع يده تحت ذقنه وهو ينظر إلى الرجل الذي أمامه قائلا بهدوء:
" هل يمكنك أن تخبرني كيف تم الأمر؟"
نظر إليه الرجل الذي من المفترض أن يكون التاجر وهو يقول:
" لقد سافرت الى المملكة الضياء الأحمر قبل عشر ايام، وبعد عودتي وجدت أن المال الذي وضعته في الخزنة قد إختفى تماما، والخزنة سرية لا يعرف مكانها أحد إلا أنا ومساعدي فقط جلالتك"
قالها الرجل وهو ينظر إلى ملك الوحوش كما يدعوه الجميع، بينما كان الحراس يحيطون بالرجل الذي من المفترض أن يكون السارق، وهو ينظر إلى الارض بحزن شديد.
هز راسه أريوس رأسه بتفهم، قبل أن ينظر ناحية الرجل الذي كان لا يزال ينظر ناحية الأرض ليقول :
" وانت ما قولك في ما جرى؟"
رفع الرجل رأسه ببطء شديد ونظر إليه بخجل، قبل أن يقول بإستسلام تام :
" وماذا عسايا أن أقول يا سيدي وأنا لا امتلك حجة استطيع بها أن أدافع بها عن نفسي"
حرك أريوس رأسه بتفهم، قبل أن ينظر ناحية حراسه وهو يقول بأمر :
" فلتاخذوا التاجر وتضعوه في السجن".
توسعت عيون الجميع بصدمة شديدة ونظروا إليه بغير تصديق، بينما كان هو ينظر ناحية التاجر بابتسامة هادئة قبل أن يكمل كلامه بهدوء شديد، بينما هو يشير بيده:
" ولتنتقل جميع أموال التاجر إلى هذا الرجل".
حرفيا كاد تاجر أن يغمى عليه من شده الصدمة، ليتحرك بعنف وغضب شديد بين يدي الحرس الملكي الذين أحاطو به ليمسكوه من كل جانب، وينظر إليه بغضب وهو يقول:
" هل يمكنني أن أعرف لماذا هذا الحكم الجائر يا مولاي؟"
رفع إريوس حاجبه بالإستفزاز ليقول:
" وهل يمكنني أن أعرف من أين حصلت على كل هذه الاموال؟"
أنهى اريوس كلامه وهو ينظر إليه بعيونه التي قد بدأت تتغير إلى اللون الاحمر، مما جعل التاجر يعرف أنه قد وصل إلى اقصى مراحل غضبه.
ومع ذلك لم يكن يستطيع أن يصمت فهو سوف يجرده من ماله وسلطته التي قد اضاع الكثير من الوقت في جمعها وسرقتها من فقراء الناس، في نفس الوقت توقف عن الحركة ليقول بالإقتضاب:
" جمعتها بعرق جبيني يا مولاي، لماذا تحرمني من ثروتي هكذا ، إنما تفعله هو خطا في حقي مولاي الملك"
نهض الملك أريوس من مكانه ونظر إليه نظرة أخيرة ، قبل أن يلتفت ليرحل وهو يقول بأمر:
" نفذو الأوامر وخذو كل أمواله واعطوها إلى مساعده ذاك"
لم يستطع التاجر أن يتحمل الأمر، فهو قد خسر كل شيء لماذا سوف يصمت بعد كل هذا وقف من مكانه بغضب شديد
ونظر الى اريوس الذي كان على وشك أن يغادر البلاط الملكي، ليصرخ في وجهه بغضب شديد وهو يشتم :
" أيها الحثالة الملعون، كيف يستطيع رجل مثلك عاش كل حياته بين الوحوش منبوذا أن يعرف أصول الحكم؟ إرحل وعد إلى غابتك وأعد لنا ملكنا السابق أيها الظالم"
شهق الجميع برعب شديد، بينما هو نظر إلى اريوس الذي كان قد وقف في مكانه ينظر أمامه بصمت شديد.
إبتلع الجميع ريقه في توتر، وبداوا ينتظرون حركته التالية، وفعلا ما هي إلا ثواني حتى إلتفت اليه اريوس ببطئ وهو ينظر إلى التاجر الذي كان ينظر إليه بغضب شديد:
" الجميع يعرف حقيقتك لقد قتلت اخاك حتى تأخذ منه العرش دون وجه حق ،هو الملك الشرعي للعرش الذي تجلس عليه الآن أيها الظالم".
وقفت جويا التي كانت تجلس في الجناح النسائي حتى تدافع عنه، ولكنها شعرت بيدي وصفاتها تمسكها وهي تهز رأسها بنفي، تراجعت لتعود وتجلس على الأرض فوق الوسائد الحمراء المخملية، فهي تعلم أنها اذا ما تدخلت في الأمر الآن سوف تعرض نفسها والجميع للخطر، وخصوصا أن نوبة غضب الملك تطول الجميع دون إستثناء، نظرت إليه بحزن شديد وهي تضع يدها على فمها بأسى.
لا تعرف لماذا الجميع ينبذه لم يكن الأمر بيده، فهو لم يكن يرغب بأن يحمل تلك اللعنة التي كان سببها أحد أجداده.
رفع عينيه غريبة اللون ونظر إلى التاجر والقناع لا يزال على وجهه،وهذا الأخير كان لا يزال يقف في مكانه وهو ينظر إليه بغضب شديد.
قبل أن ترتسم على وجهه إبتسامة ساخرة، ثم إقترب منه بهدوء شديد وبخطوات بطيئة.
أشار بأصبعه ليسقط الرجل جاثيا على كلتا قدميه أمامه، قبل أن ينحني هذا الأخير ليجلس أمامه على أحد ركبتيه وهو يقول:
" لن اجيب شخصا مثلك، ولكن كن على ثقة أنك سوف تاخذ العقاب الذي تستحقه".
انهى اريوس كلامه بثقة شديدة وهو ينزع قناعه الذي كان يخفي نصف وجهه وعينيه.
إرتعب الجميع في هذه اللحظة، حتى جويا التي كانت تعشقه حد الهوس لم تستطع أن تنظر إليه، بسرعة إستدارت لتوليه ظهرها ويفعل معضم نساء مثلها، بينما كل وزرائه ومستشاريه ينظرو نحو الأرض وهنالك من أغمض عينيه ووضع يده عليها.
ابتسم اريةس إبتسامة صغيرة، بيمما كان التاجر يضع يديه على وجهه وهو يصرخ برعب شديد قائلا:
" لا لا تفعل ذلك أرجوك لا أريد الموت بهذه الطريقة ،أنا آسف آسف يا سيدي، أنا آسف أنا.... أنا السارق، لقد سرقت المال منه عندما أرسلته لكي يقوم بمهة في بيته في السابق ارجوك سامحني يا مولاي"
قالها تاجر برعب وهو يحاول أن يغلق عينيه، يحاول أن يحمي نفسه من النظر الى عيون اريوس التي تحولت إلى اللون الأسود الآن .
لقد كان يبتسم إبتسامة جانبية ساخرة، قبل أن يمد يده ويرفع ذقن الرجل بهدوء شديد ويضغط على عرق النابض في رقبته، مجبرا إياها على أن يفتح عينيه وينظر إليه، وفي تلك اللحظة التالي فتح فيها الرجل عينيه ونظر إليه، أطلق صرخة رعب قوية وكل عروق جسده تنفجر وتسكب دماءا حمراء قانية.
كان الرجل يتحول إلى كتلة حمراء من الدماء، بينما هو يصرخ وهو يركض في كل مكان مطالبا بالرحمة ،ولكنه يعرف أنه ليس هنالك شخص قادر على أن يساعده، بقي يركض في البلاط الملكي وهو يصطدم بالناس التي كلما فتحت عينيها، حتى تصرخ برعب من هول المنصر وتعود لتغلقها بقوة، فلا أحد كان مستعدا أن يلاقي مصير الرجل الذي تجرئ على أن يهين الملك أمام الجميع.
صرخ وترنح إلى أن بدأ صوته يختفي، وأصبح رأسه ضخما جدا لدرجة أنه أصبح يعادل حجم كتلة جسده تماما، قبل أن تمر ثواني قليلة وينفجر إلى أشلاء وتصبح أحشائه مرميه في كل شبر من المكان.
بقي إريوس ينظر إليه بينما ذلك القناع كان لا يزال في يده اليسرى، ليبتسم إبتسامة جانبية حزينة، قبل أن يتحرك بخطوات هادئة ناحية الشرفة ليطلق جناحيه التي تشبه أجنحة الصقور ، ويحلق بها بعيدا نحو الجبال حيث قضى كل حياته.
لو أن الأمر كان بيده لكان قد بقي في الجبل مختبئا طوال حياته، ولكن الحقيقة أن أخاه هو من اجبره على أن يعود إلى هذه الأرض البائسة ويحكمها.
يعتقد الجميع أنه ملك ظالم، وانهم يعيشون في رعب بسببه، ولكن الحقيقة أنه إذا كان قد سمح لأخيه أن يكون الملك، كانت حياتهم لتكون أكثر بؤسا مما هي عليهم الآن .
هو على الأقل عادل ،يصر دائما على أن يعيد لكل شخص حقه، فمثلا ما جرى اليوم في البلاط الملكي كان شيئا يستطيع أن يحله بسهولة شديدة.
فما لا يعرف أحد داخل بلاطه أو مملكته كلها انه قادر على أن يقرأ أفكار الشخص الذي يقف في وجهه، وهذا ما جعله قادرا على أن يعرف هوية الناس ويكتشف خباياهم بسهولة.
بينما اريوس بحلق مبتعدا عن القصر ،في البلاط الملكي كان أول شخص يفتح عينيه هو كايوس الذي نظر من خلف أصابعه بتوتر بعد صراع طويل مع نفسه.
تنهد براحة عندما وجد أن اريوس لم يعد موجودا في تلمكان ،جال بعينيه وهو ينظر إلى الجميع كانوا إلى الآن لا زال بعضهم يضع يده على وجهه برعب خوفا من أن يحدث له مثل ما حدث للتاجر.
نظر ببطء شديد إلى المكان الذي كان به التاجر، ليجعد أنفه بشمئزاز شديد وهو يشم رائحة الدم ولحم البشري ،حقا لقد كان يستحق ما حدث له.
فلا أحد يعرف حقيقة الملك، فقط يصدرون الأحكام ويتهمونه دون أن يكون لهم دليل واضح.
" فلتفتحوا عيونكم ، لقد رحل الملك"
قالها كايوس بهدوء شديد، ليبدأ الجميع في فتح عيونهم ببطء، وهناك من لم يتجرا على ذلك إلا بعدما تاكد أن الناس من حوله قد فتحوها أصلا.
وقف كايوس في وسط البلاط الملكي، وهو يقول بأمر بينما يعدل طرف ثوبه:
" نظفوا المكان وسوف اتولى إدارة المهمات هذا اليوم"
إنحنى جميع الخدم الذين كانوا من حوله بإحترام شديد، وذهبوا حتى ينفذو أوامره، لقد كان هذا ما يحدث اغلب الأوقات.
لقد كان كايوس يدير مهمات سيده أكثر مما يفعله هو نفسه، وربما السبب في ذلك هو كونه شخصا مرفوض ومنبوذ من طرف الشعب على الرغم مما يفعله من مجهودات حتى يكون سعداء وبخير.
كانت جويا تجلس في مكانها وهي تنظر بحزن شديد إلى ما يجري من حولها، وضعت يدها على فمها وإجتحاتها رغبة ملحة في تقيء مافي جوفها، وهي ترى أن رجل إنفجر من داخل إلى الخارج.
وقد تحول حرفيا إلى اشلاء، كانت تتمنى لو أنها كانت شجاعة كفاية حتى تتمكن من أن تفتح عينيها في وجه الملك اريوس، ولكنها كانت تعرف جيدا أنها بمجرد أن تفعل ذلك فسوف تكون تلك نهايتها.
هي ليست مستعدة للموت بهذه الطريقة البشعة، فهي لا تزال شابة صغيرة وجميلة للغاية،كما أنها تخطط منذ سنوات في أن تكون هي الملكة المستقبلية لمملكة كوركانس
لذلك من مستحيل أن تتهور وتضحي بنفسها بهذه الطريقة الغبية من أجل الحب، السلطة والقوة أهم لديها الحب وجنونه.
يتبع...
كانت تنظر حولها وهي ترى المنظر الجميل والبحر والشمس يتهامسان، وقوارب الصيد الصغيرة ،وجدت سيليا بعد مدة أنها قد وصلت إلى شواطئ مملكة كوركانس.
توسعت إبتسامتها كثيرا وشعرت أنها أخيرا قد إستطاعت أن تنجو من موت محقق مرة أخرى، إلتفت إلى ذلك الطائر الذي كان لا يزال يقف إلى جوارها،ونظرت إليه بالإمتنان وإبتسامة واسعة قبل أن تقول بسعاده شديدة:
" شكرا جزيلا لك أيها المخلوق العجيب، بفضلك إستطعت أن ان أنجو من الموت اليوم"
قاطع صوتها الحماسي صوت إعتراض قوي كان مصدره ذالك الحوت الأزرق الذي كانت تمتطي ظهره،وكأنه سمع ما قالت وغار وشعر بالإستياء من كلامها، كان يرفض أن توجه الشكر إلى الطائر لوحده.
توسعت إبتسامتها لتضحك بقوة شديدة قبل أن تنحني وتطبع قبلة على ظهره، وهي تقول بينما تلمسه بلطف :
" بطبيعة الحال لك الفضل الأكبر أيها الحوت الجميل في هذا ،فانا لم أكن أستطيع الخروج من البحر لولا وجودك أيها الصديق"
صوت هدير قوي صدر منه مرة أخرى، ورش ماءا من فتحة ضهره كما لو أنه كان سعيدا بما أخبرته به،
نظر اليها الطائر بإشمئزاز شديد، وكان رافضا لهذه الفكره باكملها، كما لو أنه كان غاضبا أو مجبرا على المساعدة التي قدمها لها ،فلو كان الأمر عائدا له لما ساعدها،ولكن هو لا يستطيع أن يعصي أوامر سيده .
طلبت سيليا من الحوت أن يسبح بعيدا عن الشاطئ حتى لا يعرض نفسه إلى خطر، أو أن يتم أيره من طرف صيادة.
ما إن نزلت من فوقه حتى أكملت طريقها الى الشاطئ سباحة، قبل ان ترتمي على رماله بإرهاق شديد وهي تتنفس بصعوبة.
كان الطائر لا يزال يقف عند راسها، كما لو أنه الحارس الشخصي لديها.
نضرت حولها إلى غروب شمس وهي تبتسم بتعب،فقد كان المنظر الذي أمامها رائع يسحر عيون كثيرا من البشر .
أمواج البحر تتلألأ تحت أشعة الشمس الحارقة، ويبدأ البحر في إظهار جماله في كل الأوقات.
ضلت تتأمل الشفق الأحمر وهو يحتضن التل،كان غروب شمس اليوم يعد سلينا بفجر جديد...
ومن شده التعب والاارهاق الذي نالها طوال هذه المدة، لم تشعر بنفسها إلا وهي تغض عينيها وتغط في نوم عميق.
في هذه الأثناء كان ملك الوحوش اريوس يجلس في قلعته على كرس عرشه، ينظر في أمور شعبه المتراكمة ط، لقد تركهم وغاب عنهم لأكثر من خمسة أيام، وهذا ما جعل أعماله تتراكم كثيرا.
كان يجلس في الديوان كما هي عادته ،على جانبه الأيسر كان هنالك وزرائه ومستشاريه، أما على الجانب الايمن فقد كانت تجلس نخبة نساء القصر، وقد تم إخفاؤهن عن باقي الرجال بواسطة حجاب من الدانتيل الشفاف إحتراما لخصوصيتهم.
دخل ثلاثة من الرجال ينظرون أمامهم بثقة، قبل أن ينحنوا للملك بإحترام شديد، ويقفوا بالاستقامة بعدما إذن لهم اريوس بذلك.
إقترب الحاجب الحاص، والذي كان من واجباته أن يقول مشاكل الشعب ،لينحني ويستقيم مجددا وهو يقول:
" مولاي الملك، الرجل الذي في الأمام هو تاجر كبير ومعروف جدا في مملكتنا، والشخص الذي وراءه هو أحد أعوانه، وهو متهم الآن وماثل أمامكم الأن بتهمة أنه قد سرق مبلغ سبعة ألف عملة فضية من سيده "
نظرا أريوس إلى الرجل الذي كان ينظر إلى الارض بخجل شديد، والحزن واضحا على معالم وجهه، وضع يده تحت ذقنه وهو ينظر إلى الرجل الذي أمامه قائلا بهدوء:
" هل يمكنك أن تخبرني كيف تم الأمر؟"
نظر إليه الرجل الذي من المفترض أن يكون التاجر وهو يقول:
" لقد سافرت الى المملكة الضياء الأحمر قبل عشر ايام، وبعد عودتي وجدت أن المال الذي وضعته في الخزنة قد إختفى تماما، والخزنة سرية لا يعرف مكانها أحد إلا أنا ومساعدي فقط جلالتك"
قالها الرجل وهو ينظر إلى ملك الوحوش كما يدعوه الجميع، بينما كان الحراس يحيطون بالرجل الذي من المفترض أن يكون السارق، وهو ينظر إلى الارض بحزن شديد.
هز راسه أريوس رأسه بتفهم، قبل أن ينظر ناحية الرجل الذي كان لا يزال ينظر ناحية الأرض ليقول :
" وانت ما قولك في ما جرى؟"
رفع الرجل رأسه ببطء شديد ونظر إليه بخجل، قبل أن يقول بإستسلام تام :
" وماذا عسايا أن أقول يا سيدي وأنا لا امتلك حجة استطيع بها أن أدافع بها عن نفسي"
حرك أريوس رأسه بتفهم، قبل أن ينظر ناحية حراسه وهو يقول بأمر :
" فلتاخذوا التاجر وتضعوه في السجن".
توسعت عيون الجميع بصدمة شديدة ونظروا إليه بغير تصديق، بينما كان هو ينظر ناحية التاجر بابتسامة هادئة قبل أن يكمل كلامه بهدوء شديد، بينما هو يشير بيده:
" ولتنتقل جميع أموال التاجر إلى هذا الرجل".
حرفيا كاد تاجر أن يغمى عليه من شده الصدمة، ليتحرك بعنف وغضب شديد بين يدي الحرس الملكي الذين أحاطو به ليمسكوه من كل جانب، وينظر إليه بغضب وهو يقول:
" هل يمكنني أن أعرف لماذا هذا الحكم الجائر يا مولاي؟"
رفع إريوس حاجبه بالإستفزاز ليقول:
" وهل يمكنني أن أعرف من أين حصلت على كل هذه الاموال؟"
أنهى اريوس كلامه وهو ينظر إليه بعيونه التي قد بدأت تتغير إلى اللون الاحمر، مما جعل التاجر يعرف أنه قد وصل إلى اقصى مراحل غضبه.
ومع ذلك لم يكن يستطيع أن يصمت فهو سوف يجرده من ماله وسلطته التي قد اضاع الكثير من الوقت في جمعها وسرقتها من فقراء الناس، في نفس الوقت توقف عن الحركة ليقول بالإقتضاب:
" جمعتها بعرق جبيني يا مولاي، لماذا تحرمني من ثروتي هكذا ، إنما تفعله هو خطا في حقي مولاي الملك"
نهض الملك أريوس من مكانه ونظر إليه نظرة أخيرة ، قبل أن يلتفت ليرحل وهو يقول بأمر:
" نفذو الأوامر وخذو كل أمواله واعطوها إلى مساعده ذاك"
لم يستطع التاجر أن يتحمل الأمر، فهو قد خسر كل شيء لماذا سوف يصمت بعد كل هذا وقف من مكانه بغضب شديد
ونظر الى اريوس الذي كان على وشك أن يغادر البلاط الملكي، ليصرخ في وجهه بغضب شديد وهو يشتم :
" أيها الحثالة الملعون، كيف يستطيع رجل مثلك عاش كل حياته بين الوحوش منبوذا أن يعرف أصول الحكم؟ إرحل وعد إلى غابتك وأعد لنا ملكنا السابق أيها الظالم"
شهق الجميع برعب شديد، بينما هو نظر إلى اريوس الذي كان قد وقف في مكانه ينظر أمامه بصمت شديد.
إبتلع الجميع ريقه في توتر، وبداوا ينتظرون حركته التالية، وفعلا ما هي إلا ثواني حتى إلتفت اليه اريوس ببطئ وهو ينظر إلى التاجر الذي كان ينظر إليه بغضب شديد:
" الجميع يعرف حقيقتك لقد قتلت اخاك حتى تأخذ منه العرش دون وجه حق ،هو الملك الشرعي للعرش الذي تجلس عليه الآن أيها الظالم".
وقفت جويا التي كانت تجلس في الجناح النسائي حتى تدافع عنه، ولكنها شعرت بيدي وصفاتها تمسكها وهي تهز رأسها بنفي، تراجعت لتعود وتجلس على الأرض فوق الوسائد الحمراء المخملية، فهي تعلم أنها اذا ما تدخلت في الأمر الآن سوف تعرض نفسها والجميع للخطر، وخصوصا أن نوبة غضب الملك تطول الجميع دون إستثناء، نظرت إليه بحزن شديد وهي تضع يدها على فمها بأسى.
لا تعرف لماذا الجميع ينبذه لم يكن الأمر بيده، فهو لم يكن يرغب بأن يحمل تلك اللعنة التي كان سببها أحد أجداده.
رفع عينيه غريبة اللون ونظر إلى التاجر والقناع لا يزال على وجهه،وهذا الأخير كان لا يزال يقف في مكانه وهو ينظر إليه بغضب شديد.
قبل أن ترتسم على وجهه إبتسامة ساخرة، ثم إقترب منه بهدوء شديد وبخطوات بطيئة.
أشار بأصبعه ليسقط الرجل جاثيا على كلتا قدميه أمامه، قبل أن ينحني هذا الأخير ليجلس أمامه على أحد ركبتيه وهو يقول:
" لن اجيب شخصا مثلك، ولكن كن على ثقة أنك سوف تاخذ العقاب الذي تستحقه".
انهى اريوس كلامه بثقة شديدة وهو ينزع قناعه الذي كان يخفي نصف وجهه وعينيه.
إرتعب الجميع في هذه اللحظة، حتى جويا التي كانت تعشقه حد الهوس لم تستطع أن تنظر إليه، بسرعة إستدارت لتوليه ظهرها ويفعل معضم نساء مثلها، بينما كل وزرائه ومستشاريه ينظرو نحو الأرض وهنالك من أغمض عينيه ووضع يده عليها.
ابتسم اريةس إبتسامة صغيرة، بيمما كان التاجر يضع يديه على وجهه وهو يصرخ برعب شديد قائلا:
" لا لا تفعل ذلك أرجوك لا أريد الموت بهذه الطريقة ،أنا آسف آسف يا سيدي، أنا آسف أنا.... أنا السارق، لقد سرقت المال منه عندما أرسلته لكي يقوم بمهة في بيته في السابق ارجوك سامحني يا مولاي"
قالها تاجر برعب وهو يحاول أن يغلق عينيه، يحاول أن يحمي نفسه من النظر الى عيون اريوس التي تحولت إلى اللون الأسود الآن .
لقد كان يبتسم إبتسامة جانبية ساخرة، قبل أن يمد يده ويرفع ذقن الرجل بهدوء شديد ويضغط على عرق النابض في رقبته، مجبرا إياها على أن يفتح عينيه وينظر إليه، وفي تلك اللحظة التالي فتح فيها الرجل عينيه ونظر إليه، أطلق صرخة رعب قوية وكل عروق جسده تنفجر وتسكب دماءا حمراء قانية.
كان الرجل يتحول إلى كتلة حمراء من الدماء، بينما هو يصرخ وهو يركض في كل مكان مطالبا بالرحمة ،ولكنه يعرف أنه ليس هنالك شخص قادر على أن يساعده، بقي يركض في البلاط الملكي وهو يصطدم بالناس التي كلما فتحت عينيها، حتى تصرخ برعب من هول المنصر وتعود لتغلقها بقوة، فلا أحد كان مستعدا أن يلاقي مصير الرجل الذي تجرئ على أن يهين الملك أمام الجميع.
صرخ وترنح إلى أن بدأ صوته يختفي، وأصبح رأسه ضخما جدا لدرجة أنه أصبح يعادل حجم كتلة جسده تماما، قبل أن تمر ثواني قليلة وينفجر إلى أشلاء وتصبح أحشائه مرميه في كل شبر من المكان.
بقي إريوس ينظر إليه بينما ذلك القناع كان لا يزال في يده اليسرى، ليبتسم إبتسامة جانبية حزينة، قبل أن يتحرك بخطوات هادئة ناحية الشرفة ليطلق جناحيه التي تشبه أجنحة الصقور ، ويحلق بها بعيدا نحو الجبال حيث قضى كل حياته.
لو أن الأمر كان بيده لكان قد بقي في الجبل مختبئا طوال حياته، ولكن الحقيقة أن أخاه هو من اجبره على أن يعود إلى هذه الأرض البائسة ويحكمها.
يعتقد الجميع أنه ملك ظالم، وانهم يعيشون في رعب بسببه، ولكن الحقيقة أنه إذا كان قد سمح لأخيه أن يكون الملك، كانت حياتهم لتكون أكثر بؤسا مما هي عليهم الآن .
هو على الأقل عادل ،يصر دائما على أن يعيد لكل شخص حقه، فمثلا ما جرى اليوم في البلاط الملكي كان شيئا يستطيع أن يحله بسهولة شديدة.
فما لا يعرف أحد داخل بلاطه أو مملكته كلها انه قادر على أن يقرأ أفكار الشخص الذي يقف في وجهه، وهذا ما جعله قادرا على أن يعرف هوية الناس ويكتشف خباياهم بسهولة.
بينما اريوس بحلق مبتعدا عن القصر ،في البلاط الملكي كان أول شخص يفتح عينيه هو كايوس الذي نظر من خلف أصابعه بتوتر بعد صراع طويل مع نفسه.
تنهد براحة عندما وجد أن اريوس لم يعد موجودا في تلمكان ،جال بعينيه وهو ينظر إلى الجميع كانوا إلى الآن لا زال بعضهم يضع يده على وجهه برعب خوفا من أن يحدث له مثل ما حدث للتاجر.
نظر ببطء شديد إلى المكان الذي كان به التاجر، ليجعد أنفه بشمئزاز شديد وهو يشم رائحة الدم ولحم البشري ،حقا لقد كان يستحق ما حدث له.
فلا أحد يعرف حقيقة الملك، فقط يصدرون الأحكام ويتهمونه دون أن يكون لهم دليل واضح.
" فلتفتحوا عيونكم ، لقد رحل الملك"
قالها كايوس بهدوء شديد، ليبدأ الجميع في فتح عيونهم ببطء، وهناك من لم يتجرا على ذلك إلا بعدما تاكد أن الناس من حوله قد فتحوها أصلا.
وقف كايوس في وسط البلاط الملكي، وهو يقول بأمر بينما يعدل طرف ثوبه:
" نظفوا المكان وسوف اتولى إدارة المهمات هذا اليوم"
إنحنى جميع الخدم الذين كانوا من حوله بإحترام شديد، وذهبوا حتى ينفذو أوامره، لقد كان هذا ما يحدث اغلب الأوقات.
لقد كان كايوس يدير مهمات سيده أكثر مما يفعله هو نفسه، وربما السبب في ذلك هو كونه شخصا مرفوض ومنبوذ من طرف الشعب على الرغم مما يفعله من مجهودات حتى يكون سعداء وبخير.
كانت جويا تجلس في مكانها وهي تنظر بحزن شديد إلى ما يجري من حولها، وضعت يدها على فمها وإجتحاتها رغبة ملحة في تقيء مافي جوفها، وهي ترى أن رجل إنفجر من داخل إلى الخارج.
وقد تحول حرفيا إلى اشلاء، كانت تتمنى لو أنها كانت شجاعة كفاية حتى تتمكن من أن تفتح عينيها في وجه الملك اريوس، ولكنها كانت تعرف جيدا أنها بمجرد أن تفعل ذلك فسوف تكون تلك نهايتها.
هي ليست مستعدة للموت بهذه الطريقة البشعة، فهي لا تزال شابة صغيرة وجميلة للغاية،كما أنها تخطط منذ سنوات في أن تكون هي الملكة المستقبلية لمملكة كوركانس
لذلك من مستحيل أن تتهور وتضحي بنفسها بهذه الطريقة الغبية من أجل الحب، السلطة والقوة أهم لديها الحب وجنونه.
يتبع...