١٠

كان رون يجلس دون فعل أي شئ في الغرفة المظلمة، ظل شارداً في الأحداث الأخيرة وبدأت الأفكار تتسلل الى عقله وازدادت التساؤلات خاصة عن هيلين.

فلماذا كذبت عليه؟ وما هي نواياها الخفية؟

كان في حيرة من أمره فهل يصدق أنها في صفه أم يتخذها عدواً له، لا يثق به.

قد كانت صديقة جيدة في البداية ولكنه بدأ يفكر في أنه لم يكن عليه أن يثق فيها بهذا الشكل، فعليه الحذر من الصديق أولاً ثم العدو، فالصديق قد يضمر له شراً، أما العدو فعداوته صريحة.

قطع حبل أفكاره صوت فتح الباب الموصد بالمفتاح، دخل أحد الحراس الذي لم يعتد على رؤيته وطلب منه أن يتبعه.

ذهب خلفه في قلق، عض على شفاهه وأغمض عينيه وهو يأخذ شهيقاً ويزفره بهدوء.

طرق رون الباب عندما وصلا لغرفة الحاكم ففتحه كارل، ابتعد قليلاً ليتيح لرون فرصة الدخول وفي نفس الوقت عاد الحارس الأول من حيث ما أتى.

دخل رون الغرفة ليلحظ أن الأنظار قد تحولت عليه، مما جعله يصاب بالقلق من هذا.

أغلق كارل الباب فالتفت رون برأسه نحوه، ثم وجه نظره للحاكم الذي كان يجلس على مقعد عريق وبعده رجل رأآه للمرة الأولى.

ظلت عيونه تتحول بين الثلاثة، أشار له كارل بالجلوس بينما التزم الحاكم الصمت، تحدث الرجل الغريب قائلاً:

_في البداية دعني أعرفك عن نفسي.

وجه نظره للمتحدث فقال:

_أمامك مستشار الحاكم، أُدعى راف أعمل في القصر منذ ستة وأربعون عاماً، أعتبر يد الحاكم اليمنى.

_تشرفت بمعرفتك يا سيد راف، أنا رون.

قالها رون لينظر له المستشار راف باهتمام؛ فقد بدأ يتأمل هيئته الغريبة وخاصة شعره ذو اللون البني والذي كان يراه للمرة الأولى في حياته ثم قال:

_أعرفك، سمعت حكايتك المثيرة للاهتمام.

تابع بعدها قائلاً:

_هل لي أن اسأل سؤالاً فضولياً بعض الشئ؟

تردد رون، كان خائفاً من السؤال الذي سيوجهه له هذا المستشار ولكن لم يكن الرفض بيده فقال:

_تفضل يا سيدي.

_هل كنت مدرك لحقيقة الأمر قبل وفاة والديك؟

التزم رون الصمت لفترة، كادت الحيرة تقتله؛ فقد كان خائفاً من قول شئ خاطئ يودي بحياته، خصوصاً ان تلك المرة هيلين ليست معه.

قرر رون أن يترك حاله على طبيعتها، لم يود إظهار مشاعره ولم يرد أن يظهر ضعيفاً أمامهم ولكنه لم يتحمل فبدأت دموعه تسقط على وجنتيه دون توقف.

بدأ يشهق وقال بدموع:

_آسف، حقاً أعتذر منكم جميعاً ولكن عند ذكر عائلتي قلبي لا يتحمل، لم أستطع الاعتياد بعد على فراقهم.

بدأ يحاول إيقاف دموعه أمامهم وهو يشهق فقال المستشار بهدوء:

_بل أنا من أعتذر منك على توجيه سؤال حساس كهذا لك.

حرك رون رأسه يميناً ويساراً وقال بصوت غير واضح:

_لا عليك.

أخذ رون شهيقاً عميقاً وزفره ثم قال بهدوء:

_لم أكن أعلم أي شئ عما يدور في ألورا، لقد أخفوا كل شئ باحترافية، لطالما تسائلت عما هو خارج تلك النوافذ والأبواب ولكنهما كانا يتهربان من الإجابة.

فظللت بلا إجابة لسنوات حتى توفيت أمي وأختفى أبي وحينها أضطررت للخروج من المنزل كي أستطيع التأقلم والعيش، ووجدت نفسي ملقى في إحدى الغابات وحيداً.

_فهمت.

قالها المستشار وسكت للحظات ثم تابع:

_عذراً فيما سأقوله، ولكن الأمر يبدو وكأنه مُرتب.

_ماذا تقصد؟

_لا تهتم.

ضم رون حاجبيه ثم رفع أحدهما ولكنه تابع التحديق به دون أن ينطق بشئ ليتحدث المستشار:

_تعلم أن ما فعله والديك جريمة أليس كذلك؟

هز رون رأسه إيجاباً ولكن بعد لحظات من إدراكه للأمر ولكن المستشار تابع قوله:

_كان ولا بد أن يُعاقب أحد بالطبع، ولم يتبقى من أفراد تلك العائلة سواك!

بدأ الخوف يتسلل الى قلب رون وظهر ذلك على ملامح وجهه وزاد من خوفه قول المستشار:

_العقاب كان الإعدام.

توسع بؤبؤا عيني رون وبدأت ضربات قلبه تزداد سرعة فهدئه الحاكم بعد أن تدخل فجأة في الموضوع قائلاً:

_إهدأ يا فتى، ليس من العدل أن نطبق عليك عقاب كهذا بدلاً من عائلتك لذلك قررنا تطبيق عقاب أخف صعوبة مما كنت ستمر به.

بدأ قلب رون يهدأ قليلاً، زفر هواءً كان قد حبسه من الخوف ثم نظر لهم ببعض من القلق.

عاد الحاكم للحديث فقال:

_ستجوب ألورا بحثاً عن الأعشاب.

_ماذا!

قالها رون بنبرة صوت عالية جعلت الجميع يتعجب منه فالحاكم لم يكمل حديثه بعد.

في نفس الوقت لم يكن رون يدرك ما العقاب في جمع الأعشاب، ولكن ما جعله يتعجب هو كيف سيجوب ألورا والتنقل بين المدن محرم!

سأل رون مستفسراً:

_وكيف سأنتقل من الشمال لبقية المدن، أوليس الانتقال بينهم محرم وممنوع؟

_سنسخر السحر ونساعدك على ذلك، هذا وعد منا.

قالها المستشار فنطق بعدها الحاكم:

يمكنك الخروج الان، ولكن عد لهيئتك الأولى التي ساعدتك هيلين على التخفي فيها؛ كي لا تلفت الأنظار اليك.

هز رون رأسه إيجاباً وكاد يخرج من الغرفة ولكنه توقف للحظات ثم التفت اليهم وقال بعد أن ضم حاجبيه واستفسر باهتمام:

_وكيف سأعرف تلك الأعشاب؟ لم تخبرونني عن اسمها ولا شكلها ولا حتى مكانها.

_ستعرف في الوقت المناسب بالطريقة المناسبة.

اكتفى الحاكم بقول هذا ثم أشار له بالخروج ف تبعه كارل بهدوء.

خرج رون ببعض من التوتر من الغرفة ولكن مع ذلك ارتاح قلبه ولو قليلاً فقد شعر أن الخطر قد زال، ومهما كان مدى صعوبة المهمة فهي بالتأكيد نجاة له من الإعدام.

بدأت خطواته المترددة تصبح أسرع وأكثر ثقةً التفت حوله منبهراً بأناقة المكان حوله؛ فقد كانت فرصته الأولى لمشاهدة القصر الراقي والتجول فيه ولو قليلاً مع تأمله.

فقد كان في كل مرة يخرج من الغرفة يخرج خائفاً وهلعاً أو يشهد ما يوتر نفسه، وقد كانت المرة الأولى التي يخرج فيها براحة باله.

حول نظره نحو المكان الذي أثار إعجابه، قد شعر وكأنه قصر في الجنة.

كان قصراً كلاسيكياً بحوائط بعضها بيضاء وبعضها منقوشة بالذهب باحترافية، بدأ ينزل درجات السلم ويده مستندة عالدربزين الذهبي ولكن عينيه كانت منشغلة بالتحديق في أرجاء المكان إلى أن قاطعه صوت يقول:

_مهلتك ستستمر لثلاث أسابيع، إن لم تستطع تلبية ما أمرك به الحاكم في تلك المهلة ستكون حينها في خطر حقيقي.

كان هذا صوت كارل فقد حفظه بعد أن وجه له حديثه عدة مرات، التفت نحوه وبدأ معدل ضربات قلبه يزداد فقد فهم الورطة التي وقع فيها والمشاكل التي سيواجهها قبل أن تحل عليه.

لقد وضع نفسه في مأزق، فإن كانوا يرون أن جمع الاعشاب عقاب فهو شئ ليس بالسهولة التي تخيلها، وإن لم يستطع فعل ما أُمر به فبالتأكيد سيتجه الحاكم لخيار إعدامه كما فطن في بداية حديثه.

عاد شعور القلق لملازمة رون مرة أخرى، التفت مرة أخرى لطريقه وبدأ يقضم أظافره وهو يسير شارداً، ارتطم في إحدى الحوائط ليسمع ضحكات كارل الخفيفة التي أخفاها فوراً وتمالك نفسه ثم قال له بطريقة لطيفة:

_لا تشرد مرة أخرى ركز في طريقك أثناء سيرك.

اومأ رون بسرعة ثم خرج ركضاً من القصر.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي