١١
بعد أن خرج رون من القصر، قرر الحاكم أن يبقى وحده فأمر المستشار بالخروج، كما أن كارل كان قد خرج مسبقاً ليرافق رون إلى بوابة القصر.
عاد الحاكم ليُفكر فيما كلف رون به، يعلم أنها مهمة صعبة بل وشبه مستحيلة خصوصاً على مراهق مثل رون ولكنه كان اقتراح مستشاره ويده اليمنى.
بدأ يتذكر حواره مع المستشار عندما قال:
_ماذا تقصد؟
_سأوضح لك ما أقصده يا مولاي.
_تفضل.
قالها الحاكم وهو ينتظر تبريراً من مستشاره فنطق المستشار وقال:
_ظهر رون في وقت حرج جداً يا مولاي.
صمت المستشار لثوان منتظراً رد فعل من الحاكم ثم تابع:
_وكأن القدر إختاره ليعيش كل تلك الفترة لهدف ما لا نعلم عنه شئ.
_ربما!
_كما أنه لم يكبر كما كبر أهل المدينة جميعاً بل ترعرع على الشجاعة رغم أنه كان مقيضاً لسنوات.
_كلامك صحيح، فلا أحد يجرؤ على دخول الغابات، فما بالك بدخولها والغوص في أعماق النهر للحصول على الياقوت.
_نعم يا سيدي هذا ما أقصده بالضبط، ولكنه فعل كل هذا لأنه لم يعرف ما شاع عن الغابات؛ لذلك لم يكن خائفاً أثناء ولوجها.
_هذا صحيح، كما أنه ظن أن الجميع يمتلك الياقوت وأن الجميع يغوص في النهر للحصول عليه.
_بالضبط، لذلك غاص فيه دون خوف.
نظر الحاكم نحو المستشار بتمعن منتظراً أن يفتح الموضوع الذي في باله، قال المستشار:
_سنكلفه بتلك المهمة.
_ولكن لم يستطع أحد النجاح فيها إطلاقاً، بل إنها تعتبر مهمة مستحيلة.
_أعلم، لم يعد أحد من تلك المهمة بسلام، وإن عادوا فهم يعودون قبل إنجاز شئ يذكر فيها.
_إذا كيف تود أن نرسل مراهق في هذا العمر ونحن أرسلنا رجالاً كباراً أقوياء البنية ولم يفلحوا فيها؟
_إن لم نخبره بكونها مهمة شبه مستحيلة وأخبرناه بأنه مجرد تكليف له كعقاب مقابل فعلة والديه فأظنه سيقبل بها بل وسيفعل ما لم يفعله أحد من قبل وسينجح فيها.
هز الحاكم رأسه بهدوء وقال بنبرة هادئة:
_كلامك منطقي، يمكننا إرسال بعض المعدات التي قد يحتاجها في رحلته، كما يمكننا منحه جنية لتعينه.
تذكر الحاكم شيئاً في لحظة فقال بقلق:
_ولكن كيف سينتقل بين المدن؟ ليس مؤكداً أن الأعشاب جميعها في الشمال بل هي مجرد إحتمالية ضعيفة.
تنهد المستشار وقال:
_لم أنسى هذا يا مولاي لا تقلق، كما أخبرتك في البداية وجود هذا الطفل حي حتى هذا الوقت كأنه لعبة من القدر، تحديداً وكأن القدر قد أختاره ليعيش ويكون سبباً في إنقاذك.
_هل تظن هذا حقاً؟
_نعم، وأيضاً أظن أنه الوحيد الذي سيستطيع التنقل في أنحاء ألورا بشكل ما.
تسائل الحاكم بقلق:
_وماذا إن لم ينجح؟
_إن لم ينجح، فعلى الأقل سنكون قد حاولنا، وإن لم يستطع النجاة فهو بشكل أو بالآخر وحيد لا عائلة له.
_لا أعرف هل ما نقوم به صحيح أم لا ولكن دعنا نجرب، لن نخسر الكثير.
_أمرك يا مولاي.
التفت الحاكم لكارل الذي كان يجلس مستمعاً دون التجرؤ على الحديث فقال:
_أحضر لي الفتى بسرعة.
نهض كارل وانحنى بهدوء وقال:
_أمرك سيدي.
قطع شرود الحاكم سعاله المفاجئ، نهض بصعوبة وأحضر كأس الماء من على الطاولة وشربه دفعة واحدة ليهدأ سعاله قليلاً، تمدد على الفراش وأغمض عينيه بعد أن حان موعد قيلولته.
في مكان آخر حيث كان رون يخرج من القصر راكضاً، استوقفته نظرات الناس من حوله، لم يفهم سببها فتوقف عن الركض ببطء.
لم يعرف إلى أين سيتجه حالياً،خصوصاً انه بلا ياقوت ولا ازهار كما أنه بلا مأوى.
سار ببطء متجهاً نحو الغابة وقرر الذهاب إلى الكوخ الذي وجهته إليه هيلين،رغم أنه بات يراها عدواً له ولكنه كان مضطراً؛ لأنه المأوى الآمن الوحيد له حالياً.
اتجه أولاً نحو النهر وذهب الى شجرة ثماره المفضلة وأخذ القليل ليسلي نفسه قليلاً.
اتجه نحو الكوخ وقد أصابه الحزن، فقد افتقد مغامرته مع
هيلين ومساعدتها له، لم يكن يود أن يصدق أنها خذلته وقصدت أذيته بالفعل، كان يريد أي إشارة تقول عكس هذا وسيصدقها ويتبعها فوراً؛ فهو لا يريد أن يكون وحيداً في تلك المغامرة.
استلقى قليلاً دون فعل أي شئ وبات يفكر في الأعشاب التي سيكلفه الحاكم بالبحث عنها، لم يكن يعرف أي شئ عنها فكان عليه الإنتظار حتى يأتي الوقت المناسب كما أخبروه.
غاص رون في نوم عميق من التعب، فقد توتر كثيراً أمام الحاكم.
خرجت هيلين من غرفتها عندما حل الليل وذهبت نحو والدها، طرقت الباب لتسمع صوتاً خاملاً يقول:
_من على الباب
_أنا هيلين يا أبي.
_تفضلي يا ابنتي.
فتحت هيلين الباب وبهدوء ودخلت لتتحدث مع والدها، وثبت وجلست عالسرير وباتت تلعب بأناملها وقالت:
_هل يمكنني الذهاب الى الغابة؟
ابتسم الحاكم وقال:
_هل تقصدين إلى رون؟
_ نوعاً ما.
قالتها مع ابتسامة فقال:
_الوقت تأخر اليوم، إذهبي مع كارل صباح الغد.
مطت هيلين شفتاها وقالت بتذمر:
_حسناً جلالة الحاكم.
وثبت مرة أخرى ولكن تلك المرة لتنزل من الفراش وخرجت فقال والدها:
_اغلقي الباب كما كان قبل ولوجك!
عادت مرة أخرى وسحبته ليصدر صوتاً عالياً أغضب الحاكم فنفخ الهواء من فمه وضرب بيده بخفة على جبهته يمسحه بإنهاك و قلة حيلة.
مر الليل واستيقظت هيلين بحماس، تجهزت و ارتدت ما يخفي هويتها فهي لا تخرج كونها أميرة إلا مع الحرس فقط، وحينها يجتمع السكان مرحبون بها وهي تمر بهم بإبتسامات رسمية متحفظة.
وقفت أمام المرآة لترى تلك النظرات الحزينة المضطربة، فقالت بهدوء:
_تعلمين أن كارل معي، لا داعي لهذا القلق.
_أعلم.
قالتها بابتسامة فبادلتها الأخرى ابتسامة وخرجت من الغرفة وأخذت معها شعر رون المستعار الذي خلعه من قبل ونسيه في القصر بعد أن قررت الذهاب إلى كارل.
كان كارل يخرج من غرفة الحاكم، الذى أمره الحاكم باصطحاب هيلين إلى الغابة عند رون؛ فهو أكثر من يثق به الحاكم مِن الحراس.
كما أمره الحاكم بأخذ الياقوت من رون، وأرسل معه كذلك رسالة خاصة للفتى.
قابلته هيلين فقالت:
_هيا بنا، كارل.
_هيا بنا سمو الأميرة.
قالها بمزاح و إبتسامة؛ فهم في العادة مقربان وكليهما ينادون بعضهما بأسمائهم دون ألقاب.
خرجا معاً من القصر واتجها نحو الغابة سالكين الطرقات بعدها ذهابا الى الكوخ الذي يسكنه رون.
طرقا الباب عدة مرات ولكن لم يتلقوا أي رد على الإطلاق، كادت هيلين تفتح الباب ولكن أوقفها كارل و قال:
_انتظري يا هيلين ماذا أنتِ بفاعلة؟
_إنه كوخي إن نسيت.
قالتها بثقة ليستطرد قائلاً:
_حتى وإن كان كوخك لا يمكنك فتح الباب بهذه السهولة؛ لأنك سمحت له بالبقاء فيه، إن كان هذا يزعجك لم يكن عليك تركه ليعيش فيه.
_لا تعقد الأمر بهذا الشكل يا كارل.
قالتها لامبالية بنبرة باردة ومدت ذراعها مجدداً لتفتح الباب ولكن كارل أمسك يدها وقال بنظرة منبهة:
_هيلين! ليس عليك فعل ذلك، فلننتظر حتى يفتح الباب أو فلنعد.
تذمرت هيلين وقالت بغضب:
_افعل ما شئت.
و عقب جملتها الحانقة تركته لتوجه للجلوس على أحد جذوع الاشجار العشوائية عاقدة ساعديها بضيق، طرق كارل الباب عدة مرات بصوت أقوى ليجد الباب يُفتح ببطء، كان رون يقف وهو يدعك عينيه ويزيح شعره البني من فوق عينيه.
تمدد رون بجسده وابتعد قليلاً عن الباب ليدخل كل من كارل و تأتي هيلين بخطوات متململة، جلس رون وظل محدقاً في نقطة فارغة.
جلس كارل وهيلين أيضاً منتظران منه أي رد فعل، تنحنح كارل فانتبه رون أخيراً ونظر اليهما بتمعن بعد أن أدرك الأمر وقال:
_ماذا تفعلان هنا؟
لم تستطع هيلين كتم قهقهاتها و تعالت ضحكاتها بأرجاء المكان ولكن كارل رمقها نظرة سريعة كي ينبهها؛ فحاولت منع قهقهاتها من الخروج ولكن الابتسامة ظلت مرتسمة على محياها.
مدت هيلين يدها نحو رون وبكفها الشعر المستعار الذي كان يرتديه، نظر له للحظات ثم نهض مسرعاً نحو مرآة شبه مكسورة نظر بها ليجد شعره البني المميز ظاهر في الإنعكاس، شد خصلة من شعره ليتألم.
حينها فطن أنه نسي أمر الشعر المستعار وقال:
_ألهذا كان ينظر لي الجميع بغرابة أمس؟
ابتسمت هيلين وهي تجيبه قائله:
_هذا سبب من الأسباب، كما أنك الطفل الذي أُلقي القبض عليه منذ عدة أيام، تهانينا لقد صرت مشهوراً.
أخذ منها الشعر المستعار ووضعه فوق رأسه بإهمال ثم نظر إلى الجالسين أمامه.
تحدث كارل قائلاً:
_عليك يا رون تسليمي الياقوت الذي جمعته.
_ولكن!
حاول رون الاعتراض لكن قاطعه كارل قائلاً:
_بدون لكن، هذا أمر من الحاكم، سوف أشتريه منك مقابل طعام وشراب يومي، كما أن الحاكم سيوفر لك كل ما تحتاج ولن يدعك في حاجة لشراء أي شئ.
تنهد رون بضيق،بينما كانت هيلين تنظر الى كارل بتعجب و هناك كثير من التساؤلات تدور برأسها حول أسباب هذا الأمر، فهي لم تكن تنتظر أمراً كهذا من والدها، فتح رون الخزانة التي خبأ فيها بقية الياقوت وسلمهم لكارل الذي وضعهم في حقيبة أخذها معه.
نهض كارل واتجه نحو الباب وقال قبل خروجه:
_سأترككما وحدكما قليلاً، لا تتأخري يا هيلين، علينا العودة مبكراً.
اومأت هيلين برأسها إيجاباً وقالت:
_حسناً كارل.
خرج كارل فتذكر رون كل ما فعلته هيلين في الفترة السابقة ولم يتحمل البقاء صامتاً، لذا اندفع قائلاً بضيق:
_لم أعد أتحمل وجودك لقد خدعتني، لقد قصدتِ أذيتي!
ترددت هيلين فهي لم تدرى أنه متضايق منها لهذا الحد لذا هتفت محاولة الدفاع عن ذاتها:
_رون لم أقصد أذيتك، أقسم لك.
_إذاً فلنبدأ من أول كذبة يا هيلين.
قالها ثم صمت لثوان بعد أن وضع كفه على فمه قائلاً بنبرة تهكمية:
_عذراً، أقصد يا سمو الأميرة أوچين!
عاد الحاكم ليُفكر فيما كلف رون به، يعلم أنها مهمة صعبة بل وشبه مستحيلة خصوصاً على مراهق مثل رون ولكنه كان اقتراح مستشاره ويده اليمنى.
بدأ يتذكر حواره مع المستشار عندما قال:
_ماذا تقصد؟
_سأوضح لك ما أقصده يا مولاي.
_تفضل.
قالها الحاكم وهو ينتظر تبريراً من مستشاره فنطق المستشار وقال:
_ظهر رون في وقت حرج جداً يا مولاي.
صمت المستشار لثوان منتظراً رد فعل من الحاكم ثم تابع:
_وكأن القدر إختاره ليعيش كل تلك الفترة لهدف ما لا نعلم عنه شئ.
_ربما!
_كما أنه لم يكبر كما كبر أهل المدينة جميعاً بل ترعرع على الشجاعة رغم أنه كان مقيضاً لسنوات.
_كلامك صحيح، فلا أحد يجرؤ على دخول الغابات، فما بالك بدخولها والغوص في أعماق النهر للحصول على الياقوت.
_نعم يا سيدي هذا ما أقصده بالضبط، ولكنه فعل كل هذا لأنه لم يعرف ما شاع عن الغابات؛ لذلك لم يكن خائفاً أثناء ولوجها.
_هذا صحيح، كما أنه ظن أن الجميع يمتلك الياقوت وأن الجميع يغوص في النهر للحصول عليه.
_بالضبط، لذلك غاص فيه دون خوف.
نظر الحاكم نحو المستشار بتمعن منتظراً أن يفتح الموضوع الذي في باله، قال المستشار:
_سنكلفه بتلك المهمة.
_ولكن لم يستطع أحد النجاح فيها إطلاقاً، بل إنها تعتبر مهمة مستحيلة.
_أعلم، لم يعد أحد من تلك المهمة بسلام، وإن عادوا فهم يعودون قبل إنجاز شئ يذكر فيها.
_إذا كيف تود أن نرسل مراهق في هذا العمر ونحن أرسلنا رجالاً كباراً أقوياء البنية ولم يفلحوا فيها؟
_إن لم نخبره بكونها مهمة شبه مستحيلة وأخبرناه بأنه مجرد تكليف له كعقاب مقابل فعلة والديه فأظنه سيقبل بها بل وسيفعل ما لم يفعله أحد من قبل وسينجح فيها.
هز الحاكم رأسه بهدوء وقال بنبرة هادئة:
_كلامك منطقي، يمكننا إرسال بعض المعدات التي قد يحتاجها في رحلته، كما يمكننا منحه جنية لتعينه.
تذكر الحاكم شيئاً في لحظة فقال بقلق:
_ولكن كيف سينتقل بين المدن؟ ليس مؤكداً أن الأعشاب جميعها في الشمال بل هي مجرد إحتمالية ضعيفة.
تنهد المستشار وقال:
_لم أنسى هذا يا مولاي لا تقلق، كما أخبرتك في البداية وجود هذا الطفل حي حتى هذا الوقت كأنه لعبة من القدر، تحديداً وكأن القدر قد أختاره ليعيش ويكون سبباً في إنقاذك.
_هل تظن هذا حقاً؟
_نعم، وأيضاً أظن أنه الوحيد الذي سيستطيع التنقل في أنحاء ألورا بشكل ما.
تسائل الحاكم بقلق:
_وماذا إن لم ينجح؟
_إن لم ينجح، فعلى الأقل سنكون قد حاولنا، وإن لم يستطع النجاة فهو بشكل أو بالآخر وحيد لا عائلة له.
_لا أعرف هل ما نقوم به صحيح أم لا ولكن دعنا نجرب، لن نخسر الكثير.
_أمرك يا مولاي.
التفت الحاكم لكارل الذي كان يجلس مستمعاً دون التجرؤ على الحديث فقال:
_أحضر لي الفتى بسرعة.
نهض كارل وانحنى بهدوء وقال:
_أمرك سيدي.
قطع شرود الحاكم سعاله المفاجئ، نهض بصعوبة وأحضر كأس الماء من على الطاولة وشربه دفعة واحدة ليهدأ سعاله قليلاً، تمدد على الفراش وأغمض عينيه بعد أن حان موعد قيلولته.
في مكان آخر حيث كان رون يخرج من القصر راكضاً، استوقفته نظرات الناس من حوله، لم يفهم سببها فتوقف عن الركض ببطء.
لم يعرف إلى أين سيتجه حالياً،خصوصاً انه بلا ياقوت ولا ازهار كما أنه بلا مأوى.
سار ببطء متجهاً نحو الغابة وقرر الذهاب إلى الكوخ الذي وجهته إليه هيلين،رغم أنه بات يراها عدواً له ولكنه كان مضطراً؛ لأنه المأوى الآمن الوحيد له حالياً.
اتجه أولاً نحو النهر وذهب الى شجرة ثماره المفضلة وأخذ القليل ليسلي نفسه قليلاً.
اتجه نحو الكوخ وقد أصابه الحزن، فقد افتقد مغامرته مع
هيلين ومساعدتها له، لم يكن يود أن يصدق أنها خذلته وقصدت أذيته بالفعل، كان يريد أي إشارة تقول عكس هذا وسيصدقها ويتبعها فوراً؛ فهو لا يريد أن يكون وحيداً في تلك المغامرة.
استلقى قليلاً دون فعل أي شئ وبات يفكر في الأعشاب التي سيكلفه الحاكم بالبحث عنها، لم يكن يعرف أي شئ عنها فكان عليه الإنتظار حتى يأتي الوقت المناسب كما أخبروه.
غاص رون في نوم عميق من التعب، فقد توتر كثيراً أمام الحاكم.
خرجت هيلين من غرفتها عندما حل الليل وذهبت نحو والدها، طرقت الباب لتسمع صوتاً خاملاً يقول:
_من على الباب
_أنا هيلين يا أبي.
_تفضلي يا ابنتي.
فتحت هيلين الباب وبهدوء ودخلت لتتحدث مع والدها، وثبت وجلست عالسرير وباتت تلعب بأناملها وقالت:
_هل يمكنني الذهاب الى الغابة؟
ابتسم الحاكم وقال:
_هل تقصدين إلى رون؟
_ نوعاً ما.
قالتها مع ابتسامة فقال:
_الوقت تأخر اليوم، إذهبي مع كارل صباح الغد.
مطت هيلين شفتاها وقالت بتذمر:
_حسناً جلالة الحاكم.
وثبت مرة أخرى ولكن تلك المرة لتنزل من الفراش وخرجت فقال والدها:
_اغلقي الباب كما كان قبل ولوجك!
عادت مرة أخرى وسحبته ليصدر صوتاً عالياً أغضب الحاكم فنفخ الهواء من فمه وضرب بيده بخفة على جبهته يمسحه بإنهاك و قلة حيلة.
مر الليل واستيقظت هيلين بحماس، تجهزت و ارتدت ما يخفي هويتها فهي لا تخرج كونها أميرة إلا مع الحرس فقط، وحينها يجتمع السكان مرحبون بها وهي تمر بهم بإبتسامات رسمية متحفظة.
وقفت أمام المرآة لترى تلك النظرات الحزينة المضطربة، فقالت بهدوء:
_تعلمين أن كارل معي، لا داعي لهذا القلق.
_أعلم.
قالتها بابتسامة فبادلتها الأخرى ابتسامة وخرجت من الغرفة وأخذت معها شعر رون المستعار الذي خلعه من قبل ونسيه في القصر بعد أن قررت الذهاب إلى كارل.
كان كارل يخرج من غرفة الحاكم، الذى أمره الحاكم باصطحاب هيلين إلى الغابة عند رون؛ فهو أكثر من يثق به الحاكم مِن الحراس.
كما أمره الحاكم بأخذ الياقوت من رون، وأرسل معه كذلك رسالة خاصة للفتى.
قابلته هيلين فقالت:
_هيا بنا، كارل.
_هيا بنا سمو الأميرة.
قالها بمزاح و إبتسامة؛ فهم في العادة مقربان وكليهما ينادون بعضهما بأسمائهم دون ألقاب.
خرجا معاً من القصر واتجها نحو الغابة سالكين الطرقات بعدها ذهابا الى الكوخ الذي يسكنه رون.
طرقا الباب عدة مرات ولكن لم يتلقوا أي رد على الإطلاق، كادت هيلين تفتح الباب ولكن أوقفها كارل و قال:
_انتظري يا هيلين ماذا أنتِ بفاعلة؟
_إنه كوخي إن نسيت.
قالتها بثقة ليستطرد قائلاً:
_حتى وإن كان كوخك لا يمكنك فتح الباب بهذه السهولة؛ لأنك سمحت له بالبقاء فيه، إن كان هذا يزعجك لم يكن عليك تركه ليعيش فيه.
_لا تعقد الأمر بهذا الشكل يا كارل.
قالتها لامبالية بنبرة باردة ومدت ذراعها مجدداً لتفتح الباب ولكن كارل أمسك يدها وقال بنظرة منبهة:
_هيلين! ليس عليك فعل ذلك، فلننتظر حتى يفتح الباب أو فلنعد.
تذمرت هيلين وقالت بغضب:
_افعل ما شئت.
و عقب جملتها الحانقة تركته لتوجه للجلوس على أحد جذوع الاشجار العشوائية عاقدة ساعديها بضيق، طرق كارل الباب عدة مرات بصوت أقوى ليجد الباب يُفتح ببطء، كان رون يقف وهو يدعك عينيه ويزيح شعره البني من فوق عينيه.
تمدد رون بجسده وابتعد قليلاً عن الباب ليدخل كل من كارل و تأتي هيلين بخطوات متململة، جلس رون وظل محدقاً في نقطة فارغة.
جلس كارل وهيلين أيضاً منتظران منه أي رد فعل، تنحنح كارل فانتبه رون أخيراً ونظر اليهما بتمعن بعد أن أدرك الأمر وقال:
_ماذا تفعلان هنا؟
لم تستطع هيلين كتم قهقهاتها و تعالت ضحكاتها بأرجاء المكان ولكن كارل رمقها نظرة سريعة كي ينبهها؛ فحاولت منع قهقهاتها من الخروج ولكن الابتسامة ظلت مرتسمة على محياها.
مدت هيلين يدها نحو رون وبكفها الشعر المستعار الذي كان يرتديه، نظر له للحظات ثم نهض مسرعاً نحو مرآة شبه مكسورة نظر بها ليجد شعره البني المميز ظاهر في الإنعكاس، شد خصلة من شعره ليتألم.
حينها فطن أنه نسي أمر الشعر المستعار وقال:
_ألهذا كان ينظر لي الجميع بغرابة أمس؟
ابتسمت هيلين وهي تجيبه قائله:
_هذا سبب من الأسباب، كما أنك الطفل الذي أُلقي القبض عليه منذ عدة أيام، تهانينا لقد صرت مشهوراً.
أخذ منها الشعر المستعار ووضعه فوق رأسه بإهمال ثم نظر إلى الجالسين أمامه.
تحدث كارل قائلاً:
_عليك يا رون تسليمي الياقوت الذي جمعته.
_ولكن!
حاول رون الاعتراض لكن قاطعه كارل قائلاً:
_بدون لكن، هذا أمر من الحاكم، سوف أشتريه منك مقابل طعام وشراب يومي، كما أن الحاكم سيوفر لك كل ما تحتاج ولن يدعك في حاجة لشراء أي شئ.
تنهد رون بضيق،بينما كانت هيلين تنظر الى كارل بتعجب و هناك كثير من التساؤلات تدور برأسها حول أسباب هذا الأمر، فهي لم تكن تنتظر أمراً كهذا من والدها، فتح رون الخزانة التي خبأ فيها بقية الياقوت وسلمهم لكارل الذي وضعهم في حقيبة أخذها معه.
نهض كارل واتجه نحو الباب وقال قبل خروجه:
_سأترككما وحدكما قليلاً، لا تتأخري يا هيلين، علينا العودة مبكراً.
اومأت هيلين برأسها إيجاباً وقالت:
_حسناً كارل.
خرج كارل فتذكر رون كل ما فعلته هيلين في الفترة السابقة ولم يتحمل البقاء صامتاً، لذا اندفع قائلاً بضيق:
_لم أعد أتحمل وجودك لقد خدعتني، لقد قصدتِ أذيتي!
ترددت هيلين فهي لم تدرى أنه متضايق منها لهذا الحد لذا هتفت محاولة الدفاع عن ذاتها:
_رون لم أقصد أذيتك، أقسم لك.
_إذاً فلنبدأ من أول كذبة يا هيلين.
قالها ثم صمت لثوان بعد أن وضع كفه على فمه قائلاً بنبرة تهكمية:
_عذراً، أقصد يا سمو الأميرة أوچين!