١٢

شهقت هيلين وقالت بتوتر:

_ماذا تقول يا رون؟ لا تهذي.

تحدث رون بجدية و ثبات:

_أنا لا أهذي يا هيلين أنا أعرف ما رأيته و سمعته جيداً،  سمعت أحد في القصر يناديك أوچين.

توسعت حدقتي عينيها وقالت بتلعثم:

_ماذا!

_لن أنسى أيضاً أنك أخفيت عني حقيقة أصلك.

قالها بضيق وهو يشيح بوجهه عنها.

هدأت هيلين نفسها وقالت بهدوء:

_أوچين هي توأمي يا رون.

حينها ارتسمت ملامح التعجب على وجه رون فعقد حاجبيه وصمت لوهلة لعلها تفسر ما قالته أو تتوقف عن الترهات التي تتفوه بها من وجهة نظره.

لم تقل هي الأخرى شيئاً بل ظلت تراقب رد فعله وملامح وجهه التي تعتليها الصدمة، لم يتوقع شيئاً كهذا إطلاقاً، قال حينها محاولاً الاستيعاب:

_لحظة ماذا! ماذا تقصدين؟

كان يقولها وعقله شارد، محاولاً إدراك ما تقصد ليعيد مجدداً:

_هل لكِ توأم!

تابع بصدمة بعد إدراكه لقولها لترد هي باستهزاء:

_لقد أخبرتك للتو يا رون.

استدرك نفسه ليردف:

_أنا آسف ولكنني فقط متعجب.

_لا يهم، لقد أخفيت عنك الأمر من البداية، لكن ليس عنك فقط؛ لقد أخفينا عن كل البلدة هذا الأمر.

_لم أفهم كيف، هل تحتجزونها قسراً في القصر!

قالها بصدمة، لم يكن يفهم حقاً ما فعلوه، إن كانوا بالفعل احتجزوها لتلك السنوات فهي جريمة.

_رون، فقط أرجوك كل ما عليك فعله أن تنسى ما قلته لك، لقد أخبرتك كي لا تظن أنني انتحلت شخصية أخرى.

أردفت هيلين برجاء، فهى لا تود أن يحدث اعترافها هذا مشكلة، لكن اندفع رون قائلا:

_هيلين، كيف تودين أن أخفي الأمر، الساكت عن الحق شيطان أخرس.

_رون، سوف أشرح لك كل شيء أعدك، ولكن القصة طويلة للغاية ولكي أرويها لك علي أولا أن أروي لك عدة قصص أخرى كي تتفهم الأمر، ولكن صدقني هذا من أجل مصلحتها.

_إذاً هيا أروي لي ما حدث من البداية.

_إذاً دعني أمهد لك الأمر أولاً.

تنهد و قد قرر الاستماع الى ما بجعبتها ليقول:

_اتفقنا.

استطردت هيلين بداية حديثها مردفة بسؤال:

_هل تتذكر عندما سألتني عن الجنية وكيف تحصل عليها؟

_نعم أذكر، لم تعطني إجابة مفيدة وقتها.

_حان الوقت لأخبرك كل شئ.

أومأ رون برأسه منصتاً لكل ما ستقول ليردف:

_تفضلي.

_أخبرتك من قبل أن ألورا تتعامل بالسحر، أليس كذلك.

_نعم.

_لا مجال لممارسة السحر دون جنية.

قالتها بهدوء و جدية ثم تابعت:

_كل طفل في المدينة يحصل على واحدة في سن الثانية عشر.

أومأ رون بتفهم لتكمل سردها:

_تولد الجنية مع ولادة الطفل وتكبر في إحدى الأماكن المخصصة لها، فهم يكبرون في أماكن تتسم بسمات معينة چيناتهم متأقلمة معه.

_وبعد ذلك؟

قالها رون بفضول متناسياً موضوع أوچين؛ فهو الآن يروي فضوله، تابعت هيلين وقالت:

_بدون جنية، لا سحر؛ أي لا ألورا.

التزمت الصمت لثوان لترى الفضول في عينيه فتابعت:

_تعيش الجنية مع الإنسان فترة من عمره وهي الفترة المسموحة لها بالبقاء بعيداً عن موطنها الأصلي، بعد أن تمر تلك الفترة، حينها يمكنها اتخاذ القرار.

_أي قرار؟

_قرار العودة أو البقاء، إن قررت العودة إلى موطنها فهو حقها ولا يمكن لنا إجبارها على البقاء معنا، ولكن إن كان حبها لرفيقها أكبر وقررت البقاء معه، حينها تكون العودة لموطنها محرمة عليها.

_ما أقسى نتائج هذا القرار!

_هذا صحيح معك حق في هذا الحكم.

تنهد رون ووضع كفيه على وجنتيه وأسند ذراعه على الطاولة الخشبية ثم سأل بفضول:

_لكن، ما علاقة أختك بكل هذا؟

_حسناً سأخبرك و لكن عدني أن يكون سراً بيننا ولن تفصح به لأحد أبداً ما حييت بيننا.

أغلقت هيلين جميع أناملها عدا الخنصر تركته مفتوحاً ومدت كفها نحوه فمد هو كفه وفعل مثلها فشبكا خنصرهما في بعضهما ثم قال بتردد:

_أعدك أن أحتفظ بهذا السر لنفسي ولن أفشيه أبداً.

كانت قلقة من نبرته المتوترة فقالت:

_رون، أنا لا أمزح بشأن هذا الأمر، إن علم أحد أنني أخبرتك بسر مثل هذا سيتم معاقبتي.

_لا تخافي هيلين، أعدك لن يعلم أحد أنك أخبرتني بأي شيء.

بدأت هيلين تتذكر وتتخيل ما سمعت عنه من حكايا والدها، حيث بدأ كل شئ عندما ظهرت جنية سوداء بشعة ومخيفة عوضاً عن البيضاء التي تعود على شكلها أهل المدينة لفتاة من فتيات المدينة التي بلغت الثانية عشر.

حينها بدأت النميمة في أرجاء ألورا، لم تكن ألورا مقسمة بعد بل كانت دولة واحدة مستقرة وقوية، بل وكان يحكم الأربعة مدن حاكم واحد تميز واتسم بالحكمة والموعظة.

أنتشرت الاخبار كالنار بالهشيم و قد أحدث هذا الأمر البَلبَلة في ألورا وصار الجميع مشوش ومرتبك خصوصاً عائلة تلك الفتاة المنكوبة ذات الجنية السوداء.

بدأ الجميع يتجنب تلك العائلة ظناً منهم أن ابنتهم ستمارس السحر المحرم ألّا وهو السحر الأسود و قد تكاثرت الإشاعات و الأقاويل.

وهذا ما ترك أثراً غائراً في قلوب تلك العائلة وجعل الحزن يسود أرجاء منزلهم.

لم يكن هناك أي دليل على ذلك الأمر الذي شاع، ولكن الكل اعتبره حقيقة واضحة وصريحة نظراً لسمعة الجنية السوداء ذات التاريخ الأسود كذلك.

قرر حينها الحاكم قراراً صارماً، فقد قرر بعد استشارة مستشاره ووزراءه الثلاثة أن ينفي تلك الفتاة لغابة ويتشز في الجنوب داخل الخنادق.

منذ ذلك الحين، تُنفى الفتيات اللواتي يحصلن على جنية سوداء إلى تلك الغابة فى الجنوب، وكلما ذهبت فتاة فإنها تختفي و تختفي أخبارها معها، حيث أننا لم نسمع عن أي شئ يخص تلك الفتيات، و لم يصلنا أى خبر منهم مجدداً.

روت له هيلين كل ما خطر في بالها حينها فقال رون بتعجب:

_يا إلهي، هل هذا يحدث حتى الآن؟

سأل بتردد فأجابته:

_قل عدد الفتيات ذوات الجنيات السوداء، لذلك قل نفيهم، ولكن من قبل كان يصل لعدد هائل من الفتيات جنية سوداء تبدو مرعبة الشكل بشعة المنظر.

_كم هذا مرعب!

_أتفق معك.

_إذا وما علاقة أوچين بكل هذا؟

_هنا يكمن السر الأكبر، هو سر خطير لا يعلم أحد عنه سوى عدة أشخاص في القصر.

_هل أنت مستعدة لأن تفشي لي بهذا السر؟

_في الحقيقة أشعر ببعض الخوف، لم أفكر من قبل في عواقب هذا الأمر وهذا ما يجعلني قلقة.

_لا تقلقي سيبقى هذا السر بيننا.

فُتح الباب فجأة ليظهر كارل منه، رفع حاجبه الأيسر وأعطاهما نظرة جانبية مريبة وقال:

_أي سر هذا الذي تتحدثان عنه؟

_هل كنت تتنصت علينا!

قالتها هيلين بنبرة متذمرة ثم قالت:

_على أي حال، هل كنت تريد شيئاً يا كارل؟

_لا شئ ولكن علينا العودة الآن.

عقدت هيلين حاجبيها بضيق ثم نظرت له وقالت بهدوء:

_حسناً امنحني خمسة دقائق.

_اتفقنا، ولكن أسرعي.

خرج كارل فتنهدت هيلين وابتسمت وقالت بخبث:

_يبدو أنه لم يسمعنا، كما أنه نسي سؤاله الذي وجهه في البداية.

بادلها رون الابتسامة فقالت:

_سأكمل لك في وقت لاحق، في الأساس لا أظن أنني كنت سأستطيع أن أروي شئ كهذا بهذه الأريحية.

_انتظري.

قالها رون لهيلين عندما رآها تتجه نحو الباب الخشبي فتوقف هي والتفتت له بهدوء، ظلت محدقة به تنتظر أن يقول أي شيء عن سبب إيقافه له فقال عندما لاحظ صمتها:

_ظننتك سوف تكذبين على والدك.

نظرت له وقالت باستنكار:

_هل كنت تنتظر من شخص ناضج وحكيم مثله بأن يصدق كذبة سأرويها؟ أبي يستطيع التفرقة بين الحقيقة والكذب مهما أخفيت.

_في الحقيقة أنا لا..

قاطعته هيلين وقالت:

_كان سيتهمك بالكذب يا رون وكان مصيرك سيكون الحبس، ولا تحاول ادعاء أو تصديق شئ غير ذلك.

_أنت محقة، من الجيد أنك أنقذت الموقف.

قالها بعد أن ارتسمت على محياه ابتسامة لطيفة، بادلته هيلين الابتسامة وخرجت من الكوخ دون أي جواب.

رآها كارل فقال:

_هيا بنا هيلين.

_هيا بنا هيلين.

كررت هيلين ما قاله بطريقة مضحكة فقد كانت متضايقة من ذهابها لذلك القصر الذي لطالما شعرت فيه بالملل، فضحك هو وضحكت من بعده وظلا يشاكسان بعضهما طوال الطريق.

اتجها إلى القصر وبدأ رون يفكر في كل ما قالته هيلين وفي صعوبة ما تمر به بعض الفتيات في ألورا.

كان يود أن يبدأ في التخطيط لمهمته وما هو مقبل عليه ولكنه تذكر أنه لا يعلم أي شيء عن تفاصيل ذلك الموضوع بعد، فقرر أن يريح جسده اليوم فهو يشعر أن الغد سيكون يوماً شاقاً للغاية.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي