التاسع

في اليوم التالي عندما إستعادت سيليا وعيها نهضت من مكانها لتخرج من ذالك المكان الذي كانت فيه ،لتمشي وهي تقصد عاصمة كوركانس لا تعرف ما الذي يجري حولها فهي في أرض غريبة عنها لا تعرف فيه أحدا إلى ذلك الطائر؟
وعلى ذكر هذه السيرة وجدت سيليا أن غور يتجسد يقف امامها ،لتعود ذاكرتها للخلف وتتذكرت كل شيء في لحظة واحدة.

لقد شعرت بتوعك شديد للغاية وفقدت الوعي بمجرد أن وصلت إلى شاطىء المدينة، لقد بقيت تحت أشعة الشمس لمدة يوماين، وهذا أكيد كان ما سيحدث بمجرد ان يشعر جسدها بالأمان، سوف ينهار كليا، وأكيد هذا ما حدث معها بضبط، بعدها تم نقلها من طرف بعض الصيادين الذين وجدوها على الشاطئ إلى المشفى الحكومي القريب من الميناء.


في قرية أولائك الصيادين تلقت سيليا علاجها هنالك على يد سحرة الطب لثلاثة أيام تقريبا، قبل أن يعرف الأطباء أنها تنتمي إلى ركاب تلك السفينة التي غرقت في البحر قبل أيام قليلة، وبما أنها كانت الشخص الوحيد الذي نجا من تلك الفاجعة، فلقد تم إحتجازها في قسم التحقيق لمدة طويلة يحققون معها، قبل أن يتم إطلاق سراحها، بعدما أخذوا منها كل المعلومات اللازمة، كانوا يتوقعون أن يكون قد نجا شخصا آخر غيرها ولكن بدون فائدة، من الواضح أنه لم ينجو أحد إلا هذه الفتاة والتي كان لديها حظ قوي جدا.

جلست سيليا مع الطائر الذي كان لا يزال يقف عند كتفيها على كرسي حجري في وسط السوق القروي، لترتاح قليلا، كانت تشعر بالضياع تنفست بتعب لتستقيم بجذعها وتكمل طريقها، بينما هي تمشي كان الناس ينظرون إليها بالإستغراب، البعض منهم كانوا في طريقهم لإنجاز أعمالهم وتوقفوا ليطالعوها بفضول،
نظر إليها الطائر غور بسخرية شديدة وهو يقول:

"هل سوف تقفين هنا تنتظرين إلى الناس، وتبكين حظك كالمراة التي مات زوجها في الحرب؟"

توسعت عيني سيليا بدهشة، ونظرت إليه بحدة وهي تصغر عينيها بغيض، لتجيبه بينما هي تتحدث من تحت أسنانها:

" بطبيعة الحال سوف أجد حلا، فقط أعرني سكوتك أنت تجذب الأنظار نحونا أكثر "

" تشه".


هذا كل ما خرج من فم الطائر قبل أن يسكت.

قلبت عينيها بملل قبل أن تعود وتنظر إلى الناس الذين كانوا يمشون من حولها،بعد مدة من سير على الأقدام وصلت سيليا أخيرا إلى العاصمة، ودخلت إلى قلب تلك المدينة الضخمة وهي تنظر حولها بضياع.


توترت ملامحها وهي تدخل الشارع الرئيسي لتلك المدينة، ولكن لحسن الحظ أنها لم تجد شخصا واحدا ينظر إليها بإستغراب أو بخوف، كما حدث قبل قليل من سكان قرية الصيادين الصغيرة.

نهرت نفسها داخليا بقوة فهي قد نسيت تماما أنها في العاصمة كوركانس مدينة الغرائب، العجائب جزء لا تتجزأ من ثقافتها، وكون وجود طائر يتحدث بها هو شيء عادي للغاية عندهم.

عقدت حاجبها، وهي تسئل الطائر الذي فوق كتفها بفضول :

"اممم أريد أن أعرف بجد يا غور، لما أنت لا تزال معي حتى هذه اللحظة؟"

نظر إليها بغموض، قبل أن يقول بصوت متهكم :

" بطبيعة الحال ليس حبا بك، ولكنني أنتظر أن تعيدي لي المعروف الذي قدمته لك، لقد انقذتك من الموت أرجو ألا تنسي ذلك أبدا ".

توقفت فجأة وهي تعقد يديها بغضب شديد إلى صدرها، لم تكن تعلم أن حتى الطيور تريد مقابل عن معروف تقدمه، رفعت رأسها بكبرياء واعادت خصلات شعرها المميزة إلى الخلف بغرور شديد لتقول:

" على ما أذكر أنني لم أطلب مساعدتك لإنقادي يا هذا "

نظر إليها بإستغراب، قبل أن يقول:

" هل تعرفين أمرا، أنت بخيلة وناكرة للجميل حقا".

نفخت سيليا خديها الوردية بغيض،وهي تزم شفتيها،

نظر نحوها غور بصمت، ثم تنهد بإرهاق وهو ينظر أمامه قائلا:

" على كل حال أعتقد أنه عليك أن تجدي حلا بسرعة لنفسك، لأنني لن أستطيع أن أوفر لك الأكل هنا، وبطبيعة الحال المشفى الذي كنت تنامين به لن يعطيك الأكل بعد الآن فأنت قد شفيتي وتم تسريحك من هناك ".


" أنا أعلم ذلك أيها الطائر الغبي، سوف أبحث عن عمل بسرعة، لا داعي لأن تسبب لرأسي الجميل هذا الصداع بهذا الكلام؟"

قالت جملتها بغضب شديد وهي تشد يدها وتنظر امامها.

بينما هي داخلها تفكر ما هو العمل الذي تستطيع أن تقوم به من أجل كسب قوت يومها، فقد عاشت كل حياتها في قصر كانت فيه هي الأميرة.

صحيح أنه لم يتم معاملتها كالاميرات، ولكنه في نفس الوقت لم يكن يسمح لها پان تقوم بأعمال الخدم أو تتعلم حرفة أو صناعة تستطيع أن تستفيد منها في المستقبل.
الآن كل أعمالها كانت محصورة بأن يتم سجنها داخل غرفتها، وإذا ما خرجت تكون تسلية لإخوانها واخواتها المتنمرين، الذين يجدون متعة لا نظير لها في إهانتها وضحك عليها.


زفرت بسخط شديد على تلك الأيام القاسية التي خطرت في بالها فجأة، نظرت أمامها وهبت تعقد العزم على تتغير كل هذا، سوف تبحث عن عمل تستطيع أن تقتات به، وبعدها سوف تجمع حلفاء حتى تستطيع أن تعود وتنتقم من ذلك اللعين الذي يسمي نفسه والدها، والأهم من كل هذا لابد لها أن تنفذ وصية مربيتها وتذهب إلى نهايه العالم.


تحركت من مكانها وهي تحكم إخفاء شعرها تحت غطاء ردائها، حتى لا يتم سجنها بسببه، هنا في العاصمة يختلف الأمر كثيرا عن الممالك المجاورة، فهنا يقيم الحاكم والذي هو بالمناسبة حاكم أسوأ من باقي الحكام الذي سمعت بهم طوال حياتها، ملك ظالم لا يعرف معنى العدل أو الرحمة.

تحركت في أرجاء السوق وهي تبحث عن عمل تستطيع أن تزاوله ولكن بدون فائدة، لم يكونوا يرضون حتى أن ينظروا إليها فبمجرد أن يعرف أنها فتاة حتى يطردوها بعيدا عن محالهم، خاصة وانها كانت تخفي شعرها ومعضم جسدها ووجهها بتلك العبائة البالية، يخافون منها بمجرد كلام معها، لقد كانت تتحدث بصوت خافت وتتكلم بغموض عن المكان الذي جائت منه عندما بتم سؤالها.

كانت تمشي في أرجاء السوق وهي تبحث عن شيء تستطيع أن تقتات به وتطعم نفسها الجائعة، قبل أن يجذب إنتباهها صوت جلبة قوية وأقدام كثيرة تضرب الأرض بعنف شديد.

فجأة ضهرت مجموعة من الرجال الذين يرتدون دروعا حديدية، ومن الواضح أنهم من حراس المدينة كانو يلاحقون طفلا صغيرا، يضم يديه إلى صدره كما لو أنه كان يحمل شيئا ،بينما هو يركض بكل قوته حتى يستطيع أن ينجو منهم وهم من خلفه يصرخون به بقوة.

التقت عيناه بعيون سيايا التي كانت تنظر إليه بإستغراب، قبل أن يقترب منها بسرعة ومن دون مقدمات ويختبئ ورأها وهو يقول برعب شديد:

" انقذيني أرجوك انقديني، لم أكن أريد فعل ذلك ولكن كنت مضطر ".

توقف الحرس أمامها ينظرون إليها بغضب وهم يتنفسون بإضطراب بسبب ركضهم خلف طفل لأميال وسط سوق، بينما الطفل كان لا يزال يختفي خلفها وهو يرسم إبتسامة جانبية ساخرة لهم.

" لماذا تلاحقون طفلا صغيرا؟! ألا تخجلون من أنفسكم؟"

قالتها سيليا بالإندفاع، وهي تخفي ذالك الطفل خلف ظهرها تحميه منهم، نظر إليها الحارس بغضب شديد وهو يقول:

" إنه ليس طفل أيتها المرأة، إنه وغد اللعين شيطان في جسد إنسان، سلميه لنا خير لك يا أنسة لا تورطي نفسك ".

رفعت يدها في محاولة يائسة منها لحمايته، وهي تقول:

" على جثتي لن اسمح لكم بأخذ طفل صغير وسجنه، اهذه هي قوانين المملكة التي يجب أن تفخر بها باقي الممالك"

توسعت عيون كل من كان يقف إلى جوارها، بينما نظر إليها الحرس بغضب شديد، وهم لا يصدقون ما يسمعونه من هذه الفتاه الغريبة.


لا شك في أنها فتاة غريبة عن المكان ، وذلك واضح من ملابسها ومن طريقة كلامها، لا شك أنها من مدينة أو مملكة أخرى، وإلا كيف تتجرأ أن تتحدث عن القوانين المملكة بهذه الطريقة؟.

نظر إليها قائد الحرس، والذي كان يقف أمامها ببرود شديد وهو يقول:

" حسنا ما رأيك أن تأتي معنا إلى السجن يا أنسة، وتعتقد أن الحاكم سوف يسعد بأن يفعل بك، ما فعله بذلك الشخص الذي تجرأ وأهانه هذا الصباح"

عقدت سيليا حاجبيها بإستغراب ونظرت إليه بإبتسامة جانبية.

صحيح أن ملك هذه البلاد ظالم، لكنه لن يكون ظالما لدرجة أنه سوف يعاقب طفلا صغيرا على جريمة صغيرة إرتكبها دون وعي أليس كذلك؟.

" حسنا ما هي التهمة التي سوف تلقي القبض علي بسببها يا سيد؟"

قالتها بإبتسامة جانبية ساخرة، وهي تنظر إلى الرجل الذي كان يقف أمامها.


قبل ان تتوسع إبتسامته ويقترب منها يتربص بها، لدرجة أن وجهه أصبح قريبا جدا منها، قائلا بإبتسامة ساخرة:

" بتهمة أنك تعطلين الحرس عن أداء مهامهم، وأيضا بسبب مساعدة وتسهيل مهمة الهروب لمجرم خطير منا ".

اشارت بيدها إلى الطفل الذي وراءها، قائلة بسخرية شديدة:

" هل تعتبر هذا الطفل الصغير الذي لم يتجاوز العاشرة من عمره مجرما خطيرا ،إذا يجب أن يعاد النظر في خداماتك يا سيد؟"

إبتسم الحارس إبتسامة ساخرة جدا، من الواضح أن هذه الفتاة غريبة جدا على مملكتهم، لأنها لم تستشعر الطاقة التي كانت تنبعث من ذلك الفتى، والأهم من كل ذلك لم تنتبه إلى الآن أنه قد هرب، وتركها لوحدها في مواجهتهم، ليرفع حاجبه ويقول:

" حسنا بما أنك غبية، سوف أنزل لمستواكي واشرح لك الأمر".

إتسعت عينيها بصدمة شديدة من الإهانة التي تعرضت لها، لتشد على يدها بغضب شديد، وتنظر إليه حتى ترد عليه ولكنه رفع يده في وجهها ليقوم بإسكاتها وهو يقول:

" أولا الطفل الذي وراءك والذي في نضرك لم يتجاوز العاشرة عمره تجاوز الألف عام، ثانيا هو شيطان متنكر في جسد الطفل، ومهمتنا نحن حراس السحر كانت القاء القبض عليه ،لانه سرق شيئا نادرا من القصر الملكي، وبما أنك كنت تحمينه وتساعدينه فأنت الان في نظر القانون شريكة له ،لذلك سوف يتم حبسك والتحقيق في أمرك ".

إتسعت عينيها بصدمة شديدة، وألتفت إلى الطفل الذي كان خلفها، وهنا كانت الصدمة الكبرى.


لقد كان مكانه فارغا تماما، شعرت في رغبة شديدة في البكاء حقا، كما أنها شعرت أنها طفلة غبية تعرضت لإهانة أكثر من اللازوم.

تقدم منها الحرس ليحيطونها من كل جانب، بينما هي حاولت أن تشرح لهم الأمر قائلة بإبتسامة متوترة:

" ح.حسنا، ما رأيكم ان نحل الموضوع بهدوء يا شباب أعتقد أن هنالك خطا؟"

نظر إليها الحارس بسخرية شديدة ثم أشار لرجاله ليضعوا الاغلال في يديها وقدميها ويسوقوها نحو العربة، بينما ألقى احد الحراس القبض على الطائر المسكين غور والذي كان يقف عند غصن شجرة قريب من الارض، لينظر إليها بغضب شديد قبل أن ان يتمتم بصوت وصل لها وحدها:

" لقد أحسنت عملا، طلبت منك أن تجد شيئا لناكله، ولكنك بغبائك، وجدت لنا مبيتا وطعاما أيضا في أفضل سجن بالمملكة كلها يا فرحتي"

نظرت له بسخط شديد قبل أن تقول:

"الذنب ذنبك أنت أيها الطائر المنتوف اللعين، بسببك أنت أنا في هذا الموقف المحرج، لو أنك لم تطلب مني أن انهض من مكاني لما حدث كل هذا ،كنت تعرف وتشعر بذلك الشيطان الصغير، ومع ذالك لم تنبهني لو أنك فعلت ما كنت لأكون في هذا الموقف المحرج الأن "

نظر إليها الطائر بتعجب، وهو يقول في نفسه أن هذه الفتاة غريبة حقا، لما لم تستعمل قواها؟.

لما لم تسطتيع إحساس بقوة الطفل الشيطانية؟.

ألا تعرف هذه الطفلة إلى ما يمكن أن تصل أليها قدراتها؟؟؟.




يتبع...



لا تنسوا الدعم والتصويت والتعليقات الجميلة التي أعشق قرأتها، احبكم واعشقكم احبتي قبولاتي إلى الجميع.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي